السبت، 25 أكتوبر 2014

السلام الضائع


إن قضية فلسطين لم تكن أعمق ولا السلام أبعد إلى هذه الدرجة التي وصلت لها اليوم فعمليات القمع و التهديم والتخريب ضد الفلسطينيين قد بلغت حداً لم تبلغه من قبل ، يحمل إليهم كل يوم جديد ، نصيبهم من القتلى والجرحى والمنازل المدمرة والحقول والشوارع المخربة ،  وقد شارفوا على المأساة نتيجة الحصار الإسرائيلي ، الذي يواصل إرهابه داخل أراضي محاصرة معزولة لا تواصل فيما بينها ، وأما عن الاغتيال وسؤ المعاملة والتعذيب والإذلال على نقاط العبور ، فهي دليل على عذاب شعب بأكمله ، تخلى عنه المجتمع الدولي وتخاذل المسلمون عن نصرته بالقيام بواجب الجهاد المفروض عليهم ، ليردعوا هذا العدو عن غيبة وضلاله ، ونسو أنهم استحقوا عقاب الله بهذا الإهمال ، لأن الجهاد فرض عين على كل مسلم لمقاومة هذا العدو ، امتثالاً لأمر الله بالنفير العام }انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله{التوبة 41
قال صاحب الجواهر في تفسير الآية : " إذا داهم المسلمين عدو يخشى منه على بيضة الإسلام ، أو يريد الاستيلاء على بلاد المسلمين وأسرهم وأخذ أموالهم ، إذا كان كذلك وجب الدفاع على الحر والعبد والذكر والأنثى ، والسليم والمريض والأعمى والأعرج إن احتيج إليهم ، بل على كل من علم بذلك ، وإن لم يكن الاعتداء موجهاً إليهم كاتفاقهم على وجوب الصوم والصلاة والحج والزكاة " .
فماذا نعمل وقد ابتلينا باليهود أولاً وكبريات الدول ثانياً الذين قتلوا وسجنوا وشردوا الألوف   ماذا نعمل وقد تخلى عنا الصديق والبعيد ؟ فما علينا والحالة هذه إلا أن نجاهدهم بكل طاقاتنا   لأن كل مسلم لديه أدنى معرفة من الفقه ، يعلم أن جهاد إسرائيل فرض ديني ، ويعلم كذلك أن الذي يمنعنا من القيام بهذه الفريضة هم من أبناء جلدتنا  الذين لم تقنعهم المجازر التي ترتكب كل يوم أن يسيروا في طريق الرشد والصواب ، مما يوجب علينا مجاهدتهم قبل كل شيء لأنهم علة العلل ، ولولا تعطيلهم لفريضة الجهاد وخيانتهم لدينهم وأمتهم ما كان لإسرائيل دولة ولا كيان . لك الله يا شعب فلسطين وقبح الله الذين يقفون موقف المتفرج مما تعاني ، وسيكتب التاريخ عن تخاذلهم وتآمرهم ما تشمئز منه النفوس وتقشعِرُّ له الأبدان ، لأنهم فشلوا في مواجهة سفه الصهيونية واستهتارها ، وبورك الشباب الاستشهاديون الذين لو انتظروا الأذن لعملياتهم ، لما قاموا بواجبهم الجهادي ، وهم بعملهم عملوا بقوله تعالى :}لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين{. التوبة 44
فلا داعي لطلب الإذن ما دام العدو يحتل أرض المسلمين ويستقر فيها ، لأن الجهاد في هذه الحالة واجب على جميع المسلمين ، وهم يبذلون المهج في مرضاة الله ورسوله لأنهم آمنوا بقول رسول الله r ( وتكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة ) رواه البخاري . إنهم مثال المؤمن الحق الذي لا يبالي بنصرٍ قريب عاجل ، أو ببلاء يصبه الأعداء صبّا أو بخسارة دنيا مهينة ، وكيف يبالي وقد أعد الله له الفوز في اليوم الآخر قال تعالى:  } فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون ، على الأرائك ينظرون ، هل ثوّب الكفار ما كانوا يفعلون {  ، روى أن سلفنا الصالح كان لا يثنيهم عن الخروج إلى الجهاد أي عذر من الأعذار ، قال الزهري : خرج سعيد بن المسيِّب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه فقيل له : إنك عليل ، فقال : " استنصر الله الخفيف والثقيل ، فإن لم يمكنّي الحرب كثّرت السواد وحفظْت المتاع "  وروى أن بعض الناس رأى في غزوات الشام رجلاً قد سقط حاجباه على عينيه من الكِبَر فقال له يا عم إن الله قد عذرك فقال : يا ابن أخي قد أمرنا بالنّفر خفافاً وثقالاً ، من يحبه الله يبتليه ثم يعيده فيبقيه .
وإلى الذين يقفون من أحداث فلسطين موقف المتفرج أسوق هذه القصة " روي أن بعض الملوك عاهد كفاراً على أن لا يحبسوا أسيراً ، فدخل رجل من المسلمين جهة بلادهم فمّر على بيت مغلق ، فنادته امرأة أني أسيرة ، فأبلغ الملك خبري   فلما اجتمع به وذكر له خبر الأسيرة ، قام الملك من فوره غازيا ، وذهب إلى مكان أسرها واستولى عليه وأخرجها من الأسر " قال ابن العربي بعد سرد هذه القصة لقد نزل بنا العدو فجاس ديارنا وأسر خيرتنا وتوسط بلادنا ، في عدد هال الناس غزوة وكان كثيراً ، فقلت للوالي والمولى عليه ، هذا عدو الله فلتظهر إلى نصرة الدين المتعينة عليكم حركة ، وليخرج إليه جميع الناس حتى لا يبقى منهم أحد في جميع الأقطار فيحاط به ، فإنه هالك لا محالة ، إن يسركم الله له فغلبت الذنوب ورجفت القلوب بالمعاصي  وصار كل أحد من الناس ثعلباً ، يأوي إلى حجره وإن رأى المكيدة بجاره " . ليبق المتخاذلون في جحورهم واليهود يكيدون لهم ، وهم يستمعون إلى الأنباء التي يراق فيها الدم الإسلامي بلا حساب ، ويذبح فيها النساء والأطفال والشيوخ بلا خوف ولا حياء وتُهدم البيوت وتدَّمر المخيمات على أهلها العزل بلا مبالاة ، والعرب خاصة والمسلمون عامّة في مشرقهم  ومغربهم عاجزون عجز الموتى ، والعالم المتحضر يتفرج على المأساة ولا يحرِّك ساكناً ولا يسكن متحركا   ناسين أن الله توعد أمثالهم من الذين تقاعسوا عن النفير فقال عز من قائل :}إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً{. التوبة 39 .
فإنهم يأملون من الله أن ينصرهم ويعينهم على عدوهم ، وقوله تعالى يعذبكم ، الخطاب هنا ليس لقوم معينين ، لكنه عام في مدلوله لكل ذي عقيدة في الله ، والعذاب الذي يتهددهم ليس عذاب الآخرة وحده ، فهو كذلك عذاب الدنيا وعذاب الذلة التي تصيب القاعدين عن الجهاد والغلبة عليهم للأعداء ويقدمون مع ذلك الذل   أضعاف ما تتطلبه منهم الكرامة لو قدموا لها الفداء ، وما من أمةٍ تركت الجهاد إلا ضرب الله عليها الذل   فدفعت مرغمة صاغرة لأعدائها أضعاف ما كان يتطلبه منها جهاد الأعداء .           

ليت المسلمين يعرفون معنى الجهاد في سبيل الواجب ، إذاً لكان للإسلام شأن غير هذا الشأن قال e : ( ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا ) .  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق