إن
قضية فلسطين لم تكن أعمق ولا السلام أبعد إلى هذه الدرجة التي وصلت لها اليوم
فعمليات القمع و التهديم والتخريب ضد الفلسطينيين قد بلغت حداً لم تبلغه من قبل ، يحمل
إليهم كل يوم جديد
، نصيبهم من القتلى والجرحى والمنازل المدمرة
والحقول والشوارع المخربة ، وقد شارفوا
على المأساة نتيجة الحصار الإسرائيلي ، الذي يواصل إرهابه داخل أراضي محاصرة
معزولة لا تواصل فيما بينها ، وأما عن الاغتيال وسؤ المعاملة والتعذيب والإذلال
على نقاط العبور ، فهي دليل على عذاب شعب بأكمله ، تخلى عنه المجتمع الدولي وتخاذل
المسلمون عن نصرته بالقيام بواجب الجهاد المفروض عليهم ، ليردعوا هذا العدو عن
غيبة وضلاله ، ونسو أنهم استحقوا عقاب الله بهذا الإهمال ، لأن الجهاد فرض عين على
كل مسلم لمقاومة هذا العدو ، امتثالاً لأمر الله بالنفير العام }انفروا
خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله{التوبة
41
قال
صاحب الجواهر في تفسير الآية : " إذا داهم المسلمين عدو يخشى منه على بيضة
الإسلام ، أو يريد الاستيلاء على بلاد المسلمين وأسرهم وأخذ أموالهم ، إذا كان
كذلك وجب الدفاع على الحر والعبد والذكر والأنثى ، والسليم والمريض والأعمى والأعرج
إن احتيج إليهم ، بل على كل من علم بذلك ، وإن لم يكن الاعتداء موجهاً إليهم
كاتفاقهم على وجوب الصوم والصلاة والحج والزكاة " .
فماذا
نعمل وقد ابتلينا باليهود أولاً وكبريات الدول ثانياً الذين قتلوا وسجنوا وشردوا
الألوف ماذا نعمل وقد تخلى عنا الصديق
والبعيد ؟ فما علينا والحالة هذه إلا أن نجاهدهم بكل طاقاتنا لأن كل مسلم لديه أدنى معرفة من الفقه ، يعلم
أن جهاد إسرائيل فرض ديني ، ويعلم كذلك أن الذي يمنعنا من القيام بهذه الفريضة هم
من أبناء جلدتنا الذين لم تقنعهم المجازر
التي ترتكب كل يوم أن يسيروا في طريق الرشد والصواب ، مما يوجب علينا مجاهدتهم قبل
كل شيء لأنهم علة العلل ، ولولا تعطيلهم لفريضة الجهاد وخيانتهم لدينهم وأمتهم ما
كان لإسرائيل دولة ولا كيان . لك الله يا شعب فلسطين وقبح الله الذين يقفون موقف
المتفرج مما تعاني ، وسيكتب التاريخ عن تخاذلهم وتآمرهم ما تشمئز منه النفوس
وتقشعِرُّ له الأبدان ، لأنهم فشلوا في مواجهة سفه الصهيونية واستهتارها ، وبورك
الشباب الاستشهاديون الذين لو انتظروا الأذن لعملياتهم ، لما قاموا بواجبهم
الجهادي ، وهم بعملهم عملوا بقوله تعالى :}لا
يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم
بالمتقين{. التوبة 44
فلا
داعي لطلب الإذن ما دام العدو يحتل أرض المسلمين ويستقر فيها ، لأن الجهاد في هذه
الحالة واجب على جميع المسلمين ، وهم يبذلون المهج في مرضاة الله ورسوله لأنهم
آمنوا بقول رسول الله r ( وتكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة ) رواه
البخاري . إنهم مثال المؤمن الحق الذي لا يبالي بنصرٍ قريب عاجل ، أو ببلاء يصبه
الأعداء صبّا أو بخسارة دنيا مهينة ، وكيف يبالي وقد أعد الله له الفوز في اليوم
الآخر قال تعالى: } فاليوم
الذين آمنوا من الكفار يضحكون ، على الأرائك ينظرون ، هل ثوّب الكفار ما كانوا
يفعلون { ، روى أن سلفنا الصالح
كان لا يثنيهم عن الخروج إلى الجهاد أي عذر من الأعذار ، قال الزهري : خرج سعيد بن
المسيِّب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه فقيل له : إنك عليل ، فقال : "
استنصر الله الخفيف والثقيل ، فإن لم يمكنّي الحرب كثّرت السواد وحفظْت المتاع
" وروى أن بعض الناس رأى في غزوات
الشام رجلاً قد سقط حاجباه على عينيه من الكِبَر فقال له يا عم إن الله قد عذرك
فقال : يا ابن أخي قد أمرنا بالنّفر خفافاً وثقالاً ، من يحبه الله يبتليه ثم
يعيده فيبقيه .
وإلى
الذين يقفون من أحداث فلسطين موقف المتفرج أسوق هذه القصة " روي أن بعض
الملوك عاهد كفاراً على أن لا يحبسوا أسيراً ، فدخل رجل من المسلمين جهة بلادهم
فمّر على بيت مغلق ، فنادته امرأة أني أسيرة ، فأبلغ الملك خبري فلما اجتمع به وذكر له خبر الأسيرة ، قام
الملك من فوره غازيا ، وذهب إلى مكان أسرها واستولى عليه وأخرجها من الأسر "
قال ابن العربي بعد سرد هذه القصة لقد نزل بنا العدو فجاس ديارنا وأسر خيرتنا
وتوسط بلادنا ، في عدد هال الناس غزوة وكان كثيراً ، فقلت للوالي والمولى عليه ،
هذا عدو الله فلتظهر إلى نصرة الدين المتعينة عليكم حركة ، وليخرج إليه جميع الناس
حتى لا يبقى منهم أحد في جميع الأقطار فيحاط به ، فإنه هالك لا محالة ، إن يسركم
الله له فغلبت الذنوب ورجفت القلوب بالمعاصي
وصار كل أحد من الناس ثعلباً ، يأوي إلى حجره وإن رأى المكيدة بجاره "
. ليبق المتخاذلون في جحورهم واليهود يكيدون لهم ، وهم يستمعون إلى الأنباء التي
يراق فيها الدم الإسلامي بلا حساب ، ويذبح فيها النساء والأطفال والشيوخ بلا خوف
ولا حياء وتُهدم البيوت وتدَّمر المخيمات على أهلها العزل بلا مبالاة ، والعرب
خاصة والمسلمون عامّة في مشرقهم ومغربهم
عاجزون عجز الموتى ، والعالم المتحضر يتفرج على المأساة ولا يحرِّك ساكناً ولا
يسكن متحركا ناسين أن الله توعد أمثالهم
من الذين تقاعسوا عن النفير فقال عز من قائل :}إلا
تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً{. التوبة 39 .
فإنهم
يأملون من الله أن ينصرهم ويعينهم على عدوهم ، وقوله تعالى يعذبكم ، الخطاب هنا
ليس لقوم معينين ، لكنه عام في مدلوله لكل ذي عقيدة في الله ، والعذاب الذي
يتهددهم ليس عذاب الآخرة وحده ، فهو كذلك عذاب الدنيا وعذاب الذلة التي تصيب
القاعدين عن الجهاد والغلبة عليهم للأعداء ويقدمون مع ذلك الذل أضعاف ما تتطلبه منهم الكرامة لو قدموا لها
الفداء ، وما من أمةٍ تركت الجهاد إلا ضرب الله عليها الذل فدفعت مرغمة صاغرة لأعدائها أضعاف ما كان
يتطلبه منها جهاد الأعداء .
ليت
المسلمين يعرفون معنى الجهاد في سبيل الواجب ، إذاً لكان للإسلام شأن غير هذا
الشأن قال e : ( ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق