السبت، 25 أكتوبر 2014

الزكاة

                 
معنى الزكاة لغةً : النمو و البركة و زيادة الخير .
وشرعاً : إسمٌ لقدرٍ مخصوصٍ من المال ، يجبُ صرفهُ لأصنافٍ مخصوصة .
وهي الركن المالي و الاجتماعي ، من أركان الإسلام ، و الزكاة و إن ذُكِرَتْ في باب العبادات  باعتبارها شقيقة الصلاة ، فهي في الحقيقة تُعَدُ جُزءاً من النظام المالي و الاجتماعي في الإسلام  حتى أن الإنسان في نظر القرآن، لا ينالُ البِرَّ      ولا يستحق و صف الأبرار الصادقين ، ولا  بدخلُ في زمرة المتقين ، ولا ينتظمُ في سلك المؤمنين ، إلا بإيتاء الزكاة ، وبغيرها لا يستحقُ رحمة الله ، التي أبى أن يَكْتُبَها لمانعي الزكاة . قال تعالى :{ورحمتي وسعت كلَّ شئ فسأكتبها للذين يتقون و يؤتون الزكاة }الأعراف 156 وبغيرها لا يستحقُ ولاية لله ، و لا رسولهِ ولا المؤمنين ، قال تعالى :{إنما وليكم الله و رسوله والذين أمنوا  الذين يقيمون الصلاة ، و يؤتون الزكاة  وهم راكعون }المائدة 55 . وبغيرها لا يستحقُ نصر الله  الذي وعد به من نصره،قال تعالى:{ولينصرنَّ اللهُ من ينصره ، إن الله لقوي عزيز ، الذين إن مكناهم في الأرض ، أقاموا الصلاة ، وآتو الزكاة، و أمروا بالمعروف ، و نهوا عن المنكر }الحج40 .
  و قد أنذر الله مانعي الزكاة ، بالعذاب الغليظ في الآخرة ، لينبه بهذا الوعيد ، القلوب الغافلة وَيُحرِكَ النفوسَ الشحيحة إلى البذل ، يسوقها بعصا الترغيب و الترهيب ، إلى أداء الواجب طوعا ، وإلا سيقت إليه بعصا القانون  ، وسيف السلطان كرها . 
لقد هدد الله مانع الزكاة بالعذاب الأليم . روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم  قال : ( من أتاه الله مالاً ،  فلم يؤد زكاته ، مُثِلَ له يوم القيامة ، شجاعاً أقرع ، له زبيبتان ، يُطَوِقَهُ يوم القيامة ، ثم يأخذُ بِلِهْزِمَتَيهِ ، أي شدقيه، ثم يقول أنا مالك أنا كنزك ) ثم تلا النبي عليه السلام قوله تعالى : {ولا يحسبن الذين يَبْخَلونَ بما آتاهم من فضله هو خيراً لهم  بل هو شرُّ لهم ، سَيُطَوَقون ما بخلوا به يوم القيامة }آل عمران 180 .
كما ورد التهديدُ ، بالعقوبة الدنيوية ، لكلِّ من يَبْخَلْ بحق الله ، و حق الفقير في ماله ، قال عليه السلام :( ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين ) أي المجاعة و القحط . رواه الطبراني في الأوسط .
وروى البيهقي وغيره أن رسول الله ( ص ) قال : ( يا معشر المهاجرين ، خصال خمس ، إن ابتليتم بهنَّ ونزلت بكم ، أعوذ بالله أن تدركوهنَّ ، لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين ، وشدَّة المؤنة وجور السلطان ، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا المطر من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا ، ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدوٌ من غيرهم فيأخذ ما في أيديهم ، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ) .
 أما كيف تؤدى ، فالمال الحرام لا زكاة فيه  حتى لو خلطت بأموال حلال ، بحيث لا تتميز عنها  ففي الحديث الصحيح (لا يقبل الله صدقة من غلول ) حتى أن المرء لا يعد غنيا بالمال الحرام    وإن بلغ القناطير المقنطرة ، وقد فصَّل الفقهاء كيفية إخراج الزكاة على النحو التالي :
1-زكاة الدين : جمهور الفقهاء يرون أن الدين نوعان . دين مرجو الأداء : و هذا تعجل زكاته من ماله الحاضر .  ودين غير مرجو أخذه ، وهذا فيه ثلاثة أقوال . قولٌ يزكيه إذا قبضه ، لما مضى من السنين ، وقول أخر ، يزكيه لسنة واحدة  وقول ثالث ،لا زكاة عليه لما مضى من السنين  بل يزكيه عند قبضه ،  أما الدين الميئوس منه : فلا زكاة عليه ، وهناك قول بتزكيته عند قبضه لسنة واحدة ، وقد يكون لموظف مكافآت أو مُدَّخرات ، فهذه بمنزلة المال الذي في يده ، تجب فيها الزكاة إذا بلغت نصابا ، وتوفرت شروط السلامة من الدين ..
2- بلوغ النصاب : وهو شرطٌ لا بد منه  لوجوب الزكاة في كل حال ، ويشترط فيه أن يكون
فاضلاً عن الحاجة الأصلية لمالكه ، وقد فسر علماء الحنفية الحاجة الأصلية ، بأنها ما يَدْفَعُ الهلاكَ .
عن الإنسان تحقيقا كالنفقة ، ودور السكن  والثياب المحتاج إليها ، وأثاث المنزل ، وما يلزم الركوب والتنقل ، وكتب العلم ، لقول رسول الله (ص) . ( لا صدقة إلا عن ظهر غنى ) رواه البخاري معلقاً  .  ومن تصدق وهو محتاج ، أو أهله محتاجون ، أو عليه دين ، فالدين أحق أن يُقْضى 
3- السلامة من الدين : فلا بد أن يكون النصاب سالما من الدين ، فان كان المالك مدينا بدين   يستغرق نصاب الزكاة ، أو يُنْقِصُهُ ، فان الزكاة لا تجب عليه . لحديث رسول الله (ص) (هذا شهر زكاتكم ، فمن كان عليه دين فليؤده  حتى تخرجوا زكاة أموالكم ) . وفي لفظ رواه مالك ( من كان عليه دين فليقض دينه وليزكي بقية ماله ) ولهذا ذهب جمهور الفقهاء ، إلى أن الدين يمنع وجوب الزكاة ، أو ينقص بقدره في النقود وعروض التجارة ، بخلاف المواشي والزروع  فقد ذهب بعض الفقهاء ، إلى أن الدين فيها  يمنع وجوب الزكاة .                       .
4- المال المستفاد : إن كان نماء المال عنده  وجبت فيه الزكاة ، كربح مال التجارة ، فإن الزكاة  تجب فيه عند استفادته ، إذا بلغ نصاباً بدون خلاف . .
5- حُلي المرأة :  ويشمل الذهب والفضة واللؤلؤ والمرجان والزمرجد والماس ، وهي لا زكاة فيها لأنها مال غير نام ، وهي حلية ومتاع للمرأة  أباحها الله بنص كتابه ، حين ذكر البحر فقال تعالى :{وتستخرجون منه حلية تلبسونها}النحل 14  وحلي النساء ، لم يرد في شأنها شيء في كتب الصدقات الواردة عن النبي عليه السلام ، ولم يرد نص صريح ، بإيجاب الزكاة فيها أو نفيها عنه ، وإنما وردت أحاديث ، أختلف الفقهاء في ثبوتها ، كما اختلفوا في دلالتها ، وليس هذا مقام التوسع في ذلك ، ومن المستبعد في حكم الشريعة العادلة ، أن تعفى من الزكاة ،حلي اللؤلؤ والماس والجواهر الثمينة ، التي يقدر الفص الواحد منها ، بآلاف الدنانير ، ولا تتحلى بها عادة إلا النساء الثريات المقتدرات  وزوجات الأثرياء وبناتهم . نعم من المستبعد أن تعفي الشريعة هؤلاء وتوجب الزكاة في حلي الذهب والفضة ، التي تتحلى بها عادةً  متوسطات الحال ، بل الكثيرات من الفقيرات  في الريف والقرى ، وزوجات الفلاحين والعمال .
 وهل يعقل أن تبيح الشريعة ، لتلك النساء الاستمتاع بحلي الذهب والفضة ، ثم تفرض عليهن إخراج ربع عشر في كل عام ، على حين تعفى ربات اللؤلؤ والماس والمرجان ، والذي نعقله هو إعفاء هؤلاء جميعا ، لأن هذا وذاك متاع شخصي ، وليس مالا مرصدا للنماء ، أما إذا اتخذت الحلي للكنز والادخار ، فهذه بمنزلة الدنانير المخزونة ، والنقود المكنوزة ،تجب فيها الزكاة  .
6- مال التجارة : كيف يزكي التاجر ثروته   على التاجر المسلم إذا حل موعد الزكاة ،أن يضم ماله بعضه إلى بعض ، رأس المال ، والأرباح  والمدخرات ، والديون المرجوة ،  يقوم بجرد تجارته ويقوِّم البضائع ، ويضيف قيمتها إلى ما لديه من نقود ، والى ما له من ديونٍ غيِر ميؤسٍ منها ، ويخرج زكاة ماله كله ، بنسبة 2,5 بالمائة ، أما بأي سعر يُقَوِّم ، فالمشهور من الآراء  ، يقوم بالسعر الحالي  الذي تباع به السلعة في السوق ، عند وجوب الزكاة .
 ويجوز للتاجر أن يخرج الزكاة ، من عين التجارة  كسائر الأموال ، والأرجح لمصلحة الفقير، القيمة لا العين ،لأنه يشتري ما يلزمه بالقيمة ، أما العين فقد لا تنفعه ، ويكون في غنى عنها .
7- المستغلات كالدور والعمارات والسيـارات .
اتفق الفقهاء على عدم وجوب الزكاة في الدور والثياب ، وآلات الحرف اليدوية ،أما المصانع فان الزكاة تفرض في موجوداتها ، من آلات وماكينات ، أما الدور والثياب ، فلا زكاة فيها لأنها مشغولة بالحاجة الأصلية ، وأنها غير نافعه  وان ما اتخذ منها للنماء ولغير الاستعمال في الحاجة الأصلية ، صبح صالحاً لوجوب الزكاة
   أما كيف تزكى هده المستغلات: أوجب الإسلام الزكاة ، في نوعين من الأموال النامية  مما تؤخذ  الزكاة من أصله ونمائه معا ، أي من رأس المال وغلته عند كل حول ، كما في زكاة الماشية وعروض التجارة ، وهذا لتمام الصلة بين الأصل وفوائده وغلاته ، بزكاةٍ مقدارها ربع العشر .
 أما ما تؤخذ الزكاة من غلته وإيراده فقط كالعمائر ، وأدوات الصناعة ، فأن الزكاة تؤخذ من صافي الغلال ، بمقدار العشر ، لأن النبي عليه السلام اخذ الزكاة بالعشر من الزرع ، الذي سقي بالمطر والعيون ، فكأنه أُخذ من صافي الغلة  ويمكن الأخذ بالرأي القائل بتزكية المال المستفاد  دون اشتراط حولان الحول ، والذي يتفق وعدالة الإسلام ، أن يعفى ما يعتبر حداً أدنى للمعيشة  وان تجب الزكاة في الباقي من إيراد السنة إذا بلغ نصابا ، وهذا بالنسبة لمن ليس له إيراد آخر يكفيه حاجاته ،كراتب أو نحو ذلك .
8- زكــاة الذهب والفضة . 
تجب الزكاة في الذهب إذا بلغ نصاباً، وحال عليه الحول ، ونصابه عشرون مثقالا،ً وزكاته ربع العشر  ، لحديث علي رضي الله عنه أن النبي عليه السلام قال :( إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسةُ دراهم وليس عليك شئ -يعني في الذهب- حتى يكون عشرون ديناراً فان كان لك عشرون ديناراً ، وحال الحول ففيها نصفُ دينار ) رواه أبو داود .
 وروى ابنُ ماجة والدار قطني عن ابن عمر وعائشة ( أن النبي عليه السلام كان يأخذ من كل عشرين دينار نصف دينار ، وعن الأربعين دينار ، دينارا ) .
 وأما الفضة :  فنصابها مائتا درهم ، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم " والعمل على هذا عند أهل العلم ..
9- زكــاة الزروع والثمــار .
أجمع الفقهاء ، على وجوب العشر ، أو نصفه فيما أخرجته الأرض في الجملة ، بشرط أن يكون
مما يُقتاتُ ويُدْخَرْ ويستنبته الآدميون ، ولا فرق بين الخضراوات وغيرهـا عند الحنفية كالقمح والشـــعير والعدس والحمص والفول وفي الرطب والعنب من الثمار ، وذكر النووي انه لا زكاة في الخضراوات أي الفواكه والبقول ، وأما الزيتون فالصحيح كما ذكر النووي أنه لا زكاة فيه ولا عبرة للحول لقوله تعالى : { وأتوا حقه يوم حصاده                                             .
10ـــ زكـاة النعـم .
  1-الإبل . أول نصاب الإبل خمس ، وفيها شاه ، وفي عشر شاتان .
  2-البقر . أول نصاب البقر ثلاثون ، فيجب تبيع -ابن سنه - وفي كل أربعين مسنة .
  3- الغنم . أول نصاب الغنم أربعون شاه  وفيها شاة
  4- الأوقاص . وهو ما بين الفريضتين وهو عفوٌ لا زكاة فيه .
وبعد .. إن الزكاة تطهر النفس ، من الشحِّ والبخل ، والذي يدفع الزكاة يشعر بالمسئولية عن مجتمعه ، وعن تكافله مع المحتاجين فيه . وفيها تعبير عملي ، عن أخوة الإسلام ، وتطبيق واقعي لأخلاق المسلم  وإيثاره . والزكاة مؤسسة الَّله للتامين . تأمين الإنسان من الفقر والعوز، إنها  تأمين اجتماعي عام ، وضمان اجتماعي للعاجزين ، ووقاية للجماعة من التفكك والانحلال  .وهي تكفر الخطايا  وتدفع البلاء  وتجلب رحمة الَّله ، فلو أقام المسلمون هذا الركن من دينهم ، لما وجد فيهم فقير ، ولا ذو حاجة  ولكن أكثر الناس ، تركوا هذه الفريضة ، فجنوا على دينهم وعلى أمتهم ، فصاروا  أسوأ من جميع ألا مم ،حتى فقدوا عزتهم وشرفهم ، وصاروا عالةً على أهل الملل الأخرى ، تركوا دينهم  فضاعت بإضاعتهم لهُ دنياهم . مصداقاً لقوله تعالى : { نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون }الحشر 19 .
أما زكاة الفطر : فقد روي أن النبي ( ص) قال :( صوم رمضان ، مُعلَّقٌ بين السماء والأرض  لا يرفع إلا بزكاة الفطر ) وزكاةُ الفطر صاعٌ من القمح ، وحتى نعرِفَ قيمته ، يجب أن نعرِفَ كم غرام يساوي الصاع ، الصاع أربعة أمداد والمد 544 غرام فيكون الصاع 4×544=2,176
كيلو غرام ثم تحسب حسب سعر كيلو غرام القمح في السوق ، فتكون هذه قيمة صدقة الفطر










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق