في ظل البعد عن مبادئ
الإسلام وقيمه ، وتحكّم المناهج المعادية للإسلام ، وطمع دول الكفر ببلادنا
ومقدراتنا ، نجد الشكوى على لسان كل غيور ، على مصير هذه الأمة ، وما آلت إليه من
بعد عن منهج الله ، وما تعانيه من الذلِّ ، والقهر والاستعباد .
إننا نعيش في زمنٍ
نرى فيه أعداءنا ، شديدوا التعلق بدينهم وتراثهم ، بينما نحن نزداد ابتعاداً عن ديننا وتراثنا . ناسبن أن لنا الخيرية ، على
أمم الأرض قال تعالى:{كنتم خير أمةٍ أُخرجت للناس}
أعداؤنا يعتبرون
مخالفة عقيدتهم ، وتقاليدهم وتاريخهم ، جريمةً لا تغتفر ، بينما نحن نلتزم بكل شيء
عدا العقيدة والمنهج وحوافز الإيمان .
أعداؤنا اختاروا الأقليات العنصرية ، والدينية
في بلادنا ، عيوناً لها وأرصادا ، وأدواتِ تخريبٍ وهدم تحت ستار التقدمية والقومية ، ويجاهرون
بالعداوات ، الموروثة ضد الإسلام ، كما يعتزون بأفكار قادتهم ، بينما يوجد بيننا ،
من يعتبر الدين تأخُّرٌ ورجعية ، وما يقوله تلامذة الكفر وبطانات السوء وأسيادهم تقدمية إننا نلمس أن عدونا ،
لا يهمه الانتصار علينا بقدر ما يهمه
العمل ، على تقويض الدين وتدمير الإسلام
، وإبعاد منهجه عن الحياة .
إن من الظلم أن نعيش
في بلادٍ إسلامية ، ثم نحشى أن نجهر بكلمة الحق ، اتقاء أن يستخفَّنا السفهاء منها
، مع أن أمر الله أولى بالإتباع ، من أهواء الأفراد والجماعات ، والمطلوبٌ من
المسلم أن يصدع بأمر الله ، لتغيير الواقع الأسود ، الذي لا يمكن لمؤمن ، أن يدين
له بالولاء .
أعداؤنا يتآمرون
علينا ، ومن بيننا من يُعِدُّ لهم أرضية التآمر .
تلك هي أحوال
المسلمين اليوم ، فهل هناك ضياع ، يشبه هذا الضياع ؟
إننا نطلب من العالم
أن يحترمنا ، ويتفهم قضيتنا ولكن أية قضية
…؟ أهي قضية الأمة المصيرية ؟ أم قضايا المصالح
المتعددة ، بتعدد القادة والزعماء
إن حالة الأمة ، وما
هي عليه ، يذكرني بما جاء في إرشاد الأريب ، لياقوت الحموي قال :" إن أحد
التجار ، كتب إلى السلطان فخر الدين يطلب
الوزارة ، وأرسل مع الكتاب ثمانية آلاف درهم ، ولكن الوزير الذي يشغل الوزارة ، دفع
تسعة آلاف ، ليبقى في سدة الحكم ، فأشرك السلطان كليهما في الوزارة ، ورتب
أمورهما على أن يجلسا في مكانٍ واحد ،
فيكون التوقيع لأحدهما ، والختم للآخر ، وحينما عمَّ الفساد وأصبحت الشرطة تهاب العصاة والمتمردين الذين تمادى أذاهم على أمن الدولة ، والافتراء
على مذاهب الأمة ، لجأ السلطان إلى اختيار واحدٍ من رؤوس العصاة وجعله آمراً على الشرطة " .
هذه هي أحوال
المسلمين في العالم اليوم ، حكمُ عَضُوضٌ ، المنتفعون به لا يسأمونه ، والرازحون
تحته لا ينكرونه ، تقام الدنيا وتقعد ، وتهتز الأرض ، حين يوجه نقدٌ لحاكمٍ أو
لنظام حكمه بينما لا تهتزُ شعرة واحدة ،
إذا هوجم الدين وتعرض الله وكتابه وسنة
نبيه ، للسب والنقد والإهانة .
كلُّهم ينشد السلامة
، ولو على حساب ضياع الدين ، وذل الآخرين . فما المخرج إذن ؟
إنه الخلاص ، الذي
يكمن في الإيمان بدل الكفر وفي مخافة الله
، بدل مخافة القادة والحكام ، وفي الجهاد لتكون كلمة الله العليا ، بدل الركون إلى
الجبن ، والدعة والكسل .
وهنا قد يقول قائل : من المستحيل أن يجتمع شتات
هذه الأمة ، على اختلاف الأفكار والأمزجة
وهذا بالطبع من باب التشاؤم ، الذي لا يجوز ، لأن الإيمان والتشاؤم لا
يجتمعان وكيف يكون متشائماً ؟ من آمن
بالله وقضائه وقدره .
كان الواحد من
أسلافنا ، يلقى الجيش فيستخف بوعيده لوعيد الله ، ويمضي لا يلوي على شيء لأنه يؤمن أن حياته موصولة ، وأنه إنما ينتقل
من دنيا الفناء ، إلى دنيا البقاء .
إن كل مؤمن بالله ،
يفتدي نفسه ، من أجل إقامة المنهج ، ولا أقل من أن يجاهد المرء بلسانه ، عائذاً
بالله من الخيبة ، أما الهيبة فلا هيبة ، ومن عرف نفسه وعرف حقه ، هانت عنده
الدنيا بما رحبت
إن أوضاع المسلمين في
هذا العالم سيئة ، بينما الأعداء في وضع جيد ، فهم يحققون كل يومٍ كسباً .
ونحن نحمل كلَّ يومٍ
خِزيا ، عدونا لا يقبل إلا سلما ، يفتح له المجالات المغلقة ، ويمكن له في قلب
بلدنا الإسلامي ، ليمزق أجزاءه ، ويدمر وحدته .
والقبول بذلك هو
الاستسلام ، الذي لا يقره الإسلام ، وإن معركتنا مع عدونا لا تنتهي ، حتى يحق الحق
، ويبطل الباطل ، وإذا ما آمنا بأننا حملة الرسالة ، وآمنا بربنا ، وحملنا راية
الجهاد لإعلاء كلمة الله ، استهنا
بالموت ، لتوهب لنا ولأولادنا حياة العزة والكرامة .
إن أمتنا أحوج ما
تكون ، إلى الرجوع إلى الإسلام ، في كلِّ أمر من أمورها ، مما يعزز روح الجهاد
وإلا فأين نحن ؟ من صدق التوجه إلى الله ، وأين دورنا ؟ في قيادة أمم الأرض ،
وأمتنا هي المرشحة لقيادة ركب الإنسانية الحائرة ، وقد انتدبها الله لهذه المهمة ،
وهي جديرةٌ بذلك لأنها تملك عقيدةً سليمةً صائبة ، وديناً قيّما ، وهي حاملة لواء
خاتمة الرسالات السماوية ، التي فيها كل الخير والسعادة للإنسانية .
وفي تاريخ أمتنا ما
يؤكد على صدق ذلك وخصوصاً جيل الصحابة ،
الذي استطاعت الأمة أن تطهر به الأرض ، من رجس الكفر . فقد كان الجندي منهم ،
المثلَ الأعلى في الدفاع عن الحق ، وما قاتل غالباً إلا انتصر .
وفي معركة القادسية ،
الأمثلة الحية على صدق ذلك ، فقد طلبت القيادة الفارسية ، من سعد أن يبعث إليهم
بجماعةٍ يفاوضونهم ، ليبينون لهم ماذا يريد العرب ، فأرسل إليهم واحداً ، هو
المغيرة ابن شعبة .
حشد الفرس ما
استطاعوا من الأبهة ، وستائر الديباج ، والوسائد المرصعة ، والجند بأبهى الثياب
وأفخم الأزياء ، وجاء المغيرة بثيابه المرقعة
وعندما أرادوا نزع سلاحه ، أبى وثار في وجوههم ، فتركوه يدخل كما هو ،
فأقبل يطأ على هذه البسط ، وهذه الوسائد مزدرياً لها كيف لا وقد تعلموا أن العظمة هي لله وحده ولا أحد غيره ، وأن متاع الدنيا زائل ، حتى بلغ
سرير رستم فجلس عليه .. فطارت عقولهم وصاحوا به ، فقال المغيرة : " يا معشر
العجم قد كانت تبلغنا عنكم الأحلام ،
ونحسب أن لكم عقولا ، فالآن عرفت أنكم لا عقول لكم وأنكم ترضون أن تكونوا عبيداً لإمرائكم ، ونحن
لا فرق فينا ، بين أمير ومأمور ، بل الأمير فينا
هو أكثر الناس عملاً وأثقلهم
حملاً ، لأن الأمارة فينا ، واجبٌ وتكليف ، لا لذةٌ وتشريف …فتركوه
، فقال له رستم : إننا نعلم سوء حالكم
وفقركم واقفار بلادكم ، وإنكم كنتم تأتوننا سائلين راغبين ، وإنني سأعطي
لكل واحدٍ منكم حمل بعيره قمحاً وتمرا ،
وأعفو عن جرأتكم علينا
قال المغيرة : " لقد كنا على شرٍّ مما
ذكرت وكنا نأكل من الجوع ، الحشرات
والهوام ، وكان أحدنا يقتل ابن عمه ليسلبه ماله ، وكنا أهل جهالة وضلالة ، ولكن
الله بعث فينا نبياً أرشدنا إلى طريق
الهدى ، ودلنا على أبواب الخير فألف الله
به بين قلوبنا ، وأنار به عقولنا ، وأثار به هممنا " .
ومضى يشرح له مزايا
الإسلام ، وأراد رستم أن يداعبه ، وأشار إلى سيفه محتقراً ، وجاء بسيفٍ مرصَّعٍ
باللآلئ والجواهر ، وقال : خذ هذا بدله .
فسلَّ المغيرة سيفه ،
وضرب به سيف رستم فقطعه ، وقال الآن .. إما الإسلام أو الجزية أو الحرب فغضب رستم وقال له : لولا أنك رسولٌ لقتلتك ،
ولكن غداً ، سأمحوكم من الأرض محوا وما
حصل فقد خاب وعيد رستم ، ومُحِيَتْ دولة كسرى من خريطة العالم .
نعم وإن أمة محمدٍ (
ص ) لها ، مادام في قلوبها ذلك الإيمان ، وعلى ألسنتها ذلك الهتاف . وإن الأمة
التي أطاحت بعرش كسرى وقيصر ، لقادرةٌ بالإيمان ، أن تستردَّ ما اغتصب من الأرض
.
هذا هو الإسلام الذي يصنع الرجال ، ويصوغ
العقول ، ويهذب النفوس ، إنها مدرسة القرآن التي ربت رجالاً يندر أن يجود بمثلهم
الزمان يقولُ عليٌ رضي الله عنه وقد تولى
أمارة المؤمنين : أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ، ثم لا أشارك المؤمنين في
مكاره الزمان ؟ " والله لو شئت لكان لي من صفو هذا العسل ، ولباب هذا البر ،
ومناعم هذه الثياب ، ولكن هيهات أن يغلبني الهوى
فأبيت مبطاناً وحولي بطونٌ غرثى
وأكبادٌ حرَّى "
ليست المسألة جاهاً
ينشد ، ولا ترفاً يطلب ، ولا ألقاباً ينادى بها الناس .. ولكنه تحمّلٌ
للمسئولية وإحساسٌ بخطورة التبعة ، إنه لا
يخادع الله ولا يخادع نفسه ، ولا يخادع جماعة المؤمنين ، فلا يرضى أن يقال عنه
أمير المؤمنين ، والمؤمنون في جوعٍ وفاقة وحرمان .. فإما أن يحيا المؤمنون في أفياء
هذا اللقب ، حياةً هانئة ، أو أن يذوق أمير المؤمنين ما تذوقه الرعية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق