الأحد، 12 أكتوبر 2014

أكبر المقت


أكبر المقت
الإسلام ابتداءً هو دين العمل ، الذي يمقت الذين يقولون ما لا يفعلون ، قال تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ( الصف 2 . وهذا إنكار على من يعد وعداً أو يقول قولاً لا يفي به ، قال ابن كثير : ولهذا استدل علماء السلف بهذه الآية على أنه يجب الوفاء بالوعد مطلقا ، سواء ترتب عليه غرم للموعود أم لا   فكبر مقتاً أي عظم جرما ، أن تقولوا قولاً وتفعلون غيره، لأن خلف الوعد دليل على حب الذات   وإهدار لمصلحة وكرامة ووقت الآخرين  وإخلال بالثقة بين الأفراد والجماعات ، وما أسوأ خلف الوعد وأقبح بصاحبه ، لذلك كان مبغوضاً عند الله اشد البغض ، ومعاقباً عليه ، وفي مقابل ذلك ذم التاركين للقتال الهاربين منه .
بخلاف جمهور الفقهاء الذين حملوا الآية على أنها نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد عليهم ، وفي الأثر "رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه "  وأول من يلعنهم القرآن هم أولئك الذين يقولون ما لا يفعلون أو لا يلتزمون بأحكامه ، ويظهرون ما لا يبطنون   وأولئك هم المنافقون ، الذين حذرنا منهم كتاب الله وحديث نبيه ، عن ابن عباس قال : كان ناس من المؤمنين قبل أن يُفْرض الجهاد يقولون : لوددنا أن الله عز وجل دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به   فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال ، إيمانٌ به لا شك فيه ، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يُقِرّوا به ، فلما نزل الجهاد ،، كره ذلك ناس من المؤمنين وشق عليهم أمره ، فقال تعالى : ) إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا ( . ذكرت الآية حب الله للذين يقاتلون في سبيله صفاً ، لا لأن الإسلام يشتهي القتال ويريده حباً فيه ، بل لأن الواقع يفرضه ويجعله حتما ، لأن الهدف من وراء القتال ، إقرار منهج الله حتى يستقر في النفوس ، التي يحب أن تكون على جانب عظيم من القوة ، حتى تغلب عملاء الشرّ وأعوان الشياطين ، وهذا بحاجة إلى إيمان يصدِّقه العمل ، لأنه لا قيمة لإيمان إنسانٍ يقول أنا مؤمن ويملأ الدنيا كلاما ، حتى إذا دعاه الله للعمل بالأيمان الذي يدّعيه أخلد إلى الأرض .
وفي تاريخنا الأمثلة الرائعة على صدق اليقين والتمسك بالدين ، فكان الواحد منهم إذا ما خالف الله في غفلة من غفلات القلب ، سارع إلى تطهير نفسه . جاء عمر بن سمرة إلى النبي r فقال يا رسول الله إني سرقت جملا لبني مازن ، فأرسل إليهم رسول الله r فقالوا : إنا فقدنا جملا لنا ، فأمر النبي r فقطعت يده ، قال ثعلبة وأنا أنظر إليه حين وقعت يده ، وهو يقول : الحمد لله الذي طهرني منك   أردت أن تُدْخليني النار ، لقد هوَّن عليه يقينه بالحساب قطع يده . فهل نضحي كما ضحوا ؟ ولم لا إذا كانت التضحية وسيلةٌ للنجاة من عذاب النار .
إن ما يلاقيه المسلمون من ذلٍّ وهوان ، ما هو إلا نتيجة من نتائج قولهم ما لا يفعلون ، ولأنهم لا يؤمنون الإيمان العملي ، الذي يدلُّ على رسوخ العقيدة في نفس صاحبها ، ولا يكتفون بالإغضاء عن المخالفات الشرعية ، بل يجاملون المخالفين للشّرع المجاهرين بالعصيان ، الماضين في مخالفة الدين ، طلباً للنجاة من الأذى الذي يتوهمونه ، ناسين أن الله بيده الضرّ والنفع ، وقد حذرنا أن نلجأ إلى غيره فقال تعالى : ) ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ( كما تناسوا أن الرضى بصنيع خصوم الدين وتبـرير تصرفاتهم ظلم ، وأن عاقبة الظلم البوار ، وفي تاريخنا الأمثلة الكثيرة لمن لا يخشى الظلمة ، ولا يعينهم على ظلمهم ، دفع الحجاج إلى سالم بن عبد الله سيفاً   وأمره أن يقتل رجلاً ، فقال سالم للرجل أمسلمٌ أنت ؟ قال : نعم قال : وصليت اليوم صلاة الصبح ؟ قال نعم ، فرجع إلى الحجاج ورمى إليه بالسيف ، وقال له : إنه ذكر أنه مسلم ، وانه صلى صلاة الصبح   فهو في ذمة الله ، فقال الحجاج لسنا نقتله على صلاة الصبح ، ولكنه ممن أعان على قتل عثمان ، فقال سالم ها هنا ، من هو أولى بعثمان مني ؟ وهكذا كف الظالم عن ظلمه ولم يُعِن عليه . 
وهنا سؤال للذين يعيشون ويموتون ولم يعرفوا الله   ومن يؤمنون بوجود الله ، ولا يقومون بحقه ، ما هي رسالتهم ؟ أهي مجرد الأكل والشرب فهكذا الأنعام  ثم ما قيمة من لم يعرف الله ولم يعبده ؟ إذا علمنا أن معرفة الله وعبادته هي الغاية التي من أجلها خلقنا لكن للأسف فإن بعض الناس يعيشون موجوداً كمفقود ، حياً كميت وحاضراً كغائب ، ومن هذا حاله فليس بإنسان ، لأن من يعيش للتمتع وقضاء الشهوات ، ومهمته الكيد لخلق الله ، وتوجيه التهم لهم ، والإفساد في الأرض فهو ليس بمؤمن ، لأن المؤمن هو الذي يعرف الله ، ويعبده ويقوم بحقه  ويقيم أمر دينه ، وما جاء الإسلام إلا بهذا ، فلنعرف ذلك جيدا ، ولنعيش من أجل هذه الغاية ، ولنطلب من الله أن يوفقنا للعمل من أجل عزة المسلمين ، لأن الإسلام دين العمل , فقد كان صحابة رسول الله r   يحفظون الآيات العشرة من القرآن , لا يبرحونها إلى غيرها ، حتى يفقهوها ويطبقوها في حياتهم ، لأنهم   فهموا من نبيهم r أن دينهم دين الحياة ، لذلك لا بد من تطبيقه في كل مناحي حياتهم وشؤونها وفق ما جاء به كتاب الله وسنة رسوله.
قال بعض الحكماء  العلم خادم العمل ،  والعمل غاية العلم   فلولا العمل لم يطلب العلم ، ولولا العلم لم يطلب عمل  ولو أن أدع الحق جهلا به ، أحب إلي أن أدعه زهدا فيه   فالجاهل معذرته أقل من العالم كما قال  أبو الدرداء  " ويل لمن لا يعلم مرة ، وويل لمن يعلم ولا يعمل سبع مرات "
إعمل بعلمك تغنم أيها الرجل  لا ينفع العلم إن لم يحسن العمل
والعلم زين وتقوى الله زينته   والمتقون لهم في علمهم شغل
وحجة الله يا ذا العلم بالغة   لا المكر ينفع فيها لا ولا الحيل

تعلم العلم واعمل ما استطعت به  لا يلهينك عنه اللهو والجدل
وعلّم الناس واقصد نفعهم أبدا   إياك إياك أن يعتادك الملل
وعظ أخاك برفق عند زلته   فالعلم يعطف من يعتاده الزلل
وإن تكن بين قوم لا خلاق لهم  فأمر عليهم بمعروف إذا جهلوا
فإن عصوك فراجعهم بلا ضجر واصبر وصابر ولا يحزنك ما فعلوا
فكل شاة برجليها معلقة  عليك نفسك إن جاروا وإن عدلوا
لذا ينبغي للآمر بالخير أن يكون أول الناس إليه مبادرة، وللناهي عن الشر أن يكون أبعد الناس منه
قال تعالى: ] أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [ .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق