الأحد، 12 أكتوبر 2014

أحكام إنكار المنكر

أحكام إنكار المنكر
إن إنكار المنكر فرض كفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، بدليل قوله تعالى :{ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ، ويأمرون بالمعروف  وينهون عن المنكر ، وأولئك هم المفلحون}آل عمران 104  ويصبح تغيير المنكر فرض ، على من يشاهد المنكر  من القادرين على إزالته ، لقوله عليه السلام: (ما من رجل يكون في قوم يعْمل فيهم بالمعاصي  يقدرون على أن يُغَيِّروا عليه ، ولا يُغَيِّرون ، إلا أصابهم الله منه بعقاب قبل أن يموتوا )رواه أبو داود .
أما إذا خاف المنكرون ، الاعتداء على حرماتهم الخاصة ، وترتب على الإنكار مفسدةً اكبر من مفسدة المنكر الذي يقع ، حرُم الإنكار ، تطبيقاً للقاعدة الشرعية "إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً  بارتكاب أخفهما".
أما إذا ترتب إيقاع الأذى ، على أشخاص المنكرين فحسب ، دون أن يتعداهم إلى غيرهم من أقارب وأصحاب ومواطنين آخرين ، فإنِّ الإنكار في هذه الحالة يكون مندوباً ، وإذا هلكوا نتيجة هذا الإنكار فإنهم يكونون شهداء الآخرة .
وكذلك إذا رضي الآخرون بوقوع الضرر   وفدوا دينهم بأنفسهم ، فالإنكار مندوب ، لما روى أبو داود والبيهقي في السنن أن رسول الله قال: (من قتل دون دينه فهو شهيد) .
وهناك أكثر من قول ، في حال وقوع المنكرات من صاحب السلطان في البلاد منها .  
يجب الإنكار على الحاكم ، على مستوى الوعظ والنصح بالقول الليَّن في بادئ الأمر ، للنصوص الشرعية الواردة في ضرورة حفظ هيبة الحاكم   حين تقديم النصيحة له ، لذا كان استخدام الخشونة معه غير مشروع ، لما في ذلك من الاستخفاف به ، وهو أمرٌ محذور ، عملاً بما ورد عن النبي : (من كانت عنده نصيحة لذي سلطان ، فلا يكلمه بها علانية وليأخذ بيده  فلْيَخْلُ به ، فإن قبلها وإلا كان قد أدَّى الذي عليه ، والذي له)رواه البيهقي في السنن .
ويندب استخدام الخشونة مع الحاكم ، في الإنكار عليه باللسان ، وذلك إذا اقتضى الأمر إظهار الغَيْرة على حُرُمات الله ، وإفهامه فظاعة ما يُقْدِم عليه ، من الخروج عن الشرع ، يستدل على ذلك بما روى النسائي أن رجلاً سأل النبي : أي الجهاد أفضل ؟ قال:(كلمة حقٍّ عند سلطان جائر).
ويحرم استعمال السلاح في قتال الحاكم المنحرف  من أجل الإنكار عليه ، لما روى مسلم أن النبي قال: (إنه يُسْتَعْمَل عليكم أمراء ، فتعرفون وتنكرون ، فمن كره فقد برئ ، ومن أنكر سلم ، ولكن من رضي وتابع ، قالوا : يا رسول الله ألا نقاتلهم ؟ قال : لا ، ما صلَّوا ) . أي من كره وأنكر بقلبه .
وتجب طاعة الحاكم في المعروف لا في المنكر ، لما ورد في صحيح مسلم أن رسول الله قال: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، وتصلّون عليهم ويصلُّون عليكم ، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم ، وتلعنونهم ويلعنونكم  قالوا : قُلْنا : يا رسول الله ؟ أفلا ننابذهم عند ذلك ؟ قال : لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة ، ألا مَنْ وليَ عليه والٍ ، فرآه يأتي شيئاً من معصية الله ، فلْيكْره ما يأتي من معصية الله ، ولا ينْزِعَنَّ يداً من طاعة ) .
والذي يفهم من الأحاديث ، أن المسلم مطلوبٌ منه أن يجمع بين موقفين من الحاكم المنحرف  فإذا كان انحرافٌ لا يخرج عن الإسلام لا في عقيدته ، ولا في نظام حكمه ، فإن على المسلم أن يجمع في موقفه من هذا الحاكم ، بين طاعته في المعروف ، وبين مخالفته في المنكر ، سواء أكان هذا المنكر ، معصية يرتكبها الحاكم ، أو أمراً غير مشروع يُصْدرُه إلى الناس ، فعلى الحاكم وزر ما يرتكبه من منكرات في سلوكه الشخصي ، كما عليه وزر ما يأمر به من أحكام وقوانين تخالف أحكام الشرع . والناس بُراءُ من ذلك الوزر ، ما داموا لا يتابعون الحاكم في كلا الحالين   وينكرون عليه ما وسعهم لإنكار ، للحديث الذي رواه أبو عاصم في كتاب السنن أن رسول الله قال: (أطيعوا أمراءكم مهما كان ، فإن أمروكم بشيء مما جئتم به ، فإنِّهم يُؤْجرون عليه وتُؤْجَرون بطاعتهم ، وإن أمروكم بشيء مما لم آتكم ، فإنه عليهم ، وأنتم منه براء …).
أما العمل على تنحية الحاكم المنحرف ، فإنه من اختصاص محكمة المظالم ، لأن الحاكم عندما يرتكب أمراً من الأمور ، التي يستحق معها العزل عن السلطان كالفسْق ، فإنه بذلك أحْدث مظلمةً من المظالم ، التي لا بد من إزالتها ، فتختص محكمة المظالم بإزالتها ، وهي المحكمة التي تنظر في شؤون النـزاع بين الأمة ، والسلطان في الدولة .
أما إذا وصل الأمر ، بصاحب السلطة الشرعية إلى الكفر البواح ، سواء في عقيدته نفسه ، أو العقيدة التي يقوم عليها نظام حكمة . فقد نقل النووي إجماع العلماء ، على أن الإمامة لا تنعقد لكافر ، فلو طرأ عليه كفرٌ أو تغيير للشرع أو بدعة ، خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته  ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه   ونَصْبُ إمام عادل إن أمكن .
وإن كفر الحاكم فعلاً ، وساندته قوى أيدته على باطله ، فالقتال في سبيل إزاحته وقتله ، هو جهاد في سبيل الله ، لأنه ينطبق عليه ، أنه قتال كافر لإعلاء كلمة الله ، والمقتول يكون شهيداً في الدنيا والآخرة حتى لو قتله مسلم يؤيد ذلك الحاكم.
أما إذا لم يرتد الحاكم عن الإسلام ، وإنما ارتكب انحرافات ، حكم عليه معها بخلعه ، فتمسك بالسلطة وجرى القتال معه ومعه أنصاره ، فإن القتال هنا يكون قتال بُغاة ، كما قاتل على بن أبى طالب معاوية بين أبي سفيان بعد عزله من   ولاية الشام ، ورفض معاوية التنازل عن سلطته  وعلى هذا لا يكون هذا القتال ، جهاداً في سبيل الله .
وهنا سؤال : هل الحكام المسلمين ، إذا حكموا بغير ما أنزل الله يعتبرون مرتدين ؟
لقد وصف الله الذين يحكمون بغير ما أنزل الله   بثلاثة أوصاف في آياته ثلاث متعاقبات وهي :{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون …الظالمون…الفاسقون…}المائدة 44-47.
وخلاصة أقوال العلماء ، في توزيع هذه الأوصاف  على أصناف الذين يحكمون بغير ما أنزل الله .
أنَّ من حكم بغير ما أنزل الله ، جاحداً بما أنزل الله ، أو شاكاً في صلاحيته للحكم به ، أو معتقداً بأن الحكم بغير ما أنزل الله أصلح من الحكم به  فإن مثل هذا الحاكم يكون كافراً ، ويعتبر بذلك مرتداً
أما إذا كان الحكم بغير ما أنزل الله ، ناتج عن اتباع الهوى أو التهاون أو الخوف من المعارضين أو الأعداء ، فهنا يكون الحاكم فاسقاً ، ولا يعتبر مرتداً عن الإسلام إذا مارس الحكم على هذا الأساس .
وعلى كل الأحوال ، لا بد من دليل قاطع يعطي اليقين ، على أن حاكماً ما من المسلمين ، إنما يحكم بغير ما أنزل الله ، بناء على شكه بصلاحية الإسلام للحكم ، أو اعتقاده بأن غير الإسلام أصلح في الحكم من الإسلام .
وبدون وجود الدليل القاطع ، لا يجوز تكفير الناس ولا الحكام ، بناءً على مجرَّد الشك أو الظن الراجع عملاً بقول رسول الله .(…إلا أن تروا كفراً بواحاً ، عندكم من الله فيه برهان) رواه البخاري ومسلم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق