أحكام
إنكار المنكر
إن إنكار
المنكر فرض كفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، بدليل قوله تعالى :{ولتكن
منكم أمة يدعون إلى الخير ، ويأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر ، وأولئك هم المفلحون}آل عمران 104 ويصبح تغيير المنكر فرض ، على من يشاهد
المنكر من القادرين على إزالته ، لقوله
عليه السلام: (ما من رجل يكون في قوم يعْمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يُغَيِّروا عليه ، ولا
يُغَيِّرون ، إلا أصابهم الله منه بعقاب قبل أن يموتوا )رواه أبو داود .
أما إذا خاف
المنكرون ، الاعتداء على حرماتهم الخاصة ، وترتب على الإنكار مفسدةً اكبر من مفسدة
المنكر الذي يقع ، حرُم الإنكار ، تطبيقاً للقاعدة الشرعية "إذا تعارضت
مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب
أخفهما".
أما إذا ترتب
إيقاع الأذى ، على أشخاص المنكرين فحسب ، دون أن يتعداهم إلى غيرهم من أقارب
وأصحاب ومواطنين آخرين ، فإنِّ الإنكار في هذه الحالة يكون مندوباً ، وإذا هلكوا
نتيجة هذا الإنكار فإنهم يكونون شهداء الآخرة .
وكذلك إذا رضي
الآخرون بوقوع الضرر وفدوا دينهم بأنفسهم
، فالإنكار مندوب ، لما روى أبو داود والبيهقي في السنن أن رسول الله ﷺ
قال: (من قتل دون دينه فهو شهيد) .
وهناك أكثر من
قول ، في حال وقوع المنكرات من صاحب السلطان في البلاد منها .
يجب الإنكار
على الحاكم ، على مستوى الوعظ والنصح بالقول الليَّن في بادئ الأمر ، للنصوص
الشرعية الواردة في ضرورة حفظ هيبة الحاكم
حين تقديم النصيحة له ، لذا كان استخدام الخشونة معه غير مشروع ، لما في
ذلك من الاستخفاف به ، وهو أمرٌ محذور ، عملاً بما ورد عن النبي ﷺ:
(من كانت عنده نصيحة لذي سلطان ، فلا يكلمه بها علانية وليأخذ بيده فلْيَخْلُ به ، فإن قبلها وإلا كان قد أدَّى
الذي عليه ، والذي له)رواه البيهقي في السنن .
ويندب استخدام
الخشونة مع الحاكم ، في الإنكار عليه باللسان ، وذلك إذا اقتضى الأمر إظهار
الغَيْرة على حُرُمات الله ، وإفهامه فظاعة ما يُقْدِم عليه ، من الخروج عن الشرع
، يستدل على ذلك بما روى النسائي أن رجلاً سأل النبي ﷺ : أي الجهاد
أفضل ؟ قال:(كلمة حقٍّ عند سلطان جائر).
ويحرم استعمال
السلاح في قتال الحاكم المنحرف من أجل
الإنكار عليه ، لما روى مسلم أن النبي ﷺ قال: (إنه يُسْتَعْمَل
عليكم أمراء ، فتعرفون وتنكرون ، فمن كره فقد برئ ، ومن أنكر سلم ، ولكن من رضي
وتابع ، قالوا : يا رسول الله ألا نقاتلهم ؟ قال : لا ، ما صلَّوا ) . أي من
كره وأنكر بقلبه .
وتجب طاعة
الحاكم في المعروف لا في المنكر ، لما ورد في صحيح مسلم أن رسول الله ﷺ
قال: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، وتصلّون عليهم ويصلُّون عليكم ،
وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم ، وتلعنونهم ويلعنونكم قالوا : قُلْنا : يا رسول الله ؟ أفلا ننابذهم
عند ذلك ؟ قال : لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة ، ألا مَنْ وليَ عليه والٍ ، فرآه
يأتي شيئاً من معصية الله ، فلْيكْره ما يأتي من معصية الله ، ولا ينْزِعَنَّ يداً
من طاعة ) .
والذي يفهم من
الأحاديث ، أن المسلم مطلوبٌ منه أن يجمع بين موقفين من الحاكم المنحرف فإذا كان انحرافٌ لا يخرج عن الإسلام لا في
عقيدته ، ولا في نظام حكمه ، فإن على المسلم أن يجمع في موقفه من هذا الحاكم ، بين
طاعته في المعروف ، وبين مخالفته في المنكر ، سواء أكان هذا المنكر ، معصية
يرتكبها الحاكم ، أو أمراً غير مشروع يُصْدرُه إلى الناس ، فعلى الحاكم وزر ما
يرتكبه من منكرات في سلوكه الشخصي ، كما عليه وزر ما يأمر به من أحكام وقوانين
تخالف أحكام الشرع . والناس بُراءُ من ذلك الوزر ، ما داموا لا يتابعون الحاكم في
كلا الحالين وينكرون عليه ما وسعهم
لإنكار ، للحديث الذي رواه أبو عاصم في كتاب السنن أن رسول الله ﷺ
قال: (أطيعوا أمراءكم مهما كان ، فإن أمروكم بشيء مما جئتم به ، فإنِّهم
يُؤْجرون عليه وتُؤْجَرون بطاعتهم ، وإن أمروكم بشيء مما لم آتكم ، فإنه عليهم ،
وأنتم منه براء …).
أما العمل على
تنحية الحاكم المنحرف ، فإنه من اختصاص محكمة المظالم ، لأن الحاكم عندما يرتكب
أمراً من الأمور ، التي يستحق معها العزل عن السلطان كالفسْق ، فإنه بذلك أحْدث
مظلمةً من المظالم ، التي لا بد من إزالتها ، فتختص محكمة المظالم بإزالتها ، وهي
المحكمة التي تنظر في شؤون النـزاع بين الأمة ، والسلطان في الدولة .
أما إذا وصل
الأمر ، بصاحب السلطة الشرعية إلى الكفر البواح ، سواء في عقيدته نفسه ، أو
العقيدة التي يقوم عليها نظام حكمة . فقد نقل النووي إجماع العلماء ، على أن
الإمامة لا تنعقد لكافر ، فلو طرأ عليه كفرٌ أو تغيير للشرع أو بدعة ، خرج عن حكم
الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين
القيام عليه وخلعه ونَصْبُ إمام عادل إن
أمكن .
وإن كفر
الحاكم فعلاً ، وساندته قوى أيدته على باطله ، فالقتال في سبيل إزاحته وقتله ، هو
جهاد في سبيل الله ، لأنه ينطبق عليه ، أنه قتال كافر لإعلاء كلمة الله ، والمقتول
يكون شهيداً في الدنيا والآخرة حتى لو قتله مسلم يؤيد ذلك الحاكم.
أما إذا لم
يرتد الحاكم عن الإسلام ، وإنما ارتكب انحرافات ، حكم عليه معها بخلعه ، فتمسك
بالسلطة وجرى القتال معه ومعه أنصاره ، فإن القتال هنا يكون قتال بُغاة ، كما قاتل
على بن أبى طالب معاوية بين أبي سفيان بعد عزله من ولاية الشام ، ورفض معاوية التنازل عن
سلطته وعلى هذا لا يكون هذا القتال ،
جهاداً في سبيل الله .
وهنا سؤال :
هل الحكام المسلمين ، إذا حكموا بغير ما أنزل الله يعتبرون مرتدين ؟
لقد وصف الله
الذين يحكمون بغير ما أنزل الله بثلاثة
أوصاف في آياته ثلاث متعاقبات وهي :{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم
الكافرون …الظالمون…الفاسقون…}المائدة 44-47.
وخلاصة أقوال
العلماء ، في توزيع هذه الأوصاف على أصناف
الذين يحكمون بغير ما أنزل الله .
أنَّ من حكم
بغير ما أنزل الله ، جاحداً بما أنزل الله ، أو شاكاً في صلاحيته للحكم به ، أو
معتقداً بأن الحكم بغير ما أنزل الله أصلح من الحكم به فإن مثل هذا الحاكم يكون كافراً ، ويعتبر بذلك
مرتداً
أما إذا كان
الحكم بغير ما أنزل الله ، ناتج عن اتباع الهوى أو التهاون أو الخوف من المعارضين
أو الأعداء ، فهنا يكون الحاكم فاسقاً ، ولا يعتبر مرتداً عن الإسلام إذا مارس
الحكم على هذا الأساس .
وعلى كل
الأحوال ، لا بد من دليل قاطع يعطي اليقين ، على أن حاكماً ما من المسلمين ، إنما
يحكم بغير ما أنزل الله ، بناء على شكه بصلاحية الإسلام للحكم ، أو اعتقاده بأن
غير الإسلام أصلح في الحكم من الإسلام .
وبدون وجود
الدليل القاطع ، لا يجوز تكفير الناس ولا الحكام ، بناءً على مجرَّد الشك أو الظن
الراجع عملاً بقول رسول الله ﷺ.(…إلا أن تروا كفراً بواحاً ،
عندكم من الله فيه برهان) رواه البخاري ومسلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق