الأحد، 12 أكتوبر 2014

إتباع المنهج أساس العدل

إتباع المنهج أساس العدل
قال تعالى :{أفلم يدَّبروا القول أم جاءهم مالم يأت آباءَهمُ الأولين ، أم يقولون به جِنَّةُ بل جاءَهم بالحقِّ وأكثرُهمُ للحق كارهون ، ولو أتبع الحقُّ أهواءَهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهنَّ بل أتيناهُم بذكرهم فهم عن ذِكرِهِم مُعْرِضُون}المؤمنون 66-71 .  
إن الحياة ينبغي أن تقوم على أساس العدل والمساواة ، لا ظالم فيها ولا مظلوم وأن يعيش الناس في هذه الدنيا لا يخشون إلا الله ، ولا فضل لأحدٍ على أحدٍ إلا بالتقوى والعمل الصالح .
وذلك لا يتوفَّر إلاّ في مجتمعٍ توجِّهه وتحكمه وتسوده عقيدة الإسلام ، ومفاهيم الإسلام  وشعائر الإسلام ومشاعره ، وأخلاق الإسلام وتقاليده وقوانينه ، لأنَّ الإسلام يعلوا ولا يُعْلى  ويقود ولا يُقاد ، ويوجِّه ولا يتوجَّه ، لذا نظر الأعداء للإسلام نظرة عداء ، وحاربوه وما زالوا ولكن الله لهم بالمرصاد فقد جعل التشريع للحياة البشرية جزءاً من الناموس الكوني ، تتولاه اليد التي تدبر الكون كله ، فكان حكم الله ورسوله لا يحيد عن الحق ، ولا ينحرف مع الهوى ، ولا يتأثر بالمودة والشنآت وكان الرضى بحكم الله دليل الإيمان الحق ، ودليل إستقرار حقيقة الإيمان في القلب ، وهو الأدب الواجب مع الله ورسوله  وما يَرْفض حكم الله ورسوله إلا الذي لم يتأدب بآداب الإسلام ولم يشرق قلبه بنوره الإيمان .
إن حكم الله هو الوحيد المبرأ من مظنَّة الحيف  لأن الله هو العادل ولا يظلم ربك أحداً ، فكل خلقه أمامه سواء ، وكل حكم غير حكمه هو مظنه الحيف .
فالبشر حين يشرعون لأنفسهم لا يملكون أن يميلوا الى مصالحهم ، أفراداً كانوا أم دولاً    فالفرد من البشر حين يشرع أو يحكم يلحظ في التشريع حماية نفسه ومصالحه ، وما ينطبق على الفرد ينطبق على الدول ، أما حين يشرع الله فلا حماية ولا مصلحة ، إنما هو تحقيق العدل المطلق الذي لا يطبقه تشريع غير تشريع الله ، ولا يحققه حكم غير حكمه .
لذا فإن الذين لا يرضون بحكم الله وتطبيقه على عباد الله ، ولا يريدون للعدل أن يستقر ، ولا يحبون للحق أن يسود ، فإنهم ظالمون لعباد الله  أما الذين يرضون حكم الله ، فلهم أدب غير هذا مع الله ورسوله ، إنه السمع والطاعة بلا تردد ولا جدال ولا إنحراف ، السمع والطاعة المستمدة من الثقة المطلقة في أن حكم الله ورسوله هو الحكم وما عداه الهوى ، ) ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون ( .  
لقد جاء القرآن ليربي أمة ، وينشيء مجتمعا ويقيم نطاما ، جاء بمنهاج شامل كامل للحياة كلها    جاء ليكون منهج تربية ومنهاج حياة ، لا ليكون كتاب ثقافة يقرأ لمجرد اللذة أو لمجرد المعرفة أو اثناء السير في الجنازات ، جاء لتكون آياته هي الأوامر اليومية التي يتلقاها المسلمون في حينها ليعملوا بها فور تلقيها ، وعندما غفل المسلمون عن هذا المنهج ، واتخذوا القرآن فقط للتعبد بقرائته لا منهج تربية وحياة ، فإنهم لم ينتفعوا منه بشيء ، لأنهم بهذه النظرة إلى القرآن ، يكونوا قد خرجوا عن منهجه الذي رسمه الله لعباده .
لقد ظلت أمة العرب لا ذكر لها في تاريخ العالم حتى جاءها الإسلام ، وسيظل ذكرها يدوي طالما   تمسكت به ، وعندما تخلت عنه هذه الأيام  أصبحت كقول القائل : "لا في العير ولا في النفير" ولن تقوم لها قائمة إلا يوم ترجع إلى دينها وتعود إلى ربها متمسكة بعقيدتها ومنهج ربها . 
أما أن لا يعرف القائمون على أمر هذه الأمة الحق  إلا إذا وافق أهوائهم وإن خالفها تنكروا له   فإنها الأنانية البشعة وهي صفة المنافقين الذين يدَّعون أن تصرفاتهم من الدين ووفق مبادئه ، والله يعلم انهم لكاذبون ولكتابه مخالفون ، لأن حقيقتهم المجاهرة بالحق الذي يوافق أهوائهم وما عداه باطل  فأي باطل ينكرون وبأي حق يجاهرون ، فهل الحق في مفهومهم و إيمانهم هو الذي يتفق مع مصالحهم والباطل ما يخالفها ؟ إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور .
إن مثل القائمين على أمر هذه الأمة كرجلان جاران أحدهما غنيٌّ يملك فرساً والآخر فقيرٌ يملك بقرة فولدت بقرة الفقير عجلا ، فقال الغني : إن العجل ابن فرسي ، فقال الفقير للغني : ما سمعنا ان فرساً تلد عجلا ، فاحتكما الى القضاء فقال القاضي : نحكم بأن العجل ابن الفرس ، الا ترى عينيها تشبه عيني الفرس ، وأن لها أربعة أرجل كالفرس ، ثم أصدر حكمه بان العجل ابن الفرس  واستانف الفقير الحكم ، فاصدرت المحكمة الثانية نفس الحكم الأول ، فرفع الفقير الأمر الى محكمة التمييز وكان قاضيها رجلاً يعرف الله ، فلما وقف الغني بجانب الفقير ، نظر القاضي في القضية وخاطب المحتكمين وقال لهما : أعتذر اليوم عن القضاء ، فقال له الغنيُّ : لماذا ؟ فقال له القاضي : لأن دم الحيض قد نزل علي وأنا لا احكم وانا حائض فقال له الغني : أيـنـزل دم الحيض على الرجال يا سيدي فقال له القاضي : إذا كنت لا تصدِّق أن دم الحيض ينـزل على الرجال   فكيف أصدِّق أن الفرس تلد عجلا ، وأصدر برد العجل للفقير .  
هذا هو حال القائمين على أمر الأمة ، يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ، إنهم في غفلة عن واقعهم الأليم ، لأنهم يؤمنون أو يوهمون الناس بأنهم ما يفعلون إلا الحق ولا ينطقون إلا بالصدق  وهم في حقيقتهم لا يتحركون إلا بدافع من أهوائهم ومصالحهم .
إنهم بمواقفهم هذه أسوأ حالاً من المنافقين ، الذي يخدعون الناس ولا تخدعهم أنفسهم ، لأنهم على يقين من كذبهم ودجلهم ، أما من هم على شاكلتهم فإنهم يسيئون وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ولا يظلم هؤلاء وأولئك من ينفي عنهم صفة الإيمان ، لأن المؤمن لا يخدع أمته ونفسه بالحيل والأباطيل التي يصورها له شيطانه ، فليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقة العمل .
إن الهدف من قيام شريعة الله في الأرض ليس مجرد العمل للآخرة ، فالدنيا والآخرة معاً مرحلتان متكاملتان ، وشريعة الله هي التي تنسِّق بينهما  وبالتزامهما تتحقق عبودية البشر لله وحده .

قال تعالى : { أفغير دين الله يبغون ، وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرها واليه يرجعون } آل عمران 83 .  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق