الأحد، 12 أكتوبر 2014

احتفالات المسلمين بالمناسبات المتعلقة برسول الله عليه السلام

احتفالات المسلمين بالمناسبات المتعلقة برسول الله عليه السلام
اعتاد المسلمون أن يحتفلوا بالذكريات المتعلقة برسول الله ( ص ) ومنها الاحتفال بمولده  والذي في اعتقادي أنه لا يترجم عن الحب الواجب لصاحب الرسالة ، ولو أن المسلمين عطلوا هذه الاحتفالات وأقاموا بدلاً منها حداً من الحدود المعطلة أو قانوناً من القوانين الإسلامية المهملة لكان ذلك أرضى لله تعالى وأحب لرسوله r ومما ينبغي أن  نؤكد عليه في هذه الذكرى ولاءنا لرسول الله  r واعتزازنا بالتراث الذي تلقيناه عنهه والدعوة إلى تطبيقه كاملاً غير منقوصٍ لأن التدين الشكلي والتمسك بالقشور لا يغير واقعاً فاشلاً ، ويوم تمسك المسلمون بدينهم وحملوا لواء الجهاد انفتحت لهم البلاد ودان لهم الناس  ولكنهم خسروا كلَّ شيئ عندما تحول الدين إلى شكليات .
فليس المطلوب منا تجاه رسولنا (ًص) في مناسبة مولده الاحتفال بهذه المناسبة بالطريقة التقليدية التي اعتادها المسلمون هذه الآيام ، بل المطلوب من المسلمين أن يلتزموا بما حدده القرآن الكريم  والذي طلب منا أن نتأسى برسول الله (ص)  والتأسي : هو الاتباع قال تعالى :{ لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً }الاحزاب 21.
وطلب منا أن نتبعه ونطيعه في آية أخرى فقال تعالى :{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم }آل عمران 31 . هذا هو المطلوب أما ما اعتاده المسلمون هذه الأيام فليس هو المطلوب شرعاً ولو كان هذا النمط مطلوباً لسبقنا إليه أصحاب رسول الله (ص)  .
تأنى الذكرى والأمة تعيش واقعاً مريراً حيث اشتدت المحن وكثرت المصائب وأًصبحت   تعاني من القتل وسفك الدماء وسلب الأموال والارزاق والكيد للإسلام ، وهي تقف مكتوفة الأيدي لا تحرك ساكناً وقد سيطر عليها الجبن الذي افقدها النخوة والرجولة والعزة والكرامة وفتح للاعداء سبيل الظلم والفساد والعبث بحياة الناس ، فتراهم يتلاعبون بمصالحهم كيفما ارادوا وكما شاؤوا يصولون ويجولون بفسادهم في الأرض دون مقاومة أو إعتراض .
تأتي الذكرى وقد افقد الجبن الأمة العزة ، وقتل فيها الشعور والإحساس بالمسؤولية لإنقاذها  مما تعاني من الذل والهوان .
 إن الحديث الصادق عن رسول الله ( ص ) سواء ما يتعلق بمولده أو إسرائه أو هجرته وحتى سيرته عبادة ، كيف لا ؟ وقد هيأ لنا الرشد في الدنيا والنجاة في الآخرة فديْنُبه في رقابنا ضخم وجميله في أفئدتنا مغروس .
والاحتفالات التي تقام هذه الأيام ، تشْعرُ المسلم الحق بأنها صلة مفتعله بين المسلمين ونبيهم ، وأن ما يلقى فيها من خُطَبٍ فيها دعاوى حب لا يساندها دليل ولا يؤيدها واقع  والناظر إلى هذه الاحتفالات ، لا يجد فيها ما يدل على صدق الإتِّباع وحسن التأسي   وقد يشارك في هذه  الاحتفالات ناسٌ لا يصلّون ، لأن الأمر بالنسبة لهم عبارة عن المشاركة في تقليد مكرر مألوف جرت عليه العادة ليس إلا ، وإذا ما قرأت قول البوصيري عن رسول الله .

فإن فضل رسول الله ليس لـه    حــدٌ فيُعْرِبُ عنه ناطقٌ بفم وكيف يُدْرك في الدنيا حقيقته    قـومٌ نيامٌ تسلَّوا عنه بـالحُلُم

وكأنه يعنى المسلمين في هذه الأيام ، الذين لم يدركوا وإن أدركوا تغافلوا عن حقيقة النبوة التي أيقظت العقول من سباتها ، وفكَّتْ أغلال الذل عن أجيال عاشت عمرها في الذل والهوان ، وقد وصل الكثير من المسلمين إلى حدٍ لا يعرفون فيه حقيقة النبوة ، ولا يفقهون معنى الرسالة ولا يدركون الواجبات المطلوبة منهم تجاه هذه الرسالة المحمدية ، فهم نيام كما وصف البوصيري يتسلَّون عن الحقائق بالأحلام ، وما أكثر النيام الذين يبدون في صورة الأيقاظ . وقد أعجبني وصف أبي الطيب للمجتمع المعتل بقوله .
أراذلُ غـير أنهم ملوكٌ              مـفتحةٌ عيونهم نـيام

بـأجسام يحرُّ القتل فيها             وما أسيافها إلا الطعام

إنه وصفٌ رائعٌ لعبيد الشهوات وصرعى الملذات  والأمم التي تستلم لما أصابها ويصيبها أمم لا تصلح للحياة ، ولا يمكن أن تخدم رسالة عالمية  ولا أن تحقق نصراً على عدوٍ سلبها كلَّ شئ   حتى أصبحت كقول القائل:"لا في العير ولا في النفير"
إن أمةً مخدرةً في مشاعرها متبلدةً في أفكارها هي عبءٌ على عقيدتها التي تعتنقها. وهنا سؤال :
هل الذين يحتفلون بهذه المناسبات منطقيون مع أنفسهم ومبادئهم ؟
لا أظن ذلك لأن إقامتهم لهذه  الاحتفالات مع تركهم لأركان الدين  وصدهم عن سبيله    مرضٌ نفسيٌ يحتاج إلى الدراسة و المراجعة ، لأن كثيراً من الناس يكتفي في إثبات ولائه للجهة التي يحب بكلمات مَلَقٍ يزوِّرها ومظاهر تزلف يجيدها  وكم في الدنيا من يخدعون الآخرين بهذا الأسلوب  يتقربون به ما دام ذلك رخيص الثمن سريع النفع  وإلا لم تجد لهم أثرا ، إنهم مؤمنون  عندما يكون الإيمان كلاما ، أما عندما يكون جداً وإقداماً فللأمر وجه آخر مصداقاً لقوله تعالى:{بل قلوبهم في غمرةٍ من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون}المؤمنون 63 .
لقد كثرت الأحفال من قبل أمة هزمتها شراذم اليهود ، وأنزلت بها خزياً ليس له نظر في تاريخ المسلمين . فأيُّ علاقةٍ بين النبي (ص) المجاهد الشجاع وبين هذه الأمة ، وحتى تكون العلاقة مقبولة تنال رضا الله ، فذلك يكون بالتأسي برسول الله (ص) والسير تحت لوائه والاهتداء بهديه ، بذلك تكون الأمة أولى به في الدنيا والآخرة ، وإن لم تحتفل بذكرياته ، وإلا فالرسول بريء ممن لا يتبع هداه ، ولا يسير على نهجه  وإن أقيمت الاحتفالات .
ما أحوج الأمة إلى الإقتداء بجيل الصحابة الكرام أهل الفداء والنجدة ، ليذودوا عن العقائد والحرمات والى أمثال أولئك الذين تربوا في مدرسة محمد (ص) ، وتعلموا منه كيف يحبون الله وكيف يموتون لله   أولئك الذين دمّروا معاقل الظلم ، وتركوا الأعداء يولون الأدبار في أقطار الأرض .
إن حبه (ص) ليس بالاحتفالات إنما يكون بمعرفة الله وإحلال حلاله وتحريم حرامه وتوقير أحكامه وتربية الأجيال على خلقه وعبادته وجهاده .
لقد قال أحد قادة اليهود يوماً كما ورد في الصحف :" نحن نقاتل من أجل التوراة واليهودية وأرض الميعاد" ، في وقت لا يجرؤ زعماء العرب على إرسال مثل هذا التصريح في الدفاع عن القرآن ، مما يدعونا للتساؤل : هل ذكر التوراة شرف وذكر القرآن جُرْم ؟ وهل يحق للغير أن يتبجحوا بباطلهم ونتواري نحن بحقنا ؟ إن نبينا محمد (ص) أجدر إنسان في العالم لأن يقتفى أثره ويرتقب الخير في اتباع النهج الذي جاء به .
إن أمر دينه وأمته أعظم عند الله وعند الناس من هذه الاحتفالات ، وإذا لم نقرَّر ونعمل لبناء المجتمع على عقيدة محمد(ص) و شريعته  فلا داعي لهذه الإحتفالات وإظهار الولاء المكذوب  لأن هذه المظاهر لا تعمِّر قلبا خاليا من الإيمان بالله ، ولا تصوغ خلقا ، ولا تسوي صفا ، ولا تصنع مثلاً أعلى ، فهل يتعظ المسلمون ؟ ويعودوا الى الله أم تمضي فيهم سنة الأولين الذين لم يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ؟
إن الناظر الى وضع المسلمبن وما حل بهم من الهزائم المتلاحقة أمام الأعداء خلال ما مضى من سنوات ، يشعر بأن الغزو الثقافي قد حقق مراده  وأن ما غرسه الغرب في بلادنا قد آتى ثماره المرة  وأن جهوده لم تضع سدى ، حيث ركَّز جل إهتمامه على بناء مجتمعات منسلخة عن الإسلام  وتعاليمه ، مرتدة عن هويته في البيت والشارع  والمدرسة والمحكمة وسائر مناحي الحياة ، وموقف الغَرْبِ هذا ليس مستغربا منهم أياً كان القدْرُ الذي يشتمل عليه من الخسّة و المكر و الخديعة واللؤم والوحشية ، فهم كما وصفهم الله في كتابه المنزل.
بقوله تعالى :{ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق }البقرة 109 .  والمسلمون يعانون من تبعة ما حل بهم من كيد أعدائهم   ومن الهوان والضعف الذي حذَّرنا الله منه ، بعد أن علَّمنا كلَّ شيء عن مواقف الأعداء و كيدهم ومحاولتهم الدائمة لفتنة المسلمين عن دينهم ، فقال تعالى {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شياً }آل عمران 120 .
 إن الصبر المذكور في الآية و التقوى كذلك لم تكن تميمة يعلقها المسلمون على صدورهم فترد عنهم الكيد و المكر  إنما الصبر والتقوى قوة إيجابية تصد الكيد بإيجابيتها وفاعليتها بقدرٍ من الله   لقد فسد مفهوم الصبر والتقوى عند المسلمين هذه الأيام  كما فسد كل شئ في حياتهم وتصوراتهم   فتحول إلى مفهومٍ سلبي لا يغير شيئاً في واقع الحياة ، وحتى نعرف المقصود الحقيقي للصبر والتقوى يجب أن نعرف ماذا يريد الأعداء ، إنهم بالطبع يريدون أن يردوا المسلمين عن دينهم  .
أما الصبر المطلوب : فهو تحمل المشاق التي تعترض طريق الدعوة إلى عودة الحياة الإسلامية والإصرار على ذلك مهما فعل الأعداء  .
وأما التقوى المطلوبة : فهي إتقاء سخط الله وغضبه ، وذلك لا يكون إلا بتنفيذ أوامره والإنتهاء عن نواهيه ، وحين يقع الصبر والتقوى على هذه الصورة فما الذي يستطيع الأعداء فعله  إنهم لم ينجحوا في زعزعة كيان الأمة الإسلامية  إلا يوم أن قصَّر المسلمون في تنفيذ ما أمر الله به سواء كان ذلك في التقاعس عن العدة التي أمرهم الله بإعدادها لإرهاب عدو الله وعدو المسلمين أو التقاعس عن الإنفاق في سبيل الله ، وإعداد هذه القوة كما أمر الله بقوله تعالى : {وأعدو لهم ما إستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم }الأنفال 60 .  
أو كان التقصير في ترك العدل الذي أمر الله به   سواء في سياسة الحكم أو المال ، أو كان التقصير في الفرقة التي نها الله عنها وحذَّرنا منها ، أو كان في إتخاذ بطانةٍ من دون المسلمين لا يألوننا خبالا ، أو كان مما وقع فيه المسلمون من البدع والمعاصي والخرافات والجهالات  فأصابتهم السنة التي لا تتبدل ولا تتخلف وأصابهم النذير الذي حذَّرهم  منه رسول الله (ص) : (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قضعتها) .
وقد تحقق النذير بقدر من عند الله ، ولكن ذلك يسبب تهاون الأمة في حمل أمانتها التي كلفها الله بها ولا خلاص لهذه الأمة مما هي فيه ، إلا بالعودة إلى الله تعبده حق عبادته ، حتى يذهب عنهم الكيد ويرد لهم التمكين الذي وعدهم به وحققه لهم حين استقاموا على الطريق ، ثم نزعه منهم حين أخلّوا بالشرط . 



        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق