أحداث الضفة
إن ما يجري ضد أهلنا
في فلسطين قد أثار سخط واستنكار العالم
أجمع ، لفظاعة ووحشية ما يجري ، فقد وقع الكثير من القتلى والجرحى في صفوفهم ، ولا
غرابة أن يحصل ذلك من اليهود لأنهم يحملون
قلوباً قاسيةً كالحجارة أو أشد قسوة كما
وصفهم الله بقوله :{ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة}.
فقد طغوا وتجبروا
وصبوا حقدهم ونقمتهم ولؤمهم على أهلنا في الأرض المحتلة .
إن مسؤولية ما يجري
يقع على عاتق جميع المسلمين حكاماً ومحكومين ، والذين تخلوا عن الحل العسكري ،
وباركوا اتفاقيات الصلح والسلام مع اليهود ، وإن الدعم المادي واستنكار هذه
المذابح ، لا يكفي ولا يعفيهم من العمل على إزالة هذا الكيان من قلب العالم
الإسلامي .
إن الاعتداء المتواصل
على أهلنا ، لم يكن ليحصل لولا التخاذل والتواطؤ من قبل المسلمين والذي أدى إلى
هذا الاستهتار المزري والمذل لأمتنا بينما
جن جنون إسرائيل لأسر ثلاثة جنود من جيشها وليس قتلهم ، وقد استنكروا ذلك واعتبروه
إرهاباً ، وهنا نتسائل : إذا كان هذا إرهاباً فما الذي يفعلونه هم ؟ ثم ماذا نسمي
تدمير البيوت وقتل النساء والأطفال والشيوخ وما
يمارس ضد أهلنا ، أليس ذلك اعتداءً وإرهاباً ؟ وهل يحق لإسرائيل بعد
المذابح التي مارستها وما زالت تمارسها أن تصف غيرها بالإرهاب وتصف نفسها بالبراءة
.
إننا ونحن نقرأه حديث
رسول الله (ص) نقرأه وكأنه يوبخنا إذا رضينا الدنية في ديننا قال (ص) : (يوشك أن
تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكَلَةُ على قصعتها ، قالوا : أو من قلةٍ نحن
يومئذٍ يا رسول الله ؟ قال : بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل
ولينـزعن الله مهابتكم من صدور عدوكم ، وليقذفنَّ في صدوركم الوهن ، قالوا : وما
الوهن يا رسول الله ؟ قال حُب الدنيا وكراهية الموت) .
حُب الدنيا الذي جعل
المسلمين يستمرئون الذل فهل ترضى أمة
الإسلام أن تبقى غثاءً كغثاء السيل أو تتقدم لتحتل المركز الذي اختاره الله لها
واختارها له {كنتم خير أمة أُخرجت للناس}.
فما أخبر عنه الرسول
(ص) نراه قد تحقق هذه الأيام ، فقد تكالبت دول الكفر على المسلمين تقتل وتشرِّد ،
وبالمقابل نرى أنظمتنا العربية والإسلامية قد اتخذت دور المتفرج .
إن اليهود يعتبرون
القدس جزء من عقيدتهم وهذا ما أعلنه
زعمائهم مراراً وتكراراً .
فقد قال بن جو ريون :
لا معنى للقدس من غير الهيكل. وقال وزير الأديان : أرض الحرم ملك يهودي بحق
الاحتلال أو بحق شراء أجدادهم لها منذ الفي سنة .
وقد درجت الحكومات
اليهودية على توسيع الصبغة الدينية في المدينة المقدسة وبناء المستوطنات اليهودية
في جميع أجزائها ، وكان شعار باراك الانتخابي ، نريد أن نصبغ القدس الشرقية
بالطابع اليهودي الخالص . وفي الوقت الذي كان باراك يفاوض الفلسطينيين في كامب
ديفيد ، أعلن بوضوح أن القدس هي عاصمة إسرائيل الأبدية .
ولم يرض اليهود ما أبداه المفاوض الفلسطيني من
تنازلات كثيرة ، وتخليه عن مسلّمات عديدة منها : تغيير الدستور والميثاق ، وكان
التحدث عن السلام مع إسرائيل قبل عشرين عاماً يعتبر خيانة عظمى ، ويعد سلسلة طويلة
من التخدير ، اصبح رمزاً من رموز الواقعية واسترداد الحقوق ومعارضة ذلك يعتبر تطرفاً ، وكان العرب قديماً
يطالبون بفلسطين المحتلة ، فاصبحوا لا يتحدثون إلا عن الأراضي المحتلة في عام
1967م ، وكانوا يطالبون بالقدس كاملةً ، فاصبحوا لا يتحدثون إلا عن القدس الشرقية
فقط .
إن الحرب مع اليهود
ذات طابع ديني من طرف واحدٍ فقط ، إذ نجح اليهود منذ تأسيس دولتهم في عزل الإسلام
عن ساحة المعركة ، لأنهم يدركون تماماً أنه لا يمكن أن يقف في طريقهم إلا الراية
الإسلامية ، وهذا ما أعلنه بن جوريون يوماً قال : "نحن لا نخشى خطراً في
المنطقة سوى الإسلام " .
وقال بيرز بهذا
الخصوص : " إنه لا يمكن أن يتحقق السلام في المنطقة ما دام الإسلام شاهراً
سيفه ، ولن نطمئن على مستقبلنا حتى يغمد الإسلام سيفه إلى الأبد " .
فاليهود يدركون خطورة
الالتزام بمبادئ الإسلام ، لأنهم جربوا العرب عندما رفعوا الشعارات الثورية ،
فكانت هراء محض يراد بها تحقيق مكاسب نفعية حزبية وشخصية يسهل ترويضها وتدجينها ،
فهم كما قال القائل :
ألقاب
مملكة في غير موضوعها كالهر يحكي
انتفاخاً صولة الأسد
لهذا جن جنون اليهود
عندما أُعلن عن انتفاضة الأقصى المباركة ، جهاداً في سبيل الله بالحجر متمثلين قول
القائل:
خرجوا
على الأعداء يلقون الحجر ويكبرون وفي
حناجرهم عمر
فـــإذا
الحجارة في الصباح قنابل والطفل ليث
في المعارك والخطر
وإن الدعوة لإيقاف
هذا المد بدلاً من مساندته يعتبر خيانة ، لأن المسؤولية جسيمة والمنطقة تمر بمنعطف
خطير ، والأمر جدّ ليس بالهزل ... فهل نعي ذلك .
ليست المصيبة أيها
الأخوة أن تجابه الأمة بالتحديات ، فهذه وقائع العلاقات الدولية منذ كانت هناك دول
وأمم ، ولكن المصيبة الأعظم الاستسلام للتحديات أو الضعف أمامها فقد واجهت الأمة
الإسلامية على مدار التاريخ تحديات صعبة واجتازتها ، واجهت الفرس والروم
والصليبيين والتتار وكانت الغلبة النهائية للإسلام والمسلمين ، وليست هذه المحنة
بدعاً من التحديات ، فمواجهتها ليست صعبة ومستعصية وإن ذلك مقدور عليه لمن اخلص العمل وجد واجتهد ،
وبذل المهج والأرواح في سبيل الله .
إن كل الدلائل تشير
إلى الانحياز الأعمى والدعم غير المحدود من أمريكا لإسرائيل بدأً من الرئيس ترومان
الذي اعترف بقيام دولة إسرائيل قبل أن تطلب منه ذلك ، وانتهاءً بكلينتون الذي أعلن
مراراً أنه لن يخذل إسرائيل أبدا ، وإن لسان حال الغرب ما دام القتل في المسلمين فليس
ذلك جريمةً في قانون بلادهم ، ولوكان ذلك مخالفاً لقوانينهم ما دام الأمر يتعلق
بالإسلام والمسلمين ، كما نسي الغرب حقوق الإنسان والقوانين الدولية ما دام القتل
والجرائم الوحشية ترتكب ضد المسلمين
واصبح عملهم لا يعدو عقد اً لاجتماع وراء اجتماع ، وتكوين لجنة أو لجان
للمساعدة في القتل البطيء للمسلمين .
إنهم يستذلون الأمة ولا يقفون في إذلالها عند
حد لأنهم يريدون السيطرة ويريدون
التوسع فينشئون بذلك رد فعل دائم يتزايد
باستمرار ويسوِّلُ لهم شيطانهم أن يمضوا
في العدوان فلا يرجعون ، وحين يحدث رد الفعل ذات يوم فلمن يتجه الناس ؟ إنه لا متجه لهم إلا
الإسلام مع أن واقع المسلمين وبعدهم
الشديد عن حقيقة الإسلام ، سواء في التصور أو السلوك لهو من أشد العوامل التي
تصدُّ الناس عن الإسلام ، وكما كان سلوك المسلمين الأوائل الملتزمين بالإسلام عاملاً من عوامل نشر الإسلام في أكثر بلاد
العالم فكذلك نجد سلوك من ينتسبون إلى
الإسلام اليوم من أكبر عوامل الصد عن الإسلام .
ولكنهم يحملون
مسئوليتهم مع ذلك ، نحو أنفسهم ونحو البشرية ، ولا يعفيهم كل ما وقعوا فيه من الذل
والهوان ، بل إن ذلك ليضاعف مسئوليتهم ، لأنهم ما وقعوا فيه إلا لتفريطهم في هذا
الدين الذي قال الله فيه : { فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراطٍ مستقيم وإنه لذكرٌ لك ولقومك وسوف تسألون} الزخرف 42 .
فماذا هم قائلون
لربهم غداً حين يسألهم ؟ وأي وزر يحملونه إذا احتاجت إليهم البشرية غدا فلم تجدهم
في المكان الذي ينبغي أن يكونوا فيه مكان
الأمة التي تحمل الهدي الرباني وتبينه للناس
فأما الله فلن يعجزه تخاذل الذين يحملون اسم الإسلام اليوم وهم عنه غافلون
، وإذا أراد الله أن يهدي البشرية إلى الدين الحق فقد حذَّرهم بقوله تعالى : { وإن
تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثمّ لا يكونوا أمثالكم } القتال 38 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق