حقيقة البر
يظن
بعض الناس خطأ أن البر هو العبادة وحدها ، وهذا غير صحيح لأن البر يشمل العقيدة
والعبادة والأخلاق وتنظيم العلاقات الاجتماعية ، وقد أنزل الله آية جمعت أصول البر
كلها ، ذكر فيها بعض أركان الدين وهي الإيمان والإسلام ، وذكر فيها قواعد الإيمان
وبعض قواعد الإسلام وهي الصلاة والزكاة وحددت صفة الصادقين المتقين قال تعالى:)
ليس
البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتابِ والنبيين وآتى
المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابنَ السبيل والسائلين وفي الرقاب
وأقامَ الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء
والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون(البقرة
177
ليس
المطلوب من العبد أن يتوجه إلى الله بجهة مخصوصة
ولكن البر المطلوب أن يعتقد بقلبه هذه الأشياء وأن يظهر على جوارحه ما
يصدّق صحة اعتقادها ، وذلك كالاتصاف بالسخاء والكرم فيعطي المال على محبته له وقد
سئل رسول الله r
أي الصدقة افضل ؟ ( فقال أن تتصدّق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر ) .
فقوله :) آتى المال على حبه (
يعطينا إما منـزلة إخراجه من الملك وإما منـزلة إخراجه من القلب الذي يحبه ، ولذلك
يعيب الله على جماعة من الناس يريدون العمل على طاعة الله ، لكنهم لا ينفقون لله
إلا مما يكرهون فيقول في حقهم )
ويجعلون
لله ما يكرهون (
.
ولكن
لمن يكون ذلك المال الذي ينطبق عليه القول إنه لذوي القربى ، مع أن المفروض في الإنسان
المؤمن أن يجعل كل الناس قرباه ، نذكر في هذا المقام قصة معاوية عندما كان أميراً
للمؤمنين ودخل عليه الحاجب وهو يقول: يا أمير المؤمنين رجلٌ بالباب يدّعي أنه أخوك
، فقال معاوية : أبلغ بك الأمر ألا تعرف إخوتي ؟ أدخله ، فلما دخل الرجل قال له
معاوية : أي إخوتي أنت ؟ قال أخوك من آدم ، فقال معاوية رحمٌ مقطوعة ، والله
لأكونن أول من وصلها وأكرمه . فإذا كان
الإنسان لا يستطيع أن يصل قرباه من الناس كافة ، ألا يستطيع أن يصل خاصة أقاربه ؟
ولأن الحث على البر أول ما جاء فيه هو إيتاء ذوي القربى لأن لهم مكانة خاصة لقول رسول الله r
( صدقتك على المساكين صدقة وعلى ذوي القربى إثنتان صدقةٌ وصلة ) وعندما يعطي كل منا أقاربه ويحملهم على فائض
ماله فلن يوجد محتاج ، وإذا وجد فسيكون قليلا تتسع له الزكاة الواجبة .
وفيها
حضٌ على إعطاء اليتامى لإهمالهم ، والمساكين الذين أسكنهم الفقر في بيوتهم ، وابن
السبيل المسافر الغريب أو الضيف ، والسائلين الذين يضعون أنفسهم موضع السؤال وفي
الحديث ( أعط السائل ولو على فرسه ) وعنه r
:
(
هدية الله إلى المؤمن السائلُ على بابه ) لأنك لا تعرف لماذا يسأل ، بعض الناس
يبررون الشح فيقولون : إن كثيراً من السائلين هم قوم محترفون للسؤال ، نقول لهم :
ما دام قد سأل انتهت المسألة ، وما دام قد عرض نفسه للسؤال فأعطه ولا تتردد ، ولن
تخسر شيئا من عطائه ، فلأن تخطىء في العطاء خيرٌ من أن تصيب في المنع .
ومن
أوجه البر إقامة الصلاة في أوقاتها على الوجه المطلوب شرعا وإيتاء الزكاة ، وذلك
لمن أراد أن يدخل في مقام الإحسان ، وهو أن تلزم نفسك بشيء لم يفرضه الله عليك ،
ولذلك عندما سئل رسول الله r
هل في المال حقٌ غير الزكاة ؟ ذكر رسول الله r
هذه الآية ليس البر .. هذه أوجه البر المطلوبة ، والزكاة أيضاً مطلوبة ، وفي مصرف
الزكاة لا يوجد ذوو القربى ولا اليتامى ، ففي البر هناك أشياء غير موجودة في
الزكاة ، وكأن لسان الحال إذا أردت أن تفتح لنفسك باب البر مع الله فوسع دائرة
الإنفاق ، وستجد أن البر قد أخذ حيزاً كبيرا من الإنفاق لأن المنفق مستخلف عن الله ، والله هو الذي
خلق الإنسان وما دام خلقه فهو مكلفٌ
بإطعامه ، فإذا أنفقت على المحتاج من خلقه ، فإنك تتودد إلى الله بمساعدة
المحتاجين من خلقه دون أن يلزمك به ، ولذلك يقول الله )
من
ذا الذي يقرض الله قرضاً حسنا فيضاعفه له أضعافاً كثيرة(
البقرة
245 .
إذا
كان هو الذي أعطى المال فكيف يقول أقرضني ؟ ذلك لأنه سبحانه لا يرجع فيما وهبه لك
من نعمة المال ، فمالك هبة من الله ، لكن إن احتاجه أخ لك مسلم ، لا يقول لك أعطه
من عندك أو أقرضه ، إنما يقول لك أقرضني أنا ، لأني خلقته ورزقه مطلوب مني ، وكأنك
حين تعطيه تقرض الله ، وهذا معنى الآية فهو سبحانه متفضلٌ بالنعمة ثم يسألك أن
تقرضه . ولنا عبرة وعظة من السيدة فاطمة عندما دخل عليها رسول الله r
فرآها ممسكة بدرهم والدرهم يعلوه الصدأ وأخذت تجلوه ، فسألها : ما تصنعين يا فاطمة
؟ قالت أجلو درهماً قال : لماذا ؟ قالت : لأني نويت أن أتصدق به قال وما دمت
تتصدقين به فلماذا تجلينه ؟ قالت : لأني أعلم أنه يقع في يد الله قبل أن يقع في يد
المحتاج .
وأخيراً
يتبع الله قوله عن البر كلمة التقوى ، فكل حكم يعقبه السبب من تشريعه هو التقوى
، ومعناها أن تتقي معضلات الحياة
ومشكلاتها بأن تلتزم منهج الله وتطبقه فتكون اتقيت المشكلات ، أما من يعرض عن تقوى
الله فإن الله يخبر عن مصيره بأن له
معيشة ضنكا قال تعالى :
)
ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا (
طه 144 . وليست التقوى هي اتقاء النار كما يظن إنها أعم وشمل ، إنها اتقاء
المشكلات التي تنشأ عن مخالفة منهج الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق