ترك
الجهاد سبب مصائبنا
إن
من أعظم ما ينبغي تجريد النية له لإقامة الدين
ورفع راية التوحيد الجهاد قال تعالى: } وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ
ويكونَ الدينُ لله { البقرة 193 . وقد شرع الجهاد
ضد الأعداء حتى يكفوا عن عدوانهم قال تعالى : } وقاتلوا في سبيل الله الذين
يقاتلونكم { البقرة 190 . أمرٌ من الله إذا
اجتمع الأعداء على حربنا أن نجتمع على حربهم ونقاتلهم ، وألا نكتفي بالإدانة
ورفع الشكاوى والتداعي لعقد
المؤتمرات والاجتماعات قال تعالى:
}وقاتلوا
المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة{التوبة
36 فالمعركة معهم معركة العقيدة والمنهج
الذي ينبثق من هذه العقيدة ، وهذه لا تعالجها الاتفاقات ولا التداعي لعقد
المؤتمرات ، إنما يعالجها الجهاد في سبيل الله ، لذا حض القرآن الكريم على الجهاد
لتخليص المستضعفين من أيدي الكفرة الذين يسومونهم سوء العذاب قال تعالى : } وما لكم لا تقاتلون في سبيل
الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه
القريةِ الظالمِ أهْلُها { النساء 75 .
فيجب
على المسلمين نصرة إخوانهم عند حاجتهم لذلك قال تعالى: } وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر { الأنفال 73 . لأن التقاعس عن ذلك
يؤدي إلى فتنٍ عظيمة من اختلاف الكلمة إلى ضعف الإيمان إلى ظهور الكفر والفساد الكبير المتمثل في سفك
الدماء قال تعالى: } إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض
وفساد كبير {ا
لأنفال 73 .
وإذا
كان الإنسان قد يفقد حياته في موقف من مواقف الرجولة والشجاعة فهل الجبن والتخاذل
يحمي حياته من شرّ المهالك ؟ بالطبع لا ! لأن الذين
يموتون في ميادين الحياة وهم يولون الأدبار
ويعيشون في ذلة واحتقار ، أضعاف الذين يموتون وهم يقتحمون الأخطار بحثاً عن
حياة العز والفخار ، والأمة التي تخاف على رجالها في ساحة الجهاد تفقدهم أيام
السلم والاستسلام ، وإذا لم تقدمهم إلى ساحات الجهاد أبطالاً يستشهدون وهم سادة
كراما ، فإنها تقدمهم للعبودية
يشنقون على مذابح الشهوات
والخيانات .
وإذا كانت سنة الحياة تقضي بأن الشيء وضده
يكلفان الكثير ، فلماذا نرضى بالحقير ولا نطمع في الخطير ؟ وإن الذين يتجاهلون
التضحية في سبيل الله ، هم أناس ليسوا من الدين في شيء ولا من الدنيا في شيء ،
وقليل عليهم أن يفنوا وهم أحياء . ولماذا هذا الصمت المريب والسكوت المشين على ما
يجري من الدول القوية التي تضرب وتدمر ؟ ولماذا تولّي الدول المضروبة المغصوبة
الأدبار ؟ أليس من سخرية القدر أن يضحي أصحاب العدوانية وينكص أصحاب الإيمان ؟
ولماذا لا يلتفت المسلمون إلى قوله تعالى الذي خاطب به المؤمنين في صراحة مبينا لهم أن المغارم قسمة عادلة ، بين
المؤمنين والكافرين جميعاً في ميادين الشرف والبقاء فأيما إنسان نكص على عقيبه مهزوماً ، فقد خسر
رعاية الله وعنايته قال تعالى لأصحاب
الحق : } إن يمسسكم قرح فقد مس القوم
قرح مثله {.آل عمران
فالشدَّة
بعد الرخاء والرخاء بعد الشدَّة ، هما اللذان يكشفان عن معادن النفوس وطبائع
القلوب ، ودرجة الثقة بالله أو القنوط من رحمة الله ونصره .
قال تعالى: } ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن
تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون { النساء 104 إنه لا يفرُّ من الجهاد والاستشهاد في سبيل
الله إلا خائن مجرم ، وفي الآية ما يدل على تشجع المؤمنين على الجهاد ، يتوجه
المؤمنون به إلى الله ويرتقبون عنده
الجزاء وقد جاء في القرآن آياتٌ أخرى ، تشجع على الجهاد والإقدام على قتال الأعداء
، وعدم اللجوء إلى غير هذا الخيار ، وإلا حل غضب الله بالمتقاعسين قال تعالى : } ومن يولهم يومئذٍ دبره إلا
متحرِّفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير { الانفال 16 .
وإن
قلب المؤمن ينبغي أن يكون راسخاً ثابتاً ، لا تهزمه في الأرض قوة ، لأنه موصول
بقوة الله الغالب على أمره القاهر فوق عبادة ، وما يجوز للمؤمن أن يترك الجهاد
خوفاً على الحياة ، لأن الله يوهن كيد الكافرين
ويضعف تدبيرهم وتقديرهم
قال تعالى :
} ذلكم وأن الله موهن كيد
الكافرين { فلا مجال للخوف ولا مجال للهزيمة ولا مجال لأن
يولّي المؤمنون الأدبار ، عندما يعلن
الكفار الحرب على الإسلام والمسلمين .
وليحمل
المسلمون مواثيق الكرامة بعزة وإباء وشمم ، وليدفعوا الثمن في سبيل الله طوعاً
وإلا دفعوه في سبيل الشيطان رغماً عنهم قال تعالى : } قل لن ينفعَكُم الفِرارُ إن
فررتم من الموت أو القتل وإذن لا تُمَتعون إلا قليلا ، قل من الذي يَعْصِمُكم من
الله إن أراد بكم سوء أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا
نصيراً { الأحزاب 16 . فقدر الله هو
المسيطر على الأحداث والمصائر يدفعها في
الطريق المرسوم وينتهي بها إلى النهاية المحتومة ، والموت قدر لا مفر من لقائه في
موعده ومن يعيش لنفسه فقط لا ينتفع به
وطن ولا تعتز به عقيدة ولا ينتصر به دين ، ومن يعيش من أجل إشباع شهواته فهذا لا
قيمة له ، ومثل هؤلاء الناس لا يساوي في ميزان الإسلام شيئاً ، ولا يستحق في
الدنيا نصراً ولا في الآخرة أجرا ، ولا قيمة لإنسانٍ آمن ولم يسترخص في سبيل الله
النفس والمال ، وقد بين لنا القرآن أن الرجل قد يعيش آمنا في سربه سعيداً في
تجارته ومطمئناً في وظيفته مستقراً في بيته ومستريحاً بين أولاده وزوجته ، لكنه
إذا دعى داعي الجهاد وجب عليه أن ينهي هذا كله ، ولا يفكر إلا في نصره لربه وحماية
دينه ، وإلا فإن الإسلام منه بريء .
قال
تعالى : } قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم
وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادَها ومساكنُ
ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمرهِ
والله لا يهدي القوم الفاسقين { التوبة 24 . وضعت الآية كل
الأقرباء في كفة ، والعقيدة ومقتضياتها وحب الله ورسوله والجهاد في سبيله في كفة
أخرى .
فحب
الله ورسوله وحب الجهاد في سبيله ، جهاد مجرد من الصيت والذكر والظهور مجردٌ من
المباهاة والفخر والخيلاء ، مجردٌ من إحساس أهل الأرض به ، وإشارتهم إليه وإشادتهم
بصاحبه وإلا فلا أجر ولا ثواب جاء رجل
إلى النبي e فقال : الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل للذكر والرجل يقاتل ليرى
مكانه ، فمن في سبيل الله ؟ فقال : ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في
سبيل الله ) . ومن هنا يؤخذ على من يعلنون عمن يقومون بالعمليات الاستشهادية ، لما
يجرُّ ذلك من أذى يصيب ذويهم وإخوانهم المسلمين ، علماً بأن هذا النوع من
العمليات جائز ، عند وجود التعذر أو الصعوبة في التغلب على العدو ، كما أن في هذا
النوع من العمل نوعاً من الردع ، وهي من قبيل الاستشهاد المبرر لأن الذين يقومون بها قد يقتلون على يد الكفار
وسلاحهم ، كما أنهم يقدمون عليها من غير أي تفكير للخروج منها وهم على قيد الحياة
، وهي جائزة بالقياس على مسألة التترس
التي جاز فيها قتل المسلمين إذا تترس بهم الكفار في الحرب وذلك في حالة الضرورة التي لا بد منها ،
تفادياً لضرر أشد ، والمقتول فيها شهيداً في الدنيا والآخرة ، ويكون قد حصل على
المنـزلة الشريفة في قوله تعالى : } إن الله اشترى من المؤمنين
أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة { التوبة 111.
إن
الأمة المسلمة لتخدع عن حقيقة المعركة بينها وبين الأعداء ، إذا فهمت أو أُفهمت
أنها معركةٌ أمنيةٌ لمنع الإرهاب ، كلا
وألف كلا ! إنها معركة العقيدة والمنهج الذي ينبثق من هذه العقيدة وهذه لا ينفع معها عقد المؤتمرات ولا تعالجها
الاتفاقات ، لأن علاجها لا يكون إلا
بالجهاد يتوجهون به إلى الله بلا خوف ولا
و جل ، وما ساد المسلمون إلا يوم أن قهروا نوازع الخوف وقتلوا القعود ، وعرفتهم
ميادين الموت أبطالاً يركبون الصعاب ، وما طمع الطامعون فيهم إلا يوم أن أخلدوا
إلى الأرض ، وأحبوا معيشة السلم والجري وراءه ، وكرهوا أن يدفعوا ضرائب الدم
والمال ، التي لا بد منها لحماية الحق وصيانة الشرف ، ولا بد منها لمنع الحرب
وتأييد السلام إن كرهنا الحرب وأحببنا السلام .
أما
الذين يحبون عيشة الراحة والاستكانة ، رغم ما يتهددهم من أخطار ، قانعين بما يسد
جوعة المعدة ويواري السوءة ، فتلك لعمري أحقر حياة وأذلها ، ولا يليق ذلك بأمة
كريمة على نفسها كريمة على الله اورثها كتابه وكلفها أن تعمل به وأن تدعوا الناس
إليه .
وأي
نصر يطلبه أهل الحق إذا أغلوا حياتهم ، على حين يرخص أهل الباطل أنفسهم في سبيل ما
يطلبون ؟ وإذا بخلنا على الله بضريبة الدم والمال فكيف نطمع في نصره والأمل في جنته وهو يقول : } إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون { التوبة 11 .
إن
الإسلام دين فداء واستشهاد ، وهو ما سلكه أسلافنا الذين جاهدوا في سبيل الله تحت شعار :
اطلب الموت توهب لك الحياة .
وقد
كان هذا
الشعور
هو الدعامة التي بنو عليها تاريخهم فعاش من عاش سعيداً ، ومات من مات شهيداً ، أما
الذين ينصرفون إلى الدنيا تاركين دينهم ينهزم في كل ميدان ، فلن يُؤمَّنُ لهم نصيب
من خير الدنيا ولن يذوقوا حلاوة الإيمان
، وقد قال النبي e : ( لن يؤمن أحدكم حتى
أكون أحب إليه من نفسه وولده والناس ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق