السبت، 25 أكتوبر 2014

لماذا الانحياز

إن المتابع للواقع الأليم الذي يعيشه المسلمون وفي فلسطين بالذات  ، حيث لم يبق بيت إلا ناله من جرائم اليهود الكثير ، من القتل والهدم على مرأى ومسمع العالم بدعوى مقاتلة المجاهدين الفلسطينيين ، الذين يعانوا من القتل والحصار والاستئصال الصهيوني بكل الوسائل الحربية والذي لم يحرّك ساكناً لدى الإدارة الأمريكية   وبدلاً من أن توقفها عند حدها ، كما فعلت في العراق ويوغسلافيا وتنوي فعله في أفغانستان  نجدها تتحاشى حتى الإدانة الكلامية ، حتى أن تشيني نائب الرئيس الأمريكي صرح قائلاً : إن لإسرائيل الأسباب التي تسوِّغ ما تقوم به من عمليات ، وفي مؤتمر الأمم لمكافحة العنصرية  رفض وصف الصهيونية بالعنصرية .
وهنا نتساءل : أين الحرية ؟ وأين حقوق الإنسان وأين حقوق الشعوب في تقرير مصيرها ؟     والتي طالما نادى بها الغرب واتخذت حيال تجاوزها المواقف الصلبة ، كالحصار والقصف الجوي ، أم أن ذلك لشعوب دون شعوب ولدول دون دول ؟ وهو الحاصل أمام المذابح الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني .
قد يكون لبعض الدول تصرفات ومواقف لا تُرضى  لكن ما بال الشعوب تهان وتحاصر وتحطم مقدراتها ، بينما دولة اليهود تعربد وتضرب بالقوانين الدولية عرض الحائط ، وتستهتر بكل المبادئ والأنظمة المرعية  فلم لا تُتْخَذُ ضدها تلك الإجراءات ؟ ولم لا تمس لها شعرة وهي لا تقل انحرافاً ولا همجية عما تسمية أمريكا الدول المارقة  إن ما تفعله إسرائيل أثار حفيظة بعض الغربيين أنفسهم ، ولا أدل على ذلك من بث التلفزيون البريطاني للبرنامج الوثائقي عن جرائم رئيس دولة اليهود ، والمذابح التي تبين ضلوعه فيها .
كما  أذاعت القناة الرابعة للتلفزيون البريطاني مؤخراً   برنامجاً آخر بعنوان الحكام السرّيون في العالم الذي أذاعه المذيع البريطاني المعروف ديفيد إيك قال عن هؤلاء الحكام : إنهم الذين يمسكون بلجام القوة في العالم ويعيثون فساداً فيه ، وقد أحدث هذا ردود فعل إيجابية ضد الغطرسة اليهودية ، كما جاء في مقال نشرته صحيفة الحياة   هذه هي سلوكيات الصهاينة التي لا يقبلها شرع ولا عقل ، ومع ذلك نجد الغرب يتجاهلون هذه الحروب العنصرية والهمجية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل ، وكأنها تصرّ على الوحشية بدون مراعاة ، حتى لآداب اللياقة الدولية مع الدول التي تربطها بهم مصالح وعلاقات ، ولكن كما قيل "من أمن العقاب أساء الأدب".
إنه لا أمل لنا بانحياز الغرب ضد إسرائيل ، وإن تحقيق العدالة الدولية مستبعداً لأسباب عقائدية وتاريخية ، وهو ما ذكره الله في كتابه فقال :
 } ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم { .البقرة 120
إنهم يشايعون بعضهم البعض رغم زيف معتقداتهم   مما يجعلنا نتساءل : لماذا يكون أعدائنا أكثر إيماناً بعقائدهم الباطلة منا بعقائدنا الصحيحة ؟
ولماذا يكونون أكثر التزاماً بمنطلقاتهم الدينية في الموالاة والمعاداة لبني دينهم ؟
 لقد شهدنا ونشهد هذا واضحاً كيف حال أمريكا مع اليهود ، وروسيا والصرب السلافيين في حربهم للمسلمين في البوسنة والهرسك والبلقان  إنهم يؤيدون ويدعمون بعضهم غير آبهين لما يسمى بالقوانين الدولية ، ولا مبالين بمعاناة المسلمين إزاء ما يوجه إليهم من عدوان وحشي   ولم يعد خافياً على أحد عداء أعدائنا لديننا وأمتنا   إلا على من ختم الله على قلوبهم وأبصارهم  الذين انحازوا ضد إخوانهم في العقيدة   مما يتنافى مع مبادئ ديننا ، ويجعلهم محل مقت المسلمين واستنكارهم ، وحتى المنصفين من الغرب يستنكرون ذلك ، فقد نقل عن وليام ستولزفوس السفير الأمريكي في أكثر من دولة عربية قال :   " إن المصالح الأمريكية تختلف اختلافاً بَيّناً بين المبادئ العامة التي تنادي بها واشنطن ، مثل مناصرة الديمقراطية والدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان ، وعندما تصطدم المصالح الأمريكية بالمبادئ ، لن تتردد بالتضحية بالمبادئ من أجل المصالح ، وخاصةً إذا كان ذلك يهدد المصالح الأمريكية والإسرائيلية " .
وقد حذر السياسي الأمريكي عضو مجلس الشيوخ بول فندلي في كتابه من يجرؤ على الكلام ؟ حذر من اللوبي الصهيوني و أدواره المشبوهة في الحياة الأمريكية ، وائتمان الإدارة الأمريكية بأوامره ، والسؤال هنا : لماذا يضيق أولئك المنصفون بانحياز بلادهم لإسرائيل ونحن متساهلون وغير مبالين ؟ ذلك لأن المسلمين رفضوا تحمّل تبعة دينهم وكأنهم ينتظرون عصا موسى عليه السلام ، عنوان التخاذل اليهودي في تحمّل المسؤولية فقد كان قوم موسى يعتمدون في منهج حياتهم على منطق العصا الذي يعني عندهم عدم المشاركة في تحمّل المسؤولية ، لتحقيق الغاية التي تستلزم الإعداد والتخطيط والأداء وعندما جاء رسول الله e نسخ منطق العصا إلى منطق المواجهة فقال تعالى :}واعدوا لهم ما استطعتم من قوة { .
وقد ترجم صحابة رسول الله e هذا إلى واقع   فتغنى التاريخ بسيرهم مخلداً ذكراهم شاهداً ببطولاتهم ، فلم نسمع عن عصا محمد ، لكن سمعنا عن صاحب الغار وعن فاروق الأمة وعن أمين الأمة وعن سيف الله المسلول ، وعن الكثير ممن لا ينساهم الزمان وإن تناستهم الأمة.
والعجيب أن أخوان القردة وأشباههم يتعاملون اليوم بمنطق قوله تعالى : } وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة { . ليترجموها إلى تفكير عميق وبحث دقيق وتخطيط جيد ، وتنفيذ وأداء  ليباغتونا بتحقيق أهدافهم ، ابتداءً من تدمير الخلافة وانتهاءً بالعمل على طمس هوية المسلمين   فيتحولوا إلى أذيال يقفون بين خيارين : إما التبعية العمياء والرضى بالمذلة والمهانة وطمس قواعد الدين .  وإما التخاذل والاعتزال عن طريق الجهاد  واتباع منطق } لم تعظون قوماً اللهُ مهلكُهُم أو معذِّبُهُم عذاباً شديدا { . الأعراف 164 ، وانتظار عصا موسى التي ستعيد لهم المجد المسلوب واللبن المسكوب ، وأما العوام فينغمسون في محاكاة عدوهم ، وفيهم من يتبعون كل ناعق ، فإن تكلم فيهم الرويبضة ودعا إلى خلع الدين على أعتاب المسجد ، صفقوا وهللوا ، وإن قيل لقانون الله إنك لا تصلح وقيل لقانون نابليون إنك أنت الأصلح رضوا واستحسنوا   وإن دعى إلى حكم الشعب بالشعب لأجل الشعب ونسيان منهج الرب ، وافقوا وأيدوا . وإن دعوتهم إلى اتباع منهج الله وسنة رسوله e ادعوا عجزهم ، وعدم مقدرتهم على تحمّل تبعات الدعوى ، وأجابوا بمنطق عصا موسى ، لا أمل لنا في النجاة إنا لمدركون ، وإن قلت لهم لنحاول رد العدوان ونتوكل على الله ، قالوا بمنطق قوم موسى
}اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون { وإن عاودت وكررت الدعوة على ضرورة العمل من أجل عزَّة هذا الدين }جعلوا أصابعهم في آذانهم { إلا من رحم ربك ممن يعملون بالمستوى الرافع للإثم فضلاً عن الجالب للأجر
لقد فرَّط المسلمون في المحافظة على دينهم وكيانهم   ولكل تفريط هزيمة وبكل هزيمة عار ، عار إلغاء الخلافة ، وعار ضياع القدس وفلسطين ، وكان وراء كل عار فرار وتوليه و إدبار ، وقبل ذلك توالت الهزائم ، مع أن الله تكفل لنا بفرار الأعداء من أمامنا إذا واجهناهم مستقيمين على أمره مستحقين لنصره ، مصداقاً لقول الله عن الكفار عموماً : } ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون ولياً ولا نصيرا ً{.الفتح 22
وقال عن اليهود خصوصاً  } لن يضروكم إلا أذى ثم لا ينصرون  {.آل عمران 111
لكنهم انتصروا ولا يزالون فهل تختلف السنن الإلهية أم كنا نحن المختلفين ؟
إن المرحلة التي تمر بها أمتنا تشير كل أسهمها إلى أن اليهود ومن ورائهم النصارى يريدون أن يلحقوا بنا عاراً أكبر من كل ما مضى ، وإن حصل هذا فسيعني أن كل ما مضى وإن حصل في عصرنا ، قد فاق نصيب الأمة التي كتبت عليها الذلة ، وإلا فكيف ينتصرون علينا ؟
والسؤال الذي يطرح نفسه : هل هناك نجاةٌ مما نعاني ؟ إن النجاة تكمن في معالجة الأمور على منهاج النبوة ، ويوم يكون الدين سلاحاً روحياً ومادياً ومطبقاً بالفعل ، لأنه لا يمكن للمسلمين أن تكون لهم الغلبة إذا تجردوا من دينهم ، ولا يمكن أن يصمدوا بقلوبٍ خربة أمام اليهود ، لذا مني المسلمون بالهزائم المتلاحقة أمام اليهود لفقدان العقيدة وعدم الالتزام بالمنهج ، فكان على المسلمين أن يستيقظوا من غفلتهم ليدافعوا عن دينهم وأرضهم وتاريخهم ، في وجه الهجمة القذرة التي تستهدف اجتثاث جذورنا والتطويح برسالتنا ومكانتنا ، والأمة التي تؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة ، ينبغي ألا تحرص على حياة الذل والهوان ، والمسكنة والاستسلام   والرضا بالأمر الواقع ، والخنوع للعدو الكافر الذي جار وبغى ، والذي ينبغي أن نقاتله كما أمر الله بقوله :]واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم [ البقرة 191    



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق