إن
القدس التي تئن تحت نير الأسر والتدنيس بأيدي قتلة الأنبياء ، ينبغي أن تظل في
القلب مهما عمل اليهود على تغيير حقيقتها الإسلامية وإن أي تفريطٍ في القدس هو تفريط في عرضنا
وشرفنا ، لأن للقدس مكانة عظيمة في الإسلام وفي قلوب معتنقيه ، لما لها من أهمية
إسلامية ولأنها أرض الجهاد والتضحية ، وفي
الحديث:( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين ، لا يضرهم من
خالفهم حتى يأتيهم أمر الله عز وجل وهم كذلك ، قالوا يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس ) .
إن
قضية القدس ، ستظل دائماً وأبداً هي التحدي الأكبر ، الذي يواجه المسلمين في كل
زمانٍ ومكان ، كما أن المحافظة على القدس وبقائها تحت سلطان المسلمين ، أمانةً
دينية في عنقهم والله محاسبهم عليها . أما ماذا عمل المسلمون من أجل القدس هذه
الأيام ؟
إن
كل ما عملوه ويعملونه هو الإدانة والاحتجاج وتقديم الشكاوى إلى مجلس الأمن ، وحكام
إسرائيل يُصَرِّحون بأن لا تراجع عن القدس الموحدة ، يا للعجب العجاب ، أصحاب الحق
تائهون وغافلون ، واليهود يعلنون في تبجح سافر
عن أحلامهم في تهويد القدس ، يا أسفاه وحسرتاه على قومٍ غفلوا عن حقهم ،
وأعطوا الدنية في دينهم .
إن
حقيقة وجوهر الصراع على القدس ليس صراعاً حول الأرض ، وإنما هو صراع بين الإسلام
كعقيدة وشريعة ومنهج حياة ، وبين الصليبية الحاقدة ، التي تؤازر اليهود على التمسك
بالقدس ، وموقف مليار مسلم ، موقف الذل والهوان ، لأن هذه الكثرة المسلمة ، انسلخت
من حبل الله فصارت غثاء كغثاء السيل ، وتداعت الأمم عليها ، وفقدت هيبتها ،
وقُذِفَ في قلوب المسلمين الوهنُ ، الذي فسره النبي (ص) : ( بأنه حب الدنيا
وكراهية الموت ) .
إنها
حقيقة مرة مؤلمة ، لقد فقد المسلمون سرَّ قوتهم وعزتهم ، فأصبحوا كثرةً بلا هدف
ولا عقيدة ولا منهج حياة . إنهم يعيشون
واقعاً مريراً افتقدوا فيه دولتهم وعزتهم
وكرامتهم ويعيشون متفرقين ، الفرقة التي
أغرت أعداءنا فسلبونا كياننا ، ومسخوا
شخصياتنا ، وتجرؤا على مقدساتنا ، وما قدسنا العزيز ببعيد .
إن
الإسلام ليعتبرُ إنقاذ القدس واجباً إسلامياً وفرضاً دينياً ، وذلك لا يكون إلا
بالجهاد ، وليس بالاستنكار والاحتجاج ، الذي لا يُقام له وزنٌ في الوقت الذي تريد إسرائيل أن تفرض أمراً
واقعاً وذلك بسعيها إلى تغيير المعالم
والأوضاع في القدس لصالحها ، عن طريق نزع الأراضي
والاستيلاء عليها ، لبناء مساكن
للمستوطنين اليهود ، وطرد العرب من منازلهم ، وعدم السماح لهم ببناء مساكن لهم
ومصادرة أراضيهم وبناء المستوطنات عليها ،
على مشهد من المسلمين ، وبشكل استفزازي مؤلم ، واعتداء صارخ على حقوق المسلمين ،
وقدسية أماكنهم المقدسة ، كل ذلك والمسلمون في عزلةٍ وتخاذل وتنازع واختلافٍ
وعداءٍ ، لأنهم لا يعيشون إلا لأنفسهم ، ولا يفكرون في غيرهم ، حتى أصبحت غالبية
الشعوب الإسلامية ، تعبد المال والمركز والجاه والسلطان ، فصاروا ضعفاء بعد أن
كانوا أقوياء ، وأذلاء بعد أن كانوا أعزاء ، ولن يستعيدوا مجدهم ، إلا بالإيمان
الصادق ، واتحاد الكلمة ، والتعاون المخلص ، والقضاء على الفساد ، ونبذ الأهواء ،
والمنافع الخاصة التي يجرون وراءها ، ولن تستعيد الأمةُ مجدها وقوتها إلا إذا رجعت إلى كتاب ربها ، طريقةً ومنهج
حياة ، ونظام حكم ، عندها لن يستطيع اليهود فرض مخططاتهم علينا ، والتمادي في
إذلالنا واكل حقوقنا ، ولن تستطيع أية أُمةٍ في العالم أن تستهين بالمسلمين ،
وتتحكم فيهم ، وتسيطر عليهم ويومها ينتصر
المسلمون على الأعداء المغتصبين ، كما انتصر المسلمون الأوائل .
إن
فلسطين بلدٌ إسلامي ، فتحه الصحابة الكرام وارتوى ثراه بدمائهم الزكية الطاهرة ، وسيظل
بلداً إسلامياً ، إلى أن تقوم الساعة ، ولتحقيق ذلك لا بد من إعلان الجهاد ، في
الوقت الذي توحدت فيه دول الكفر ، على
عداوتنا ومقاومتنا الأمر الذي لا يجيز لنا
التخاذل أمامها ، وكيف يتخاذل من يشاهد تكالب الكفر ، بقضه وقضيضه ، للبطش بإخوان
لنا ، يعانون من الاحتلال والمسلمين من
حولهم ، لا يلقون بالاً لما يحدث ، وكأن ما يجري يقع على سطح كوكب آخر ، مع أن
الأمة هي نفسها الضحية ، وهي المتآمر عليها ، وخيراتها هي موضع السلب والنهب ،
ودماؤها هي التي تنزف ، وأبناؤها هم الذين يقتلون ، ومقدساتها هي محل البحث .
وعقيدتها هي المتآمر عليها بالدعوة للجمع بين المسلم واليهودي ، بأزالة العداوة
وإيجاد روح المودة بينهما .
إن
الكافر يعمل جاهداً لجعل المسلم يأخذ من دينه الجانب الذي يتناسب مع أجواء الحياد
والمودة مع أعداء الله ، اليهود والذين أشركوا الذين قرّرَ الله عداوتهم بقوله : {لتجدن
أشدَّ الناس عداوة للذين لآمنوا اليهود والذين أشركوا}المائدة 82 . هذا النص
القرآني الكريم يدفع كل مؤتمرات التعايش
بين الأديان ، ووقوف الرهبان والأحبار مع المنحرفين من علماء المسلمين وتركيز مفهوم أن الإسلام ، دين السلام بشكل
مغلوط ، وغير ذلك من المواقف الخبيثه الظاهرة والخفية ، لإبعاد الأمة عن منهج
عقيدتها ، وما هو لازم لهذه العقيدة ، من وحدانية الله ، وربوبيته والولاء
لعباده والبراء عن اعدائه قال تعالى :{إنما
ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين و أخرجوكم من دياركم ، وظاهروا على إخراجكم
أن تولوهم ، ومن يتولهم ، فأولئك هم الظالمون }الممتحنة 9 .
إن
الأمة تنتظر المخلصين الأوفياء ، للعمل لتخليصها مما هي فيه ، لنزع ثياب المذلة
والمهانة والوضاعة في وقت المت بالأمة
المحنُ من كل صوب ، وأحدقت بها الأخطار من كل ناحية والكفار يسيطرون على بلاد المسلمين ومقدراتهم من خلال خنوع وخضوع الفئة المتسلطة التي ترزح
تحت سيادة أنظمة الكفر ، وتعاني من الذلة والانكسار ، مما يَفْرِضُ علينا كمسلمين
، البحث عن الرؤية الواضحة الصادقة ، التي يتلوها العمل الجاد والحازم، لتغيير هذا
الواقع ورد كيد الكافرين والمنافقين وأشياعِهِمْ
وإعادة الأمة إلى سابق عزها ومجدها ، خير أمةٍ أُخرجت للناس .
وأخيراً
يسوءني أن الكرة وتفاهاتها تسيطر على قلوب الناس ، وما علموا أنها وسيلة من وسائل
الصهيونية للسيطرة على الشعوب ، ألا ترون أن الكل مشغول بمتابعة المباريات ،
وإسرائيل تخطط للسيطرة التامة على فلسطين ، وحكام المسلمين اكتفوا بالإهتمام
بجولات أبناء الأمة في ساحة الوغى الكروية
وكفى ، سواء ذهبت القدس أو لحقتها فلسطين ، علماً بأن الأمة لن تنال حقها وتسترد ما فقد منها إلا بدماء الشهداء ، ولن
تسترد كرامتها وعزتها ، إلا في ساحات الجهاد لا بالركض وراء الكرة .
يا
عجباً والله متى كان اللعب يحقق للأمم عزّاً ومجدا ولو تصفحنا تاريخ الأمم ، لما وجدنا أمة منها
وصلت الى القمة بالتلهي الفارغ ، وإنما بالجد والمثابرة والعمل المستمر ، وما
استسلمت أمة للترف والنعيم
والتسلي بسفا سف الأمور إلا هانت ،
تلك هي قوانين الحياة ، وما درى العاكفون على الكرة وتفاهاتها أنهم يضرون بمصلحة
الأمة أو دروا ولكنهم ماكرون خادعون يريدون لهذه الأمة أن تبقى في سباتها وصدق
الله القائل : { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا
}الإسراء 16 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق