كثيرٌ
من الأمراض يكون سببها الشياطين إن لم يكن أغلبها ، فهذا أيوب عليه السلام قد عانى
من المرض الشديد ، وكان ذلك بسبب مس شيطاني قال تعالى ﴿ واذكر عبدنا أيوب إذ نادى
ربَّه أني مسني الشيطان بِنُصُبٍ وعذاب ﴾ ص 42 . وكلمة نُصُبٍ تعني المرض ،
والعذاب هو شدَّة الألم وقوة المرض ، وللحماية والتحصين من أمراض الشياطين ، عليك
أخي المسلم بقراءة آية الكرسي لما روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله
e قال
( إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ، فإنك لن يزال عليك حافظ من الله ولا
يقربك شيطانٌ حتى تصبح ) . وإن اللجوء إلى الرقى ضروريٌّ لعلاج كثرٍ من الأمراض
.
وقد
استُدِلَ على مشروعية التداوي بالرقى بحديث جابر الذي روه مسلم أن رسول الله
e قال
:( لكل داء دواء فإذا أصيب الداء برأ بإذن الله عز وجل ) قال المناوى في فيض
القدير : في الحديث إشارة إلى مشروعية
التداوي لأن الأشياء تُدواى بأضدادها ، فإن لاقى الدواء الداء برئ المريض بإذن
الله تعالى ، وقد يتأخر البرء .
وقال
القرطبي : هذه كلمة صادقة العموم لأنها خبر عن صدق محمد e عن الخالق ،
ألا يعلم من خلق ، فالداء والدواء خلقه ، والشفاء والهلاك فعله ، وربط الأسباب
بالمسببات حكمته وحكمه وكل ذلك بقدرٍ لا
معدول عنه ، ولهذا كانت وصفات النبي e الطبية قطعية
متيقنة .
قال
ابن القيم :"وليس طبه e كطب
الأطباء فإن طب النبي
e متيقن
قطعي إلهي صادر عن الوحي ومشكاة النبوة وكمال العقل وطب غيره أكثر حدس وظنون
وتجارب ، ولا ينكر عدم انتفاع كثيرٍ من المرضى بطب النبوة ، لأنه إنما يَنْتَفِعُ
به من تلقاه بالقبول واعتقاد الشفاء به
".
يقول
ابن قتيبة في شرح قوله تعالى ﴿ أو ألقى السمع وهو شهيد ﴾ إذا حصل المؤثر وهو القرآن
، والمحل القابل وهو القلب الحي ، ووجد الشرط وهو الإصغاء وانتفى المانع وهو اشتغال القلب عن معنى
الخطاب إلى شيءٍ آخر ، حصل الأثر.
وقد
استعمل النبي e في العلاج
ثلاثة أنواع من الأدوية أحدها : العلاج بالأدوية الطبيعية
مثل
العسل والحبة السوداء والثاني : العلاج بالأدوية الإلهية كالرقى بآيات القران
والثالث : العلاج المركب من الأمرين ، فالأدوية الطبيعية تناسب البدن والأدوية
الإلهية تناسب البدن والروح معاً ، لذا ينبغي على المسلمين استعمال النوعين من
الأدوية ، دون إفراط أو تفريط أو دون إهمالٍ لأحدهما عن الآخر . وهناك من
يُفْرِطون في التداوي بالأدوية الإلهية من الرقى والتمائم والتعويذات ، ويهملوا
الدواء الطبيعي ولم يقفوا عند الرقى
الشرعية بل أدخلوا معها ما ليس له معنى ، فكتبوا التمائم بأساليب الدجل و الشعوذة
، واتخذوها خرافة ومورداً للرزق فضلوا وأضلوا وأوقعوا الناس في حبائلهم وأكلوا
أموالهم بالباطل . والاعتدال في ذلك يكون باتباع هدى النبي e في علاج
الأمراض ، بحيث يجمع بين التداوي بالأدوية الطبيعة والعقاقير الطبية التي دلت
الأبحاث العلمية على فائدتها في علاج الأمراض
وبين التداوي بالأدوية الإلهية من الرقى الشرعية التي ضبطتها الشريعة
الإسلامية ، ومما يؤيد ذلك ما روى عن جابر قال : ( مرض الحسن بن علي فعاده النبي
e فأصابه
موعوكا – محموماً - فانكب عليه يقبله ويبكي ، فهبط جبريل فقال : هذه هدية من الله
لك ولأهل بيتك . فأمر عبد الله بن رواحه أن يكتب فدعا بجام – إناء من فضة - وعسل
نحل فقال : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ﴿
لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً....إلى آخر السورة ﴾ وآية 41 -45 من سورة فصلت ﴿ وإنه لكتاب عزيز لا
يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ﴾
ثم دعا بماء المطر فغسله وسقاه فبرأ من ساعته ، فقال النبي e : ( معاشر أمتي
هذه هدية الله فتداوا بها ) . وروى البخاري ومسلم عن عائشة قالت : كان رسول الله
e إذا اشتكى
الإنسان الشيء منه أو كانت به قرحة أو وجع قال بإصبعه هكذا ووضع سفيان سبابته
بالأرض ثم رفعها وقال : ( بسم الله تربة أرضنا بَريقَةُ – طعام - بعضنا يشفي
سقيمنا بإذن ربنا ) . وعن عائشة أن النبي e كان يُعَوِذُّ
بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول :
( اللهم
رب الناس أذهب البأس ، إشف أنت الشافي ، لا شافي إلا أنت ، شفاءً لا يغادر سقماً
) .
أما
كيفية المعالجة بالرقى فتكون بالقراءة على المريض والدعاء له ، من ذوي المعرفة
والخبرة في مجال الرقية ، ومعرفة الآيات المناسبة للمرض وتشخيص الحالة ، ومن ذوي الخبرة في استدراج
ومجاهدة ومقارعة الشياطين وسحرة الجن . روى البخاري عن عائشة قالت كان الرسول
e يعوِّذُ
بعضهم يمسحه بيمينه : ( أذهب البأس رب الناس وأشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك
شفاءً لا يغادر سقماً ) .
وروى
مسلم أن النبي e قال:
( للذي شكا وجعا في جسده ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل : بسم الله ثلاثاً وقل
أعوذ بالله وقدرته من شرِّ ما أجد وأحاذر ) . وتكون بتعاطي ماء الرقية والسوائل
المقروء عليها فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنه كانت تقرأ بالمعوذتين في إناء
ثم تأمر أن يصب على المريض "
ولأن
القرآن مبارك ، والبركة تلحق كلَّ شيء يلاقيه من ماء وغيره . فيكون الماء مباركاً
ببركة القرآن الكريم ، فيقع بذلك الماء الشفاءُ , إن شاء الله تعالى ، وروى
الترمذي عن أبي سعيد الخدري أن النبي e كان يتعوذ
ويقول : ( أعوذ بالله من الجان ومن عين الإنسان فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما
) .
والقرآن
كلُّه شفاء يصحُّ التداوي بأيه سورة أو آية منه لقوله تعالى : ﴿ وننـزل من القران
ما هو شفاءٌ ورحمة للمؤمنين ﴾ الإسراء 82
.
ولكن
الأولى تحرّي الآيات والسور التي ورد استعمالها في الرقى والتعويذات لإعطاء نتائج
طيبة وسريعة ومن ذلك :
1- فاتحة
الكتاب 2- المعوذات
3- أسماء
الله وصفاته التي ورد ذكرها في القرآن
4- آيات
الأدعية والأذكار
كما
وردت في السنة تعويذات لكثيرٍ من الأمراض فكان النبي e إذا مرض رقاه
جبريل عليه السلام فقال : ( بسم الله يبريك ومن كل داء يشفيك ومن شرِّ حاسد إذا
حسد وشرِّ كل ذي عين ) .
ولا
تجوز الرقى والتمائم بأي نوع من أنواع الشرك لقول رسول الله e : ( لا بأس بالرقى
ما لم يكن فيه شرك ) .
واتفق
العلماء على منع التداوي بالرقى التي تتضمن السحر ، كالعقد والعزائم والطلسمات أو ممن يدعي تسخير الجن له ، وتسخير
الشياطين ومردتهم الذين لا يتعاونوا مع الساحر إلا بعد التنازل عن عقيدته ودينه ،
وأن يعصي الله ويعبد ما سواه .
ذكرت الأنباء
عن ساحر بالوجه القبلي في مصر أنه كان يطلب من أعيان الناس أن يلقوا خواتمهم في
البحر فإذا فعلوا أعادها إليهم ، وكان يأتي بعجائب أكثر من ذلك فلما مات أراد ابنه
أن يزاول صنعته فنهته أمه عن ذلك ، فلما سألها عن السبب فتحت دولاباً وأخرجت منه
صنماً وقالت له : إن أباك كان يسجد لهذا الصنم لكي تساعده الشياطين على إظهار
العجائب ، فلا تكفر كما كفر أبوك .
ويحرُم
على المؤمن التداوي بالحجاب الذي يكتبه الحجاب ، بما هو منصوص عليه في بعض الكتب
البعيدة كل البعد عن هدى النبي e في الرقى
والتمائم . قال الشيخ الألباني رحمه الله : " واشتط آخرون فاستغلّوا هذه
العقيدة الصحيحة وألحقوا بها ما ليس منها مما غيَّر حقيقتها فساعدوا بذلك المنكرين لها وجعلوها مهنة لهم لأكل أموال الناس بالباطل
" .
ولا
يجوز طلب الاسترقاء عند هؤلاء لما روى البخاري عن عائشة قالت :" سأل ناس رسول
الله e عن الكهان
فقال : ( ليس بشيء فقالوا يا رسول الله ؟ إنهم يحدثوننا أحيانا بشيء فيكون حقا
فقال رسول الله e : تلك الكلمة من
الحق يخطفها الجني فيُقِرُّها في أذن وليِّه فيخلطون معها مائة كذبة
) .
وبعد
: فقد كثرت مغريات الحياة في الوقت الحاضر
، وصارت هي شغل الناس الشاغل ونُقضت كثيرٌ
من عرى الإيمان ، وقلت الأذكار فوجد
الشيطان فرصته للانقضاض على القلوب الفارغة من ذكر الله ، فكثر المس الشيطاني وعجز الطب عن علاج هذه الحالات ، وانتشرت
المصحات النفسية ، وطرق الكثير من الناس أبواب السحرة والمشعوذين دون جدوى ، ولكن
الخير في الأمة موجود ، فهناك بعض الرقاة الذين يستقبلون الناس للرقية الشرعية
طبقاً للسنة النبوية الذين نسأل الله لهم
الثبات والتوفيق وإخلاص النية والله وليُّ
التوفيق .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق