السبت، 25 أكتوبر 2014

التداوي بالرقى الشرعية

كثيرٌ من الأمراض يكون سببها الشياطين إن لم يكن أغلبها ، فهذا أيوب عليه السلام قد عانى من المرض الشديد ، وكان ذلك بسبب مس شيطاني قال تعالى ﴿ واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربَّه أني مسني الشيطان بِنُصُبٍ وعذاب ﴾ ص 42 . وكلمة نُصُبٍ تعني المرض ، والعذاب هو شدَّة الألم وقوة المرض ، وللحماية والتحصين من أمراض الشياطين ، عليك أخي المسلم بقراءة آية الكرسي لما روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله e قال ( إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ، فإنك لن يزال عليك حافظ من الله ولا يقربك شيطانٌ حتى تصبح ) . وإن اللجوء إلى الرقى ضروريٌّ لعلاج كثرٍ من الأمراض .
وقد استُدِلَ على مشروعية التداوي بالرقى بحديث جابر الذي روه مسلم أن رسول الله e قال :( لكل داء دواء فإذا أصيب الداء برأ بإذن الله عز وجل ) قال المناوى في فيض القدير :  في الحديث إشارة إلى مشروعية التداوي لأن الأشياء تُدواى بأضدادها ، فإن لاقى الدواء الداء برئ المريض بإذن الله تعالى ، وقد يتأخر البرء .
وقال القرطبي : هذه كلمة صادقة العموم لأنها خبر عن صدق محمد e عن الخالق ، ألا يعلم من خلق ، فالداء والدواء خلقه ، والشفاء والهلاك فعله ، وربط الأسباب بالمسببات حكمته وحكمه  وكل ذلك بقدرٍ لا معدول عنه ، ولهذا كانت وصفات النبي e الطبية قطعية متيقنة .
قال ابن القيم :"وليس طبه e كطب الأطباء   فإن طب النبي e متيقن قطعي إلهي صادر عن الوحي ومشكاة النبوة وكمال العقل وطب غيره أكثر حدس وظنون وتجارب ، ولا ينكر عدم انتفاع كثيرٍ من المرضى بطب النبوة ، لأنه إنما يَنْتَفِعُ به من تلقاه بالقبول واعتقاد الشفاء به  ".
يقول ابن قتيبة في شرح قوله تعالى ﴿ أو ألقى السمع وهو شهيد ﴾ إذا حصل المؤثر وهو القرآن ، والمحل القابل وهو القلب الحي ، ووجد الشرط وهو الإصغاء   وانتفى المانع وهو اشتغال القلب عن معنى الخطاب إلى شيءٍ آخر ، حصل الأثر.
وقد استعمل النبي e في العلاج ثلاثة أنواع من الأدوية أحدها : العلاج بالأدوية الطبيعية
مثل العسل والحبة السوداء والثاني : العلاج بالأدوية الإلهية كالرقى بآيات القران والثالث : العلاج المركب من الأمرين ، فالأدوية الطبيعية تناسب البدن والأدوية الإلهية تناسب البدن والروح معاً ، لذا ينبغي على المسلمين استعمال النوعين من الأدوية ، دون إفراط أو تفريط أو دون إهمالٍ لأحدهما عن الآخر . وهناك من يُفْرِطون في التداوي بالأدوية الإلهية من الرقى والتمائم والتعويذات ، ويهملوا الدواء الطبيعي  ولم يقفوا عند الرقى الشرعية بل أدخلوا معها ما ليس له معنى ، فكتبوا التمائم بأساليب الدجل و الشعوذة ، واتخذوها خرافة ومورداً للرزق فضلوا وأضلوا وأوقعوا الناس في حبائلهم وأكلوا أموالهم بالباطل . والاعتدال في ذلك يكون باتباع هدى النبي e في علاج الأمراض ، بحيث يجمع بين التداوي بالأدوية الطبيعة والعقاقير الطبية التي دلت الأبحاث العلمية على فائدتها في علاج الأمراض   وبين التداوي بالأدوية الإلهية من الرقى الشرعية التي ضبطتها الشريعة الإسلامية ، ومما يؤيد ذلك ما روى عن جابر قال : ( مرض الحسن بن علي فعاده النبي e فأصابه موعوكا – محموماً - فانكب عليه يقبله ويبكي ، فهبط جبريل فقال : هذه هدية من الله لك ولأهل بيتك . فأمر عبد الله بن رواحه أن يكتب فدعا بجام – إناء من فضة - وعسل نحل فقال : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم  ﴿ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً....إلى آخر السورة ﴾  وآية 41 -45 من سورة فصلت ﴿ وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه  ولا من خلفه ﴾ ثم دعا بماء المطر فغسله وسقاه فبرأ من ساعته ، فقال النبي e : ( معاشر أمتي هذه هدية الله فتداوا بها ) . وروى البخاري ومسلم عن عائشة قالت : كان رسول اللهإذا اشتكى الإنسان الشيء منه أو كانت به قرحة أو وجع قال بإصبعه هكذا ووضع سفيان سبابته بالأرض ثم رفعها وقال : ( بسم الله تربة أرضنا بَريقَةُ – طعام - بعضنا يشفي سقيمنا بإذن ربنا ) . وعن عائشة أن النبي e كان يُعَوِذُّ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول :
( اللهم رب الناس أذهب البأس ، إشف أنت الشافي ، لا شافي إلا أنت ، شفاءً لا يغادر سقماً ) .
أما كيفية المعالجة بالرقى فتكون بالقراءة على المريض والدعاء له ، من ذوي المعرفة والخبرة في مجال الرقية ، ومعرفة الآيات المناسبة للمرض  وتشخيص الحالة ، ومن ذوي الخبرة في استدراج ومجاهدة ومقارعة الشياطين وسحرة الجن . روى البخاري عن عائشة قالت كان الرسول e يعوِّذُ بعضهم يمسحه بيمينه : ( أذهب البأس رب الناس وأشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقماً ) .
وروى مسلم أن النبي  e قال: ( للذي شكا وجعا في جسده ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل : بسم الله ثلاثاً وقل أعوذ بالله وقدرته من شرِّ ما أجد وأحاذر ) . وتكون بتعاطي ماء الرقية والسوائل المقروء عليها فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنه كانت تقرأ بالمعوذتين في إناء ثم تأمر أن يصب على المريض "
ولأن القرآن مبارك ، والبركة تلحق كلَّ شيء يلاقيه من ماء وغيره . فيكون الماء مباركاً ببركة القرآن الكريم ، فيقع بذلك الماء الشفاءُ , إن شاء الله تعالى ، وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري أن النبي e كان يتعوذ ويقول : ( أعوذ بالله من الجان ومن عين الإنسان فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما ) .
والقرآن كلُّه شفاء يصحُّ التداوي بأيه سورة أو آية منه لقوله تعالى : ﴿ وننـزل من القران ما هو شفاءٌ ورحمة للمؤمنين ﴾  الإسراء 82 .
ولكن الأولى تحرّي الآيات والسور التي ورد استعمالها في الرقى والتعويذات لإعطاء نتائج طيبة وسريعة ومن ذلك :
1- فاتحة الكتاب                2- المعوذات
3- أسماء الله وصفاته التي ورد ذكرها في القرآن
4- آيات الأدعية والأذكار
كما وردت في السنة تعويذات لكثيرٍ من الأمراض فكان النبي e إذا مرض رقاه جبريل عليه السلام فقال : ( بسم الله يبريك ومن كل داء يشفيك ومن شرِّ حاسد إذا حسد وشرِّ كل ذي عين ) .
ولا تجوز الرقى والتمائم بأي نوع من أنواع الشرك لقول رسول الله e : ( لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك ) .
واتفق العلماء على منع التداوي بالرقى التي تتضمن السحر ، كالعقد والعزائم  والطلسمات أو ممن يدعي تسخير الجن له ، وتسخير الشياطين ومردتهم الذين لا يتعاونوا مع الساحر إلا بعد التنازل عن عقيدته ودينه ، وأن يعصي الله ويعبد ما سواه .
 ذكرت الأنباء عن ساحر بالوجه القبلي في مصر أنه كان يطلب من أعيان الناس أن يلقوا خواتمهم في البحر فإذا فعلوا أعادها إليهم ، وكان يأتي بعجائب أكثر من ذلك فلما مات أراد ابنه أن يزاول صنعته فنهته أمه عن ذلك ، فلما سألها عن السبب فتحت دولاباً وأخرجت منه صنماً وقالت له : إن أباك كان يسجد لهذا الصنم لكي تساعده الشياطين على إظهار العجائب ، فلا تكفر كما كفر أبوك .
ويحرُم على المؤمن التداوي بالحجاب الذي يكتبه الحجاب ، بما هو منصوص عليه في بعض الكتب البعيدة كل البعد عن هدى النبي e في الرقى والتمائم . قال الشيخ الألباني رحمه الله : " واشتط آخرون فاستغلّوا هذه العقيدة الصحيحة وألحقوا بها ما ليس منها مما غيَّر حقيقتها  فساعدوا بذلك المنكرين لها  وجعلوها مهنة لهم لأكل أموال الناس بالباطل " . 
ولا يجوز طلب الاسترقاء عند هؤلاء لما روى البخاري عن عائشة قالت :" سأل ناس رسول الله e عن الكهان فقال : ( ليس بشيء فقالوا يا رسول الله ؟ إنهم يحدثوننا أحيانا بشيء فيكون حقا فقال رسول الله e : تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيُقِرُّها في أذن وليِّه فيخلطون معها مائة كذبة ) .
وبعد :  فقد كثرت مغريات الحياة في الوقت الحاضر ، وصارت هي شغل الناس الشاغل  ونُقضت كثيرٌ من عرى الإيمان ، وقلت الأذكار   فوجد الشيطان فرصته للانقضاض على القلوب الفارغة من ذكر الله ، فكثر المس الشيطاني   وعجز الطب عن علاج هذه الحالات ، وانتشرت المصحات النفسية ، وطرق الكثير من الناس أبواب السحرة والمشعوذين دون جدوى ، ولكن الخير في الأمة موجود ، فهناك بعض الرقاة الذين يستقبلون الناس للرقية الشرعية طبقاً للسنة النبوية   الذين نسأل الله لهم الثبات والتوفيق وإخلاص النية  والله وليُّ التوفيق .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق