إن الإسلام يخوف من الذنوب ، ويربي في الضمير ملكة المحاسبة ، ويجعل المسلم حذراً من مقاربة أي فعلٍ يغضب الله ، وإذا كانت النفس الإنسانية ، لا تسلم من الإلمام بالصغائر غالباً ، فقد كرَّس الإسلام اهتمامه في محاربة الكبائر . قال تعالى : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نُكفِرْ عنكم سيئاتكم }النساء 31 .
لقد حد
الإسلام حدوداً ، أمر بعدم تجاوزها ، وفرض فروضاً طالب بها ، ومن رحمته أنه لم
يأمر إلا بما ينفع العباد ، ولم ينه إلا عما يضرهم ، لأن الله سبحانه وتعالى ، لا
تنفعه طاعة الطائعين ، ولا تضرُّه معصية العاصين .ولكنه حذَّر من المعصية ، لما
فيها من أضرار ورغَّب في الطاعات لما فيها من خير .
إن من يعص الله أول مرّة ، يحس أنه أتى أمراً
عظيما ، اضطرب له قلبه ، وأنبه ضميره ، فإذا عاد إلى المعصية ، هان عليه أمرها ،
وإن استمر على فعلها ، وأصرَّ عليها ، أصبحت له عادة ، وأصبح أسيراً لها ، لا
يستطيع تركها ، فتحيط به ، وتدخله النار،كما قال سبحانه :{بلى من كسب سيئةً ،
وأحاطت به خطيئته ، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }البقرة 81
والمعاصي التي كرهها
الله للناس ، متفاوتة الضر والخطر ، فمنها اللطيف ، الذي ترجى منه السلامة ، ومنها
الجسيم ، الذي قد يقطع الصلة بالله ، ويجتاح أصل الإيمان ، ويعرِّض فاعله للهلاك .
وقد تَعْرِضُ
للمعاصي ظروف ، تجعل إثمها أغلظ ، سواءٌ ممن وقعت منه ، أم ممن وقعت عليه ،
فالعدوان على الأعراض فاحشة ، فإذا أصابت هذه الفاحشة امرأة الجار مثلاً ، كانت
أشد فحشا من الكبيرة . عن المقداد بن الأسود قال : قال رسول الله ﷺ
لأصحابه ( ما تقولون في الزنا ؟ قالوا :حرام ، حرَّمه الله ورسوله ، فهو حرام
إلى يوم القيامة ، قال: فقال رسول الله ﷺ
لأصحابه : لأن يزني الرجل بعشر نسوة ، أيسر من أن يزني بامرأة جاره )
رواه أحمد .
وللمعاصي الموجبة للعقاب أسماء عدة ذكرها القرآن
هي :
1- الخطيئة:
وهي اقتراف الذنب عمداً . قال تعالى :{مما خطيئاتهم أُغرقوا فأُدخلوى نارا}نوح
25
2- الذنب
: وهو الإثم والجرم والمعصية . قال تعالى: {فأهلكناهم بذنوبهم }الأنعام 6
3- الإثم
: وهو الذنب ، وقيل ما لا يحل . قال تعالى :{ الذين يكسبون الإثم سيجزون بما
كانوا يفترون}الأنعام 120
4- الفسوق
: وهو العصيان والترك لأمر الله ، والخروج عن طريق الحق ، والميل إلى العصيان .
قال تعالى : {فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون }
البقرة 59
5- السوء
: وهو الفجور والمنكر . قال تعالى :{إنهم كانوا قوم سوء، فأغرقناهم أجمعين
}الأنبياء 77
6- العصيان
:وهو مخالفة العبد أمر ربه . قال تعالى:{ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم}الجن
23
7- العتو
: وهو المبالغة في الإثم ، أو هو المتمرد الذي لا يقبل موعظة . قال تعالى :{وكأين
من قرية عتت عن أمر ربها ورُسُله فحاسبناها حساباً شديدا} الطلاق 8
8- الفساد
: وهو نقيض الصلاح . قال تعالى : {فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب}
الفجر 12
ومن المعاصي
الكبائر ، التي شدَّد الإسلام في اقترافها ، وهي التي جاءت على لسان الشارع ،
مقترنةً بوعيدٍ شديدٍ في الآخرة ، أو عقابٍ كبير في الدنيا .
والمعاصي
ثلاثة أنوع هي :
1 - أكبر
الكبائر : ويُخلدُ مرتكبها في نار جهنم ، وهي أربعة : الكفر وقتل النفس المؤمنة
بغير حق والحكم بغير ما أنزل الله ، والربا . ألحق بها ، التولّي يوم الزحف ،
وشهادة الزور .
2- الكبائر :
وهي التي يستدعي الإصرار عليها ، الجزاء في جهنم لأجل ، إن لم يغفر الله ، وقد قيل
لا كبيرة مع استغفار ، ولا صغيرة مع إصرار . ومنها : السرقة والزنى والنميمة
والكذب .
3- الصغائر
: وهذه تكفرها الأعمال الصالحة ، كالنظر إلى حرام ، وأكل الشبهات . ومن الصغائر
اللمم وقد ورد ذكرها في قوله تعالى : { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ،
إلا اللمم ، إن ربك واسع المغفرة } النجم 35 .
واللمم :
الصغائر من الذنوب ، التي لا يسلم من الوقوع فيها ، إلا من عصمه الله وحفظه ،
كالنظرة والغمزة ، وهذه تكفرها الصلوات الخمس . لقوله ﷺ : (
الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مُكفراتٌ ما بينهنَّ ،
إذا اجتنبت الكبائر ) رواه مسلم
إن الذنوب تؤدي إلى ظلمة القلب ، وإذا أظلم
القلب قسا ، وابتعد صاحبه عن الله ، وكان مصيره الخسران في الدنيا والآخرة . قال
رسول الله ﷺ :
( إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتةٌ سوداء في قلبه ، فإن تاب ونزع - أي كف _
واستغفر ، صُقل قلبه ، فإن زاد زادت ، فذلك الران الذي ذكره الله في كتابه . كلا
بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) رواه أحمد وابن ماجة .
وقال بعض
السلف : المعاصي بريد الكفر ، كما أن القبلة بريد الجماع ، والغناء بريد الزنا ،
والنظر بريد العشق ، والمرض بريد الموت .
وإذا انتشرت
المعاصي في أمة أهلكتها ، لقول رسول الله ﷺ : ( إذا
ظهر الزنا والربا في قريةٍ ، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله ) رواه الطبراني
. وقد تكون سبباً في حرمان الرزق . ورد في
الحديث : ( وإن الرجل ليُحرَمُ الرزق بخطيئةٍ يعملها
) رواه ابن ماجة .
إن المعاصي تضرّ ، وما من شدَّةٍ نقاسي منها ،
وضيقٍ نُعاني منه ، إلا سببه الذنوب والمعاصي . عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله ﷺ
يقول : ( إذا ظهرت المعاصي في أمتي ، عمهم الله بعذابٍ من عنده ، فقلت يا رسول
الله أما منهم يومئذٍ ناسٌ صالحون ؟ قال : بلى ، قلت فكيف يُصْنَعُ بأولئك ؟ قال :
يُصيبهم ما أصاب الناس ، ثم يصيرون إلى مغفرةٍ من الله ورضوان ) رواة أحمد
.
من الناس من
يظن أنه لو فعل ما فعل ثم قال : أستغفر الله ، زال الذنب وراح هذا بهذا . ومنهم من
يقول : أنا أفعل ما أفعل ، ثم أقول سبحان الله وبحمده مائة مرَّة ، فيُغْفَر لي
بعد ذلك . لما صح عن النبي ( ض ) أنه قال : (من قال في يومٍ سبحان الله وبحمده
مائة مرَّة ، حُطت عنه خطاياه ، ولو كانت مثل زبد البحر ) .
لقد نسي هذا
وذاك ، أن حسن الظن بالمغفرة ، إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة ، ولا يتأتى
أبداً إحسان الظن بالله مع أسباب الهلاك .
وهذا فريقٌ
آخر من الناس يتكلُ على قوله ﷺ حاكياً عن ربه ( أنا عند حسن ظن
عبدي بي ، فليظن بي ما شاء ) . لا شك في أن حسن الظن بالله ، إنما يكون
مع الإحسان ، فالله يجازي المحسن على إحسانه ، ويقبل توبته ، ولا يُخْلِفُ الله
وعده ، فمن تاب وندم وأقلع ، وبدل السيئة بالحسنة ينفعه حسن الظن بالله . وقد ورد
الترغيب في إتيان الحسنات ، واجتناب الذنوب . روى مسلم أن رسول الله ﷺ
قال فيما يرويه عن ربه : ( إذا هم عبدي
بسيئةٍ ، فلا تكتبوها عليه ، فإن عملها فاكتبوها سيئة ، وإذا هم بحسنةٍ ، فلم
يعملها ، فاكتبوها حسنةً ، فإن عملها فاكتبوها عشراً ) .
أما المسيء المصر على الكبائر والمخالفات ، فإنه
لا يحْسِنُ الظن بربه ، لأنه عاصٍ لله ، بينما أحسن الناس ظناً بالله أطوعهم له ،
فكيف يدَّعي الإنسان ، أنه يحسن الظن بالله ، وهو شاردٌ عنه ؟ وقد قيل إن المؤمن
أحسن الظن بربه ، فأحسن العمل ، وإن الفاجر أساء الظن بربه ، فأساء العمل . وكيف
يُحسن الظن بالله من عادى دينه ، ووالى أعدائه ، وتعاون معهم .
بالله عليكم ،
ما ظن الظلمة بالله ؟ إذا لقوه ومظالم العباد عندهم ، وما ظنهم أن يفعل بهم ؟ إذا
لقوه يوم لا ينفع مال ولا بنون ، فما ينفعهم وقد تعاونوا مع أعداء الله ، إلا أن
يُعذبهم عذاباً شديدا .
كثيرون من
الناس ، من اعتمدوا على رحمة الله وعفوه ، فضيعوا أمره ونهيه ، ونسوا أنه شديد
العقاب ، وأنه لا يُرَدُ بأسه عن القوم المجرمين . قال الحسن : إن قوماً ألهتهم
أماني المغفرة ، حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة ، يقول أحدهم ، لأني أحسن الظن
بربي ، وكذب ، لو أحسن الظن لأحسن العمل .
وقد يقول قائل
: إن العصاة والكفرة ، يتنعمون في الدنيا ، ولهم الغلبة والقوة فيها على المسلمين
، فما هو سرُّ ذلك ؟ إننا يمكن أن نلمس الإجابة في حديث رسول الله ﷺ
الذي رواه الإمام أحمد قال : إذا رأيت الله عز وجل يعْطي العبد من الدنيا ، على
معاصيه ما يحب ، فإنما هو استدراج ، ثم تلا قوله تعالى :{ فلما نسوا ما ذكروا به ،
فتحنا عليهم أبواب كل شيء ، حتى إذا خرجوا بما أُوتوا ، أخذناهم بغتة فإذا هم
مبلسون } الأنعام 44 .
وقال بعض
السلف : إذا رأيت الله يتابع عليك نعمةً ، وأنت مُقيمٌ على معاصيه فاحذره ، فإنما
هو استدراج منه يستدرجك به . ولنا في قول رسول الله ﷺ أسوةٌ حسنةً
: ( إن الله يُعطي الدنيا من يُحب ومن لا يحب ، ولا يُعطي الإيمان إلا من يحب
) رواه الترمذي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق