السبت، 25 أكتوبر 2014

المعاصي

         إن الإسلام يخوف من الذنوب ، ويربي في الضمير ملكة المحاسبة ، ويجعل المسلم حذراً من مقاربة أي فعلٍ يغضب الله ، وإذا كانت النفس الإنسانية ، لا تسلم من الإلمام بالصغائر غالباً ، فقد كرَّس الإسلام اهتمامه في محاربة الكبائر . قال تعالى : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نُكفِرْ عنكم سيئاتكم }النساء 31 .

لقد حد الإسلام حدوداً ، أمر بعدم تجاوزها ، وفرض فروضاً طالب بها ، ومن رحمته أنه لم يأمر إلا بما ينفع العباد ، ولم ينه إلا عما يضرهم ، لأن الله سبحانه وتعالى ، لا تنفعه طاعة الطائعين ، ولا تضرُّه معصية العاصين .ولكنه حذَّر من المعصية ، لما فيها من أضرار ورغَّب في الطاعات لما فيها من خير .
 إن من يعص الله أول مرّة ، يحس أنه أتى أمراً عظيما ، اضطرب له قلبه ، وأنبه ضميره ، فإذا عاد إلى المعصية ، هان عليه أمرها ، وإن استمر على فعلها ، وأصرَّ عليها ، أصبحت له عادة ، وأصبح أسيراً لها ، لا يستطيع تركها ، فتحيط به ، وتدخله النار،كما قال سبحانه :{بلى من كسب سيئةً ، وأحاطت به خطيئته ، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }البقرة 81
 والمعاصي التي كرهها الله للناس ، متفاوتة الضر والخطر ، فمنها اللطيف ، الذي ترجى منه السلامة ، ومنها الجسيم ، الذي قد يقطع الصلة بالله ، ويجتاح أصل الإيمان ، ويعرِّض فاعله للهلاك .
وقد تَعْرِضُ للمعاصي ظروف ، تجعل إثمها أغلظ ، سواءٌ ممن وقعت منه ، أم ممن وقعت عليه ، فالعدوان على الأعراض فاحشة ، فإذا أصابت هذه الفاحشة امرأة الجار مثلاً ، كانت أشد فحشا من الكبيرة . عن المقداد بن الأسود قال : قال رسول الله لأصحابه ( ما تقولون في الزنا ؟ قالوا :حرام ، حرَّمه الله ورسوله ، فهو حرام إلى يوم القيامة ، قال: فقال رسول الله لأصحابه : لأن يزني الرجل بعشر نسوة ، أيسر من أن يزني بامرأة جاره ) رواه أحمد .
 وللمعاصي الموجبة للعقاب أسماء عدة ذكرها القرآن هي :
1- الخطيئة: وهي اقتراف الذنب عمداً . قال تعالى :{مما خطيئاتهم أُغرقوا فأُدخلوى نارا}نوح 25
2- الذنب : وهو الإثم والجرم والمعصية . قال تعالى: {فأهلكناهم بذنوبهم }الأنعام 6
3- الإثم : وهو الذنب ، وقيل ما لا يحل . قال تعالى :{ الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يفترون}الأنعام 120
4- الفسوق : وهو العصيان والترك لأمر الله ، والخروج عن طريق الحق ، والميل إلى العصيان . قال تعالى : {فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون } البقرة 59
5- السوء : وهو الفجور والمنكر . قال تعالى :{إنهم كانوا قوم سوء، فأغرقناهم أجمعين }الأنبياء 77
6- العصيان :وهو مخالفة العبد أمر ربه . قال تعالى:{ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم}الجن 23
7- العتو : وهو المبالغة في الإثم ، أو هو المتمرد الذي لا يقبل موعظة . قال تعالى :{وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورُسُله فحاسبناها حساباً شديدا} الطلاق 8
8- الفساد : وهو نقيض الصلاح . قال تعالى :  {فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب} الفجر 12
ومن المعاصي الكبائر ، التي شدَّد الإسلام في اقترافها ، وهي التي جاءت على لسان الشارع ، مقترنةً بوعيدٍ شديدٍ في الآخرة ، أو عقابٍ كبير في الدنيا .
والمعاصي ثلاثة أنوع هي :
1 - أكبر الكبائر : ويُخلدُ مرتكبها في نار جهنم ، وهي أربعة : الكفر وقتل النفس المؤمنة بغير حق والحكم بغير ما أنزل الله ، والربا . ألحق بها ، التولّي يوم الزحف ، وشهادة الزور .
2- الكبائر : وهي التي يستدعي الإصرار عليها ، الجزاء في جهنم لأجل ، إن لم يغفر الله ، وقد قيل لا كبيرة مع استغفار ، ولا صغيرة مع إصرار . ومنها : السرقة والزنى والنميمة والكذب .
3- الصغائر : وهذه تكفرها الأعمال الصالحة ، كالنظر إلى حرام ، وأكل الشبهات . ومن الصغائر اللمم وقد ورد ذكرها في قوله تعالى : { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ، إلا اللمم ، إن ربك واسع المغفرة } النجم 35 .
واللمم : الصغائر من الذنوب ، التي لا يسلم من الوقوع فيها ، إلا من عصمه الله وحفظه ، كالنظرة والغمزة ، وهذه تكفرها الصلوات الخمس . لقوله : ( الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مُكفراتٌ ما بينهنَّ ، إذا اجتنبت الكبائر ) رواه مسلم
 إن الذنوب تؤدي إلى ظلمة القلب ، وإذا أظلم القلب قسا ، وابتعد صاحبه عن الله ، وكان مصيره الخسران في الدنيا والآخرة . قال رسول الله : ( إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتةٌ سوداء في قلبه ، فإن تاب ونزع - أي كف _ واستغفر ، صُقل قلبه ، فإن زاد زادت ، فذلك الران الذي ذكره الله في كتابه . كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) رواه أحمد وابن ماجة .
وقال بعض السلف : المعاصي بريد الكفر ، كما أن القبلة بريد الجماع ، والغناء بريد الزنا ، والنظر بريد العشق ، والمرض بريد الموت .  
وإذا انتشرت المعاصي في أمة أهلكتها ، لقول رسول الله : ( إذا ظهر الزنا والربا في قريةٍ ، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله ) رواه الطبراني .  وقد تكون سبباً في حرمان الرزق . ورد في الحديث :  (  وإن الرجل ليُحرَمُ الرزق بخطيئةٍ يعملها ) رواه ابن ماجة .
 إن المعاصي تضرّ ، وما من شدَّةٍ نقاسي منها ، وضيقٍ نُعاني منه ، إلا سببه الذنوب والمعاصي . عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله يقول : ( إذا ظهرت المعاصي في أمتي ، عمهم الله بعذابٍ من عنده ، فقلت يا رسول الله أما منهم يومئذٍ ناسٌ صالحون ؟ قال : بلى ، قلت فكيف يُصْنَعُ بأولئك ؟ قال : يُصيبهم ما أصاب الناس ، ثم يصيرون إلى مغفرةٍ من الله ورضوان ) رواة أحمد .  
من الناس من يظن أنه لو فعل ما فعل ثم قال : أستغفر الله ، زال الذنب وراح هذا بهذا . ومنهم من يقول : أنا أفعل ما أفعل ، ثم أقول سبحان الله وبحمده مائة مرَّة ، فيُغْفَر لي بعد ذلك . لما صح عن النبي ( ض ) أنه قال : (من قال في يومٍ سبحان الله وبحمده مائة مرَّة ، حُطت عنه خطاياه ، ولو كانت مثل زبد البحر ) .
لقد نسي هذا وذاك ، أن حسن الظن بالمغفرة ، إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة ، ولا يتأتى أبداً إحسان الظن بالله مع أسباب الهلاك .
وهذا فريقٌ آخر من الناس يتكلُ على قوله حاكياً عن ربه ( أنا عند حسن ظن عبدي بي ، فليظن بي ما شاء ) . لا شك في أن حسن الظن بالله ، إنما يكون مع الإحسان ، فالله يجازي المحسن على إحسانه ، ويقبل توبته ، ولا يُخْلِفُ الله وعده ، فمن تاب وندم وأقلع ، وبدل السيئة بالحسنة ينفعه حسن الظن بالله . وقد ورد الترغيب في إتيان الحسنات ، واجتناب الذنوب . روى مسلم أن رسول الله قال فيما يرويه عن ربه :  ( إذا هم عبدي بسيئةٍ ، فلا تكتبوها عليه ، فإن عملها فاكتبوها سيئة ، وإذا هم بحسنةٍ ، فلم يعملها ، فاكتبوها حسنةً ، فإن عملها فاكتبوها عشراً ) .
 أما المسيء المصر على الكبائر والمخالفات ، فإنه لا يحْسِنُ الظن بربه ، لأنه عاصٍ لله ، بينما أحسن الناس ظناً بالله أطوعهم له ، فكيف يدَّعي الإنسان ، أنه يحسن الظن بالله ، وهو شاردٌ عنه ؟ وقد قيل إن المؤمن أحسن الظن بربه ، فأحسن العمل ، وإن الفاجر أساء الظن بربه ، فأساء العمل . وكيف يُحسن الظن بالله من عادى دينه ، ووالى أعدائه ، وتعاون معهم .
بالله عليكم ، ما ظن الظلمة بالله ؟ إذا لقوه ومظالم العباد عندهم ، وما ظنهم أن يفعل بهم ؟ إذا لقوه يوم لا ينفع مال ولا بنون ، فما ينفعهم وقد تعاونوا مع أعداء الله ، إلا أن يُعذبهم عذاباً شديدا .
كثيرون من الناس ، من اعتمدوا على رحمة الله وعفوه ، فضيعوا أمره ونهيه ، ونسوا أنه شديد العقاب ، وأنه لا يُرَدُ بأسه عن القوم المجرمين . قال الحسن : إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة ، حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة ، يقول أحدهم ، لأني أحسن الظن بربي ، وكذب ، لو أحسن الظن لأحسن العمل .
وقد يقول قائل : إن العصاة والكفرة ، يتنعمون في الدنيا ، ولهم الغلبة والقوة فيها على المسلمين ، فما هو سرُّ ذلك ؟ إننا يمكن أن نلمس الإجابة في حديث رسول الله الذي رواه الإمام أحمد قال : إذا رأيت الله عز وجل يعْطي العبد من الدنيا ، على معاصيه ما يحب ، فإنما هو استدراج ، ثم تلا قوله تعالى :{ فلما نسوا ما ذكروا به ، فتحنا عليهم أبواب كل شيء ، حتى إذا خرجوا بما أُوتوا ، أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون } الأنعام 44  .
وقال بعض السلف : إذا رأيت الله يتابع عليك نعمةً ، وأنت مُقيمٌ على معاصيه فاحذره ، فإنما هو استدراج منه يستدرجك به . ولنا في قول رسول الله أسوةٌ حسنةً : ( إن الله يُعطي الدنيا من يُحب ومن لا يحب ، ولا يُعطي الإيمان إلا من يحب ) رواه الترمذي .        

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق