إن
الواقع الذي يعيشه المسلمون ، بلغ حداً من الضيق
والقسوة ، لا يخفى على أحد ، ووصلوا إلى حالةٍ من الذل والهوان ، لا يرضى
به أحد فبعد أن كان يُحْكَمُ الناس بشرع
الله ، ويُعْمَلُ فيهم بطاعتة وكانوا
يحكمون وفقاً لعقيدتهم وتوضع السياسات
الاقتصادية والاجتماعية والداخلية
والخارجية في إطار العقيدة ، وفي خدمة أهدافها ، أصبح الناس يُحْكَمون بقوانين
وضعية جائرة ، حتى بلغ تحدي الحكام ، في أكثر البلاد الإسلامية ، حداً لا
يحتمل فمنهم من يرفض الإسلام أو يدَّعيه ،
ومنهم من استورد الأفكار والقوانين وترك للإسلام ركناً صغيراً كالأحوال الشخصية في
القوانين ، والحديث الديني في الإذاعة والتلفاز . مع العلم بأنه لا خلاص ولا
استقرار للأمة إلا بالإسلام ، وذلك بتطبيق
أحكامه ورفض الأفكار المستوردة ،
والمبادئ الدخيلة التي يضعها الأعداء ، والتي يطبقها في دنيانا العملاء أو
الجهلاء قال تعالى:{أفحكم الجاهلية
يبغون ومن أحسن من الله حكما لقومٍ يوقنون}المائدة
50 .
ٍ
وبعد أن كان الكل أمام القضاء سواء ، كما روي
أن قاضي المسلمين ، حكم ليهودي على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، لأن
اليهودي قدَّم بينةً مزورةً ما كان
لأمير المؤمنين أن يقدم مثلها . أصبحنا في زمن نرى أناساً لا تطولهم يد القضاء ،
وإن أفسدوا وظلموا وجاروا .
وبعد
أن كان المسلمون هم أسياد الدنيا ، يتنقلون في دولتهم ، إما طلباً للعلم ، أو
للجهاد لإعلاء كلمة الله أو دعاةً ليخرجوا
الناس من الظلمات إلى النور والعمل على تكوين وعي إسلامي يقوم على فقه مستنير لأحكام الإسلام ، أصبح الكثير من أبنائهم ، يخرجون هرباً من
الظلم والفقر الذي يعانونه ، إلى دول الغرب عاملين في أماكن ، قد تمتهن فيها
كرامتهم ، وقد تصادف بعضهم متسولاً في
الشوارع والطرقات .
وبعد
أن كان المسلمون ، هم أصحاب السيادة
والمدنية والحضارة ، يتنقلون في طول البلاد وعرضها بحريةٍ وأمان ، بلا قيود
ولا حدود أصبحوا بلا سيادة ومطمعاً للغزاة والمستعمرين الذين قسموا البلاد إلى دول ، ورسموا لها
الحدود فأصبح الناس عند تنقلهم يصادفون المصاعب للحصول على أُذونات السفر
ويلقون العناء ، من مفتشي الجمارك والحدود .
وبعد
أن كان قادة المسلمين ، يهبون سراعاً
لنجدة المستغيثين ، لصرخةٍ انطلقت ، من فم امرأةٍ وامعتصماه ، واإسلاماه ،
فيلبون النداء ويجهزون الجيوش للنَّجدة ،
ويحررون العباد والبلاد ، من الظلم والقهر والاستبداد ، أصبح قادتنا لا يحرك ذلك
لهم ساكنا ، ولا يهز لهم قلبا رغم
استغاثات الملايين من هنا وهناك ، في طول البلاد الإسلامية وعرضها .
وبعد
أن عاش الناس في دولةٍ تقول لهم ، من ترك مالاً فلورثته ، ومن ترك ديناً فعلينا ،
أصبحنا نعيش في زمن صار لسان حال المسئولين ، من ترك مالاً فللدولة منه نصيب ،
ويأكلون الأخضر واليابس ، ولا يبقون على شيءٍ باسم الضرائب من ضرائب الدخل والمسقفات إلى ضرائب التجارة والمبيعات ، ومن ضرائب الرخص
والمخالفات ، إلى ضرائب الجمارك والغرامات
وإلى ضريبة الريف والجامعات .
وبعد
أن كان المسكن والملبس ، يؤمَّن لكل فرد غير قادرٍمن أفراد الرعية ، أصبحنا في زمن
لسان الحال فيه إن جعتم فاسرقوا ، وارتشوا
واختلسوا ، وغشوا وانهبوا واحتكروا
.
وبعد
أن كان المريض يعالج بالمجان ، دون تقاضي أي أجر منه ، لا فرق بين الغني والفقير
في ذلك لأن الدولة تتكفل بذلك ، فالمريض لا يدفع شيئاً في نظير الإقامة ، ولا في
نظير الدواء والغذاء وكانت تصرف الملابس
للمرضى ، وتعطى لفقرائهم نقوداً عند
خروجهم من المشفى تكفي لنفقات شهر .
أصبحنا نعيش في زمنٍ ، لا يدخل المستشفيات
الراقية إلا الأغنياء ، وحرامٌ ذلك على الفقراء المعوزين الذين تكفيهم العيادات ، التي يتحكم فيها
البواب ولا يجد الدواء من ليس له واسطة .
وبعد
أن كانت الدولة ، تفتح ذراعيها لكل عامل
كلٌ حسب كفاءته ، أصبح العمل هذه الأيام ، لا يؤمَّن إلا لأصحاب الجاه
والسلطان ، ومن لم يكن لديه واسطة ، فلا أمل له في العمل والتوظيف .
وبعد
أن كانت المرأة ، عِرْضٌ يجب أن يصان
وتربي الأجيال ، ليموتوا شهداء في ميادين الجهاد أصبحت سلعةً عند تجار الأعراض ، ومخانيث
الرجال ، فهي تعمل في محلات الملابس والصالونات ، ومضيفةً في الطائرات
والباصات وسكرتيرة في المكاتب والشركات ،
وراقصةً ومستقبلةً في الفنادق والكازينوهات .
وبعد
أن كان التعليم مجاناً ، ومبنياً على أساس العقيدة الإسلامية ، والنظرة الصادقة ،
إلى الكون والحياة والإنسان ، وعلاقة هذه الأشياء بما قبلها وما بعدها . أصبحنا
نعيش في زمن لم يعد التعليم مجانياً ، ويخضع القبول في الجامعات إلى قوانين ما
أنزل الله بها من سلطان ، وبدل أن ندرِّس أبنائنا عقيدتنا الصافية وعاداتنا الحميدة صار طلابنا يدرسون ، عن
داروين ونظرية النشوء والارتقاء وعن
فرويد ، وأدب الانحلال والعلمانية .
وبدل أن نعلِّم أبنائنا فقه الدين وأصوله ،
ومعرفة الإيمان ، نجدهم يعرفون عن الجنس ، وأشكال اللقاء والاتصال والهوى ، أكثر من معرفتهم أبسط قواعد
الدين وأحكامه .
وبعد أن كانت جميع البلاد دار إسلام أمانها
بأمان الإسلام ، وحكمها منبثقٌ من شريعة الإسلام ، أصبح أمانها بأمان أهل
الكفر وأحكامها بأحكام الكفر ورغم أن حكامها يؤمنون بالإسلام ، تراهم ينادون
بمبادئ الرأسمالية ويركِّزون على
الديموقراطية ،وكلها أحكام كفر . فهل بعد هذا الانحطاط انحطاط ؟؟ .
إننا
نتألم ، لأننا عالة على الأجنبي ، في استيراد الآلة والجهاز ، ويزيدنا ألماً ، أن
نظلَّ حقلاً للتجارب ومدرسةً للتطبيقات ،
نستورد الفكر مع الآلة والثقافة مع
الجهاز ، ونحن أصحاب الفكر الأعمق
والثقافة الأعرق ، التي أوصلتنا يوماً إلى قيادة العالم وإنقاذ شعوبه من الجهل والاستعباد . وصدق عمر
بقوله : "كنا أذل قومٍ فأعزنا الله
بالإسلام " .
كان
الإسلام وما زال لم ينهزم قط ، وإن الذين انهزموا
هم أولئك الذين حملوا اسمه ، دون أن يطبقوه سلوكاً في واقع حياتهم ، أو نظاماً في أساليب
حكمهم ولا فرق في ذلك بين شعوبٍ
مستضعفة وحكامٍ متسلطين .
إن
الإسلام ليس مسئولاً ، عن انحرافات المنحرفين
وظلم الظالمين ، حين يغيب أو يحال بينه وبين حكم عباد الله بشريعة الله .
وما دام هؤلاء لهم وجودٌ في صفوف الأمة ، فإنها أصغر على الله من أن يهبها نصراً ، أو يحفظ لها كرامة .
إنه
ليس من حقيقة الإسلام ، ولا من تمام الإيمان
أن يعتزل المسلمون مجتمعهم ، ثم يسلموه للمنافقين والمستبدين ، بدعوى أن
المسلم ، يكفيه من دنياه علاقته بربه ، من صلاةٍ وصيام ، أما الشئون السياسية
والاقتصادية والثقافية وغيرها فتترك لمن
يوسعون الأمة ظلماً ومهانة ، وينشرون عليها ألوية الاستبداد ورايات الضلال ، فقد
ورد في الحديث عن رسول الله ( ص ) قوله بهذا الخصوص : ( لَتُنْقَضَنَّ عُرى
الإسلام ، عروةً عروه ، فأولها نقضاً الحكم
وآخرها الصلاة )
إننا
لم نسمع ، عند الإطلاع على تاريخ الحكم الإسلامي ، أن مسلماً اعترض على حاكمٍ من
الحكام جمع بين الصلاة والإمامة ، وإنما سمعنا الكثير ، عن الذين كانوا يطالبون
الحاكم ، بأن يعود إلى أمر الله حين يحيدُ عنه ، وسمعنا عن كثيرٍ من العلماء
والفقهاء الذين وقفوا في وجه الحكام الذين حادوا عن الطريق وكثيرٌ منهم من دفع
حياته ، ثمناً للمواقف التي ترضي الله عز وجل .
كانوا
يردون عادية الالحاد ويذودون عن الحق
يفهمون الشريعة على أنها نظامُ للمجتمع وإسعادٌ للناس ، فقد حفلت الدولة
الإسلامية في تاريخها الطويل بمآثر جليلة سجَّلها العلماء في مواقفهم الخالدة مع
حكّامهم ، والتي اتسمت بالصدق والجراة والإخلاص لله ولدينه الحنيف ، فأظهروا عزَّة
الإسلام وأبانوا حقيقة الشريعة في صلابة موقفها من المنحرفين متحمِّلين في صبرٍ
وشجاعة ما ينتج عن الجهر بكلمة الحق ، لأنهم فقهوا قول الله سبحانه :{ولا
تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار}هود 115. لذا كانوا الأمناء على دين الله
الداعين الى تطبيقه ، فكانت اعمالهم ترجماناً لتعاليم الإسلام ، يقولون للظالمين
ظلمتم وللمفسدين أفسدتم ، ولا يخشون أحداً إلا الله ولا يهابون جائراً ولا جبارا ،
لأنهم آمنوا بقول رسول الله ( ص ) في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن الحسين بن
علي أن رسول الله ( ص ) قال : ( من راى سلطاناً جائرا ، مستحلاً لحرم الله
ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم
والعدوان فلم يُغَيِّرْ بقولٍ ولا فعلٍ كان حقاً على الله أن يُدْخِلَه مُدْخَلَه
) .
دخل
رجلٌ على هشام بن عبد الملك فقال له يا أمير المؤمنين إني مكلمك بكلامٍ فاحتمله إن
كرهته فإن فيه ما تحب إن قبلته ، قال له هات ما عندك فقال له : إني ساطلق لساني
بما خرست عنه الالسن من عظتك تادية لحق الله وحق إمامتك إنه قد اكتنفك رجالٌ اساءوا الإختيار لأنفسهم
فابتاعوا دنياك بدينهم ورضاك بسخط ربهم خافوك في الله ولم يخافوا الله فيك ، فهم
حربٌ للآخرة سلْمٌ للدنيا ، فلا تأمنهم على ما ائتمنك الله عليه فإنهم لا يألونك خبالا والأمانة تضييعا والأمة عسفاً وخسفا ، وأنت مسئولٌ عما اجترحوا
، وليسوا مسئولين عما اجترحت ، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك ، فإن أخسر الناس يوم
القيامة من باع آخرته بدنيا غيره .
كان
هذا حالهم لا كما هو حال البعض هذه الأيام
يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويغفلون عن روح الشريعة ورسالتها
الاجتماعية إنك لتراهم يعنون بالصلاة
والصيام وشعائر الدين دون غيرها من مقاصد الشريعة ، ومن العجيب أن غيرتهم تقف عند
حد انكار المنكرات الفردية فينكرون مثلاً
على من يلبس الخاتم من الذهب وهو حرامٌ
طبعا ، ولا ينكرون على الحاكم الحكم بغير ما انزل الله ، ثم ما موقفهم والحالة هذه
من قوله تعالى:{إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه
للناس في الكتاب ، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون }البقرة 159 . وقول
رسول الله ( ص ) في الحديث الذي رواه الحاكم بسندٍ صحيح ( خير الشهداء حمزة بن
عبد المطلب ثم رجلٌ قام الى إمام جائر فأمره ونهاه في ذات الله فقتله على ذلك
) .
وما أرع ما قاله
الإمام الغزالي بخصوص أهمية الحكم في الإسلام قال : " اعلم أن الشريعة
أصل والحكم حارس وما لا أصل له فمهزوم ، وما لا حارس له فضائع
" .
إنه
يعني أن الحكم بغير شريعة الله حكمٌ فاسد
لا تقوم له قائمة ، وأن الشريعة إنما يضيعها أهلها وحملتها يوم
يهملونها ولا يكون لها دولةً تحملها للناس كافة .
ويتمثل الغزالي بما خوطِبَ به العلماء
يا
معشر العلماء يا ملح البلد ما يصلح
الملح إذا الملح فسد
وإلا
فمن الذي يصنع للأمة عقيدة ، تربي في النفوس الإيثار ، ومن أين للإنسانية
تشريعٌ يُحْكَمُ الناسُ فيه لينعموا بالعدل والمساواة ، وما الذي حققته
الإنسانية من خير ؟ وهي تقتل روح الجهاد عند المسلمين .
تعست
هذه الأمة ، التي قادت نفسها ليُسفك دمها
وتسفح كرامتها على مذابح الشهوات
إنها لن تقوم لها قائمة ، إلا إذا وُجِدَ فيها ، من يحترم دينه ويتخذ القرآن منهاج حياة ، ويجعل الجهاد
والاستشهاد سبيلاً يؤدي إلى الفوز بإحدى
الحسنيين النصر أو الشهادة . ويكون شعارها
احرص على الموت توهب لك الحياة
على
المسلم أن يعرف أن العيب ليس في الإسلام وإنما في المسلمين , وللأسف فإن الإعلاميين
والسياسيين يتعاملون مع المسلمين من خلال واقع المسلمين , وليس من خلال محتوى
الإسلام وتعاليمه كما أن على المسلم أن
يعرف بأن هذا الواقع لا يدوم وأن هذا الواقع يحدث دائماً وأن الأمة كالأفراد فالفرد
يصيبه الصحة والمرض، ويصيبه العسر واليسر وتصيبه الشدة والرخاء ، وهذا يعني أن هذه
سنة الله في الحياة "فدوام الحال من المحال" كما يقولون ، وقد عبر القرآن
عن هذا ، في سنة مداولة الأيام بين الناس تلك الأيام نداولها بين الناس وقالت العرب قديما : "الدهر قلب ،
الدهر يومان يوم لك ويوم عليك" فالتغير لابد منه ، ولا يمكن أن تستمر الحياة
على وتيرة واحدة .
فالأمم
يصيبها الضعف ثم تقوى ، وتصيبها الأمراض ثم تصح ، ويصيبها النوم ثم تستيقظ . وعلى
المسلم أن يعرف هذا، لأنه لولا ذلك ما قام مصلح وما قام مجدد، ولبقيت الحياة راكدة
أبد الدهر، ولكن طبيعة الإسلام تأبى هذا . ولذلك جاء في الحديث ( إن الله يبعث
لهذه الأمة على رأس كل سنة من يجدد لها دينها ) .
وإن
عدم فهم المسلم لهذه القضية ، وعدم فهمه لواقع الناس وقضاياهم الحياتية والمعيشية
، يشكل لديه وعيا مغايرا للحقيقة ولما يجب أن يكون عليه المسلم إزاء ما يتعرض له
ويواجهه .
وقد
ينحصر فهم المسلم في التحذير من متاع الدنيا وغَرورها ، ويتحدث عن واجبات الأغنياء
وفضل الصدقات ، في بيئة فقيرة تعيش أصلا على
صدقات الناس ، ولا يعرف متاع الدنيا وغرورها سبيلا إليها!! أو يتحدث عن مشكلات فئة
معينة من الناس، وغالبية من يستمع له ينتمي إلى فئة أخرى ليس لها علاقة بما يتحدث
عنه ، متجاهلاً الأحداث والقضايا المؤثرة على الأمة بشكل مباشر ، وإهمالها وعدم
تناولها بالبيان والتحليل، وتحديد أدوار المسلمين إزاءها ، على اختلاف تخصصاتهم
ومواقعهم ، مكتفيا بالحديث عن أمور يمكن تأجيلها وتأخيرها وتناولها في أي وقت
لحساب الأحداث الطارئة والملحة ، متناسياً أن الواقع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق