السبت، 25 أكتوبر 2014
المعاناة التي تواجه الأمة الإسلامية
قال تعالى :{ فأعرض عمّن تولى عن
ذِكْرِنا ، ولم يُرِد إلا الحياة الدُنيا، ذلك مَبْلَغُهُم من العلم ، إن ربك هو
أعْلم بمن ضلَّ عن سبيله ، وهو أعْلم بمن اهتدى }النجم 29 . إن المعاناة
التي تواجه أمتنا هذه الأيام ، هي أكبر وأخطر مأساة في التاريخ ، والخروج منها لا
يكون إلا بمواجهة الواقع الأليم الذي تعيشه أمتنا ، حيث التضليل والتهتك والتفكك ،
والفساد والإلحاد والانهزام والفجور، مما
جعلنا غرضاً سهلاً ، وهدفاً هشاً للأعداء .
لقد رفعنا كلَّ الشعارات هذه الأيام ، إلا شعار
الجهاد لتحرير ما سلب من البلاد والمقدسات
وأصبحنا نلمس أن الأمة مخدرة منهوكة ، وكأنها أُعدت للهزيمة والعار ، حتى
فقدت النخوة والأمل والقدرة على الإحساس
بالذل ، و أصبحت عاجزة لا إيمان ولا قيادة ولا إعداد ، حتى أن القائمين على أمرها
، نسجوا من الهزيمة أساطير النصر، رغم الواقع الأسود الذي يحمل في طياته الخزي
والعار ولا أدل على ذلك من أن العدو
يعتقل ويقتل ، والسكوت يخيم على قادة الأمة وزعمائها ،وكأن الذين يُقْتلون
ويُجْرحون ، ليسوا من جلدتنا ولا من بني ديننا ، علماً بأنه لا توجدُ شريعة من
الشرائع ولا سنة من السنن ، تجيز
الاعتداء على الإنسان الآمن في بيته ، فيفجعُ فيه أهله ، لا لشيء إلا لأن الرأي
العالمي ، يقف مع القوي ضد الضعيف .
ومن هنا جاء الإسلام ، ليقضي على مثل هذه
الهمجية والوحشية ، التي يزعمون بأنها حق لهم
فشرع الجهاد لتحقق هذه الغاية ، ليدفع كذلك الظلم والجور، ويستل من القلوب
الأحقاد ، ثم يملأها بعد ذلك محبةً ورحمةً ، ليعيش الناس في سعادة وهناء ، لا
ليقتلوا الأبرياء العزّل ، بدافع الغطرسة
والإنتقا .
إننا لم نتعظ ولم نستيقظ من نومنا ، حتى ساوم
الانهزاميون والانتهازيون والمتآمرون ، على قدر الأمة وشرفها ومصيرها ، وليس ذلك
بمستغرب ، لأن من فرّط بإيمانه بربه ، يسهلُ عليه إن يفرَّط في أرضه وعرضه وشرفه وحريته ، حتى أصبحنا لا نستبعد ،
أن العدو زرع في كل بلدٍ وكالةً ، بأسماء عربية وأقلام عربية ، مهمتها إيقاظ الفتن
، وبث الفساد وتمزيق شمل الأمة ، وتفتيت خلفيتها الدينية وتدمير قاعدتها الفكرية .
إننا حين تنكرنا لعقيدتنا ،
هُزِمنا في معاركنا شرَّ هزيمة ، هزمونا بهويتهم الزائفة ، حين أنكرنا هويتنا
الأصلية ، وسلكنا طريق الهتاف والتصفيق ، وتبرير الظلم والهزيمة ، وتمجيد الظالمين
وغض الطرف عن أخطاء الحاكمين والمحتلين ، الذين ينسجون خيوط المؤامرات ، فوق
أراضينا وبين صفوفنا عملاءً للعدو،
وآذاناً صاغية لهم .
إن الدعوة لإسدال الستار على باب الجهاد في
الإسلام ، هو الذي مهد للعدو سبيل النصر ، وشحنه بطاقات التجمع ، والاقتحام حتى
غَزونا وطردونا ودكوا حصوننا ، فراح فريق من الأمة يدعو إلى العلمانية وحرِّية
الإلحاد ، ويزعمون أنهم حماة هذه الأمة ، الحريصون على مصالحها ومستقبلها ، وهم في
حقيقتهم الذين يخططون للأمة متاهات الضياع ، ويرسمون لها مفازات التمزيق والتبدد ،
وعمل دعاة الخيانة والغش عملهم ، حتى أصبح الإسلام اسماً لغير مسمى ، وانفتح الباب
على مصراعيه للغزو الفكري الغربي ، المعادي للإسلام والمسلمين ، مما مهد للغزو
السياسي والعسكري الذي شتت شمل الأمة الإسلامية
، والتي كانت دولة واحدة بلا حدود ، فتقطعت أوصالها ، إلى دويلات هزلية ، ليسهل
استغلالها ، بعد تقويض الجامع الذي يجمعها وهو الدين ، حتى أن اتهام هذه الدويلات
بالتخلف والجمود اتهام صادق ، لأن المسلمين فيها لا يمثلون حقيقة الإسلام ، الذي
يخاف أعداء الإسلام ، من تبنية وتطبيقه ، لأنه يفقه قوانينهم الوضعية ، ويُثْبِتُ
فشلها
لقد تأثر نفر من أبنائنا ، الذين نشأوا في أحضان
الغرب ، وأقسام الدراسات الشرقية في جامعاتهم
والتي يتولى فيها أساتذة يهود تدريس تاريخ الإسلام ، وعقيدته وشريعته ،
فيزرعون في نفوسهم مختلف الشكوك والشبهات ، والأكاذيب والتحريفات ، فيعودوا وهم
أشد عداوةً لدينهم ، وكثيراً ما يصل بعضهم ، إلى المراكز القيادية ، ليسوقوا أمتهم
الى الهزيمة والعار ، لانحرافهم في تيار الشبهات والأكاذيب ، التي تلقوها على أيدي
أساتذة يهود في الجامعات الغربية . فرجعوا لا يعرفون عن الإسلام من مبادئ وقيم ، إلا
بما هو سائدٌ في ديار الإسلام ، من ضياعٍ وفراغ ، وجهلٍ وتهتك وفجور، حتى أوهموا
بعض الناس ، بأن لا سبيل إلى النهوض ، إلا بالانسلاخ عن الدين مصدر قوتهم وعزتهم .
وكان من نتيجة ذلك ، أن انطوت الشريعة وتقلصت ،
واقتصرت في معظمها ، على تنظيم الأحوال الشخصية ، واقتصر نفر من المسلمين على
البحث في سنن النبي ﷺ ، كيف كان يأكل ويشرب ويلبس ،
ويمشي ويتحدث ،كأنهم من الدنيا في قانون المائدة ، وآداب الولائم .
أما الحقيقة الكبرى ، وهي كيف كان يقاتل ،
ويحارب لهداية الخلق ، وكيف كان يسمو على الدنيا وشهواتها ، وكيف يتوجه المسلم في
تنظيم شؤون الحياة ، الاجتماعية والاقتصادية ونظام الحكم وهذا من صلب تعاليم ديننا ، والذي يخطط الأعداء
لإبعادنا عنه ، وغض الطرف عن التمسك بالقشور بل ويشجعوننا على ذلك .
إننا نمالئ من جرعونا كأس الذل والهوان ، ونرتمي
في أحضانهم ، ولا نقوى على الجهر بالحقيقة التي نؤمن بها ، رغم إيماننا بأن
العقيدة ، هي التي أعزنا الله بها ،في كل معاركنا على مدار التاريخ فانتصرنا وأذلنا الله حين تركناها .
لقد أخذنا الأفكار الوافدة ، التي نخرت عظام
الأمة ، وفتت في عضدها ، وقضت على كرامتها
وشلت طاقاتها ، حتى أصبحت أمثولة التاريخ ، في الذل والهوان ، قال ﷺ (كفى بقوم ضلاله أن يرغبوا عما جاء به
نبيهم إليهم ، إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم ). ثم تلا قوله تعالى: {أولم يَكْفِهمْ أنا أنزلنا عليك الكتاب
يُتْلى عليهم ، إنّ في ذلك لرحمةً وذكْرى لقوم يؤمنون}.العنكبوت 51
ومن هنا لا بد من الإيمان ، لأنه تكليف وامتحان
، واحتقار للحياة في سبيل مرضاة الله ،
ومن لم يحمل تكاليفها، فليس بصادق ولا مخلص ولا أمين ، بل ليس مسلماً حقاً ، إلا
بهويةٍ وشهادةِ ميلاد مهما صلى وزكى وصام
.
إن معيار النصر يكمن في حماية
الأصالة وحفظ الذاتية ، والدفاع عن المقدسات ، وتحويل مبادئ الإسلام إلى إيمان
وجهاد ، ولو التزم المسلمون بمبادئ هذا الدين ، لما وهنوا ولما هانوا ولا ذلوا ،
ولا استجاروا بالأعداء ، ولا تمرغوا على أعتاب الطواغيت ، ولكانت نكبتهم منطلقاً
إلى ترسيخ إيمانهم بربهم ، وأرضهم ومقدساتهم
، لا إلى تكريس الهزيمة والذل والاستسلام ، وكيف يقاتل من ليس له مبدأ
يتمسك به ، وعقيدة يدافع عنها ، وهل يقاتل من هذا حاله إلا مكرها ، ومن يقاتل
مكرهاً يكون مهياءً للهزيمة ، ولو تسلح بالقنابل الذرية والصواريخ .
إن على الأمة المسلمة أن تعلم
عدوها ماكر وخبيث ، وعليها أن تتذكر قول النبي ﷺ (إن جبريل أخبرني أن أمتي مختلفة ، قلت : فما المخرج ؟
قال : كتاب الله ). إنه لنصح عظيم من رسول الله ﷺ
وتوجه كريم يريد أن يقدمه لكل من أراد أن يذّكر ويعتبر ، وفي كتاب الله هذا النداء
الخالد . قال تعالى :{ واعتصموا بجل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة
الله عليكم ، إذ كنتم أعداء فالف بين قلوبكم ، فأصبحتم بنعمته إخوانا }آل
عمران 103 .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق