قال
تعالى : ) أولم يسيروا في الأرض فينظروا
كيف كان عاقبة الذين كانوا قبلهم ، كانوا هم أشد منهم قوة وأثاراً في الأرض ،
فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق (
الروم
9 . قد يكون من المفيد ونحن نستعرض التاريخ ، أن نأتي على ذكر الجيل القدوة الذي
تربى على عين النبوة ، وتسديد الوحي فكانت أمته خير الأمم ، وكان الجيل القدوة ،
حتى أن الرسول r
قد شهد له بأنه خير القرون ، لما تمتع به من المجاهدة والجهاد ، والخصائص والصفات
التي تمثل قيم الإسلام والإقتداء به .
الجديد
للناس لا يأتي إلا بتلمس ظروف وشروط ميلادها الأول ، والإقتداء بالنماذج التي
عرضها لها القرآن الكريم ، فيما اصطلح عليه القصص القرآني أما محاولة الانتماء إلى
صاحب الرسالة ، واقتفاء آثار السلف بالاقتصار على الأشكال ، والتمسك بالقشور وطرائق الممارسات ، دون محاولة النفاذ
إلى الفقه والمضمون ثم يدّعون أنهم إنما يقتدون بذلك الجيل ويسيرون على نهجهم
وطريقتهم ، إن هؤلاء بحاجة إلى المراجعة ، وإعادة النظر ، لأنهم يتمسكون بالقشور
والأشكال ، ويتركون الأعمال ، مما جعل هذه الفتنة ومن هم على شاكلتها عباً على
الأمة والمنهج الصحيح ، وحاجزاً دون امتلاك القدرة على السير في الطريق ، الذي
رسمه الله لهذه الأمة وعبئاً حتى على أنفسهم ، لعجزهم عن التغيير
إن
الاقتصار على الفخر والاعتزاز ، بأننا من أهل الرسالة والسنة لا يكفي ولا يُرضي
الله لأن ما يرضي الله هو التحول إلى
مرحلة العمل والإنجاز والتأسي العملي الذي يقود إلى تغيير الحال ، وذلك بالإرادة
الحازمة والاستعانة الصادقة بالله ، وإعداد العدة من وجهيها المادي والمعنوي
وعندها يكون النصر بأذن الله ، وتُحل كل المشاكل ، التي تعاني منها الأمة .
إننا
في هذه المرحلة من حياة الأمة ، التي وصف الله بعض أيامها ، بأنها نحسات بسبب ما
يقع ، والتي تجتاحنا فيها ثقافات السموم ، والإفساد في الأرض والتي تحاول اقتلاعنا
من جذورنا ، وتوهين قيمنا والتشكيك بثوابتنا ، والنيل من تاريخنا ، مما يجعلنا في
شوق شديد لطي مسافة الزمن والمكان ، وتجاوز فترات العجز ، والتخاذل والوهن ، وإلى
تجديد العزيمة على الرشد والابتعاد من مرحلة القصعة ، حيث تتداعى علينا الأمم ،
كما تداعى الأكلة إلى قصعتها في محاولة للوصول إلى الينابيع الأولى في الكتاب
والسنة .
إننا
في هذه الظروف بشوقٍ شديد إلى إتباع أبي بكر وإيمان عمر ، وحياء عثمان ، وحكمة علي
، وفقه ابن عباس وابن مسعود ، وزهد أبي ذر وثبات عبدالله بين الزبير وحنكة عمرو بن
العاص ، ومشورة أم سلمه وتوبة ما عز ، وسياسة عمر بن عبد العزيز ، الذي عاد بالأمة
إلى ممارسات الخلافة الراشدة .
إننا
بأمس الحاجة إلى إعادة بناء القاعدة الصلبة ، للتخلص من الهشاشة والرخاوة ، وإعادة
بناء المرجعية ، للتخلص من الضياع والضلال ، وتشتد حاجتنا أكثر فأكثر ، وإلى
الإقتداء والتأسي برسول الله ﷺ ، الذي يحقق
لنا الانتشال من الحال التي صرنا إليها ، ويمكننا من التجاوز ويمنحنا قدرات للتحمل
والثبات على الحق ، وبقدم لنا رؤى تمكننا من التعامل مع الواقع ، والعودة إلى
الجادة والسبيل ، التي أخبر عنها رسول الله بالحجة البيضاء ما أن تمسكنا بها لن
نضل أبداً ، إنها كتاب الله وسنة نبيه ﷺ .
لقد
أمد الله الأمة ، وزودها عبر تاريخها
الطويل بعوامل الإظهار لهذا الدين حيث تملك الأمة خطاب الله للبشر ، المتناسب مع
فطرتهم ، وتمتلك الفترة التطبيقية المشهود لها بالرضى والخيرية ، سواء على مستوى
الجماعة أو الأفراد ، الذين آمنوا بهذا الدين ، وما يزالون يعملون لإعادة حكم الله
في الأرض ، فعلى المستوى الفردي نجد الإقبال على اعتناق الإسلام ، متحققاً غب أرقى
المجتمعات البشرية ، وأكثرها مدنية في أوروبا وأمريكا التي أصبح الإسلام فيها بفضل
النمو والتكاثر ظاهرة اجتماعية إيجابية متطورة ، حيث تشير بعض الإحصائيات ، إلى أن
عدد المسلمين في أمريكا تجاوز الثلاثين مليوناً ، مما أثار قلق الأمريكان ، وجعل
كتابهم ومفكريهم يحذرون من هذا ، حتى قال بعضهم بأن ما بعد عام ألفين هو عام
الإسلام في أمريكا ومن اليهود من يعترف بأن الإسلام سيقضي عليهم فقاموا بفتح مدارس
تقوم على أساس ماذا يفعل الامريكي أو اليهودي إذا دعاه مسلم للإسلام وكيف يتجنبه .
إننا
نجد الإقبال على الإسلام مستمراً ، حتى في أدغال أفريقيا ، وأكثر المجتمعات بداوة
وبدائية ، إضافةً إلى عودة الوعي به ، وتحديد العزيمة على الرشد في مجتمعات
المسلمين ، وتقديم نماذج من أعلى التضحيات وأغلاها في سبيله ، وإحياء موات الأمة
في عالمنا الإسلامي ، بعد أن سقطت كل الشعارات التي حاول أصحابها أن تحقق الطهور ،
وأن تكون البديل الملائم .
أما
في البلاد الإسلامية ، فلا تزال طوائف من أبناء الإسلام ، قائمة على الحق مضحية في
سبيله لا يضرها من خالقها حتى يأتي أمر الله وهي على ذلك وإن كانت دول الكفر تظن
أنها نجحت في بلوغ غايتها ، منذ قُدِّر لها إسقاط الخلافة ، وإقامة الجنسيات
المختلفة على أنقاضها ، وصرف المسلمين رويداً رويداً عن رباط العقيدة وندائها ،
وإشغال الناس بأزمات رغيف الخبز ، ورغبات الجنس أو بشهوات أخرى ، إذ يوجد في الغرب
متخصصين ماكرين ، في ميادين إعلامية وسياسية ، الحراسة هذا التمزق بين المسلمين
واستدامته ، وكذلك العمل على أيجاد أشخاص من بيننا ، ومن جلدتنا مقنعين بقناع
الوطن أو الدين ، ليدمروا شعوبهم ، وينهبوا ثرواتهم باسم المصلحة العامة أو الوطن
أو التقدم والتحضر مع أنهم في حقيقتهم ، يسخرون من الشرع ويهملون أحكامه ولسان
حالهم الاستهزاء بكل القيم الإسلامية ، تحت دعوى التخلف والرجعية الامر الذي يؤدي
إلى ضياع قدسية العقيدة ، من نفوس الجيل المسلم الصاعد ، وزلزلة مكانة التشريع
الإلهي في القلوب ، مما يسهل سقوط الأمة ، تحت السيطرة العقلية للأعداء ، وهي أول
خطوات الهزيمة .
إن
الإسلام يتقدم صوب الإنسان أينما كان ، ويتقدم الإنسان أيضاً باتجاه الإسلام ،
كرجاء وسبيل خلاص من خلال معاناته ، وأزماته وإشكالياته ، التي أورثتها الحضارة
المعاصرة ، ولعل ثورة المعلومات والاتصالات التي اختزلت الزمان والمكان ، حتى أصبح
الإنسان يرى آخر الدنيا ، وهو في مكان أقول لعل ثورة الاتصالات وطي المسافات بقدر
ما حملت لنا من المخاطر والنفايات الثقافية والحضارية ، بقدر ما أتاحت لنا آفاقاً
ومجالات لامتداد الإسلام وحضوره وظهور ، إما بعز عزيز أو بذل ذليل مصداقاً لقول
رسول الله ﷺ
: ( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل و النهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا
أدخله الله هذا الدين ، بعز عزيز أو بذل ذليل ، عزاً يعز الله به الإسلام ، وذلاً
يذل به الكفر ) .
لقد
اصبح الظهور أمراً قائماً ، على الرغم والقدرة على إظهار الإسلام وذلك بالجهاد
والصدق من حالات العجز والتخاذل والتخلف ، الذي يعيشه المسلمون اليوم ، والذي يحول
دون امتلاك المقومات والاستقامة والتمسك بأمور الدين ، وما عدا ذلك غير مقبول لقول
الله سبحانه : )
ومن يبتغ غبر الإسلام ديناً فلن يُقبل منه ( .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق