لا بد من الحديث عن
الإعلام في وقتٍ نرى فيه قدرة أعدائنا على تسخير وكالات الأنباء والأجهزة المرئية
وغير المرئية ضد أمتنا ، مما يوجب على أمتنا أن تعمل لتكون لها أجهزة إعلام واعية
تعمل لصالحها ، وعلى أساس عقيدتها الإسلامية ، وتدفع عنها غائلة التورط في الارتباط ارتباط مصيرٍ بأمم الكفر ، والتي
تعمل ما وسعها ، لأن يقتصر عمل أجهزة الإعلام ، في الترويج للمهرجانات الغنائية
الخليعة الماجنة ، في تحدٍ سافرٍ لمشاعر المسلمين الغيورين ، مما يُشكل دعايةً
مسمومةً لأساليب الحياة الغربية ، ودعايةً للإباحيين الذين يسعون لإفساد الأمة ،
بتنظيم هذه المهرجانات .
إن ما يهم المسلم في مجال الإعلام ، أن يوجد
الفكر الإسلامي ، فلو سُخِرَتْ أجهزة الإعلام ،لخدمة الإسلام ومبادئه وأهدافه ،
لكان لها شأن آخر ،كما يجب العمل على تغيير أفكار القائمين ، على أمر الوسائل
الإعلامية ، وملء عقولهم بالمفاهيم الإسلامية
وذلك عن طريق إعداد القائمين على أمر الإعلام إعداد إسلامياً ، وإقناعهم بأهمية الإسلام
ونهجه وفائدته للبشرية .
إن
الإعلام في بلاد الإسلام ، يجب أن يقوم به مسلمون عاملون بدينهم ، متفهمون لطبيعة
الإعلام ووسائله الحديثة ، ومتى كان القائم بالإعلام الإسلامي عاملاً بعلمه وبأمور دينية ، فإنه يكون متحمساً
له ويكون علمه بالدين هو دليله ومرشده ،
في إعداده لبرامجه وأحاديثه ، وصياغته لسائر المواد الإعلامية التي يقدمها .
إن
العمل الإعلامي ، لا بد وأن تحكمه مرجعية فكرية
والتي تكمن في الاستمساك بما أنزل الله ، لأن المسلم الحق ، يؤمن بأن الله
قد تكفل لمن خلصت عقيدته وصلح فكرة ،
بالسعادة في الدنيا والآخرة وتوعد من أعرض
عنه ، وفسدت عقيدته ، بالشقاوة في الدارين ، وعليه أن يدرك أن عقيدته ، هي العقيدة
الحق ، التي حفظها الله عز وجل ، وبدون ذلك لن يتحقق أي نصر للمسلمين .
إن
تطبيق أوامر الله واستلهام أجهزة الحكم ،
وقنوات الفكر ، ووسائل الإعلام ، وروح الشريعة يرجع إلى إيمان المسلم بعقيدته ،
وأنها تستطيع أن تحقق له الإشباع الروحي والعقلي ، بعد أن أخفقت العقائد الأخرى في
إسعاد الإنسان ، لأن هذه العقائد ، تترك علامات استفهام حائرة ، في نفوس أهلها ،
فلم تستطع أن تحل مشكلاتهم الاجتماعية أو الاقتصادية ففقدت مصداقيتها ، ووجد أصحابها أنفسهم في ضياع
، فغرقوا في ملذاتهم ، وانساقوا وراء غرائزهم
وعاشوا عيشة البهائم وارتفعت
معدلات الانتحار كما زادت نسبة الجريمة في مجتمعاتهم .
وهنا
يجد الباحثون الرد على تساؤلاتهم ، حول سبب تمسك المسلمين بعقيدتهم ، على الرغم من
الفقر والمرض والجوع ، حتى أن كثيراً من ساسة الغرب وعلمائهم ، نصحوا حكوماتهم ،
بالتعامل مع المسلمين بصورة واقعية ، وعدم بذل الجهد والمال لتحويل المسلمين إلى غير عقيدتهم ، بعدما فشلت
محاولات احتوائهم و إغرائهم ، من خلال وسائل التبشير والتنصير، المزودة بالتقنيات
والكوادر المدعومة بأفضل الإمكانيات .
إن
المسلمين يتطلعون إلى اليوم الذي يجدون
فيه إعلامهم ، يتفق مع دينهم وعقيدتهم ، لأن دماءهم من نبع هذا الدين ، مما يوجب
على الأمة الإسلامية أن تدرك هذه الحقيقة
، إذا أرادت أن تحقق الأهداف الإنسانية النبيلة ، التي جاءت بها الشريعة
الإسلامية بدلاً من المذاهب والأفكار التي
تتنافى مع ديننا وعقيدتنا ، وإن أي نشاط إعلامي ، ينسجم مع روح الشريعة ، ويتقيد
بأوامر الله ، سيلقى القبول والرضا من أمة الإسلام ، فهل آن الأوان للرجوع إلى
الحق والتعامل مع الواقع ؟ أما آن لنا أن نستفيد من تجارب الماضي ؟
لقد
جربت بعض الأنظمة في العالم الإسلامي النهج الاشتراكي تارةً ، والنظام الاستبدادي تارةً أخرى ولم يسفر ذلك إلا عن ضياع وقت الأمة ، وإهدار
طاقاتها ، والقضاء على ثرواتها ، علما بأنه يوم كان المسلمون يلتزمون فيه بمنهج
الحق ،كان النجاح والنصر حليفهم ، مما يؤكد قوة تأثير العقيدة في حياة المسلمين .
فلم لا يتعامل القائمون على أجهزة الإعلام بالمرجعية الإسلامية في القول والنشر؟ في وقتٍ نرى فيه هذه الأجهزة تدور في دائرةٍ
مفرغة ، وتعمل في إطار محدود لها ، وتخدم أشخاصاً مكنتهم الظروف من السيطرة أو
النفوذ .
إن
الواقع الحالي ، الذي يعيشه العرب والمسلمون
يدعو للأسف ، لأنهم يعتمدون على وكالات الأنباء العالمية في نقل المعلومات
، وينقلوها نقلاً حرفياً دون تفهم وتبصر ، ويقبل المسلمون اليوم على شراء التقنيات
ولم يحاولوا تعلمها ، فكان موقفهم من هذه التقنيات موقف الزبائن ، فوقع إعلامهم في
أخطاء قاتله ، ومارس دوراً لا يتفق مع حركة الأحداث . وما يزيد الأمر تعقيداً
ويدعوا للبحث والدراسة إشكالية البث المباشر
عبر الأقمار الصناعية ، التي تشكل غزواً جديداً ، لا مجال للرقابة والمنع في
مواجهته ، مما يزيد هيمنة الدول الكبرى على وسائل الاتصال ، ومراكز المعلومات ووكالات الأنباء وأجهزة صناعة الفكر في العالم ، مما أدى إلى
تأثر الشعوب الإسلامية ، بالأفكار والعقائد الفاسدة وسيكون هذا التأثير كبيراً على الأطفال ، في
مراحل حياتهم الأولى ، لأن تعرضهم إلى سبيل لا ينقطع ، من مشاهد العنف والجنس
والجريمة ، إضافةً إلى العقائد الفاسدة ، والأفكار المنحرفة ، التي تحملها وسائل
البث المباشر ، سوف يترك الأثر الأكبر ، على سلوك أبناء المسلمين والذي قد يدفعهم إلى تصرفاتٍ غير مسئولة ، وأعمالٍ عدوانية ،
بفعل غريزة التقليد والمحاكاة ، لذا ركَّزَ الإسلام على أهمية البيت والأسرة في تكوين شخصية الإنسان ، فقال تعالى :{يا
أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا } كما أن صلاح الوالدين والكبار ،
وقيامهم بفرائض الدين وبعدهم عن المنكرات
والآثام ، والتزامهم حدود الفضيلة والأدب ، وتعليم الصغار وتلقينهم مبادئ الدين ،
وغرس بذور الاعتقاد والإيمان في نفوسهم
مطلوبٌ شرعاً ، قال عليه السلام : (الزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم )
، ونبه على أن الإهمال فيه أثمٌ كبير فقال
عليه السلام : ( كفى بالمرء إثماً أن يُضيع من يقوت ) .
وهنا
تساؤلات : لماذا يتوجه بعض الدعاة إلى الأمة
قبل أن يتوجهوا إلى الدولة ؟ ولماذا لا يُنظر إلى فساد بعض القائمين على
أمر هذه الأمة ، نظرتهم إلى غيرهم من العامة ؟ ولماذا يُقتصر في معرفة المعلومة أو
الخبر عن المسلمين عن طريق وكالات الأنباء الأجنبية ؟ ولا نعرف عن بعض الدول
الإسلامية ، إلا أنها دولٌ تكثر فيها الصراعات والقلاقل ويسودها التخلف متجاهلين الوجه الإيجابي لها . إن هذه
المفارقات المخزية ، ما هي إلا صورةٌ من صور المعاناة التي يعيشها العالم
الإسلامي بسبب اعتماد وسائل الإعلام لدينا
، على المصادر التي لا تقدم من الواقع ، إلا ما يتعلق بالكوارث والحروب ، والقلاقل
والخلافات ، أما الأخبار التي تسر وترفع المعنويات سواء بما يتعلق بالتقدم الصناعي أو النهضة
الاقتصادية في طول العالم الإسلامي وعرضه ، فإنها تتجاهلها ولا تحفل بها ولهذه المعاناة صورة أكثر إيلاماً ، وأبشع
تأثيراً ، لأن وكالات الأنباء الأجنبية ، هي التي تصنع الرأي العالمي وتشكل رؤيته عن العرب والمسلمين ومن ثم لا غرابة ، أن ينظر العالم إليهم نظرة
ازدراء واحتقار . وهناك تأثير أشد أنكى من
الوكالات الأجنبية على العمل الإعلامي ، إنه يتمثل في سيطرة المنافقين وغير المؤهلين من العناصر الانتهازية ، التي
تجيد التملق والرياء والمداهنة . مما أدى إلى سيطرة بعضهم على أجهزة الاتصال ،
الأمر الذي أدى إلى تدهور الأوضاع الإعلامية في العالم الإسلامي ، وقد دفعت الأمة
الثمن غالباً ، من حاضرها ومستقبلها بسبب
تأثير هذه الفئة على صناع القرار ، وإلا فما هو تفسير الظواهر السلبية ، والأوضاع
المختلفة ، التي تسود بلدان العالم الإسلام ؟ وما تفسير انتشار ظاهرة الفقر ، في
مجتمعات تتوافر لها كل أسباب الثراء وعوامل الرفاهية ؟ وما تفسير انتشار الأمية
والجهل في أمة حملت رسالة العلم ،
وعَّلمت الدنيا كلها ؟ وما هو تفسير الضعف ، في أمة توافرت لها كل عناصر القوة ؟
لهذا نستطيع القول بان أعمال المنافقين
ونشاط الفسقة ، وجهود المرائين ، هي التي أثمرت أوضاعاً سلبية ، تدفع الأمة
تمنها غالباً ، وتجني ثمارها المريرة ، وكم كان القرآن عظيماً ، حين وضع المنافقين
في الدرك الأسفل من النار ، وبوأهم أحط مكانة في جهنم فقال تعالى : { إن
المنافقين في الدرك الأسفل من النار } . وقال في آية أخرى {إن المنافقين
يخادعون الله وهو خادعهم }. وحين يسيطر المنافقون على أجهزة الإعلام ، فإنها
لا تؤدى المهمة التي قامت من أجلها ، وهي التعبير الحقيقي عن إرادة الأمة ،
ومعالجة مشاكلها ، وتناول قضاياها المصيرية
وما يحصل عكس ذلك تماماً ، فإنها تمارس التضليل والخداع ، والرضا بالأمر
الواقع ، وتعمل على غرس المفاهيم الخاطئة ، والأفكار المشوهة في أذهان الناس . إن
سيطرة هذه الفئات ، على منابر الفكر
وقنوات الأنصال ، تعتبر حجر عثرة في إيصال الحقائق إلى الأمة ، التي تخلفت
بسبب التسلط والقمع الذي يمارس ضدها في
هذا الميدان . علماً بأنه ليس في الإسلام
كبتٌ للرأي ، ولا إجبارٌ على السكوت ولكل
مسلمٍ أن يتحدثَ بما يشاء ، سواء أُخِذَ برأيه أم لم يُؤخذ ، لأن منابر الدعوة
وأجهزة الإعلام ، هي الروافد الفكريةُ المؤهلة ، للرد على التساؤلات التي تثارُ
حول هذا العالم ، كما تستطيع مواجهة اتهامات المعاندين ، والرد على تساؤلات
المتشككين ، مما يوجب على رجال الإعلام ، أن يتزودوا بذخيرةٍ قرآنيةٍ قويةٍ ، تحسن
توظيف العقل والبرهان ، وتجادل بالتي هي أحسن مصداقاً لقوله تعالى : { وجادلهم
بالتي هي أحسن }
إن
أجهزة الإعلام تتحمل تزويد المسلمين وغير المسلمين بحقائق الدين الإسلامي ، للقضاء
على المعتقدات الخاطئة ، والمفاهيم المغلوطة ، التي تسود أغلب دول العالم عن
الإسلام والمسلمين . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق