السبت، 25 أكتوبر 2014

الالتزام والانحراف

الالتزام : هو الوفاء بما يتعهَّد به المسلم ويفرضه على نفسه من الصالحات ، حين يرضى أن يكون في صفوف الدعاة وضمن قافلة العاملين ؛ من أجل التمكين لمنهج الله في الأرض ، وهو ضروري لأنه إذا زاد في أفراد الأمة بالإسلام الشامل ، زادت الأمة قوةً وتماسكًا وارتفاعًا ، وتحققت السعادة ، وهو مهم لأنه يريد للفرد أن يصبح  نموذجًا قائمًا لما يريده الإسلام ، الذي يريد للفرد أن يكون ذا إرادة حازمة لا تضعُف ولا تلين في مواقف الحق ، وأداة صالحة لتحقيق الإرادة الصالحة ، ونصر الحق والخير ؛ وهو ضروريٌ  للأسرة ، لأن صلاح الرجل والمرأة وحسن التزامهما ينشأُ عنهما بيتٌ نموذجيٌّ، يتميَّز باحترام الفكرة ، والمحافظة على آداب الإسلام في كل مظاهر الحياة المنـزلية، ووقوف كل فردٍ على حقِّه ، وما يجب عليه ، وحسن تربية الأولاد   وتنشئَتُهم على مبادئ الإسلام ، وضروري للمجتمع لنشر دعوة الخير فيه ، ومحاربة الرذائل والمنكرات وتشجيع الفضائل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والمبادرة إلى فعل الخير وكسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية  وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائمًا ، بهذا يكون المجتمع مهيَّأً لتطبيق شرع الله والالتزام بأحكامِه والفوز بوعدِ الله لعباده المؤمنين في الدنيا والآخرة  لهذا فإن الالتزام في الإسلام شرطٌ أساسي لا يُقْبَلُ إيمان أحد إلا به . وهناك نفوسٌ طيِّعة متى أستمعت إلى أوامر الله سارعت إلى التلبية ، وحملها الإيمان على الإلتزام بأوامر الله ورسوله .
وكلما كان مجتمع الإيمان على درب الإلتزام والطاعة ، كان قريباً من الله ينظر إليه نظرة رحمة   ويسدد خطاه ، ويقوده إلى كل نصر ورفعة .
ومتى استقر الإيمان في القلب ظهرت آثاره في السلوك ، ولا تملك النفس الرجوع عنه متى أستقرت حقيقته في الضمير ، وقد لخص الله سبحانه شعار المؤمنين الملتزمين في قوله تعالى:{إنما كان قول المؤمنين إذا دُعُوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون}النور 51 .
فالنفوس الملتزمة ترى في امتثال أوامر الله ، تحقيق ذاتها وتكريم وجودها ، وأستقامة منهجها في الحياة وأول ما تجده النفس الملتزمة من ثمرات الالتزام   الظفر بالطمأنينة القلبية ، والسكينة النفسية ، لأن منهجها الذي ارتضته ، هو الحق الذي لا يأتيه الباطل .
أما المنحرفين الذين يدّعون الإيمان ويخالفون مدلوله حين يُدْعَون ليتحاكموا إلى رسول الله على شريعة الله التي جاء بها ، فقد أخبر الله عنهم بقوله :{وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون ، وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين}النور 48 .
وليعلم المنحرفون أن حكم الله ورسوله لا يحيد عن الحق ، ولا ينحرف مع الهوى ، ولا يتأثر بالمودة والشنآن ، إنهم لا يريدون الحق ولا يطيقون العدل ، ولا يحتكمون إلى الله ورسوله  ويتظاهرون بالإسلام ، ولكنهم لا يرضون أن تقضي بينهم شريعة الله ، ولا ان يحكم فيهم قانونه . وعندما تنحرف النفوس عن صراط الله المستقيم ، فإن الله يلبسها ثياب المذلة والخوف والجوع ، ويجعل حياتها معقدة يسودها الضنك والبؤس .
إن تمكين شريعة الله هي السبيل إلى كل خير  وذلك طريق السعادة ، والفصل بين الشريعة وبين الحياة قطع لما أمر الله به أن يوصل ، فما كانت الشريعة إلا من  أجل الحياة ، وما صلحت حياة الناس إلا بشرع الله ، وقد توعد الله من يتهدد الأمة في مصيرها ، ويعملون على تسهيل مهمة المستعمر ، وأصحاب الشهوات الذين يحتويهم الشيطان ، فيقتلون البريء ويسعون في الأرض فسادا  هؤلاء يقول فيهم الرسول : ( من خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي بعهد ذي عهدها  فليس مني ولست منه ) .
لقد كان الالتزام بمعناه الدقيق هو أسلوب الحياة ومنهجها ، التزام بأحكام الله ، وامتثال لأمره ونهيه في السلم والحرب والمنشط والمكره ، في أروع مظهر وأكرم جوهر وسرعة تنفيذ .
لقد عاشت الأمة الإسلامية كلها في ظل الالتزام  فهذا خالد بن الوليد عندما وصله قرار العزل من الخليفة عمر على يد أبي عبيدة ومعه قرار المحاكمة  الذي يقضي بأن تُحل عمامته ويُعقل بها ثم يحاسب على إسرافه أمام الناس في المسجد   وكان بلال الذي يقوم بالتنفيذ ، فلا يتكلم خالد أمام الالتزام ويقول له بلال وقد عقله : هكذا أمر أمير المؤمنين فيقول له خالد : سمعاً وطاعة لأمير المؤمنين ثم يوجه إليه سؤالاً ، أمن مالك تعطي الشعراء والوجهاء أم من مال الدولة ؟
فيجب بل من مالي الخاص ، فيطلقه بلال وهو يقول : هكذا نسمع ونطيع لولاتنا ، ثم يقاسمه أبو عبيدة ماله ، لأن فيه شبهة على المنهج العمري المتشدد ، فلا يبقىلخالد إلا نعلاه ، فيأخذ أبو عبيدة واحدة ويترك الأخرى لخالد .
فماذا حدث ؟ هل تمرّد خالد أو اعترض ؟
كلا إنما عبَّر عن التزامه بقوله :"ماكنت لأعصي أوامر أمير المؤمنين". ذلك هو منهج القوم لا مجاملة ولا مداهنة وإنما السمع والطاعة .
أما المنحرفون الذين يلجأون في تحاكمهم إلى الطواغيت ، فإنهم يسلكون سبيلاً غير سبيل المؤمنين ، ومع ذلك يدّعون الإيمان ، وهل الإيمان إلا الالتزام ، وكذلك الحكم إما لله أو الشيطان ولا واسطة ، وقد وصف الله تصرفات المنحرفين التي تكشف بواطنهم فقال : {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا}النساء 61 .
إنهم يكرهون التحاكم إلى الله ورسوله ، وينفِّرون من أوامر الدين ونواهيه ، وتسّوَدُ وجوهُهُمْ كلما ذكر اسم الله ، ويرون في أوامر الدين ونواهيه رجعية وتخلفا ، إنهم بحكم إنحرافهم لا يقوم على سواعدهم بناء ، ولا يتم على أيديهم نصر ، ولا يصلح بهم دين ولا دينا ، إنهم نفعّيون يريدون مصالحهم ، لذا تآمروا على دين الله وعطلوا أحكامه في الأرض  .
 ومن المنحرفين تلك الجبلة الخبيثه ، الذين يُقْبِلون على دين الله ما أقبلت عليهم الدنيا ، فإن كان في أخذهم بالدين خسارة دنيوية ، انقلبوا عنه وهجروه ، وهم يعلمون أنه الحق وأنه الدين المنزَّل من عند الله ، عناداً واستكباراً وحباً في الدنيا والجاه الرخيص .
روى البخاري ومسلم  أن هرقل ملك الروم عندما وصلت اليه رسالة رسول الله ( ص ) يدعوه فيها الى الإسلام ، طلب رجلاً يعرف الرسول ، فاتوه بأبي سفيان وكان في تجارة الى الشام ، فسأله أسئلة تنبيه عن صدق الرسول ( ص ) ، وهو يعلم يقيناً أنه الرسول الخاتم ، الذي بشَّرَتْ به الرسل من قبل ، وقد اخبر ابا سفيان بأن الإسلام سينتصر وسينتشر ، ورغب هرقل في الإسلام ولكنه أراد الإسلام والاحتفاظ بملكه معاً ، فلما كان بمدينة حمص ، أذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له ، ثمَّ أمر بأبوابها فأغلقت ، ثمَّ قال:" يا معشر الروم ، هل لكم في الصلاح والرشد ، وأن يُثَبِّت الله ملككم   فتبايعوا هذا النبي ؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب ، فوجدوها قد غُلِّقَتْ ، قال : علي بهم ، فقال : إني اختبرت شدتَّكم على دينكم ، فقد رأيت منكم الذي أحببت ، فسجدوا له ورضوا عنه "
لقد كان هرقل صادقاً عندما شاور قومه  في الإسلام واتباع الرسول ، ولقد كان كاذباً عندما زعم أنه أراد اختبارهم ، لقد ضنَّ هذا الخبيث بملكه ، بخلاف النجاشي الذي آمن بالرسول واتبعه وآوى أصحابه .
كثيرٌ من الناس يغرق في لجج الدنيا ، تسري عليهم قوانين اللذة والألم ، وتجعلهم يرغبون ويرهبون بواعث لا حصر لها ، وأولى ثمرات الإيمان تهذيب ذلك وبلوغ المنـزلة التي تجعل خشية الله أسرع الى الفؤاد من أي رهبة تخامر النفس أمام كلِّ ذي سلطان .
أما المنحرفون الذين نسُوا ربهم ، وجاملوا على حساب دينهم ، وهامور في هذه الحياة بلا رابطة تشدُّهم الى دين ، وبلا هدفٍ يميّزهم عن السائمة التي ترعى ، هؤلاء حذَّرنا الله منهم بقوله تعالى: {ولا تكونوا كالذين نسُوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون} الحشر 19 ، أي المنحرفون الخارجون .

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق