السبت، 25 أكتوبر 2014

التـقوى


التقوى أساس الطريق عليها سلك السائرون وبها و صل الواصلون ، وصى الله بها المتقدمين والمتأخرين و بها قرّب المقربين ، ولها خمس درجات : " أن يتقي العبد الكفر ، وذلك بمقام الإسلام ، وأن يتقي المعاصي و المحرمات ، وذلك مقام التوبة ، وأن يتقي الشبهات وهو مقام الورع ، وإن يتقي المباحات ،  وهو مقام الزهد " إنها هدف عام بعث الله من أجلها التشريعات والأوامر و الوصايا وإذا وجدت في قلب بشر لم يحتج بعدها إلى رقيب أو حسيب ، لأنها حاجز له من كل شر ودافعة لكل خير وهي مطلب الله من المسلمين فإذا ما كانوا أتقياء كانوا أقوياء ، ولا يختل الإسلام إلا أذا اختلت التقوى عند المسلمين ، فما هي التقوى و من هم المتقين ؟ .
لقد أمر الله سبحانه وتعالى بالتقوى في كثير من الآيات ، أمرنا بها كوظيفة للإيمان يتحرك بها الإنسان ليتحول إلى قوة بانية محرِّكة قال تعالى : ] قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب [ الزمر 10. فما هي التقوى ؟ أن يجعل العبد بينه و بين ما يخافه و يحذره وقاية ، تقية من سخط الله و غضبه و عقابه ، فيمتثل أمر الله و يجتنب نواهيه ، فلا يجده ربه حيث نهاه ، و لا يفقده حيث أمره  . كما عرَّفها العلماء فقالوا : هي أن يعمل الرجل بطاعة الله على نورٍ من الله يرجوا ثواب الله و أن يترك معصية الله على نور من الله ويخاف عقاب الله  
إنها قاعدة الإصلاح ينبثق عنها كل خير ، وهي منطلق إلى كل فضيلة وبر إنها والإيمان بالله قرينان لا ينفكان قال تعالى : ] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و آمنوا برسوله [ . فمن هو التقي ؟ إنه الذي يقي نفسه من العذاب والمعاصي بالعمل الصالح ، وهي عند المؤمن حاجزاً تحتجز عنه الضرر ، وحاجباً يحجب عنه الخطر فيحرص على ما ينفعه ويستعين بالله ويتقيه حق تقاته لأن من اتقى الله خافه ، ومن خاف الله عرفه ، ومن عرف الله امتثل أوامره واجتنب نواهيه ، ومن لم يخف من الله خاف من كل شيء . أما المتقين : فهم الذين جعلوا التقوى زاداً روحياً يحرك دوافعهم إلى قيم الحب ومثل الخير قال تعالى : ] و تزودوا فإن خير الزاد التقوى [   البقرة 197. و هي عندهم كذلك : زاداً يغذي الروح و لباساً يستر الجسد , قال الشاعر :
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى      تجرد عرياناً ولو كان كاسـيا ً
وخير لبـاس المرء طاعة ربـه     و لا خير فيمن كان الله عاصياً
وهم الذين يعظمون شعائر الله ويدفعون عنها قال تعالى : ] ومن يعظم شعائر الله فإنها تقوى القلوب [   وقال لقمان لابنه : " أي الخصال خير ؟ قال : الدين   قال فغن كانت اثنتين ؟ قال : الدين و المال ، قال فإن كانت ثلاثاً ، قال : الدين و المال و الحياة ، قال فإن كانت أربعة ؟ زاد حسن الخلق ، قال فإن كانت خمساً ؟ زاد السخاء ، قال : فإن كانت ستاً ؟ قال يا بني إذا اجتمعت فيه الخمس خصال فهو تقي و نقي والله ولي من الشيطان بري " .
و للمتقين الذين ينتفعون بالقرآن أربع صفات : فهم الذين يؤمنون ويصدّقون بالغبيات من العبث و الحساب و الجنة و النار و لا يقفون عند الماديات و المحسوسات التي يدركها العقل إدراكاً قريباً وإنما يدركون أيضاً ما وراء المادة من عوالم أخرى كالروح والجن و الملائكة و على رأسها وجود الله ووحدانيته  
والذين يؤدون الصلاة على الوجه الأكمل بشروطها وأركانها وآدابها و خشوعها ، ومن ينفقون في وجوه البر والإحسان من الأموال كالزكاة و الصدقة و سائر النفقات الواجبة شرعاً . وهم الذين يصدقون بجمع ما أنزل على محمد و سائر الأنبياء و المرسلين و يصدقون تصديقاً جازماً بالآخرة وما تضمنه من بعث الأجساد والأرواح معاً من القبور وحساب وجزاء و جزاء وصراط و جنةٍ ونار .
ومن بركات الله تعالى و سنة نبيه ؟ وسيرة سلف الأمة الصالح ، و هذا ما يؤهله للتلقي عن رب العالمين   لأن من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم قال تعالى : ] واتقوا الله و يعلمكم الله [ البقرة 282.
وإذا عمل التقي بما علم ، فإن بركة التكريم الإلهي تتجلى له ، قال تعالى : ] إن أكرمكم عند الله أتقاكم [ الحجرات13 .كما يمن الله على عباده الأتقياء بتيسير أمورهم قال تعالى : ] ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا [ الطلاق 4 .وإذا تجنبوا الحرام و حرصوا على الرزق الحلال فإنه الله سبحانه يضمن لهم أرزاقهم قال تعالى : ] ومن يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب [ الطلاق 2 .
ومن أبرك بركات التقوى أن تشتمل المتقين دائرة الرحمة الإلهية قال تعالى : ] ورحمتي وسعت كل شيء فأكتبها للذين يتقون [ الأعراف156. وأخبر القرآن أن الذين اتقوا ربهم في الدنيا بإتباع أوامره واجتناب نواهيه هم بما أعطاهم الله ] في جناتٍ ونعيم [ يتنعمون في الجنات ما طاب من أصناف الملاذ في المآكل والمشارب والملبس والمساكن والمراكب و الفرش والأزواج من الحور العين وقد جاء في الحديث أن النبي قال : ( إن الحور العين يغنين : نحن الخّيرات الحسان خُلقنا لأزواجٍ كرام [ . وأخبر الله من لطفه و كرمه بأخلاق الذرية بالآباء في المنزلة وإن لم يبلغوا عملهم لتقر عين الآباء بالأبناء قـال تعالى : ] والذين آمنوا واتبعهم ذريتهم بإيمان [ الطور 52 . وروى الطبري عن ابن عباس أن رسول الله قال : ( إذا دخل رجل الجنة سال عن أبويه وزوجته وولده فيقال : إنهم لم يبلغوا درجتك فيقول يا رب ؟ قد عملت لي و لهم فيؤمر بإلحاقهم به ) . هذا فضله تعالى على الأبناء   أما فضله على الآباء ببركة دعاء الأبناء فقد أخرج أحمد عن أبي هرة أن رسول الله قال : ( إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول : يا رب أنى لي هذه ؟ فيقول : باستغفار ولدك لك ) . 
      



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق