الأحد، 12 أكتوبر 2014

التقصير مسؤولية من ؟

التقصير مسؤولية من ؟
من الخطورة بمكان أن نُحمِّل أخطائنا وأفعالنا للإسلام فنصد بذلك عن سبيل الله ، ولا تقل الخطورة عن ذلك بالإعفاء من المسؤولية ، التي تقتضي البحث عن أسباب القصور ، وتحديد مواطن التقصير والاعتبار بالغير  ومعرفة أسباب تخلّف المسلمين عن الإسلام ، والأسباب التي أدت إلى ضغفهم ، ورسم الطريق للخروج بالأمة إلى سابق عهدها ، وذلك يكون بوضع اليد على الأسباب التي أدت إلى ذلك ، والبحث عن الوسائل الكفيلة بمعالحتها ، ولا  يكون ذلك بالمقالات الحماسية والخطب التي تلهب المشاعر وتثير الحماس .
اننا بحاجة إلى رجال يقدِّرون العواطف ويدرسون جدوى الأفعال قبل الإقدام عليها ، لأن الارتجال كلّف المسلمين الكثير ، وساهم في عجزهم عن التعامل مع مباديء الإسلام ، واكتفى المسلمون في هذه الأيام بالفخر بالإنجاز التاريخي والاقتصار في الحديث عن عظمة الإسلام  .
انظر إلى مؤسسات العمل الإسلامي في بلاد المسلمين لم يعد الانتماء للفكرة عندها قيمة ، وانقلبت الوسائل أهدافا وفشت فكرة التحزّب ، ولم يعد لمفهوم الأخوّة الشاملة قيمة ، وقد طغت العصبيات الحزبية ، واصبحت هذه المؤسسات في خدمة الأشخاص ، وليس الأشخاص في خدمة الأهداف التي ولدت هذه المؤسسات من أجلها  وكأن الخطاب الذي تعتمده في مخاطبة الناس خطاب طائفةٍ منفصلةٍ عن الأمة . 
إننا يمكن أن نعتبر عدم فهم مواصفات الخطاب القرآني مشكلة من المشاكل التي يعاني منها المثقفون في بلاد المسلمين ، هذا الخطاب الذي تعدد بحسب الأغراض  وحسب محل الخطاب وموضوعه ، والدارس للسيرة النبوية يجد أن خطاب النبوة تنوع بحسب الهدف والمحل  فخطاب المعركة والتحريض على المواجهة ، وثواب الاستشهاد وغير ذلك من مكونات خطاب المعركة كقوله تعالى :
{ قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة} التوبة 123 . وقوله : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرِّمون ما حرَّم الله } التوبة 29 .
أما الخطاب على مستوى العقيدة وتفنيد الكفر وفساد الاعتقاد فله اسلوب آخر كقوله تعالى : { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم } .
اما الخطاب على مستوى الدعوة فمواصفاته وأدواته وطبيعته تختلف قال تعالى:{ أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } النحل 125 .
أما في مجال الحوار واظهار الحق والسعي إليه والأخذ بيد الناس فله مواصفات أخرى قال تعالى:{قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا ألا نعبد إلا الله }آل عمران 64 .
أما في مجال العلاقات على مستوى الدولة والفرد فمواصفاته تختلف قال تعالى : { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم } الممتحنة 8 .
أما خطاب العقيدة فله ميزة خاصة لأن بحاجة إلى فهم الموضوع للضرورة الماسة هذة الأيام ، خصوصاً لبغض العقول الضيقة وصور التدين المغشوش والفقه المغلوط  التي بدأت تعبث بالأحكام الشرعية وتختلط عندها مواصفات الخطاب ، فكان العجز واضحاً في إيصال الصورة المشرقة للإسلام إلى المسلمين ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .
لذا جاء القرآن ينعى على الذين يحاولون إقامة الدين في جزء وطرف مع إهمال البقية التي لا ينفك قيام الدين عنها قال تعالى :{ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن اصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين } الحج 11.
إنه مصير من يهنم بشأن واحد من الدين دون سواه ، لأن الدين كلٌ لا يتجزأ ، وإن دعوة الإسلام كانت شاملةً إلى كل ما يحي البشر ويسعدهم ، وبهذا جاء النداء الإلهي للمؤمنين { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحيكم } الأنفال 24 .
إن من المشين على أهل الدعوة أن يقيموا الدنيا ولا يقعدوها من أجل مسألةٍ خلافية فرعيةٍ قليلة الخطر على الأمة وعلى الإسلام ، فيتنازعون لأجلها ويتخاصمون بسببها ، بينما الأمر كله متعطل والواجب المقطوع به مهمل ، وأهم أبواب الشريعة موصدة ، والقطعيات منبوذةٌ والبينات مجهولةٌ ، وفي المسلمين من يلجأ إلى الشتم والتفسيق والتكفير في مسألةٍ خلافية فرعية ، بينما من يحكم بالقوانين الوضعية مستبعداً شريعة الله مناصراً لأهل الكفر ، يفوز بدعائه ويتمتع بحبه ووده .
أليس هذا من الخلل في ترتيب الأولويات والقاعدة الفقهية تقول : " لا ينكر المختَلَفُ فيه وإنما يُنْكَر المتفق عليه "
وما يجمع الأمة خيرٌ مما يُفَرِّقها حتى لو تركت المستحبات والقاعدة تنص على أنه " يُستحب ترك المستحب تأليفاً للقلوب " . 


فغلى من تقع  مسؤولية التقصير للعمل لتحكيم هذا الدين , أليس هذا ديني ودينك , أليس الله استخلفنا في الأرض , أليس آخر الأنبياء نبينا محمد r , أليس أخر الأمم امتنا , أليس أخر الأديان ديننا , أليس أخر الكتب كتابنا , أليس الله يقول ] فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [ ألسنا الذين أرسل إلينا الرسول r ؟ , أليس الرسول يقول ( بلغوا عني ولو اية ) أليس الرسول r قد قلدنا الأمانة فقال : ( اللهم اشهد , اللهم اشهد , اللهم اشهد )  إلى من هذه النصوص والآيات لمن نترك هذا الدين حتى يقوم بالعمل على تحكيمه ؟ ولماذا أهل الباطل يعملون وأهل الحق نائمون ، لماذا لا نقوم بواجب الدعوة إلى الله , إلى من تركنا أمر الدعوة ونشر الدين ، فإن قلت هذا واجب العلماء والدعاة ، وأنت لماذا لا تشارك ؟ لماذا لا يكون هذا الأمر هم يخالط قلوبنا ؟ لماذا لا نغتم إذا رأينا التقصير في جيراننا وإخواننا المسلمين ؟ لماذا لا نتفقد أبناء عمومتنا وأقاربنا ونذكرهم بالله ؟ لماذا نجلس المجالس الكثيرة ولا نذكر الله فيها إلا قليلا ؟ لماذا لا نجعل من أنفسنا قدوات يقتدى بنا في أخلاقنا ومعاملاتنا مع الأهل والأقارب والناس عامة .
لماذا الزهدٌ في السنن والتوسع في المباحات وارتكاب للمحظورات ، والتهاونٌ في الأوامر وترك الواجبات والتركيز على المندوبات والمستحبات ؟
لماذا أصبح موضوع الجهاد في سبيل الله مجرد إخبار تتابع ؟ لماذا يغلب على مجالسنا الغيبة واكل لحوم الناس حتى أصبحت عطرها الفواح غيبة العلماء والدعاة والأمراء وعامة الناس ؟ لماذا نجلس في المجلس ونقوم وأكثر كلامنا عن الدنيا وأخبار البيع والشراء والسيارات ولا نذكر الله إلا قليلا ؟  أفمن هذا حاله ، يرجى إن يكون مسئولاً عن امة الإسلام ؟ أم هل يمكن من هذا حاله أن يؤثر في نفسه وأسرته فضلاً عن مجتمعه ؟  لنراجع حساباتنا ولنعلم أننا جميعاً مسؤولين عن هذا الدين رجالا ونساء ، فمن يقوم بأمر هذا الدين سوى أبنائه .. ومن أبنائه أنت ! فماذا قدمت له !؟.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق