التقصير
مسؤولية من ؟
من الخطورة بمكان أن نُحمِّل أخطائنا
وأفعالنا للإسلام فنصد بذلك عن سبيل الله ، ولا تقل الخطورة عن ذلك بالإعفاء من
المسؤولية ، التي تقتضي البحث عن أسباب القصور ، وتحديد مواطن التقصير والاعتبار
بالغير ومعرفة أسباب تخلّف المسلمين عن
الإسلام ، والأسباب التي أدت إلى ضغفهم ، ورسم الطريق للخروج بالأمة إلى سابق
عهدها ، وذلك يكون بوضع اليد على الأسباب التي أدت إلى ذلك ، والبحث عن الوسائل
الكفيلة بمعالحتها ، ولا يكون ذلك
بالمقالات الحماسية والخطب التي تلهب المشاعر وتثير الحماس .
اننا بحاجة إلى رجال يقدِّرون العواطف
ويدرسون جدوى الأفعال قبل الإقدام عليها ، لأن الارتجال كلّف المسلمين الكثير ،
وساهم في عجزهم عن التعامل مع مباديء الإسلام ، واكتفى المسلمون في هذه الأيام
بالفخر بالإنجاز التاريخي والاقتصار في الحديث عن عظمة الإسلام .
انظر إلى مؤسسات العمل الإسلامي في
بلاد المسلمين لم يعد الانتماء للفكرة عندها قيمة ، وانقلبت الوسائل أهدافا وفشت
فكرة التحزّب ، ولم يعد لمفهوم الأخوّة الشاملة قيمة ، وقد طغت العصبيات الحزبية ،
واصبحت هذه المؤسسات في خدمة الأشخاص ، وليس الأشخاص في خدمة الأهداف التي ولدت هذه
المؤسسات من أجلها وكأن الخطاب الذي
تعتمده في مخاطبة الناس خطاب طائفةٍ منفصلةٍ عن الأمة .
إننا يمكن أن نعتبر عدم فهم مواصفات
الخطاب القرآني مشكلة من المشاكل التي يعاني منها المثقفون في بلاد المسلمين ، هذا
الخطاب الذي تعدد بحسب الأغراض وحسب محل
الخطاب وموضوعه ، والدارس للسيرة النبوية يجد أن خطاب النبوة تنوع بحسب الهدف
والمحل فخطاب المعركة والتحريض على
المواجهة ، وثواب الاستشهاد وغير ذلك من مكونات خطاب المعركة كقوله تعالى :
{ قاتلوا
الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة} التوبة 123 . وقوله : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرِّمون ما
حرَّم الله } التوبة 29 .
أما الخطاب على مستوى العقيدة وتفنيد
الكفر وفساد الاعتقاد فله اسلوب آخر كقوله تعالى : { لقد
كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم } .
اما الخطاب على مستوى الدعوة فمواصفاته
وأدواته وطبيعته تختلف قال تعالى:{ أدع إلى سبيل ربك
بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } النحل 125 .
أما في مجال الحوار واظهار الحق والسعي
إليه والأخذ بيد الناس فله مواصفات أخرى قال تعالى:{قل يا
أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا ألا نعبد إلا الله }آل عمران 64 .
أما في مجال العلاقات على مستوى الدولة
والفرد فمواصفاته تختلف قال تعالى : { لا ينهاكم الله
عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم }
الممتحنة 8 .
أما خطاب العقيدة فله ميزة خاصة لأن
بحاجة إلى فهم الموضوع للضرورة الماسة هذة الأيام ، خصوصاً لبغض العقول الضيقة
وصور التدين المغشوش والفقه المغلوط التي
بدأت تعبث بالأحكام الشرعية وتختلط عندها مواصفات الخطاب ، فكان العجز واضحاً في
إيصال الصورة المشرقة للإسلام إلى المسلمين ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .
لذا جاء القرآن ينعى على الذين يحاولون
إقامة الدين في جزء وطرف مع إهمال البقية التي لا ينفك قيام الدين عنها قال تعالى
:{ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن اصابه خير اطمأن
به وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين }
الحج 11.
إنه مصير من يهنم بشأن واحد من الدين
دون سواه ، لأن الدين كلٌ لا يتجزأ ، وإن دعوة الإسلام كانت شاملةً إلى كل ما يحي
البشر ويسعدهم ، وبهذا جاء النداء الإلهي للمؤمنين { يا
أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحيكم } الأنفال 24 .
إن من المشين على أهل الدعوة أن يقيموا
الدنيا ولا يقعدوها من أجل مسألةٍ خلافية فرعيةٍ قليلة الخطر على الأمة وعلى
الإسلام ، فيتنازعون لأجلها ويتخاصمون بسببها ، بينما الأمر كله متعطل والواجب
المقطوع به مهمل ، وأهم أبواب الشريعة موصدة ، والقطعيات منبوذةٌ والبينات مجهولةٌ
، وفي المسلمين من يلجأ إلى الشتم والتفسيق والتكفير في مسألةٍ خلافية فرعية ،
بينما من يحكم بالقوانين الوضعية مستبعداً شريعة الله مناصراً لأهل الكفر ، يفوز
بدعائه ويتمتع بحبه ووده .
أليس هذا من الخلل في ترتيب الأولويات
والقاعدة الفقهية تقول : " لا ينكر المختَلَفُ فيه وإنما يُنْكَر المتفق عليه
"
وما يجمع الأمة خيرٌ مما يُفَرِّقها
حتى لو تركت المستحبات والقاعدة تنص على أنه " يُستحب ترك المستحب تأليفاً
للقلوب " .
فغلى
من تقع مسؤولية التقصير للعمل لتحكيم هذا
الدين , أليس هذا ديني ودينك , أليس الله استخلفنا في الأرض , أليس آخر الأنبياء
نبينا محمد r , أليس أخر الأمم امتنا , أليس أخر الأديان
ديننا , أليس أخر الكتب كتابنا , أليس الله يقول ]
فَلَنَسْأَلَنَّ
الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [
ألسنا
الذين أرسل إلينا الرسول r
؟ , أليس الرسول يقول ( بلغوا عني ولو اية ) أليس الرسول r
قد قلدنا الأمانة فقال : ( اللهم اشهد , اللهم اشهد , اللهم اشهد ) إلى من هذه النصوص والآيات لمن نترك هذا الدين
حتى يقوم بالعمل على تحكيمه ؟ ولماذا أهل الباطل يعملون وأهل الحق نائمون ، لماذا
لا نقوم بواجب الدعوة إلى الله , إلى من تركنا أمر الدعوة ونشر الدين ، فإن قلت
هذا واجب العلماء والدعاة ، وأنت لماذا لا تشارك ؟ لماذا لا يكون هذا الأمر هم
يخالط قلوبنا ؟ لماذا لا نغتم إذا رأينا التقصير في جيراننا وإخواننا المسلمين ؟
لماذا لا نتفقد أبناء عمومتنا وأقاربنا ونذكرهم بالله ؟ لماذا نجلس المجالس
الكثيرة ولا نذكر الله فيها إلا قليلا ؟ لماذا لا نجعل من أنفسنا قدوات يقتدى بنا
في أخلاقنا ومعاملاتنا مع الأهل والأقارب والناس عامة .
لماذا
الزهدٌ في السنن والتوسع في المباحات وارتكاب للمحظورات ، والتهاونٌ في الأوامر وترك
الواجبات والتركيز على المندوبات والمستحبات ؟
لماذا
أصبح موضوع الجهاد في سبيل الله مجرد إخبار تتابع ؟ لماذا يغلب على مجالسنا الغيبة
واكل لحوم الناس حتى أصبحت عطرها الفواح غيبة العلماء والدعاة والأمراء وعامة
الناس ؟ لماذا نجلس في المجلس ونقوم وأكثر كلامنا عن الدنيا وأخبار البيع والشراء
والسيارات ولا نذكر الله إلا قليلا ؟ أفمن
هذا حاله ، يرجى إن يكون مسئولاً عن امة الإسلام ؟ أم هل يمكن من هذا حاله أن يؤثر
في نفسه وأسرته فضلاً عن مجتمعه ؟ لنراجع
حساباتنا ولنعلم أننا جميعاً مسؤولين عن هذا الدين رجالا ونساء ، فمن يقوم بأمر
هذا الدين سوى أبنائه .. ومن أبنائه أنت ! فماذا قدمت له !؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق