السبت، 25 أكتوبر 2014

الحكم الشرعي وأقسامه


الحكم الشرعي : خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد . بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع .
أما الشارع : فهو الله تعالى ، وأما خطاب الشارع : فإنه يعني خطاب الله ، ونفس المعاني التي تضمنتها الألفاظ والتراكيب هي الخطاب ، وإنما قيل خطاب الشارع ولم يقل خطاب الله ليشمل السنة وإجماع الصحابة من حيث كونه دالاً على الخطاب ، حتى لا يتوهم أن المراد به القرآن فقط ، لأن السنة وحي فهي خطاب الشارع ، وإجماع الصحابة يكشف عن دليل من السنة فهو خطاب الشارع .
أما لماذا قيل بأفعال العباد ولم يقل ولم يقل المكلفين ؟ ذلك ليشمل الأحكام المتعلقة بالصبي والمجنون كالزكاة في أموالهما .
ومعنى كونه متعلقاً بالاقتضاء أي بالطلب والذي ينقسم إلى طلب فعل وطلب ترك ، فإن كان طلب الفعل جازماً فهو الإيجاب أو الفرض ، وإن كان غير جازم فهو المندوب أو السنة أو النافلة .
وإن كان طلب الترك جازماً فهو التحريم أو الحظر ، وإن كان غير جازم فهو الكراهة . وأما التخيير فهو الإباحة . أما خطاب الوضع أو الخطاب المتعلق بأفعال العباد بالوضع فهو جعل الشيء سبباً أو مانعا ، مثل مانعية النجاسة للصلاة ، فهي وإن كانت علامةً للأحكام فهي من الأحكام ، لأن الله جعل وجود النجاسة علامة على بطلان الصلاة ، ولا معنى لكون النجاسة مبطلة إلا طلب ترك النجاسة فهي في حقيقتها خطاب من الشارع .
إن ذكر الاقتضاء أو التخيير في تعريف خطاب الشارع شمل الأحكام الخمسة وهي : الواجب والمندوب والحرام والمكروه والمباح .
أما قوله بالوضع فقد شمل ما كان سبباً أو مانعاً أو شرطاً أو صحيحاً وباطلاً وفاسدا ، وما كان رخصةً وعزيمة . مما سبق بيانه ينقسم خطاب الشارع إلى قسمين .
الأول : خطاب التكليف وهو خطاب الشارع المتعلق بطلب الفعل أو طلب الترك أو التخيير بين الفعل أو الترك . وسمي بالتكليفي لأن فيه تكليف للإنسان ، فيُخيَّر بين الفعل والترك . وأقسام الحكم الشرعي التكليفي : المستحب : هو الذي رغَّب الشارع في فعله ، ولا حرج في تركه ، يُثابُ فاعله ولا يُعاقبُ تاركه ، ولا عتاب ولا لوم ، كالأمور التي لم يُواظبْ عليها النبي ( ص ) كصيام يومَي الاثنين والخميس من كل أسبوع ، وهناك المستحبات الزائدة : وهي الأمور التي فعلها النبي ( ص ) بحسب العادة كالاقتداء بأكله ( ص ) وشربه ، وهذه كمالية لا يعتبر مُسيئاً من لم يقتد برسول الله فيها ، وهي من قبيل المندوب ، وهي ما طلب الشارع فعلها طلباً غير جازم ، وسميت بهذا الاسم لأن الشارع ندب إليها أي دعا إليها . وسميت بالنفل لأنها زائدة عن الفرض ، وتزيد في الثواب ، وسمي المندوب بالتطوع  لأن فاعله يأتي به تطوعاً دون إلزام ، وفاعله يستحقُ الثواب من الله ، ولا عقاب على تاركه ويستحسن الإكثار من عمل المندوبات طلباً لثواب الله ، ليكون له رصيد من الحسنات التي تمحو السيئات لقوله تعالى :{إن الحسنات يذهبن السيئات}هود 114 . ومن المندوبات ، صلاة النافلة  والصدقة ، وصلاة الجماعة .
أما السنة : وهي ترادف المندوب في العبادات ، وتطلق على ما كان نافلة منقولةً عن النبي ( ص )   ومن السنة المسنون سنة مؤكدة : فهو ما واظب النبي ( ص ) على فعله ، ولم يتركه إلا نادرا ، ولم يطلبه طلباً جازما ، وإنما تركه ليدل على عدم حتميته . كالمضمضة والاستنشاق في الوضوء ، وقراءة شيءٍ من القرآن في الصلاة بعد الفاتحة ، وحكمها يُثاب فاعلها ولا يُعاقب تاركها ، ولكنه يستحق اللوم والعتاب على تركها .
أما إن كانت من الشعائر الدينية كالآذان والجماعة ، فإن أتفق أهل بلدة على تركها وجب قتالهم لاستهانتهم بالسنة .
وأما الواجب فهي والفرض بمعنى واحد ، وذهب البعض إلى أن من الواجب ما يثبت بدليل قطعي  كأركان الإسلام التي ثبتت بالقرآن ، وما ثبت بالسنة المتواترة كقراءة القرآن في الصلاة ، والمتواتر : هو الحديث الذي نقاه جماعة من تابعي التابعين ، عن جماعة من التابعين عن جماعة من الصحابة عن النبي عليه السلام .
أما الواجب الذي ثبت بدليل ظني فيه شبهه ، وهو خبر الواحد وهو الذي رواه واحد أو أكثر لا يبلغ عددهم حد التواتر من الصحابة ، ومن بعدهم من التابعين وتابعي التابعين ، كصدقة الفطر ، وصلاة الوتر والعيدين . ولكن الأصح كما قال بعض الفقهاء والأصوليين ، انه ليس في اللغة ولا في الشرع  ما يدل على هذا الفرق ، لأن واقع المسمى هو ما طلبه الشارع طلباً جازماً ولا فرق بين أن يكون الطلب ثبت بدليل ظني أو السنة المتواترة ، يثاب فاعله ويعاقب تاركه ويكفر من أنكره  والظني هو اللفظ الذي يحتمل أكثر من معنى كقوله تعالى :{والمطلقات يتربصن بأنفسهنَّ ثلاثةُ قُروء }البقرة 228 ، فلفظ قرء يحتمل أن يراد به الطهارة ، ويحتمل أن يراد به الحيضات ،ولهذا الاحتمال تكون دلالة الآية على الحكم ظنيه لا قطعيه . والقطعي هو الذي لفظه لا يحتمل إلا معنى واحدا كقوله تعالى :{ ولكم نصف ما ترك أزواجكم }النساء 12 .
وأما الفرض : وهو ما ثبت وجوبه بطريق قطعي، لا شبهه فيه ورتب الشارع على فعله الثواب ، وعلى تركه العقاب ، ويلزم من تركه الفسق ، ومن جحده الكفر . والفرض نوعان فرض كفاية وفرض عين أما فرض الكفاية : إذا قام به البعض سقط عن الباقين . وأما فرض العين : فهو عينٌ على كل من يلزمه  وهو درجات ،حيث أن هناك فرائض اعتبرها الإسلام أركاناً أساسيه وهي خمس ، شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وإقامُ الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا .
إن الإسلام يقدم فرض العين على فرض الكفاية ، لذا يقدم بر الوالدين وطاعتهما على الجهاد ، ما دام فرض كفاية ، أما إذا أصبح فرض عين ،كما إذا هاجم العدو الكافر بلاد المسلمين ، واحتل أرضها فيقدم الجهاد على حق الوالدين في البر والطاعة . ويفضل الجهاد على العبادة الفردية . كما يفضل الفقه والعلم على العبادة ، والفقيه على العابد ، وإصلاح ذات البين على التطوع بالصلاة  والصدقة ، لذلك قال رسول الله (ص) : ( فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم) ، وفي حديث آخر (كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب) .
ويفضل عمل  الإمام العادل في رعيته ، على تطوعه بنوافل العبادات بأضعاف مضاعفه قال عليه السلام (ليوم من  إمام عادل أفضل من عبادة سبعين سنه ) كما يقدم الإسلام ، العقيدة على العمل  ويعتبرها هي المحور والأساس .
وهناك أمور وقع فيها المسلمون ذات أهميه ، فقد أهملوا فروض الكفاية المتعلقة بمجموع الأمة كالتفوق العلمي ، والصناعي ، والحربي ، والاجتهاد في الفقه ، واستنباط الأحكام ، ونشر الدعوة إلى الإسلام ، ومقاومة السلطان الجائر فقد ورد في مراسيل الحسن عن النبي(ص) قال : (لا تزال هذه الأُمة تحت  يد الله ، وفي كنفه ما لم يمالئ قراؤها أمراءَها ، وما لم يزك صلحاءها فجارها ، وما لم يُهِنْ خيارها أشرارها ، فإذا هم فعلوا ذلك رفع الله يده عنهم ، ثم سلط عليهم جبابرتهم ، فساموهم سوء العذاب  ثم ضربهم الله بالفاقة والفقر) .
 كما أهمل المسلمون بعض الفرائض العينية ، أو أعطوها دون قيمتها ، مثل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، عندما تركها المسلمون ضلوا ، وأضاعوا دينهم وأخلاقهم ، وانقطعت الصلة بينهم وبين ربهم ،حتى أصبح المسلمون في آخر الأمم ، وقوى عليهم أعداؤهم ، فاصبحوا تابعين بدلاً من أن يكونوا مبشِّرين ، فترى النصارى يبشرون المسلمين ليغيروا دينهم ، ويشككون في عقيدتهم ،ويخرجونهم من إيمانهم وإسلامهم ، والحكومات تغض الطرف عن المبشرين وتصرفاتهم وكأنهم يطلقون يدهم في هذا المجال ، بينما الداعيةُ إلى الله ، يحارب ، ويسجن  .
لقد اهتم المسلمون ببعض الأركان أكثر من بعض ، فاهتموا بالصوم أكثر من الصلاة حيث تجد كثيرين من المسلمين من يتكاسل عن الصلاة ،حتى وجد من ينقضي عمره دون أن، ينحني لله راكعاً ساجداً ومن المسلمين من يهتم بالصلاة اكثر من الزكاة مع أن طلبهما جاء على حد سواء ، حتى قال بعض الصحابة ، من لم يزك فلا صلاة له . وقال أبو بكر (رضي) والله لأقاتلَنَّ من فرق بين الصلاة والزكاة . ومن المسلمين من اهتم بالنوافل ، اكثر من اهتمامهم بالفرائض والواجبات ،كبعض المتصوفة الذين اكثروا من الأذكار والتسابيح والأوراد ، ولم يولوا هذا الاهتمام لكثير من الفرائض  ، مثل إنكار ومقاومة ظلم الحكام .
ومن المسلمين من اهتم بالعبادة الفردية ،كالصلاة والذكر ، أكثر من اهتمامهم بالعبادات الاجتماعية التي يعم نفعها ،كالجهاد ، والفقه ، ومنهم من اهتم بفروع الأعمال ، واغفلوا الأساس ، وهو العقيدة والتوحيد ، وإخلاص الدين لله .
أما مراتب الأمور التي ينهى عنها الإسلام فهي : المكروه : وهو ما طلب الشارع تركه ،لا على وجه الحتم والإلزام ، يمدح تاركه ولا يذم فاعله وهو عند الحنفية نوعان : مكروه تحريماً : وهو ما كان الى الحرام أقرب ، ويتميز عن الحرام بأن الحرام ما طلب الشارع تركه على وجه الحتم والإلزام بدليل قطعي كالآيات القرآنية والسنة المتواترة أو المشهورة والحديث المشهور : هو الذي نقله جماعة من تابعي التابعين ، عن جماعة من التابعين عن واحد أو أكثر من الصحابة ، لا يبلغ عددهم حدَّ التواتر وسمي بالمشهور لأن الأمة تلقته بالقبول واشتهر بينها . وما ثبت بدليل قطعي كالسرقة ، والربا ، والزنى  والحرام ، يكفر منكره ، بخلاف المكروه التحريمي، فلا يكفر ، ويشترك الاثنان في استحقاق العقاب والذم والترك .
أما المكروه تنزيهاً : وهو ما طلب الشارع تركه ،لا على وجه الحتم والإلزام ، وهو إلى الحلال أقرب وفعله لا يستوجب العقاب ولا يذم ، كأكل لحوم الخيل ، للحاجة إليها في الحروب .
أما المباح : وهو ما خيّر الشارع المكلف ، بين فعله وتركه ، أو لا يتعلق بفعله مدح ولا ذم ،كترك الجهاد بالنسبة للأعمى ، لقوله تعالى :{ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج}النور 61 . ومنها المشتبهات ، والمشتبه : هو الذي يحتمل أكثر من معنى ، والمشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس  فمن وقع فيها ، وقع في الحرام ،كالراعي يرعى حول الحمى ، يوشك أن يقع فيه .
ومنها الحرام الصريح : وهو الذي فصله الله في كتابه وسنة رسول الله (ص) قال تعالى :{وقد فصل لكم ما حرَّم عليكم}الأنعام 119 .
أما الحرام :ما طلب الشارع تركه طلباً جازماً ، يذم فاعله ويعاقب ، ويثاب المرء على تركه ، وقد تكون العقوبة في الدنيا ،كقوله في حد القذف {واجلدوهم ثمانين جلده }النور 4. أو الآخرة ،كما في قوله تعالى :{إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً}النساء
والحرام نوعان صغائر وكبائر . أما الصغائر  فتكفرها الصلاة والصيام والصدقة قال تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات}هود 114 . وفي الحديث الصحيح ( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) .
وأما الكبائر : فلا يغسلها ولا يمحوها ، إلا التوبة النصوح . وهي تتفاوت ، فمنها ما عدَّه النبي  (ص ) من أكبر الكبائر ، وعلى رأسها الإشراك بالله وشتم الرب أو الرسول . أما ما وقع فيه الخلل والاضطراب : كاشتغال كثير من الناس  بمحاربة المكروهات ، أو الشبهات أكثر مما اشتغلوا بحرب المحرمات المنتشرة ، أو الواجبات المضيعة ، كالاهتمام الشديد ، بما أختلف في حله وحرمته ، عما هو مقطوع بتحريمه .
وكذلك انصراف الكثيرين إلى مقاومة الصغائر  والاهتمام بها ، وإغفال الكبائر الموبقات ، مما كدّر عقيدة التوحيد . إن صغائر الذنوب ، إلى حد الشعور باللامبالاة ، فإنها تصبح بمثابة الكبيرة  وقديماً قالوا : لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن أنظر إلى من عصيته . وليس أمَرُّ على القلب ، من   وحشة الذنب على الذنب . وأنشدوا :          رأيت الذنوب تميت القلوب          وقد يورِثُ الذلَّ إدمانها         وترك الذنوب حياةُ القلوب             وخيرٌ لنفسك عصيانها
 وهل أفسد الدين إلا الملوك              وأحبارُ سوءٍ  ورهبانها    
إن الذنوب إذا تكاثرت ، يُطبعُ على قلب صاحبها قال تعالى : {كلاّ بل ران على قلوبهم بما كانوا يكسبون } المطففين 14 .                                                     


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق