الأحد، 12 أكتوبر 2014

الاختلاف المشروع والتفرق لمذموم

الاختلاف المشروع والتفرق لمذموم
إن الاختلاف لا يضر ، إذا اتُفِقَ على الأصول الأساسية ، والمقاصد الكلية ، على أن لا يؤدي الاختلاف في الجزئيات إلى تفرق أو عداوة . ويجب على الأمة أن تنسى كل الخلافات الفرعية لتقف صفاً واحداً ، أمام قوى الشرِّ المعادية لها  ويجب أن تكون الشدائد دافعا من دوافع لم الشمل ، وتوحيد الصفوف وهو ما يحبه الله  لعباده المؤمنين .
 قال تعالى : {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص }الصف 4 .     وألا يكون الخلاف حائلا دون ارتباط القلوب  وتبادل الحب والتعاون على الخير ، وان نحب لإخواننا ما نحب لأنفسنا . لقد كان الصحابة يخالف بعضهم بعضا في الإفتاء ،ولكنهم كانوا على قلب رجلٍ واحد .
وإذا كان الأئمة وهم اعلم الناس بكتاب الله وسنة رسوله ، قد اختلف بعضهم بعضا فلم لا يسعنا ما وسعهم  فقد كانوا إذا اختلفوا رجعوا إلى الخليفة ، ليقضي بينهم ويرفع الخلاف .
 أما لا يوجد خليفة ، فإن الأولى بالمسلمين أن يبحثوا عن ذلك ، وإلا فان اختلافهم من غير مرجع لا يردهم إلا إلى خلاف آخر . ومما يثار حوله الجدل عند بعض المسلمين  اللباس حيث يعيبون لبس البنطال والقرافة  ويشددوا على لبس الثوب والقصير بالذات .
 نقول لهم بان الإسلام أباح لنا أي لباس ، ما دمنا بعيدين عن السرف والخيلاء . والزعم بان هذا اللباس على الطراز الإسلامي ، وما عداه كفراني غير صحيح ، فحسب اللباس أن يكون ساترا للعورة ، ويزين صاحبه مهما كان تفصيله   وأما موضوع زكاة الفطر والإصرار على أن تكون تمرا أو شعيرا ، ورفضها نقدا كما قال الحنفية فهو تشدد لا داعي له كما أعتقد ، وماذا في إخراجها نقدا يصلح الفقير به شأنه .
وإن هذا التشدد باسم الحديث ، والدفاع عن السنة لا داعي له. وأما التلفزيون ، فانهم يقيمون الدنيا ويقعدونها على دخوله البيوت ، علما بان العلة ليست فيه كجهاز ، وإنما فيمن يضعون برامجه ، وإذا ما قلت لهم إن إقامة أحكام الإسلام   كفيلةٌ بتغيير هذا الواقع المخالف ، قالوا سياسة ما لنا ولها ، علما بان السياسة : هي رعاية شئون الأمة في الداخل والخارج .
ومن الأمور التي يدور حولها الجدل إطلاق المسلمين لحاهم وهي من المسائل الخلافيه بحثها يكون علميا لترجيح احد الاراء من اهل الاختصاص من العلماء الجامعين بين الفقه والورع والاعتدال ، أعجبني ما أورده شلتوت في فتاويه حيث قال : "لو تمشينا مع القائلين بالتحريم لمجرد المشابهة بالكفار في كل ما عرف عنهم من العادات والمظاهر الزمنية لوجب علينا الآن تحريم إعفاء اللحى ، لأنها من شأن الرهبان في سائر الأمم التي تخالف في الدين " ويجب ان لا نركز اهتمامنا في البحث على الأمور الخلافبه التي تاكل اوقاتنا‏وجهودنا . وأن لا يكون الاهتمام بهذه القضايا على حساب القضايا المصيرية  التي تصلح حال الامه .
إن مشكلة السلمين ليست في ترجيح هذا الراي او ذاك ولا في الذي يؤول آيات الصفات بل في الذي ينكر الذات والصفات جميعا  وليست فيمن يجهر بالبسملة او يخفضها ولا فيمن يرسل يديه في الصلاة او يقبضها الى غير ذلك ، ولكن مشكلة المسلمين فيمن لا ينحني لله راكعا ولا يعرف  المسجد . وليست مشكلة المسلمين فيمن لا ياخذ باحد المذاهب ولا في عدم تغطية الوجه  بالنقاب واليدين بالقفازين  علماً بأن النص استثنى الوجه واليدين في قوله تعالى :{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها }النور . يعني الوجه والكفين ، وقصة الفضل بن عباس في حجة الداع عندما ثبَّت بصره على وجه امراة حسناء ، فأدار الرسول     (ص) رأسه  ولم يقل للمرأة غطي وجهك أو اخفي عيناً واظهري اخرى ، والحديث في الصحاح وهو واحد من نحو عشرات الأحاديث الصحيحة التي تفيد سفور الوجه دون اعتراض من أحد .
وقضية مصافحة المرأة التي يثار الجدل حولها ، أنا لست مع من يستحبون المصافحه لسبب ولغير سبب ، لكن إذا صافح الرجل امرأةً اجنبية في موقف غلبه ، فليس هناك ما يعدّ جريمة   وحديث الطبراني الذي يستدل به أن رسول الله (ص) قال : ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خيرٌ له من أن يمس امراة أ لا تحل له) لاعلاقة لهذا الحديث بالمصافحة ، لأن المس لم يذكره القرآن إلاّ وهو يريد الاتصال الجنسي لقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهنّ من قبل أن تمسوهنَّ فما لكم عليهن من عدة تعتدونها}البقرة 23 . وقال في كفارة الظهار:{فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا}المجادلة 4 .
وقد يطلق المس على التحكك السافل أو المزاحمة الخسيسة التي يفعلها بعض الرعاع  وأيا ما كان الأمر فلا علاقة للحديث بالمصافحة ثمَّ أن المصافحة والتغطية وعدمها ليست هي المشكلة  ولكن المشكلة في تعرية الرؤوس والنحور ولبس القصير الفاضح الشفاف والوصاف ، ومشكلة المشاكل تكمن في وهن العقيده وتعطيل الشريعه وانهيار الاخلاق واضاعة الصلوات ومنع الزكوات واتباع الشهوات وشيوع الفاحشه وانتشار الرشوه وخراب الذمم وسؤ الادارة وترك الفرائض الاصليه وارتكاب المحرمات القطعيه وموالاة اعداء الله   .
ان مشكلة المسلمين تكمن في الغاء العقل وتجميد الفكر وتخدير الاراده وقتل الحريه واماتة الحقوق ونسيان الواجبات واهمال سنن الله وظلم الحكام والقوة على الحق والمنفعة على الواجب واضاعة اركان الاسلام ودعائم الايمان وقواعد الاحسان . وهذا ما يجب على الدعاة ان يركزوا عليه بجهود لا تتوقف وعمل لا يكل ، كما يحتاج الى عزائم قوية وطاقات بنائه . إنه لا خلاف على الاحكام الشرعيه القطعيه التابته بمحكم القران والسنة التى اجمعت عليها الامة .
 وهنا لا بد من توضيح المحكم والمتشابه ، اشتمل القران الكريم على ايات محكمه واخرى متشابه . قال تعالى : { منه ايات محكمات هن ام الكتاب وأخر متشابهات }آل عمران 7 . المحكم : هو ما ظهر معناه وانكشف كشفا يرفع الاحتمال كقوله تعالى:{واحل الله البيع وحرم الربا}البقرة 275
اما المتشابه : فهو ما يحتمل اكثر من معنى كقوله تعالى :{أو لامستم النساء} ذلك لتردده بين اللمس باليد والوطىء . وسمى متشابها لاشتباه معناه على السامع كقوله تعالى :{والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلاثة قرؤ }البقرة 228. فلفظ قرؤ يمكن ان يكون المراد به الحيض او الطهر .
 واذا اتفقنا على الاحكام الشرعيه القطعيه فلنتعاون على رعايتها وتطبيقها وحمايتها من عبث الذين يريدون ان يحولوا القطعيات الى ظنيات  والمحكمات الى متشابهات ، وان يجعلوا من الدين عجينة طرية في ايديهم ، يشكلونها كما تملى عليهم نزوات السلاطين او نزغات الشياطين،واذا كان التعاون فى المتفق عليه واجبا ، فان من اوجب الواجبات   التسامح فى المختلف فيه بمعنى الا نتعصب لراى ضد اخر ولا لمذهب ضد مذهب . واذا كان الاسلام اتباعا لصاحب الرساله وتصديقا لما جاء به ، فانه يخرج منه من استهان بالرسول او حقر الرساله او انكر ما هو معروف من الدين بالضروره .
كما اجمع العلماء على ان رفض النصوص القطعيه يخرج من الاسلام ، اما ترك الفرض او فعل الكبيرة مع الشعور بالاثم ، فان صاحب هذا المسلك يعد مسلما عاصيا ولا يوصف بالكفر لقوله تعالى :{ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }النساء 48 . لذا نشكوا الى الله المتدينين الذين قست قلوبهم على عباد الله   والذين يرمون بالكفر والفسق من شاؤا بتطاول غريب . فمن الناس بدلا من ان يقتدى برسول الله (ص) فانهم يجعلون من خطا غيرهم سببا الى احتقار الجهال ، ناسين ان اتهام الناس ليس من الدين  وان التزام الحكمة فى معالجة الاخطاء مطلوب دينا فقد ورد فى الحديث .( ان الله يحب الرفق فى الامر كله ) . وذلك لا يعنى ابدا اطفاء مشاعر الغضب لله والغيرة على حدوده ، كما نامل ان يرفع حاجز القسوة بيننا وبين سماع كلمة الحق وان تمحى اثاره { افلا يتدبرون القران ام على قلوب اقفالها }محمد 24 .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق