قال
تعالى )يا أيها الذين آمنوا
لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضُهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن
الله لا يهدي القوم الظالمين(المائدة
51 .
مطلوب
من قارئ هذه الآية أن يعلم معنى الولاية التي ينهى الله عنها ، فهي لا تتعلق بمعنى
اتباعهم في الدين ، فغالبية الزعامات التي تتعاون مع النصارى واليهود ، لا يلتزمون
بالتبعية لهم في دينهم ، إنما هو ولاء التحالف والتناصر ، وحتى هذا الولاء غير
جائز ، لأن الله نهى عنه وأمر بإبطاله ، بدليل عدم قيام الولاء والتحالف والتناصر
بين المسلمين واليهود في المدينة ، أما سماحة الإسلام مع أهل الكتاب فهي شيء واتخاذهم أولياء كما هو حاصل هذه الأيام شيء
آخر ، وإن الولاء لا يكون إلا لله ورسوله وجماعة المسلمين ، ومن السذاجة أن نفهم
أننا نستطيع أن نضع أيدينا في أيديهم ، ناسين تعليم القرآن والتاريخ لنا بما وقع
منهم ، فهم الذين ألبوا المشركين على الجماعة المسلمة في المدينة ، وهم الذين شنوا
الحروب الصليبية خلال مائتي عام وهم الذين
ارتكبوا فظائع الأندلس ، وهم الذين شردوا العرب من فلسطين ، ومازالوا يذيقونهم
ألوان الاضطهاد والقتل والتعذيب ، بل هم الذين يشردون المسلمين في كل مكان ، في
الحبشة والصومال وإرترية ، كما يتعاونون مع الإلحاد والمادية والوثنية ضد المسلمين
، كما حصل في يوغسلافيا والصين وتركستان والهند وفي كل مكان ، وبعد كل هذا ينادي
القائمون على أمرنا بإمكانية التعايش السلمي والولاء والتحالف والتناصر بيننا وبين
أهل الكتاب ، وكأنهم لا يقرأون القرآن ، بل إن الإسلام لا يعيش في حسهم ، لا يوصفه
عقيدة لا يقبل الله من الناس غيرها ، ولا يوصفه حركة إيجابية تقف في وجه عدا وات
أهل الكتاب ، لأنهم في غفلة عن المصير الذي أعده الله لهم ، حيث أدخلهم في زمرة
اليهود والنصارى عندما قرر ذلك بقوله :)ومن
يتولهم منكم فإنه منهم(.
لكنهم مضوا كما تزَوِّرُ لهم أهوائهم ، يعللون ويبررون ويفسرون .
لقد
طمأن الله المسلمين بأن لا ييأسوا لأن فرجه قريب ، وقد هدد من يرتد عن دينه أنه
ليس بمعجزه ، وأن لدينه أولياء وناصرين مدخرين في علمه سبحانه قال تعالى :)يا
أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة
على المؤمنين أعزةٍ على الكافرين(
المائدة
.
ورغم
أن اليهود والصليبية الجديدة يتظاهرون علينا بالإثم والعدوان ، ويتجاهرون بضرورة
الإجهاز على الإسلام وأمته ، لكن هذا الحلف الآثم سيتلاشى ، وهذا الضعف الذي ألم
بنا سيزول ، وليست هذه المرة الأولى التي يفقد فيها المسلمون بيت المقدس ، فقد
استعدنا المسجد الأقصى بعد أن احتل قبل هذه المرة ، وسقط قتلانا حوله ألوفاً ،
وسنستعيده مرة أخرى مهما كانت التضحيات ، وسيكون مصير الفراعنة الجدد مصير
الفراعنة القدامى ، وأما ما يشاع بأن الجيش اليهودي قوة لا تقهر من قبل العرب هذه
الأيام ، فهي شائعة ليست بغريبة على المسلمين
فقد روى التاريخ قديماً أن هذه الشائعة انطلقت بين أيدي التتار الذين
أغاروا على العالم الإسلامي واسقطوا
الخلافة العباسية ، ودمروا في النفوس أن الجيش التتاري لا يهزم ، وفي معركة عين
جالوت سقطت قصة الجيش الذي لا يقهر وها هو التاريخ يعيد نفسه اليوم ، والمحاولات
جارية لاشعارنا أن اليهود اليوم هم تتار الأمس الذين سفكوا وأهلكوا ولم يقفهم أحد
.
والواقع
أن اليهود أقل وأذل من أن ينهضوا بهذا الدور ، وإن الدول الكبرى يساعدها عملاء من
أبناء المسلمين ، هي التي تريد توكيد هذه الخرافة
وهي تتدخل سافرة لترجيح كفتهم ، حتى يظلوا شبحاً مرعباً في المنطقة التي
نكبب بهم ، وإن الغفلة أو التغافل عن استرجاع ما ضاع من الأرض والمقدسات من يد
اليهود ، جريمة دينية وتاريخية ضخمة .
آلمني
أن هناك نزعة مجنونة تشغل العرب بقضاياهم الخاصة أو خدمةً لجهات أخرى تحبس تفكيرهم
واهتمامهم عما يمس الأمة ، بل وتصرفهم عن مشكلاتها الأساسية ، حتى إن المتتبع
للأخبار أٌصيب بالإحباط وخيبة الأمل ، لأنه شعر بأن ما يجري على الساحة لا يقلقهم
ولا يحرك ضميرهم علماً بأن السكوت في هذه
الحالة يعتبر خيانة وطعنة نافذة تصيب الإسلام ، في يومه وغده وتهدد الأمة بالتمزُق
والخسران .
ويا
ليت العرب يعتبروا ويفكروا ولو للحظة ، بما كسبوه من ترك التناصر بالإسلام ، إنهم
خسروا بل ضلوا وأضلوا وضاعوا وأضاعوا في غمرة التحدي اليهودي ، و يا ليتهم يتأسوا
بالجيل المحمدي الذي ألان القلوب له وأخلص النبات
فاندكت أمامه حصون الباطل ولكن العرب نسوا مَعقِد شرفهم وعروة مجدهم ،
وظنوا أنهم بغير الإسلام يمكن أن يكونوا شيئاً ، وأنهم بعيداً عن الإسلام لن
يكونوا إلا حطب جهنم .
فلماذا
لا يتنادى ولاة الأمر على حمل راية الجهاد
لماذا يغالون بالتمسك بقرارات السلام في وقت تعمد إسرائيل إلى نسف عملية
السلام وحرب العزّل من المسلمين دون خوف
ولا وجل ، على حين يخجل رؤساء العرب من التنادي بالجهاد الذي حمل لواءه
رسولنا e وصحابته والتابعين ومن تبعهم .
لقد
أصبح قرار ساستنا وقادتنا المطالبة بالحل السلمي ، واستبعاد فكرة الحرب وفق مشيئة
إسرائيل ، وهو عندهم غاية المراد من الجهد والجهاد ، وغدا استجدائنا للحلول
المخزية هو سبب استعلاء إسرائيل وغطرستها ، وغرورها الذي يدفعها دفعاً الى مزيدٍ
من المساومة والمراوغة والتلكؤ ، حتى تتملص نهائياً وتواجهنا بالأمر الواقع ودوام
الاحتلال ، كما أصابنا سنة 1948 وما بعدها
.
إنه
منطق الجهالة العمياء والعمالة والنكوص عن الجهاد ، وإن جيوشنا من خيرة جيوش الأرض
إذا تمسكت بدينها ورزقت القيادة الصالحة ، لكن العرب هزمتهم أزمة الإيمان في
قلوبهم ، ففتكت بهم فوضاهم الداخلية قبل أن يفتك بهم الأعداء وهذا المصير الحقير هو ما خطط له الاستعمار
الضائق بالقرآن ومنهج الإسلام فصنع أجيال الهزيمة ، بدل أن نصنع أجيال النصر التي
لا يصنعها قوم انحلوا عن دينهم وتنكروا لتاريخهم .
إن
المتأمل في هزائمنا المتلاحقة أمام اليهود في الماضي والحاضر ، ليشعر بأن المستعمر
وأدواته في المنطقة قد حقق مراده وفق ما يشتهي ، وأن ما غرسه في بلادنا قد أتى
ثماره المرّة كلها ، وأن جهوده الماكرة منذ استعمر هذه البلاد والعقول لم تضع سدى
، لقد عملوا على تهميش موضوع الجهاد والتنادي به لقتال الأعداء ، والتجهيل في
آياته ومحاولة حصرها في ركن بعيد عن الأضواء لتتلاشى على مرّ الأيام ، وما لمسناه
هذه الأيام من القرارات التي اتخذت ، ليدل على أن ما مهد إليه أعداؤنا قد ساق
الأمور إليه وبالقاعدة التي ساروا عليها منذ قديم الزمان ، وهي إن احتاج الأمر إلى
المكر لانوا وإن احتاج إلى القسوة بطشوا ،
وهم في اللين يدّسون السموم ، وفي الشدة يحترفون الهمجية والجبروت وفي كلتا
الحالتين لا يناموا عن غايتهم الأساسية ، في يناء مجتمعات منسلخة عن الإسلام مرتدة
عن هديه في كل مناحي الحياة .
إن
ما سمعناه من أخبار هذه الأيام لتدل على أنهم وصلوا إلى غايتهم المنشودة ، وهي
تركيع الأمة أمام إسرائيل ، حتى خافوا من التعرض لذكر الحرب بحجة أنهم طلاب سلام
وحق لهم ذلك لأنهم من عباد الشهوات في هذه الحياة الدنيا ، لذا لا ولن يرقى
مستواهم إلى منـزلة المجاهدين ويا ليتهم
وقفوا عند حد التقاعس عن الجهاد بل راحوا
يعملون على إفهام الناس بأن الجهاد والحرب مع إسرائيل ، ليس وسيلة ناجحة باسم
الحاجة إلى السلام ، الذي لن يتحقق لهم ماداموا بعيدين عن دينهم .
إننا
ما دمنا في فراغ الجو من الإيمان الباعث على الحركة ، فليبس غريباً أن نجد ناساً
ثرثرتهم أكثر من إنتاجهم ، ودعاواهم أكثر من حقائقهم وشهواتهم ملك لأزمَّتِهم ، مما أوصلنا إلى هذه
الهزائم المخزية التي نكَّست رؤوسنا ، وفي غمرة هذا نرى أقواماً يضحكون ولا يبكون
، مع أنه ينبغي أن تكون الجباة مقطَّبة والشفاه مزمومة ولكن ما نسمعه من الأخبار المزعجة من دعاة
الهزيمة ، الذين يلتمسون لحل المشاكل التي نعاني ألف دواء ودواء إلا دواءها الصحيح
وهو الجهاد الذي اجتهد الاستعمار خلال
قرون يعوِّدنا على تركه . أما قانون
المؤمنين فهو رفضٌ للمذلة وإباءٌ على
الهوان ، ثم ثارٌ للكرامة مهما غلت التضحيات ، وإيمانٌ بما أمر الله به من جهادٍ
في سبيله لا يقعد عنه إلا من ضُربت عليه المسكنة
وباء بخزي الدنيا وعذاب الآخرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق