الأحد، 26 أكتوبر 2014

حرمة موالاة أهل الكفر


قال تعالى )يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضُهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين(المائدة 51 .     
مطلوب من قارئ هذه الآية أن يعلم معنى الولاية التي ينهى الله عنها ، فهي لا تتعلق بمعنى اتباعهم في الدين ، فغالبية الزعامات التي تتعاون مع النصارى واليهود ، لا يلتزمون بالتبعية لهم في دينهم ، إنما هو ولاء التحالف والتناصر ، وحتى هذا الولاء غير جائز ، لأن الله نهى عنه وأمر بإبطاله ، بدليل عدم قيام الولاء والتحالف والتناصر بين المسلمين واليهود في المدينة ، أما سماحة الإسلام مع أهل الكتاب فهي شيء  واتخاذهم أولياء كما هو حاصل هذه الأيام شيء آخر ، وإن الولاء لا يكون إلا لله ورسوله وجماعة المسلمين ، ومن السذاجة أن نفهم أننا نستطيع أن نضع أيدينا في أيديهم ، ناسين تعليم القرآن والتاريخ لنا بما وقع منهم ، فهم الذين ألبوا المشركين على الجماعة المسلمة في المدينة ، وهم الذين شنوا الحروب الصليبية خلال مائتي عام  وهم الذين ارتكبوا فظائع الأندلس ، وهم الذين شردوا العرب من فلسطين ، ومازالوا يذيقونهم ألوان الاضطهاد والقتل والتعذيب ، بل هم الذين يشردون المسلمين في كل مكان ، في الحبشة والصومال وإرترية ، كما يتعاونون مع الإلحاد والمادية والوثنية ضد المسلمين ، كما حصل في يوغسلافيا والصين وتركستان والهند وفي كل مكان ، وبعد كل هذا ينادي القائمون على أمرنا بإمكانية التعايش السلمي والولاء والتحالف والتناصر بيننا وبين أهل الكتاب ، وكأنهم لا يقرأون القرآن ، بل إن الإسلام لا يعيش في حسهم ، لا يوصفه عقيدة لا يقبل الله من الناس غيرها ، ولا يوصفه حركة إيجابية تقف في وجه عدا وات أهل الكتاب ، لأنهم في غفلة عن المصير الذي أعده الله لهم ، حيث أدخلهم في زمرة اليهود والنصارى عندما قرر ذلك بقوله :)ومن يتولهم منكم فإنه منهم(. لكنهم مضوا كما تزَوِّرُ لهم أهوائهم ، يعللون ويبررون ويفسرون . 
لقد طمأن الله المسلمين بأن لا ييأسوا لأن فرجه قريب ، وقد هدد من يرتد عن دينه أنه ليس بمعجزه ، وأن لدينه أولياء وناصرين مدخرين في علمه سبحانه قال تعالى :)يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزةٍ على الكافرين( المائدة .
ورغم أن اليهود والصليبية الجديدة يتظاهرون علينا بالإثم والعدوان ، ويتجاهرون بضرورة الإجهاز على الإسلام وأمته ، لكن هذا الحلف الآثم سيتلاشى ، وهذا الضعف الذي ألم بنا سيزول ، وليست هذه المرة الأولى التي يفقد فيها المسلمون بيت المقدس ، فقد استعدنا المسجد الأقصى بعد أن احتل قبل هذه المرة ، وسقط قتلانا حوله ألوفاً ، وسنستعيده مرة أخرى مهما كانت التضحيات ، وسيكون مصير الفراعنة الجدد مصير الفراعنة القدامى ، وأما ما يشاع بأن الجيش اليهودي قوة لا تقهر من قبل العرب هذه الأيام ، فهي شائعة ليست بغريبة على المسلمين  فقد روى التاريخ قديماً أن هذه الشائعة انطلقت بين أيدي التتار الذين أغاروا على العالم الإسلامي  واسقطوا الخلافة العباسية ، ودمروا في النفوس أن الجيش التتاري لا يهزم ، وفي معركة عين جالوت سقطت قصة الجيش الذي لا يقهر وها هو التاريخ يعيد نفسه اليوم ، والمحاولات جارية لاشعارنا أن اليهود اليوم هم تتار الأمس الذين سفكوا وأهلكوا ولم يقفهم أحد .
والواقع أن اليهود أقل وأذل من أن ينهضوا بهذا الدور ، وإن الدول الكبرى يساعدها عملاء من أبناء المسلمين ، هي التي تريد توكيد هذه الخرافة  وهي تتدخل سافرة لترجيح كفتهم ، حتى يظلوا شبحاً مرعباً في المنطقة التي نكبب بهم ، وإن الغفلة أو التغافل عن استرجاع ما ضاع من الأرض والمقدسات من يد اليهود ، جريمة دينية وتاريخية ضخمة .
آلمني أن هناك نزعة مجنونة تشغل العرب بقضاياهم الخاصة أو خدمةً لجهات أخرى تحبس تفكيرهم واهتمامهم عما يمس الأمة ، بل وتصرفهم عن مشكلاتها الأساسية ، حتى إن المتتبع للأخبار أٌصيب بالإحباط وخيبة الأمل ، لأنه شعر بأن ما يجري على الساحة لا يقلقهم ولا يحرك ضميرهم  علماً بأن السكوت في هذه الحالة يعتبر خيانة وطعنة نافذة تصيب الإسلام ، في يومه وغده وتهدد الأمة بالتمزُق والخسران .
ويا ليت العرب يعتبروا ويفكروا ولو للحظة ، بما كسبوه من ترك التناصر بالإسلام ، إنهم خسروا بل ضلوا وأضلوا وضاعوا وأضاعوا في غمرة التحدي اليهودي ، و يا ليتهم يتأسوا بالجيل المحمدي الذي ألان القلوب له وأخلص النبات  فاندكت أمامه حصون  الباطل  ولكن العرب نسوا مَعقِد شرفهم وعروة مجدهم ، وظنوا أنهم بغير الإسلام يمكن أن يكونوا شيئاً ، وأنهم بعيداً عن الإسلام لن يكونوا إلا حطب جهنم  .
فلماذا لا يتنادى ولاة الأمر على حمل راية الجهاد  لماذا يغالون بالتمسك بقرارات السلام في وقت تعمد إسرائيل إلى نسف عملية السلام وحرب العزّل من المسلمين دون خوف  ولا وجل ، على حين يخجل رؤساء العرب من التنادي بالجهاد الذي حمل لواءه رسولنا e وصحابته والتابعين ومن تبعهم .
لقد أصبح قرار ساستنا وقادتنا المطالبة بالحل السلمي ، واستبعاد فكرة الحرب وفق مشيئة إسرائيل ، وهو عندهم غاية المراد من الجهد والجهاد ، وغدا استجدائنا للحلول المخزية هو سبب استعلاء إسرائيل وغطرستها ، وغرورها الذي يدفعها دفعاً الى مزيدٍ من المساومة والمراوغة والتلكؤ ، حتى تتملص نهائياً وتواجهنا بالأمر الواقع ودوام الاحتلال ، كما أصابنا سنة  1948 وما بعدها .
إنه منطق الجهالة العمياء والعمالة والنكوص عن الجهاد ، وإن جيوشنا من خيرة جيوش الأرض إذا تمسكت بدينها ورزقت القيادة الصالحة ، لكن العرب هزمتهم أزمة الإيمان في قلوبهم ، ففتكت بهم فوضاهم الداخلية قبل أن يفتك بهم الأعداء  وهذا المصير الحقير هو ما خطط له الاستعمار الضائق بالقرآن ومنهج الإسلام فصنع أجيال الهزيمة ، بدل أن نصنع أجيال النصر التي لا يصنعها قوم انحلوا عن دينهم وتنكروا لتاريخهم .
إن المتأمل في هزائمنا المتلاحقة أمام اليهود في الماضي والحاضر ، ليشعر بأن المستعمر وأدواته في المنطقة قد حقق مراده وفق ما يشتهي ، وأن ما غرسه في بلادنا قد أتى ثماره المرّة كلها ، وأن جهوده الماكرة منذ استعمر هذه البلاد والعقول لم تضع سدى ، لقد عملوا على تهميش موضوع الجهاد والتنادي به لقتال الأعداء ، والتجهيل في آياته ومحاولة حصرها في ركن بعيد عن الأضواء لتتلاشى على مرّ الأيام ، وما لمسناه هذه الأيام من القرارات التي اتخذت ، ليدل على أن ما مهد إليه أعداؤنا قد ساق الأمور إليه وبالقاعدة التي ساروا عليها منذ قديم الزمان ، وهي إن احتاج الأمر إلى المكر لانوا وإن احتاج إلى  القسوة بطشوا ، وهم في اللين يدّسون السموم ، وفي الشدة يحترفون الهمجية والجبروت وفي كلتا الحالتين لا يناموا عن غايتهم الأساسية ، في يناء مجتمعات منسلخة عن الإسلام مرتدة عن هديه في كل مناحي الحياة .
إن ما سمعناه من أخبار هذه الأيام لتدل على أنهم وصلوا إلى غايتهم المنشودة ، وهي تركيع الأمة أمام إسرائيل ، حتى خافوا من التعرض لذكر الحرب بحجة أنهم طلاب سلام وحق لهم ذلك لأنهم من عباد الشهوات في هذه الحياة الدنيا ، لذا لا ولن يرقى مستواهم إلى منـزلة المجاهدين   ويا ليتهم وقفوا عند حد التقاعس عن الجهاد   بل راحوا يعملون على إفهام الناس بأن الجهاد والحرب مع إسرائيل ، ليس وسيلة ناجحة باسم الحاجة إلى السلام ، الذي لن يتحقق لهم ماداموا بعيدين عن دينهم .
إننا ما دمنا في فراغ الجو من الإيمان الباعث على الحركة ، فليبس غريباً أن نجد ناساً ثرثرتهم أكثر من إنتاجهم ، ودعاواهم أكثر من حقائقهم  وشهواتهم ملك لأزمَّتِهم ، مما أوصلنا إلى هذه الهزائم المخزية التي نكَّست رؤوسنا ، وفي غمرة هذا نرى أقواماً يضحكون ولا يبكون ، مع أنه ينبغي أن تكون الجباة مقطَّبة والشفاه مزمومة  ولكن ما نسمعه من الأخبار المزعجة من دعاة الهزيمة ، الذين يلتمسون لحل المشاكل التي نعاني ألف دواء ودواء إلا دواءها الصحيح وهو الجهاد  الذي اجتهد الاستعمار خلال قرون يعوِّدنا على تركه  . أما قانون المؤمنين فهو رفضٌ للمذلة  وإباءٌ على الهوان ، ثم ثارٌ للكرامة مهما غلت التضحيات ، وإيمانٌ بما أمر الله به من جهادٍ في سبيله لا يقعد عنه إلا من ضُربت عليه المسكنة  وباء بخزي الدنيا وعذاب الآخرة .

                  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق