الأحد، 12 أكتوبر 2014

ما هو المطلوب منا

 ما هو المطلوب منا
نحن في هذه الأيام في حاجة إلى وقفة تأمل ننظر فيها إلى حاضر العالم الإسلامي كي نبصر ما نحتاج إليه ، وكي نأخذ العبرة مما يوحي بالعبرة   في الوقت الذي نرى فيه القوى المعادية للإسلام تعربد قريباً منا وبعيداً عنا .
ففلسطين لا يجف فيها دم ، وكما يَطَّلع الناس على النشرة الجوية في كل صباح يتسمعون إلى أنباء القتلى في الانتفاضة ، التي أمدها الله وحده بالقوة . إننا بحاجة إلى أن نتعرف حاضر العالم الإسلامي   الذي ضاق به أحد الشعراء فقال :
قد استردَّ السبايا كل منهزم       لم تبق في أسرها إلا سبايانا
وما رأيت سياط الظلم دامية            إلا رأيت عليها لحم أسرانا
ولا نموت على حدِّ الظّبا أنفاً         حتى لقد خجلت منا منايانا
وإذا كانت أمتنا الإسلامية محتاجة إلى شيء ، فإنها أحوج أمم الأرض إلى الإيمان الذي يملأ فراغها   وإلى الحاكم العدل الذي يسوسها ويعمِّر خرابها   ويعمل لمصلحتها .
يروي التاريخ أن الخليفة المهدي العباسي كان يهتم برعاياه بصورة كبيرة ، وكان محبباً إلى الخاص والعام من رعاياه ، لأنه افتتح أمره بالنظر في المظالم ، والكف عن القتل ، وأمَّن الخائف وانصف المظلوم . وقد روى السيوطي كثيراً من الروايات التي تدل على حرصه على تحقيق مصالح رعاياه ، فروى أنه كان يمر يوماً بموكبه في شوارع بغداد ، فسمع رجلاً ينشد :
قل للخليفة حاتم لك خائن        فخف الإله وأعفنا من حاتم
إن العفيف إذا استعان بخائن         كان العفيف شريكه في المآتم
فأمر المهدي بعزل كل عامل من عمَّاله يتسمى باسم حاتم ، لأنه كان من العسير على المهدي أن يصل إلى حاتم هذا المشكوك فيه ، لقد كان التاريخ الإسلامي ، هو عمل السلطة الإسلامية في تطبيق الإسلام من قبل الخلفاء والحكام .
دخل أبو مسلم الخولاني على معاوية بن أبي سفيان فقال : السلام عليك أيها الأجير ، فقالت له الحاشية : قل : السلام عليك أيها الأمير فقال : السلام عليك أيها الأجير وكررها مرتين   ومعاوية كان لبقاً وذكياً فقال : دعوا أبا مسلم فإنه أعلم بما يقول . فأفهمه أبو مسلم أنه أجير للمسلمين يعمل لمصلحتهم ، وما يستحق أجراً إلا إذا أخلص في عمله وأدى ما عليه ، وعندما طلب أبو ذر من النبي e أن يولّيه عملاً من الأعمال أو منصباً من المناصب قال : ( يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها ) أي ينهض بجميع الأعباء التي يفرضها المنصب عليه ، فخلف ذلك السلف وتلك الحاشية ، خلف كلهم حاتم وعلى منوال تلك الحاشية ، خيانةً وغشاً وذلاً ومهانة ، أشداء على قومهم أذلاء أمام أعدائهم :
ألقاب مملكة في غير موضعها     كالهرِّ يحكي انتفاخاً صُورة الأسد
وليس بعزيز على الله أن يطرد أمثال هؤلاء ، وأن يحرمهم السلطة التي قصروا بالقيام بواجباتها.  {فأخذهم الله بذنوبهم إن الله شديد العقاب }.الأنفال 52
ولكن قضاء الله من تدمير الظلمة وإنشاء أمم أعدل وأعقل ، يحتاج إلى زمن طويل بمعنى أن ذلك لا يتم بين عشية وضحاها ، فقد يموت قادة ويستشهد مجاهدون ، قبل أن يأتي النصر آخر الأمر ، أما لماذا يطول الزمن ؟ فلأن الله يُنْضِجُ الكمال في نفوس المجاهدين مع طول الزمن ، وفي الوقت نفسه يُنْضِجُ العناد والكفر في نفوس المعاندين والفاسقين مع طول الزمن ، فإذا كوفئ المؤمنون بالنصر ، فبعد أن يبلغوا قمة الخير والكمال ، وإذا كوفئ المجرمون بالعقاب ، فبعد أن يبلغوا قمة الشرّ والفساد .
أما ما هو المطلوب من الأمة حتى تستحق النصر على الأعداء ؟ هناك نداءات شتى للمؤمنين بيَّنها القرآن الكريم منها : أولاً- تحكيم كتاب الله قال تعالى :}فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم{.
ثانياً - عدم التولي يوم الزحف قال تعالى :}يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار{. الأنفال 5
ثالثاً - طاعة الله والرسول وعدم الإعراض عن آيات الله قال تعالى :}يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وانتم تسمعون{. الأنفال 20
رابعاً- الثبات في لقاء الأعداء قال تعالى :}يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون{. الأنفال 45
خامساً- زيادة الإيمان بقراءة القرآن أو سماع تلاوته قال تعالى :}وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون{. الأنفال 2
لقد افتُتِحت إذاعات قراءة القرآن ، وكثرت دور تحفيظ القرآن والحمد لله ، ولكن ما قيمة هذه الدور والإذاعات ، إذا لم تحرِّك قراءة القرآن الإيمان المخدَّر الذي يضحك منه أعداء الإسلام . ما قيمة ذلك إذا لم تتحول الآيات إلى مسالك وإلى جهاد وأعمال وهذا أمرٌ لا بد منه ، لأن نهضة الأمم ليست كتباً تقرأ وتحفظ ، لكنها أحوال ومناهج وتطبيقات ، والأمم الهابطة المتأخرة تهتم بالشكل وتهمل الموضوع :
يقولون  الزمــــان به فساد     وهم فسدوا وما فسد الزمان
يخطئ من يقول إن الأمة الإسلامية ستستسلم للذل والخنوع بعد اليوم ، فهذه هي رغبة الكافرين الذين يعملون على إماتة روح الجهاد في الأمة ، وإذا كانت الظروف التي تعيشها الأمة أقوى من طاقاتها ، فلأنها تعيش فترة استسلام وجمود ، تماماً كانتصارات الصليبيين التي كان مرجعها إلى انحلال القوى الإسلامية وتفككها وعدم ترابطها ، فانشغلت بالتوافه من الأمور وابتعدت عن الجوهر ، فما عادت لها هيبة ولا كيان ولا وجود ، فاصبح ما يجري لا يحرك عندها ساكنا :
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم    أسرى وقتلى فما يهتز إنسان
لماذا التقاطع في الإسلام بينكم       وأنتم يا عباد الله إخــوان
ألا نــفوسٌ  أبيّاتٌ  لها همم      أمـا على الخير أنصار وأعوان
إن الذين يشكون بعودة الإسلام قوياً بسبب انبهارهم بقوى الدول الكبرى ، وما تملكه من المخترعات المخزونة من أدوات الدمار ، نسو أن الله يقول :}لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض  { وأنهم لن يغلبوا اللهْ لأنه كما قال تعالى:} والله غالب على أمره{ أما مع من يكون أمر الله ولمن يكون الاستخلاص ؟ فقد أوضحه قوله تعالى : } يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون { 
وكلمة وأطيعوا الرسول ، تعني حراسة سنته والقيام عليها والعمل بها ، إنه لا تعويل بعد اليوم على السياسة ولا على الساسة ، وإنما التعويل كله على الأمم ، ولا معول للأمم في جهادها أنفع لها وأصدق من المضي بها إلى تطبيق أحكام الإسلام   لأن الإسلام لا تهزمه القوى الأجنبية ، التي مهما اشتد ساعدها فإن نارها إلى خمود وثورانها إلى همود ، وما أصيب الإسلام ولن يصاب إلا من داخل أرضه ومن أبناء أمته ، مما يجعلني أشفق على مستقبل هذه الأمة ، لأن العداوات العالمية والمحلية في كثير من الأقطار الإسلامية مخيفة .
وإن بقينا على ما نحن عليه فإن المصير مخوف والعاقبة مقلقلة ، وإن استيقظنا وتمسكنا بديننا وتحول إيماننا إلى عمل ويقيننا إلى سيرة تُفْرَضُ على الأمة ، عندها يكون النصر بإذن الله . قال تعالى :}ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز{. الحج 39.
   



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق