دولة اليهود إرهابية
بمباركة أمريكية
منذ
عُقد مؤتمر بال 1897م الذي وضع مخطط العمل الصهيوني لاستعمار فلسطين وإقامة دولة
لليهود فيها . والزعماء الصهيونيون لا يتركون مناسبة إلا استغلوها لتحقيق أهدافهم
المرسومة بدقة . فاتصلوا من أجل الحصول على موافقة للهجرة إلى فلسطين بأكثر من
زعيم ومسؤول في أكثر من بلد ، وكان في الوقت نفسه أسلوب جدلهم ووعودهم وعهودهم
تتفاوت من زعيم إلى آخر ومن بلد إلى آخر في وقت واحد . فاتصلوا بقيصر ألمانيا
وسلطان بني عثمان وغيرهما كثرين وتمكنوا
من التغلغل في الإدارة البريطانية فوجدوا منها مرتعاً خصباً و مجالاً رحباً
لنشاطهم ، وما كان من بريطانيا أن أصدرت وعد بلفور وسهلت هجرة اليهود إلى فلسطين ،
حيث أقام الانتداب البريطاني حكومة تناسب مطامع الحركة الصهيونية تماماً ، قال
هرتزل مؤسس الصهيونية الأول : طالما بقيت الدولة الصهيونية ، فإنها ستشكل قلعة
بالنسبة لأوروبا ضد أسيا ، وطليعة المدنية ضد البربرية . وفي هذا دليل على أن
التزاوج بين الإمبريالية والصهيونية حقيقة
مرة ولعنة في وجه آمال الإنسانية في فلسطين .
وكان
من أبرز ما أدى إلى نشوء الحركة الصهيونية ، التنافس الاستعماري في منطقة الشرق
الأوسط ، فقد سادت فكره استغلال اليهود إحدى أدوات التوسع الاستعماري في وطننا
العربي ، وقد تلاقت المصالح الصهيونية مع مصالح الغرب ، فالصهيونيون يفتشون عن
حليف قوي قادر على ترجمة أحلامهم إلى واقع ، ومن هذا المنطلق كان قول هرتزل :
" إن عودتنا إلى وطن الأباء التي نبا بها الكتاب المقدس ، تشكل مصلحة سياسية
ملائمة لتلك الدول التي تبحث عن شيء في أسيا " وقد دعمت بريطانيا الحركة
الصهيونية ، فاستغلت سيطرتها على فلسطين لتحويلها مع الأيام إلى دولة عبرية ،
لتكون أداة لإحباط فكرة القومية العربية ، وإفشال قيام وحدة العرب ، بإقامة فاصل
سياسي وعسكري بين مشرق الوطن العربي ومغربه . غير أن اصطدام بريطانيا بالشعب
العربي في فلسطين أكثر من مرة واضطرارها إزاء مقاومته اتباع سياسة مزدوجة ، كان من
بين مظاهرها الكتاب الأبيض لعام 1939م ، الذي عمل على تقييد الهجرة اليهودية إلى
فلسطين والإشراف على بيع الأراضي فيها ، مما جعل الزعماء الصهيونيون يحاولون البحث
عن حليف جديد فاتجهت الأنظار إلى الولايات
المتحدة ، التي أخذت تزحزح بريطانيا عن مكانتها في المنطقة وتحتلها تدريجياً ، وقد
مارست آلة الدعاية الصهيونية ضغطاً كبيراً على الحكومة و الرأي العام الأمريكيين ،
كما استغلت السياسة الداخلية الأمريكية والعناصر المؤثرة فيها بما ينعكس على
السياسة الخارجية . فقد كانت أصوات اليهود الانتخابية وأصوات المتعاطفين معهم
دافعاً مؤثراً في هذا الباب ،كما صرح بذلك رئس الولايات المتحدة آنذاك ترومان
للمندوبين العرب ، الذين قابلوه للاحتجاج على إسرائيل ، قال : " أسف أيها
السادة علىَّ أن أستجيب إلى مئات الألوف من الذين يتطلعون إلى نجاح الصهيونية ،
فلا يوجد هناك مئات الألوف من العرب في مناطقي الانتخابية " .
فالتصلب
الأمريكي لصالح إسرائيل هو السمة التي يمكن أن توصف بها السياسة الأمريكية في
الوطن العربي حتى هذا التاريخ ، فقد تحطمت أمام التحالف الأمريكي الإسرائيلي
المكشوف كل مشروعات التسوية السياسية ، التي ظهرت في الأفق منذ عام 1947م وتعثرت
كل المساعي السلمية لتحقيق التسوية ، ودخلت قضية الشرق الأوسط رسمياً ومن ضمنها
قضية فلسطين ، في دوامة المشروعات و المشرعات المضادة ، فقد كان غزو إسرائيل
للبنان علم 1982م هو غزو تم بالاتفاق بين الولايات المتحدة وإسرائيل وإن كانت
إسرائيل كما تزعم واشنطن تخطت الحدود المرسومة لهذا الغزو لتصل إلى بيروت ، كما أن
تورط الولايات المتحدة في مجازر صبرا و شاتيلا تكشفه الوثائق المتبادلة بين
الولايات المتحدة ومنظمة التحرير .
لقد
قام الكيان الصهيوني على العنف ، لأن العنف جزء لا يتجزأ من تفكير الحركة
الصهيونية وسلوك قادتها ، وهذا ما أكده المؤرخ أرنولد تويني في موسوعته التاريخية
عن أعمال إسرائيل الإرهابية قال : " إن الشرور التي ارتكبها اليهود
الصهيونيون مع العرب الفلسطينيين والتي تقارن بتلك التي ارتكبها النازيون مع
اليهود ، وهي ذبح الرجال والنساء والأطفال في دير ياسين ... وغيرها من المذابح
" فكيف لو رأى وسمع عما جرى في جنين
فماذا يا ترى كان يقول في موسوعته .... ؟
لقد
تبنى اليهود منذ البداية سياسة إرهابية ترمي أولاً إلى تشجيع عملية استيطان اليهود
في فلسطين وثانياً إلى إثارة الهلع في
قلوب الفلسطينيين من أجل دفعهما إلى النـزوح عن أرضهم والتخلي عن ممتلكاتهم ، وبعد
قيام إسرائيل اشتدت سياسة العنف فيها وارتبطت إلى حد بعيد بمشكلتها الرئيسية ، وهي
تأمين الأمن حتى غدت مشكلة أمنها محور تفكيرها كله . وإسرائيل مجتمع عسكري يخشى
الركون إلى السكينة والسلام ويعمل قادته
على إقناع أفراده بأنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا بالحرب المتواصلة ، وفي هذا
قال بن غوريون : إن المشكلة الفلسطينية لا يمكن أن تحل إلا بالحرب ، ولكي ننتصر في
الحرب يجب أن نتفوق على البلاد العربية تفوقاً عسكرياً ساحقاً ..."
وهذا ما مارسته وتمارسه إسرائيل الآن ،
فعندما شعرت بان شعب فلسطين يقف على رجليه ويتغلب على نكبته ويحمل السلاح وينتزع
الاعتراف بحقوقه ، عمدت إسرائيل إلى عملياتها العسكرية هذه ، لكبح جماح هذا الشعب
على حد قولها ، إنهم يفعلون أفاعيلهم دون اعتبار للقواعد والقرارات الدولية
والإنسانية ، لأنهم لا يرون في القوانين والمبادئ إلا وسيلة لتحقيق أهدافهم .
وهنا
نتسائل : هل غاب عن الزعامة العربية أن إسرائيل هي عدوة العرب ، بقطع النظر عن
مأساة فلسطين وشعبها .
وهل
غاب عنهم أن إسرائيل هي عدوة وجود العرب وتقدمهم وقوتهم ، بل عدوة وحدتهم كما هي
صديق حميم لكل أعدائهم .
لقد
أصبح معروفاً لدى المواطن العادي في العالم العربي أنه بالنسبة لإسرائيل ممنوع على
العرب أن يأخذوا بأسباب القوة ، ولا بد أن يبقوا على حالتهم الراهنة من الضعف ،
وفي محاولة إبقاء العرب على هذه الحالة من الضعف ، تسعى للتسلل إلى المجتمعات
العربية لضربها وتفتيتها من الداخل ، مما يدل على أن إسرائيل ليست عدوة الشعب
الفلسطيني فحسب ، بل هي عدوة العرب بأسرهم ، وإن الجهاد البطولي الذي يقوم به
الفلسطينيون يحقق نقلة نوعية في النضال
العربي والفلسطيني منذ عام 1948 ، إذ حول حالة الوهن والتردي إلى حالة التصدي
المباشر والعملي مع إسرائيل ، كما أدى إلى استعادة الفلسطينيون ثقتهم بنفسهم وزرع بذرة
الأمل في المستقبل رغم فداحة الثمن الذي
كلف الشعب الفلسطيني من الشهداء ، والدمار الذي تمارسه إسرائيل ، إلا أنه كبدها
خسائر ملموسة لم تتكبدها طيلة حروبها مع الدول العربية مجتمعة ، مع أن إسرائيل
تتكتم وتتستر على خسائرها المادية والبشرية المباشرة ، التي ألحقتها بها ضربات
المجاهدين البواسل والاستشهاديين الذين باعوا أنفسهم رخيصة لله تعالى ، وإن الثبات
الملحمي في المكان والزمان صاغ لشعب فلسطين هويته الوطنية وارتقى بصموده في الدفاع عنها إلى مستوى
المعجزة .
إن
احتلال القوات الإسرائيلية الأرض الفلسطينية
وتشريدهم بقوة الإرهاب المنظم وإخضاع الباقي منهم للاضطهاد ،والعمل على
تدمير معالم حياتهم بانتهاك صارخ لمبادئ
الشرعية الدولية ، والذي يقابل بالصمت على ما يجري ، ليدل على مؤامرة دولية وعربية
وإسلامية ، إلا أن الشعب الفلسطيني لم يفقد إيمانه الراسخ بحقه الشرعي في استقلاله
وحريته , ولن يتمكن الاحتلال ولا المجازر والتشريد الذي يمارسه من طرد الفلسطينيين
والنيل منهم ، والفلسطينيون يواصلون نضالهم الملحمي ، ويخوضون معاركهم مع العدو الإسرائيلي مؤمنين
بالله متوكلين عليه شعارهم : اطلب الموت
توهب لك الحياة ، لذا كان صمودهم الأسطوري أمام المجازر والحصار والاعتقال ، قد
أثار دهشة الأعداء قبل الأحباء وتجلت
ملحمة المقاومة الفلسطينية بصفتها واحدة من أبرز حركات التحرر الوطني في هذا
العصر فمن الانتفاضة المتصاعدة في الأرض
المحتلة مع الصمود الأسطوري في المخيمات والمدن الفلسطينية . إلى ملحمة الصامدين
في المخيمات التي قامت إسرائيل بتهديمٍ كامل لبعضها بمباركة أمريكا وعملائها ،
الذين غضوا الطرف عن القيام بهذه المجازر . إذن ليس مبالغة في القول أن من يقف في
وجه المقاومة إسرائيل بل إسرائيل الأمريكية أو أمريكا
الإسرائيلية ، وقد انتهجت سياسة تأييد احتلال إسرائيل واعتدائها للمدن والقرى
الفلسطينية ، كوسيلة للضغط من أجل تسويات تلائمها .
إن الخصم الحقيقي للأمة العربية عامة وللشعب
الفلسطيني خاصة ، هو تحالف أمريكي إسرائيلي معلن يترجم على أرض الواقع يومياً ،
وأهداف هذا الحلف ليس فقط تكريس الكيان الصهيوني
بل إقامة سلم أمريكي إسرائيلي ، يتجلى في دوله إسرائيلية قوية محاطة
بدويلات أو مجتمعات عربية ضعيفةٍ لا تملك حيالها حولاً ولا قوة والتعامل مع الفلسطينيين كلاجئين بالنسبة لمن
هُجِّر من وطنه و كرعايا بالنسبة لمن بقي أو سيبقى فيما احتلته أو ستحتله ، فلهذه
الأهداف أقيمت إسرائيل في بلادنا ، ووجد التحالف الاستراتيجي الأمريكي الإسرائيلي
.
من
المؤسف أن جميع الوقائع تشير إلى أن مجلس الأمن لن يغير موقفه من تصرفات إسرائيل
والولايات المتحدة التي تستعين بإسرائيل لتحقيق أطماعها في المنطقة العربية ، ولن
تدعه يتخذ أي قرار تنفيذي يسيء إلى إسرائيل ، فأمريكا مع إسرائيل بالحق وبالباطل ،
وإذا اختلف الحق مع إسرائيل فهي مع إسرائيل ، وإن قرارات الأمم المتحدة المتعلقة
بحل القضية الفلسطينية بقيت كلها حبراً على ورق .
إن
إسرائيل تخوض معاركها ضدنا بحقد وشراسة بمباركةٍ أمريكية إذ لا تكتفي بمصادرة
الأملاك ونسف المنازل واستعمال ما عرف وما لم يُعْرَفْ من أنواع التعذيب و الاضطهاد
بل أقدمت كما حصل في جنين وبعلم أمريكا ، إلى ارتكاب مجازر جماعية دون اكتراث
لحياة الأطفال أو النساء أو الجرحى و المعتقلين .
و
السياسة الإسرائيلية تنص على أن على العرب الذين يبقون داخل الدولة اليهودية أن
يقبلوا العبودية ، يبقون كعبيد ودافعي ضرائب وهم سيبقون في الدرجة السفلى .... لا
يرفعون رؤوسهم في وجه إسرائيل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق