التمسك بحقيقة الإسلام طريق النصر
إننا
نعيش في أيام أصبحت الأمة الإسلامية ومقدراتها مقصد الطامعين ، وقد قامت بعض
القيادات بعيدةً عن حقيقة الإيمان للدفاع عن الأمة ، فإذا بالجيوش تقهر وتندحر في
ذلة وصغار ، وكأنها اسم بلا مسمى ، فكيف ننتصر ؟ ومن هم جنود النصر المنشود ؟ ومن
يقودنا في معركة الخلاص ؟ إذا علمنا أن الدعوة إلى الله هي التي لا تزال فارغة في
خارطة العالم ، لا تشغلها أمةٌ ولا دعوة ، فإذا قادها المسلون أحسنوا إلى
الإنسانية وإلى أنفسهم والمؤمن وحده في
هذا العالم ، هو الذي يصلح للقيادة ، لأنه صاحب عقيدة لا تزول ولا تتحوَّل ، يحمل
في جنبه قلباً يفيض حناناً ورحمة بالبشر ، دائم الحنين إلى ربه ، شديد الشوق على
جنته ، لا يبالي أوقع عليه الموت أم على الموت وقع ، فهو معقل الإنسانية ومنتهى
الرجاء ، وأمين الله في الأرض وخليفة الأنبياء ، هذا
المؤمن بهذه الصفات ، وعد الله بنصره فقال تعالى : } وكان حقاً علينا نصر المؤمنين {
الروم 47 .
فما
المطلوب من المسلمين حتى يكون لدعوتهم تأثيرها هذه الأيام ، ويتوفر فيهم أهم شرط من شروط النصر وهو الإيمان ، كما كانوا في
صدر الإسلام ؟ فكلمة الإسلام التي كانوا يتلفظون بها كانت ذات حقيقة ثابتة ،
فتحولت هذه الأيام إلى ألفاظ مجردة ، ونطق فارغ ، ولأجل ذلك لا نرى لها تأثيراً في
حياة الأمة ، تم نرى الناس يتوجهون إلى الله أن يمنحهم النصر المبين والاستخلاف
والتمكين ، كما منحه لأجدادنا السابقين ، فنخدع بذلك أنفسنا ، لأنهم كانوا أصحاب جدٍ
وحقيقة في الدين ، فقد كانت كلماتهم وأفعالهم تمثل حقيقة الإسلام ، بينما نحن
متجردين عن هذه الحقائق ، لقد تمثلوا حقيقة الإسلام في كل ميدان ، فقد كان
المسلمون في معركة اليرموك بضعة آلاف من المسلمين ، أما الروم فقد كان عددهم يبلغ
أكثر من مائتي ألف ، فإذا بنصراني كان يقاتل تحت لواء المسلمين يقول : ما أكثر
الروم وأقل المسلمين ، فيقول خالد : " ويلك أتخوفني بالروم ؟ إنما تكثر
الجنود بالنصر وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال .. " .
فلماذا
كان خالد مطمئناً ؟ ولماذا لم يشغل خاطره هذا العدد الهائل من جنود الروم ؟
لأنه
كان مؤمناً بالله واثقا بنصره ، وكان يعلم أنه على الحقيقة ، وأن الروم صورة
فارغةٌ عن الحقيقة ، وكان يعتقد أن الصورة مهما كثرت لا تقدر أن تقاوم حقيقة
الإسلام وهكذا كان جيش المسلمين شجعاناً أقوياء ، لا يهابون العدو ولا يخافون
الموت ، أتى رجلٌ من المسلمين يوم اليرموك وقال للأمير : إني قد تهيأت لأمري فهل
لك من حاجة إلى رسول الله e
؟ قال نعم تقرئه عني السلام وتقول : يا رسول الله إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا
. فهل يصدر هذا الكلام إلا من شخصٍ يوقن أنه مقتولٌ في سبيل الله ، وإذا حصل له
هذا اليقين ، فما الذي يمنعه من استقبال الموت ؟ وما الذي يحول بينه وبين الشهادة
، إنهم أصحاب رسول الله e
الذين كانوا لا يثبت لهم العدو فواق ناقةٍ عند اللقاء . روي أن هرقل لما انهزمت
الروم قال لهم : ويلكم أخبروني عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم أليسوا بشراً مثلكم
؟ قالوا : بلى . قال : فأنتم أكثر أم هم ؟ قالوا بل نحن أكثر منهم أضعافا في كل
موطن . قال : فما بالكم تنهزمون ؟ فقال شيخٌ من عظمائهم : من أجل أنهم يقومون
الليل ويصومون النهار ، ويوفون بالعهد ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
ويتناصحون بينهم . ومن أجل أنا نشرب الخمر ونزني ونركب الحرام وننقض العهد ونغضب
ونظلم ، ونأمر بالسخط وننهى عما يرضى الله ونفسد في الأرض . فقال أنت صدقتني .
إن
نظرة إلى واقعنا نجد أن نصيب صورة الإسلام في حياتنا أكثر من نصيب حقيقته وهذا سرُّ مصابنا وهزيمتنا ، إننا نؤمن جميعاً
أن الآخرة حق ، والجنة حق ، والنار حق ،
والبعث بعد الموت حق ، ولكننا لسنا حاملين لحقيقة هذا الإيمان ، كأصحاب رسول الله e
ومن تبعهم بإحسان . الذين عندما سمع أحدهم رسول الله e يقول : قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض
، رمى بما معه من التمر وقال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياةٌ طويلة ، وقاتل حتى قتل . لأن
الجنة كانت عنده حقيقة لا يشك فيها .
ففي
تاريخنا المعاصر فضحتنا صورة الإسلام في كل معركة وحرب ، والذنب ذنبنا ، لأننا
عقدنا الآمال الكبار بالصورة الضعيفة ، فخّيبت رجاءنا وكذبت أمانينا وخذلتنا في
الميدان ويتكرر الصراع بين صورة الإسلام
وشعوب العالم وجنودها ، وفي كل مرّة تنخذل وتنهزم الصورة ، ويعتقد الناس أنه هزيمة
الإسلام وخذلانه ، حتى هان الإسلام عند بعض الناس ، وزالت مهابته في قلوبهم ،
متناسين أن حقيقة الإسلام لم تتقدم إلى ساحة الحرب منذ زمن طويل ، ولم تنازله هذه
الدول المعتدية ، وان الذي يبرز في الميدان هو صورة الإسلام لا حقيقته ، فتنهزم
الصورة أمام الواقع ونولي الأدبار .
إن
على كل مسلم أن يعلم أن وعد الله بالنصر والفتح في الدنيا ، والنجاة والغفران في
الآخرة ، محصورٌ في حقيقة الإسلام وذلك في قوله تعالى : } ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الأعلون إن كنتم
مؤمنين {
آل
عمران 139 . جاء الخطاب للمؤمنين ، واشترط الإيمان لعزة المسلمين والعلو في الأرض
. وقد أكد ذلك في آية أخرى فقال تعالى : } إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا
في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد {
غافر
51 . وكل وعد من الله بالنصر في القرآن ، اشترط أن يكون في المسلمين حقيقة الإيمان
.
إن
أكبر مهمة مطلوبة للأمة هي الانتقال من صورة الإسلام إلى حقيقته ، بذلك تستطيع
الأمة أن تذلل كل عقبة ، وتهزم كل قوة ، وتأتى بعجائب وآيات من الإيمان والشجاعة
والإيثار يعجز الناس عن تعليلها ، كما عجزوا من قبل عن تعليل حوادث الفتح الإسلامي
كما
على الأمة أن تعلم أن النصر والخذلان من عند الله ، فعندما نقرأ قول الله تعالى :
}
إن
ينصركم الله فلا غالب لكم {
وقد نسأل ما هو المقابل ؟ والمقابل هو }
وإن
يخذُْلْكم فمنذ الذي ينصُرُكم من بعده {
آل عمران 160 . إن للنصر قوانين
وسنناً فإذا أخذنا بالأسباب التي أمرنا
الله بها على قدر الاستطاعة ، فلا ينبغي أن نقارن عددنا بعدد أعدائنا ، ولا عدتنا
بعدتهم لأن الله لا يكلفنا أن نقابل
عددنا بعددهم أو عدتنا بعدتهم ، فقد طالبنا أن نعد ما استطعنا فقال تعالى : }
وأعدوا
لهم ما استطعتم من قوة {
فالله يريد أن يصحب ركب الإيمان معونة المؤمن به وهو الله ، أما لو كنا متساوين
معهم في العدد والإعداد ، لكانت القوة تقابلها قوة والغلبة للأقوى ، ولكن الله
يريد أن يكون العدد قليلا وتكون العدة أقل ، وعند اللقاء نتوجه إلى الله بما قدرنا
عليه وبالأسباب التي مكننا منها ، ونؤمن بأن الله مولانا يعيننا على أعدائنا
ويمدنا بمدد من عنده قال تعالى :
}
ذلك
بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم { . فعندما ننصر الله نضمن نصر الله لنا ، أما
كيف نعرف أننا ننصر الله ؟ نعرف عندما تأتي النتيجة بنصرنا ، فمن نصر الله نصره
الله ، قانون جاء بصيغة الشرط والجزاء ، قال تعالى: } إن ينصركم الله فلا غالب لكم {
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق