لقد اتفق الشرق
والغرب ، على إنتزاع فلسطين من ذويها ،
وطردهم عنها ، وتسليمها غنيمة باردة للصهيونية ، وما كان من أمتنا إلا الرضى
بالأمر الواقع والصبر عليه ، حتى كاد الذل أن يصير جزءاً من طبيعتها ، ولا تكاد
تحس أو تبالي به ، كما أن النـزعة
الصليبية لم تنس حقدها الأعمى في محاربة
الإسلام وأهله .
لقد مرت بالعالم
الإسلامي محنٌ كثيرة ، كان المسلمون يفقدون فيها تمكنهم في الأرض ، أو يفقدون
أمنهم وطمأنينتهم ، أو ديارهم وأموالهم
ومع ذلك لم تمر بهم محنةٌ ، أقسى ولا أمر من محنتهم المعاصرة في تاريخهم
كله ، وفي كل محنةٍ ابتداءً من حروب الردة وفتنة عثمان ، إلى الحروب الصليبية وحرب
التتار ، كانت الهزيمة في البدء والنصرُ في النهاية ، وإننا إن شاء الله أننا
سنتجاوز المحنة هذه الأيام ، وسيمكن الله لدينه مرةً أخرى في الأرض .
أما كيف يكون المَخْرَج
من هذه المحن ؟
كان المسلمون في
المحن السابقة ، قد شُغِلوا عن الإسلام
الصحيح ، ببدعٍ وخرافاتٍ ومعاصٍ وتواكلٍ وتقاعس ، وقعودٍ عن الأخذ بالأسباب ولكنَّ الإسلام ذاته لم يكن في نفوسهم موضع نقاش
، لا بوصفه عقيدةً ، ولا بوصفه نظام حكمٍ وحياة ، وحتى حين هُزموا وقتها ، لم يكن
صدى الهزيمة في نفوسهم ، هو الشك في الإسلام عقيدةً أو نظام حياة ، ولم تكن قضية
الحكم بما أنزل الله موضع شكٍ منهم ولا
موضع نقاش ، لأنها كانت جزءاً لا يتجزأ من إسلامهم ، لذا لم يهنوا حتى وهم مهزومون
أمام أعدائهم ، ولم يشعروا أنهم أدنى من أعدائهم ، بل كان يتمثل فيهم قولُ الله
تعالى:{ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ،
إن كنتم مؤمنين }آل عمران 139
.
أما اليوم فقد انحرف
المسلمون انحرافاتٍ شديدة عن حقيقة الإسلام ، لا في السلوك وحده ولكن في
التصورِ كذلك ، فقد أصبح مفهوم لا إله إلا الله كلمةً تُقالُ باللسان ، ولا علاقة
لها بالواقع ، ولا مقتضى لها في حياة المسلمين فتحقق فيهم نذيرُ رسول الله ( ص )
، ( يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى
الأكلة على قصعتها ) ، وصارت الأمة
ألعوبةً في يد أعدائها يجرّونها الى الهلاك في كل مهلكة من القول
والعمل ، فضلاً عما أصاب العقيدة من خرافه وعبادة للأولياء والمشايخ ، بدلاً من العبادةِ
الصافيه الخالصه لله تعالى دون وسيط ، وانحصر مفهومُ العبادة في الشعائر التعبدية
، من أداها فقد أدى ما عليه من العبادة ، فضلاً عما أصاب الشعائر التعبدية ذاتها
من عزله كامله عن واقع الحياة ، كأنها شئ ليس له مقتضىولا تأثير في الحياة الدينا .
بخلاف فهم الأجيال
السابقة ، فقد كان المسلم يحس بواجبه في الجهاد في سبيل الله ،كإحساسه بواجبه في
الصلاة ، هنا يعبد الله وهناك يعبد الله .
وكان مفهومُ القضاء
والقدر في صورته الصحيحة قوةً دافعةً ، فصار في صورته السلبيةَ قوةً مثبطةً عن
العمل والحركة والأخذ بالأسباب .
وأما مفهومُ إلدنيا
والآخرة ، الذي يربطُ الدنيا بالآخرة ، ويجعل الدنيا مزرعة للآخرة ، فقد تحوّل إلى
فصل كامل بين الدنيا والآخرة ، فمن أراد الدنيا ترك الآخرة ، ومن أراد الآخرة ترك
الدنيا واكتفى فيها بالكفاف . بخلاف المسلمين الأوائل الذين كانوا يعيشون واقع
الحياة الدنيا ولكن مشاعرهم وأفكارهم
متعلقةٌ بالآخرة يعيشون كأنها أمامهم حاضرٌ مشهود .
لقد ذُمت الدنيا
ولُعِنت في القرآن وعلى لسان رسول الله ، ونُصح الناس بالتخلي عن حبها والتعلق بها
، ولكن في أي مجال ؟
إنه في حين تكون
الدنيا ، حاجزاً بين الناس وبين الإيمان بالله واليوم الآخر أو حاجزاً بينهم وبين الجهاد في سبيل الله
.
وأما عًمارةُ الأرض
، فقد أُهملتْ حين أُهملت الدنيا من أجل الآخرة ، فخيم على الناس الفقرُ والجهل
والمرضُ ، وزاد الطينَ بله أنهم يقولون بأن ذلك قدرٌ مقدور من عند الله ، لا حيله
لهم فيه إلا الرضا والتسليم وفضلاً عن ذلك كُلِّه فقد خلت حياةُ الناس من الوعي
الإسلامي المستنير واصبحت الحياة كُلها
تقاليد موروثة ، يُحافَظُ عليها من أجل أنها تقاليد ، لا من أجل أنها جزءٌ من منهج
الله ، يَحكمُ الحياة . فأصبحت العبادةُ
تقاليد ، والسلوكُ تقاليد ، وحجاب المرأة تقاليد .
كان المسلمون هم
الأَعْلَين ، لأن الاستعلاء بالإيمان ، هو الذي يكيف حياتهم ويحددُ مواقفهم
أما اليوم فالعقيدة
تخلفت وتوارت تحت الركام فلا عزة ولا
استعلاء ، إنما هي الهزيمةُ والانهيار والأخذ بلا بصيرة بكل ما ينتجه الغرب ، بغير
تمييز بين ما ينفع وما يضر ، ولا يبين ما يتفق مع الإسلام وما يتعارض معه ، لأن
الإسلام لم يعد محورَ ارتكاز المسلم المعاصر ، ولم يعد له كيانُه المتميز المستمد
من العقيدة الصحيحة ومن تطبيق منهج الله .
إن بشائر الأمل قد
بدت تلوحُ في الأفق ، فشبابٌ مثقفٌ يعود للإسلام ، وحركاتُ بعثٍ إسلامي في كل
مكانٍ من الأرض ، وأُناسٌ يتطلعون إلى
اليوم الذي يجدون فيه الإسلام مطبقاً بالفعل
وفي الطريق عقباتٌ كثيرةٌ ، تعوقُ
المسيرة ، لكنها لا تمنع المسير . فهناك الجهل بحقيقة الإسلام والغزو الفكري الذي يزين للناس الانسلاخ من
الإسلام ، فضلاً عن العداوات المرصودة للإسلام تبطش بالدعاة في كل الأرض ، وتضعُ في طريق
الدعوةِ ما وسعها من العراقيل .
إن الصحوة الإسلامية
القائمة اليوم في كل مكان من العالم الإسلامي ، حدثُ تاريخيٌ له دلالته فقد بدأ
التطلع إلى مخلَّصٍ جديد ، ولن يُخرج المسلمين من أزمتهم ،ويرفع عنهم إصرهم ويردهم إلى عزتهم ، إلا العودة الصحيحة الصادقة إلى الدين الذي أنعم الله به عليهم وحباهم إياه ولن يخلِّص البشرية من محنتها ويَحلَّ لهها
عقدتها إلا المنهج الرباني ، الذي أنزله
الله ليقوم الناسُ بالقسط .
قال تعالى :{لقد
أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناسُ بالقسط}الحديد
25 . ولكن الأمر لن
يكون سهلاً إنه طريقٌ صعبٌ وشاق ، يخوضه
المسلمون مع كل العداوات المحيطة بالإسلام ، حتى يتمَّ التمكينُ للإسلام من جديد ،
وذلك لا يتم بمجرد رغبة الناس في إقامته ، لأنه سبق في مشيئة الله وقدره ألا يكون
الناسُ أمةً واحدة ، قال تعالى{ولو شاء ربك لجعل
الناس أمة واحدة ، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ، ولذلك خلقهم}هود
119 .
إذن هناك من لا يؤمن
بلا إله إلا الله ، ومن يكرهُها ويحاربُها ويحاربُ أهلها ويقاومُ منهجها .
إن إقامة المنهج
تحتاج إلى مجاهدة الكافرين والجهادُ من
أجل إقامة المنهج ، يعرِّضُ الإنسان للأذى والموت ، والمحرمات من متع الدنيا ويحتاج الجهاد من الإنسان ، لأن يُقويَّ
إيمانهُ بلا إله إلا الله ، وأن الله هو الذي يُحي ويميت ، وهو الذي يضُّر وينفع
ويقبض الرزق ويبسط ، وإلا تزلزلت قدماهُ على الطريق عند أول اهتزاز يحدث في هذا
الإيمان ، ومن أجل ذلك كانت لا إله إلا الله هي الإعداد للجهاد ، كما كانت من قبل
هي مفتاحُ الإسلام .
يوم يعتقدُ الناسُ
بأنَّ هناك شركاءَ لله ، في الخلق أو التدبير أو الرزق أو الأحياء أو الإماتة أوالنفع
أو الضرّ أو التوجه لغير الله بالشعائر التعبدية ، أو التشريع بغير ما أنزل الله
أو الرضى بغير ما أنزل الله فهو الشركُ
الذي يخرجُ الناسَ من الإسلام قال تعالى : {أفحكم
الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون}المائدة
50 . وإذا حملت الأمة
راية لا إله إلا الله ، وحملت معها مسئولياتها ، فقد اصبح الجهاد من لوازم وجودها لأن البشر لا يستقيمون على منهج الله، ولا يرضون أن يكون الدين كلهُّ لله ، ولا
يتركون المسلمين أن يقيموا دينهم في مأمن من العدوان ومن هنا قال تعالى:
{وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم
كافة}التوبة 36 نقاتلهم لا نفاوضهم طلباً لسلام هزيل غير عادل
لأنهم لن يرضون عنا إ لا إذا تنازلنا عن
كل شئ حتى ديننا قال تعالى :{ولنن ترضى عنك اليهود
ولا النصارى حتى تتبع ملتهم }البقرة 120
.
إنهم يحاربوننا
ويكيدون لنا ولا يسالموننا ولا يرضون عنا إلا بتحقيق مطلبهم هذا ، وهو الذي
يرتضونه وما سواه يرفضونه ويردونه ، الأمر الذي حذَّرنا الله منه بقوله : { ولئن
اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من وليٍ ولا نصير }البقرة
120 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق