السبت، 25 أكتوبر 2014

المحن والشدائد التي عاناها المسلمون


لقد اتفق الشرق والغرب ، على إنتزاع  فلسطين من ذويها ، وطردهم عنها ، وتسليمها غنيمة باردة للصهيونية ، وما كان من أمتنا إلا الرضى بالأمر الواقع والصبر عليه ، حتى كاد الذل أن يصير جزءاً من طبيعتها ، ولا تكاد تحس أو تبالي   به ، كما أن النـزعة الصليبية لم تنس حقدها الأعمى  في محاربة الإسلام وأهله .
لقد مرت بالعالم الإسلامي محنٌ كثيرة ، كان المسلمون يفقدون فيها تمكنهم في الأرض ، أو يفقدون أمنهم وطمأنينتهم ، أو ديارهم وأموالهم  ومع ذلك لم تمر بهم محنةٌ ، أقسى ولا أمر من محنتهم المعاصرة في تاريخهم كله ، وفي كل محنةٍ ابتداءً من حروب الردة وفتنة عثمان ، إلى الحروب الصليبية وحرب التتار ، كانت الهزيمة في البدء والنصرُ في النهاية ، وإننا إن شاء الله أننا سنتجاوز المحنة هذه الأيام ، وسيمكن الله لدينه مرةً أخرى في الأرض .
أما كيف يكون المَخْرَج من هذه المحن ؟ 
كان المسلمون في المحن السابقة  ، قد شُغِلوا عن الإسلام الصحيح ، ببدعٍ وخرافاتٍ ومعاصٍ وتواكلٍ وتقاعس ، وقعودٍ عن الأخذ بالأسباب  ولكنَّ الإسلام ذاته لم يكن في نفوسهم موضع نقاش ، لا بوصفه عقيدةً ، ولا بوصفه نظام حكمٍ وحياة ، وحتى حين هُزموا وقتها ، لم يكن صدى الهزيمة في نفوسهم ، هو الشك في الإسلام عقيدةً أو نظام حياة ، ولم تكن قضية الحكم بما أنزل الله  موضع شكٍ منهم ولا موضع نقاش ، لأنها كانت جزءاً لا يتجزأ من إسلامهم ، لذا لم يهنوا حتى وهم مهزومون أمام أعدائهم ، ولم يشعروا أنهم أدنى من أعدائهم ، بل كان يتمثل فيهم قولُ الله تعالى:{ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ، إن كنتم مؤمنين }آل عمران 139 .
أما اليوم فقد انحرف المسلمون انحرافاتٍ شديدة   عن حقيقة الإسلام ، لا في السلوك وحده   ولكن في التصورِ كذلك ، فقد أصبح مفهوم لا إله إلا الله كلمةً تُقالُ باللسان ، ولا علاقة لها بالواقع ، ولا مقتضى لها في حياة المسلمين  فتحقق فيهم نذيرُ رسول الله ( ص ) ، ( يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها ) ، وصارت الأمة ألعوبةً في يد أعدائها   يجرّونها الى الهلاك في كل مهلكة من القول والعمل ، فضلاً عما أصاب العقيدة من خرافه  وعبادة للأولياء والمشايخ ، بدلاً من العبادةِ الصافيه الخالصه لله تعالى دون وسيط ، وانحصر مفهومُ العبادة في الشعائر التعبدية ، من أداها فقد أدى ما عليه من العبادة ، فضلاً عما أصاب الشعائر التعبدية ذاتها من عزله كامله عن واقع الحياة ، كأنها شئ ليس له مقتضىولا تأثير  في الحياة الدينا .
بخلاف فهم الأجيال السابقة ، فقد كان المسلم يحس بواجبه في الجهاد في سبيل الله ،كإحساسه بواجبه في الصلاة ، هنا يعبد الله وهناك يعبد الله .
وكان مفهومُ القضاء والقدر في صورته الصحيحة قوةً دافعةً ، فصار في صورته السلبيةَ قوةً مثبطةً عن العمل والحركة والأخذ بالأسباب .
وأما مفهومُ إلدنيا والآخرة ، الذي يربطُ الدنيا بالآخرة ، ويجعل الدنيا مزرعة للآخرة ، فقد تحوّل إلى فصل كامل بين الدنيا والآخرة ، فمن أراد الدنيا ترك الآخرة ، ومن أراد الآخرة ترك الدنيا واكتفى فيها بالكفاف . بخلاف المسلمين الأوائل الذين كانوا يعيشون واقع الحياة الدنيا  ولكن مشاعرهم وأفكارهم متعلقةٌ بالآخرة يعيشون كأنها أمامهم حاضرٌ مشهود .
لقد ذُمت الدنيا ولُعِنت في القرآن وعلى لسان رسول الله ، ونُصح الناس بالتخلي عن حبها والتعلق بها ، ولكن في أي مجال ؟
إنه في حين تكون الدنيا ، حاجزاً بين الناس وبين الإيمان بالله واليوم الآخر  أو حاجزاً بينهم وبين الجهاد في سبيل الله .  
وأما عًمارةُ الأرض ، فقد أُهملتْ حين أُهملت الدنيا من أجل الآخرة ، فخيم على الناس الفقرُ والجهل والمرضُ ، وزاد الطينَ بله أنهم يقولون بأن ذلك قدرٌ مقدور من عند الله ، لا حيله لهم فيه إلا الرضا والتسليم وفضلاً عن ذلك كُلِّه فقد خلت حياةُ الناس من الوعي الإسلامي المستنير  واصبحت الحياة كُلها تقاليد موروثة ، يُحافَظُ عليها من أجل أنها تقاليد ، لا من أجل أنها جزءٌ من منهج الله ، يَحكمُ الحياة  . فأصبحت العبادةُ تقاليد ، والسلوكُ تقاليد ، وحجاب المرأة تقاليد .
كان المسلمون هم الأَعْلَين ، لأن الاستعلاء بالإيمان ، هو الذي يكيف حياتهم ويحددُ مواقفهم  
أما اليوم فالعقيدة تخلفت وتوارت تحت الركام  فلا عزة ولا استعلاء ، إنما هي الهزيمةُ والانهيار والأخذ بلا بصيرة بكل ما ينتجه الغرب ، بغير تمييز بين ما ينفع وما يضر ، ولا يبين ما يتفق مع الإسلام وما يتعارض معه ، لأن الإسلام لم يعد محورَ ارتكاز المسلم المعاصر ، ولم يعد له كيانُه المتميز المستمد من العقيدة الصحيحة ومن تطبيق منهج الله .
إن بشائر الأمل قد بدت تلوحُ في الأفق ، فشبابٌ مثقفٌ يعود للإسلام ، وحركاتُ بعثٍ إسلامي في كل مكانٍ  من الأرض ، وأُناسٌ يتطلعون إلى اليوم الذي يجدون فيه الإسلام مطبقاً بالفعل     وفي الطريق عقباتٌ كثيرةٌ ، تعوقُ المسيرة ، لكنها لا تمنع المسير . فهناك الجهل بحقيقة الإسلام  والغزو الفكري الذي يزين للناس الانسلاخ من الإسلام ، فضلاً عن العداوات المرصودة للإسلام  تبطش بالدعاة في كل الأرض ، وتضعُ في طريق الدعوةِ ما وسعها من العراقيل .
إن الصحوة الإسلامية القائمة اليوم في كل مكان من العالم الإسلامي ، حدثُ تاريخيٌ له دلالته فقد بدأ التطلع إلى مخلَّصٍ جديد ، ولن يُخرج المسلمين من أزمتهم ،ويرفع عنهم إصرهم  ويردهم إلى عزتهم ، إلا العودة الصحيحة الصادقة  إلى الدين الذي أنعم الله به عليهم وحباهم إياه  ولن يخلِّص البشرية من محنتها ويَحلَّ لهها عقدتها  إلا المنهج الرباني ، الذي أنزله الله ليقوم الناسُ بالقسط .
 قال تعالى :{لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناسُ بالقسط}الحديد 25 . ولكن الأمر لن يكون سهلاً  إنه طريقٌ صعبٌ وشاق ، يخوضه المسلمون مع كل العداوات المحيطة بالإسلام ، حتى يتمَّ التمكينُ للإسلام من جديد ، وذلك لا يتم بمجرد رغبة الناس في إقامته ، لأنه سبق في مشيئة الله وقدره ألا يكون الناسُ أمةً واحدة ، قال تعالى{ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ، ولذلك خلقهم}هود 119 .
إذن هناك من لا يؤمن بلا إله إلا الله ، ومن يكرهُها ويحاربُها ويحاربُ أهلها ويقاومُ منهجها .
إن إقامة المنهج تحتاج إلى مجاهدة الكافرين  والجهادُ من أجل إقامة المنهج ، يعرِّضُ الإنسان للأذى والموت ، والمحرمات من متع الدنيا   ويحتاج الجهاد من الإنسان ، لأن يُقويَّ إيمانهُ بلا إله إلا الله ، وأن الله هو الذي يُحي ويميت ، وهو الذي يضُّر وينفع ويقبض الرزق ويبسط ، وإلا تزلزلت قدماهُ على الطريق عند أول اهتزاز يحدث في هذا الإيمان ، ومن أجل ذلك كانت لا إله إلا الله هي الإعداد للجهاد ، كما كانت من قبل هي مفتاحُ الإسلام  .
يوم يعتقدُ الناسُ بأنَّ هناك شركاءَ لله ، في الخلق أو التدبير أو الرزق أو الأحياء أو الإماتة أوالنفع أو الضرّ أو التوجه لغير الله بالشعائر التعبدية ، أو التشريع بغير ما أنزل الله أو الرضى بغير ما أنزل الله   فهو الشركُ الذي يخرجُ الناسَ من الإسلام قال تعالى : {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون}المائدة 50 . وإذا حملت الأمة راية لا إله إلا الله ، وحملت معها مسئولياتها ، فقد اصبح الجهاد من لوازم وجودها  لأن البشر لا يستقيمون على منهج الله،  ولا يرضون أن يكون الدين كلهُّ لله ، ولا يتركون المسلمين أن يقيموا دينهم في مأمن من العدوان  ومن هنا قال تعالى: {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة}التوبة 36  نقاتلهم لا نفاوضهم طلباً لسلام هزيل غير عادل لأنهم لن  يرضون عنا إ لا إذا تنازلنا عن كل شئ حتى ديننا قال تعالى :{ولنن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم }البقرة 120 .
إنهم يحاربوننا ويكيدون لنا ولا يسالموننا ولا يرضون عنا إلا بتحقيق مطلبهم هذا ، وهو الذي يرتضونه وما سواه يرفضونه ويردونه ، الأمر الذي حذَّرنا الله منه بقوله : { ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من وليٍ ولا نصير }البقرة 120



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق