السبت، 25 أكتوبر 2014

المساجد والأتباع والإتِباع

قال تعالى : { وان المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً }الجن 18 . إن تبعية المساجد ليست لأية جهة كائنه من كانت ، وليس لأحد احتكار حق التصرف فيها ، لأنها لله وحده حيث يكون التوحيد الخالص ، وحيث توارى كلُّ ظلٍّ لكل أحد ، ولكل قيمه ولكل اعتبار .
وهنا سؤال : أليس احتقار البعض لغيرهم إنما يجئ من التصرفات التي تتنافى مع الدين ؟
أليس الاسترسال مع الأحقاد ، ومسايرة ذوي النيات السيئة ، والتصرفات المستهجنة ، باسم الدين والسنة ، كفيلةٌ بالقضاء على السماحة واليسر ، والتيسير التي تحض عليها مبادئ الدين ؟
22أليس الابتعاد عن الحب والمودة ، والتآلف والتآخي بين جميع أفراد المسلمين ، كائنةً من كانت الجهات التي ينتمي إليها المسلم ؟
 أليس ذلك كفيل بأن يقود الأُمة إلى وضع تستهلك فيه نفسها ، في صراع داخلي مشئوم  إنما يفتح الطريق واسعاً أمام منازع الإلحاد والرذيلة ، والكفر بالله واليوم الأخر ، لتعمل على تفريق هذه الأُمة ، التي يجب أن تجتمع على منهج الله ، لا أن تبتعد عنه ، وأن توقظ مشاعر التعاون والتعاطف ، لا مشاعر القطيعة والخصام ، وأن يتفق الكل على نشر التوحيد ، وتعريف الأُمم الجاهلة برب العالمين .
وأين يمكن أن نصنف بعض المسلمين ، من روح الإسلام في سماحتها ، المطهّرة من دنس الحقد والتي جعلت نبي الإسلام ، عليه السلام يقول: 
( أُمرت أن أصل من قطعني ، وأن أُعطي من حرمني وأَن أعفو عمن ظلمني ) . وذلك ليُدرب الناس على فعلِ الخير ، ونشدان رضا الله سبحانه
  إيثاراً لما عنده من مثوبة ، وإحرازاً لرضاه ، دون النظر إلى الناس ، سواء اتفقوا مع هؤلاء في الرأي أو السلوك أو الطريقة أم لم يتفقوا .
إن كل تصرفٍ يخضع للهوى ، غيرُ جدير بالثقة  بل غير جدير لأن يُسْتمعَ إليه أصلا ، لأن الأصل أن يلتقي المسلمون على المنهج ، والطريق الذي رسمته الشريعة ، لأن الله وليُ المؤمنين وهم حزبةُ  ينتمون إليه ، ويستظلون برايته ، ولا يتولون أحداً غيره ، أُسرةً واحدة متحابة لا متدابرةً ، ولا متقاطعة .
هذه هي أخلاق الإسلام ، أما الذين يستكبرون بالهباء ، فترى الواحد منهم فقيراً في معرفته ، ومع ذلك يعامل الآخرين بالكبر والبطر ، مع أن حقيقة أقدارهم في المستوى الهابط ، والمكانة النازلة فلو أدركوا ما في كفايتهم من نقص لاستكملوه ، ولكن الحجاب المسدل على بصائرهم ، خَيل لهم أنهم عباقرة ، فعاشوا ينكبون الناس بقصورهم وغرورهم .
 إننا نعيش في عالم مشحون بأصحاب المواهب المعجبة ، والخبرات الجيدة ، والثروات الأدبية 22والمادية الهائلة ، فإذا سرنا بهذه الحفنة من الأدعياء الفارغين ، فماذا يكون تقديرنا وماذا يكون مصيرنا ؟
إن الشخص التافه ، يفلسف الأوضاع حوله ، بما يشبع كبره وصدق وهمه ، فبدلاً من أن يستيقظ على الحقائق اللاذعة ، ينظر إليها من جانب يرضيه ويطغيه . إنها أخلاق الهزيمة والضياع    وأصحابها هم عِلَلُنا المقعدة ، أمام المعنيين بالعمل الحق ، الحمالين لأعبائه الثقال .
إن قلبي يقطر دماً ، عندما أرى رؤوس دول الكفر  على جانب عظيم من لطف المعاشرة ،  وسهولة الطبع ، والتفاني من أجل مصالح أممهم ، على حين أرى المتسولين على موائدهم  ، متعجرفين متعاظمين ، كأنهم والمثل القائل “ أتوا بالذيب من ذيله “
كان سلفنا الصالح يتميزون بعظم الكفاءة  ونكران الذات ، استمدوا ذلك من إيمانهم بالإسلام حالهم كما قال تعالى :{وما لأحدٍ عنده من نعمةٍ تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى }الليل 20 .
أما الخلف فقد جاء على الضد من ذلك  مكشوف العجز ، يجري وراء الشهرة ، هابط عن المستوى العادي ، حتى أن البعض قد قطع نسبه بالإسلام  .
خلفٌ لم يتعلم من الهزائم المتلاحقة ، بل جعل العلم بالدين وظيفة الهمل ، فكان العقاب من الله 2أن سقطت الأمة الإسلامية على الصعيد العالمي  والذي انعكس بدوره على دينها .
إن الهوان جريمة ،ٌ وقضاء الحياة في ضعف
واستكانة ، ومهادنة أرباب الكفر وسدنة  الضلال كفيل بالسقوط في الدار الآخرة يوم الحساب ، لذا أشار القرآن الكريم إلى مصير  الذين يعيشون في الحياة الدنيا سقط متاع ، فقال تعالى { إن الذين توفاهم الملائكةُ ظالمي أنفسهم قالوا : فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض ، قالوا : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا }النساء 97 .
والهجرة المفروضة هنا ، هي التحول من مكان يهدد فيه الإيمان وتضيع معالمه ، إلى مكان يأمن فيه المرء على دينه ، ولكن  دار الإسلام استقرت مما يوجب على المسلمين البقاء حيث هم  ليدافعوا عن بلادهم ، ولا يسلموا أو يسالموا في أرض التوحيد ، لعدو الله وعدوهم .
فالآية إذن تحرِّم قبول الدنية ، وتوجب الجهاد مهما كانت النتائج ، لأن الأصل في المسلم أن لا يقبل الحياة على أية صورةٍ وبأي ثمن ، فإما أن تكون كما أراد الله ، وإما رفضها وعند الله خيرٌ منها ، هذه هي عزةُ الإسلام الذي يستنهض الهمم ، ويحث على الجهاد وقول رسول الله (ص) : (من قتل دون مظلمته فهو شهيد ) ، فيه استثارةٌ  للذود عن الدماء والأموال والأعراض .
 إن الالتزام ببعض تعاليم الدين وقيوده ، والتحلل من البعض الآخر ، ليس تجديداً ولا ابتكارا ، بل هو خضوع للغرائز الدنيا ، التي أذلت ألوف الخلعاء والخبثاء من عشرات القرون .
 إن من مفاتيح الاستبداد الشائن في إهانة الكفايات ، وترجيح الصغار وتكبيرهم تبعاً للمبدأ القائل “أهل الولاء أولى من أهل الكفاية “ فمن هم أهل الثقة هذه الأيام  ؟ إنهم أصحاب القدرة على الملق والكذب ، اللاهثون تحت أقدام السادة تلبيةً لإشارةٍ أو التقاطاً لغنيمة  .
2  إن المسلمين اليوم لا يقدرون تعاليم دينهم حق قدرها ، بل إن كثيراً منهم يشكل مصدر قلق ومتاعب للإسلام وأهله .
وقد يقول قائل إن الناس بخير انظر إلى المساجد تغص بالمصلين ، ومحبتهم لرسولهم فوق التهم .
وإني إزاء هذا القول ، سوف اغمض عيني عن ألوف من المسلمين ، ضلل الاستعمار الثقافي سعيهم وشوه بصائرهم وأذواقهم ، مع أنهم في مواقع مسئولة في قيادة الأمة الإسلامية .
 وإذا كان هذا هو الواقع ، فما قيمة حب الله ورسوله عند هؤلاء ، إنه حب غايته تنحصر في صلوات تفلت من الشفتين ، مصحوبة بعواطف حارة أو بارد ، وقلما تتحول إلى عمل مقبول  وجهاد يرضي الله ورسوله ،مما يجعلنا نقول بان ترجمة حب رسول الله بهذا الأسلوب في وقت يُنهب فيه تراثه ، أمر مرفوض إن لم يكن ضرباً من النفاق .
وقد يكون حب الرسول عند بعض المسلمين  مختصاً بالتمسك بالنوافل ، وهروباً تاماً من بعض الفرائض ، أو حناناً لا ندى معه ولا عطاء كهذا الذي قال له الشاعر :
  لا ألفينك بعد الموت تندبني      وفي حياتي ما قدمت لي زادا                             
فأي حب هذا ؟ وسلوكهم يخالف الجوهر    ويتفق مع القشور ، فالرسول (ص) اشغل الأمة التي ظهر في ربوعها ، فانطلقت لأول مرة من بدء الخليقة ، تحمل للناس الخير والعدل ، فاستطاعت أن تؤدب الجبابرة ، الذين عاثوا في الأرض فساداً  وظنوا أن كبريائهم لن يخدشها أحد ، حتى جاء الرجال الذين رباهم محمد (ص ) فأعزوا المستضعفين .
 كم نحن بحاجةٍ في هذه الأيام إلى أمثالهم  ليحموا الحق الذليل ، وينقذوا التوحيد المهان ، ويقرّوا الأُخوةَ  التي جاء بها الإسلام ،  إنها السقطةُ الرهيبة للمسلمين هذه الأيام ،لأنهم ذاهلون عن المكانةِ التي منحهم محمد  (ص) إياها ، هابطون عن المستوى الذي شدّهم إليه ، إن حب محمدٍ (ص)  والمحافظة على سننه يوم يكون يخلع على الكسالى والواهنون ، حبٌ لا وزن له ولا أثر  ويوم يقتصر على أحفالٍ ومظاهر ، فهو حبٌ لا وزن له ولا أثر ، ويوم يكون ادعاءً تستترُ به الشهوات الكامنة والطباع الغلاظ ، فهو حبٌ لا وزن له ولا أثر لأن محمداً (ص) رسم للبشر طريق التسامي الحقيقي ، ورسم للجماعاتِ طريق التلاقي على الحقائق والفضائل ، فكان دينه عقل يأبى الخرافة  وقلب يعلو على الأهواء  .  




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق