إن
من الركائز التي تقوم عليها الجماعة المسلمة وتؤدي بها دورها ، الإيمان
والتقوى الدائمة اليقظة التي لا تغفل ولا تفتر ، وبدونها يكون التجمع جاهلياً ،
ولا يكون هناك منهجاً لله تتجمع عليه الأمة ، ولا تكون هناك قيادة راشدة . ينبثق
من هذه الركيزة ، ركيزة الأخوة في الله على منهج الله ، لتحقيق منهجه في
الحياة . قال تعالى:{واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة
الله عليكم ، إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم ، فأصبحتم بنعمته إخوانا}آل
عمران 103 . إنها اخوَّة تنبثق من
التقوى والإسلام ، وأساسها الاعتصام بحبل الله ، أي عهده ونهجه ودينه ، ولا شيء
سواه . إن الأمة بحاجةٍ إلى الاعتصام بحبل الله ، في الوقت الذي تسلَّط عليها
الأعداء وتفرقت إلى شيعٍ وأحزاب ، فضعفت وذلَّت وأصبحت مستباحة الحمى
، يعبث بها العابثون ويفسد فيها المفسدون وقد انتهكت الحرمات
وسرقت المقدرات ، لها في كل أرض مأساة ، وفي كل بلدٍ محنة ، وهي لا تملك
حولاً ولا قوة . وهنا سؤال : ما الذي جرى لهذه الأمة ، حتى وهنت ووصلت إلى هذا
الحال ؟
لقد
أعرضت الأمة عن شرع الله ، وهجرت كتاب الله علماً وعملاً ، وأدبرت عن سنة النبي
عليه السلام ، واستبدلتها بقوانين وضعية واجتهادات بشرية ، فما أصابها ويصيبها من
بلاء ما هو إلا نتيجة هذا الإعراض ، حتى سيطرت عليها الشكليات والعادات ، وأصبحت
الفضائل عندها شعارات والعبادات
عادات . قال تعالى { وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن
بآيات ربه ولعذاب الآخرة
أشدُّ وأنكى}طه 127 .
إن الأمة أمام مسئولية ضخمة لا تحتمل الانتظار وأمام مواجهة مفروضة لا تقبل التأجيل ،
ولا بد من العودة إلى الإسلام وتطبيق منهج الله ، مصدر القوة والعزة ، وأساس
التمكين والرفعة ، من آمن به حق الإيمان ، هداه الله وأعانه على كل خير ومن هجرة واعرض عنه ، أضله الله وختم
على قلبه وبصره ، وفي هذا يقول عليه السلام في الحديث الذي أخرجه مسلم :( إن الله يرفع بهذا الكتاب
أقواما ويضع به آخرين )
.
وقد
توعد الله المعرضين عن كتابه بقوله تعالى:{أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على
نورٍ من ربه فويلٌ للقاسية قلوبُهُم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين}الزمر 22 .
أما ماذا يتوجب علينا لنكون من المقبولين ؟
نحاسب
أنفسنا ، ونعود إلى الله حكاماً ومحكومين ونحكِّم
شريعة الله ، ونوطد العزم على السير على هدي الله ، ونعدُّ العدة للقاء أعداء الله
، مما يذكرنا بالدرر العمرية في الحروب الإسلامية حيث حدد وسائل إعداد الجيش للقاء
الأعداء ففي رسالةٍ وجهها
إلى قائد جيشه سعد بن أبي وقاص قال :" أما بعد فإني آمرك ومن معك من الأجناد
بتقوى الله على كل حال ، فإن تقوى الله افضل العدة على العدو ، وأقوى المكيدة في
الحرب ، وآمرك ومن معك ، أن تكونوا أشدَّ احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم ، فإن
ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم ، وإنما يُنْصَرُ المسلمون بمعصية عدوهم لله ،
ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة ، لأن عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم ، فإن استوينا في
المعصية كان لهم الفضل
علينا في القوة ، وإن لم ننتصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا " .
ما
أحوج أمتنا إلى استيعاب هذه المعاني ، والأخذ بها في وقتٍ نحن بأمس الحاجة إلى
العودة إلى الدين وتطبيق منهج الله ، والإعداد على أساس العقيدة ، لمجاهدة قوى
الشرِّ والطغيان . إن المسلمين مدعوون لأن يخلعوا من أعناقهم أغلال الجاهلية التي
طوقهم بها الكفار ، وأن يطهروا أنفسهم من مظاهر التناقض وشوائب النفاق ، وأن يدينوا بدين الحق ، للتحرر من
الخضوع لسلطان الحضارة المادية . إننا أمة عُرفت بالإباء وشُهرت بالرفعة ، فحرامٌ
أن تذلَّ للغرب وطواغيته ، وحرامٌ أن يتحكَّم فيها من كانوا بالأمس يرجون منها
المعونة ، ألا وإن الخير كامن والقوة متوفرة ، لو أُحسن استغلالها لصالح الأمة
ورفعتها . إن من لم يتعظ
بالتجارب فهو غافل ، ومن لم يتنبه على الحوادث فهو خامل ، ومن يركب رأس شهوته فهو
لنفسه قاتل ، ومن كان أحد هؤلاء ، فكيف يتقدم الصفوف ويخوض المعارك . إننا ابتلينا
بمن خدروا أعصاب الأمة ، وقضوا على كل أمل في الاستعداد للجهاد ، وقد فرقتهم دسائس
الأعداء وشهوات الحكم ، فإما أن يكونوا أهلاً لحمل الأمانة وإلا{فسوف يأتي الله
بقومٍ يحبهم ويحبونه ، أذلةٍ على المؤمنين أعزَّةٍ على الكافرين ، يجاهدون في سبيل
الله ، ولا يخافون لومة لائم}المائدة 54 .
إن الذين يسعون ليلهم ونهارهم ضاربين في هذه الحياة بمنهج غير منهج
الله يكدون ويكدحون في العبادة والتجارة والصناعة ، في سبيل متع الحياة ولذاتها
إنما يسعون في إهلاك أنفسهم . إننا ندعوا هؤلاء إلى الإسلام ، إلى الصراط
المستقيم ندعوهم إلى أن
ينطلقوا في هذه الحياة آخذين الأمور من حيث يريدها الله ، في الفكر والعقيدة ، في
العبادة والسلوك ، في القيم والأخلاق ، في التجارة والزراعة وكسب المال في الطعام والشراب واللباس ، ندعوهم إلى
ذلك لأن في ذلك خيراً لهم في الدنيا والآخرة ندعوهم ونحذرهم من الانحراف خشية أن
يصيبهم ويصيبنا غضب الله قال تعالى:{واتقوا فتنةً لا تصيبنَّ الذين ظلموا منكم
خاصَّةً }الأنفال 25 . قالت عائشة لرسول الله ﷺ : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : ( نعم إذا كثر الخبث ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق