السبت، 25 أكتوبر 2014

الاعتصام بحبل الله

إن من الركائز التي تقوم عليها الجماعة المسلمة  وتؤدي بها دورها ، الإيمان والتقوى الدائمة اليقظة التي لا تغفل ولا تفتر ، وبدونها يكون التجمع جاهلياً ، ولا يكون هناك منهجاً لله تتجمع عليه الأمة ، ولا تكون هناك قيادة راشدة . ينبثق من هذه الركيزة ، ركيزة الأخوة في الله  على منهج الله ، لتحقيق منهجه في الحياة . قال تعالى:{واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا  واذكروا نعمة الله عليكم ، إذ كنتم أعداء  فألف بين قلوبكم ، فأصبحتم بنعمته إخوانا}آل عمران 103 . إنها اخوَّة تنبثق من التقوى والإسلام ، وأساسها الاعتصام بحبل الله ، أي عهده ونهجه ودينه ، ولا شيء سواه . إن الأمة بحاجةٍ إلى الاعتصام بحبل الله ، في الوقت الذي تسلَّط عليها الأعداء  وتفرقت إلى شيعٍ وأحزاب ، فضعفت وذلَّت  وأصبحت مستباحة الحمى ، يعبث بها العابثون  ويفسد فيها المفسدون  وقد انتهكت الحرمات  وسرقت المقدرات ، لها في كل أرض مأساة ، وفي كل بلدٍ  محنة ، وهي لا تملك حولاً ولا قوة . وهنا سؤال : ما الذي جرى لهذه الأمة ، حتى وهنت ووصلت إلى هذا الحال ؟
لقد أعرضت الأمة عن شرع الله ، وهجرت كتاب الله علماً وعملاً ، وأدبرت عن سنة النبي عليه السلام ، واستبدلتها بقوانين وضعية واجتهادات بشرية ، فما أصابها ويصيبها من بلاء ما هو إلا نتيجة هذا الإعراض ، حتى سيطرت عليها الشكليات والعادات ، وأصبحت الفضائل عندها شعارات  والعبادات عادات . قال تعالى   { وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه  ولعذاب الآخرة أشدُّ وأنكى}طه 127 .
إن الأمة أمام مسئولية ضخمة لا تحتمل الانتظار  وأمام مواجهة مفروضة لا تقبل التأجيل ، ولا بد من العودة إلى الإسلام وتطبيق منهج الله ، مصدر القوة والعزة ، وأساس التمكين والرفعة ، من آمن به حق الإيمان ، هداه الله وأعانه على كل خير  ومن هجرة واعرض عنه ، أضله الله وختم على قلبه وبصره ، وفي هذا يقول عليه السلام في الحديث الذي أخرجه مسلم :( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ) .  
وقد توعد الله المعرضين عن كتابه بقوله تعالى:{أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نورٍ من ربه فويلٌ للقاسية قلوبُهُم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين}الزمر 22 .

أما ماذا يتوجب علينا لنكون من المقبولين ؟

نحاسب أنفسنا ، ونعود إلى الله حكاماً ومحكومين  ونحكِّم شريعة الله ، ونوطد العزم على السير على هدي الله ، ونعدُّ العدة للقاء أعداء الله ، مما يذكرنا بالدرر العمرية في الحروب الإسلامية  حيث حدد وسائل إعداد الجيش للقاء الأعداء  ففي رسالةٍ وجهها إلى قائد جيشه سعد بن أبي وقاص قال :" أما بعد فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال ، فإن تقوى الله افضل العدة على العدو ، وأقوى المكيدة في الحرب ، وآمرك ومن معك ، أن تكونوا أشدَّ احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم ، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم ، وإنما يُنْصَرُ المسلمون بمعصية عدوهم لله ، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة ، لأن عددنا ليس كعددهم  ولا عدتنا كعدتهم ، فإن استوينا في المعصية   كان لهم الفضل علينا في القوة ، وإن لم ننتصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا " .
ما أحوج أمتنا إلى استيعاب هذه المعاني ، والأخذ بها في وقتٍ نحن بأمس الحاجة إلى العودة إلى الدين وتطبيق منهج الله ، والإعداد على أساس العقيدة ، لمجاهدة قوى الشرِّ والطغيان . إن المسلمين مدعوون لأن يخلعوا من أعناقهم أغلال الجاهلية التي طوقهم بها الكفار ، وأن يطهروا أنفسهم من مظاهر التناقض وشوائب النفاق ،  وأن يدينوا بدين الحق ، للتحرر من الخضوع لسلطان الحضارة المادية . إننا أمة عُرفت بالإباء وشُهرت بالرفعة ، فحرامٌ أن تذلَّ للغرب وطواغيته ، وحرامٌ أن يتحكَّم فيها من كانوا بالأمس يرجون منها المعونة ، ألا وإن الخير كامن والقوة متوفرة ، لو أُحسن استغلالها لصالح الأمة ورفعتها .  إن من لم يتعظ بالتجارب فهو غافل ، ومن لم يتنبه على الحوادث فهو خامل ، ومن يركب رأس شهوته فهو لنفسه قاتل ، ومن كان أحد هؤلاء ، فكيف يتقدم الصفوف ويخوض المعارك . إننا ابتلينا بمن خدروا أعصاب الأمة ، وقضوا على كل أمل في الاستعداد للجهاد ، وقد فرقتهم دسائس الأعداء وشهوات الحكم ، فإما أن يكونوا أهلاً لحمل الأمانة وإلا{فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه ، أذلةٍ على المؤمنين أعزَّةٍ على الكافرين ، يجاهدون في سبيل الله ، ولا يخافون لومة لائم}المائدة 54 .
إن الذين يسعون ليلهم ونهارهم ضاربين في هذه الحياة بمنهج غير منهج الله يكدون ويكدحون في العبادة والتجارة والصناعة ، في سبيل متع الحياة ولذاتها إنما يسعون في إهلاك أنفسهم . إننا ندعوا هؤلاء إلى الإسلام ، إلى الصراط المستقيم  ندعوهم إلى أن ينطلقوا في هذه الحياة آخذين الأمور من حيث يريدها الله ، في الفكر والعقيدة ، في العبادة والسلوك ، في القيم والأخلاق ، في التجارة والزراعة وكسب المال  في الطعام والشراب واللباس ، ندعوهم إلى ذلك لأن في ذلك خيراً لهم في الدنيا والآخرة ندعوهم ونحذرهم من الانحراف خشية أن يصيبهم ويصيبنا غضب الله قال تعالى:{واتقوا فتنةً لا تصيبنَّ الذين ظلموا منكم خاصَّةً }الأنفال 25 . قالت عائشة لرسول الله    : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : ( نعم إذا كثر الخبث ) .   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق