الأحد، 26 أكتوبر 2014

حال المسلمين بين الأمس واليوم


بعد غياب حكم الإسلام وسلطانه ودولته ، تاهت الأمة وتقطعت بها السبل ، وصارت الرعاية فيها لدول الكفر وعملائها في بلاد الإسلام ، حتى أصبح المسلم يحس بأن أرض الإسلام صارت غريبة بما عليها من دول لا تقوى على قول لا للعدو ، لأنها وصلت إلى درجة كبيرة من الذل والهزيمة والخنوع ، والتهتك والتفكك ، والفساد والإلحاد ، ولانهزام والفجور ، مما جعلها غرضاً سهلاً ، وهدفاً هشاً للأعداء ، الذين كانوا يخشونها يوم كانت جيوشها  تدك قواعد الظلم والعدوان ، وعندما استنوق الجمل استأسد الحمل وتغير الحال ، فلا نرى إلا المواقف الهزيلة   والاستنكارات الفارغة ، التي لا تدفع  أذاً  ولا تحرر أرضاً ولا تردع عدواً ولا ترد كرامة .
 فيوم كان للمسلمين جيوش تجاهد تحت راية لا إله إلا الله  ، كانت لها العزة والمنعة والقوة  ويوم دعى ولاة أمور المسلمين إلى إسدال الستار على باب الجهاد   وصلوا إلى ما نرى من الذل والهوان وتاهوا عن قضيتهم ، وحُكموا بأنظمة الكفر وفقدوا الدور والوزن السياسي في حلبة الصراع الدولي ، فأصبحوا تابعين بعد أن كانوا سادة العالم أجمعين  .
وحدث ولا حرج عن التردي الاقتصادي والتخلف التقني والترهل الإداري ، وتراجع المستوى المعيشي على مرأى ومسمع المسئولين عن مقدرات هذه الأمة   وحتى ندرك الفرق بين ما كانت فيه الأمة وما آلت إليه ، نستحضر الصور المشرقة لأولئك الرجال الذين سطروا مواقفهم الخالدة بأحرف من نور ، فكانوا حقاً حملة دعوة ورجال دولة في جميع المجالات  .
فهذا سعد بن أبي وقاص بعد أن فُتحت المدائن وهُزمت جيوش فارس ، أرسل رسله تحمل بشرى النصر ومعها الغنائم إلى عمر بن الخطاب ، الذي لما رأى الغنائم التي كان فيها تاج كسرى المرصع بالدرر   وثيابه المنسوجة بخيوط الذهب ، ووشاحه المرصع بالجواهر ، وسواره اللذان لم تر العين مثلهما قط ، وما لا حصر له من النفائس الأخرى ، جعل عمر يقلب هذا الكنـز الثمين بقضيب كان بيده ، ثم التفت إلى من حوله وقال : إن قوماً أدوا هذا لبيت المال لأمناء   فقال على بن أبي طالب وكان حاضراً : إنك عففت فعفت رعيتك يا أمير المؤمنين ، ولو رتعت لرتعوا . وهنا دعا الفاروق سراقة بن مالك  ، فالبسه قميص كسرى وسرواله وقباءه وخفيه ، وقلده سيفه ومنطقته ووضع على رأسه تاجه والبسه سواريه ، عند ذلك لما رأى المسلمون كيف أنجز الله لنبيه وعده الذي وعده لسراقة وهو مهاجر هارب مطلوب ، هتف المسلمون الله أكبر الله أكبر ثم التفت عمر إلى سراقة وقال : بخٍ بخٍ أعرابي من بني مدلج على رأسه تاج كسرى وفي يديه سواريه ، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إنك منعت هذا المال رسولك ، وكان أحب إليك مني وأكرم عليك ، ومنعته أبا بكر وكان أحب إليك مني وأكرم عليك ، وأعطيتنيه لتمكر بي ، ثم لم يقم من مجلسه حتى قسمه بين المسلمين . 
إن شعوب المسلمين هذه الأيام تتعرض لأقسى عمليات النهب والسلب لثرواتها ، وشعوبها تعاني ما نعاني من الضيق وشظف العيش ، وفئة قليلة تتمتع بأعلى مستوى من رغد العيش ، والأموال في أرصدتهم بالمليارات ، والبقية الباقية تعيش ارتفاع الأسعار التي طالت كل ضروري من ضروريات الحياة . روى البخاري ومسلم عن أبي حميد الساعدي قال : استعمل رجلاً من بني أسد على الصدقة ، فلما قدم إلى بيت المال قال : هذا لكم وهذا أهدي إليّ فقام النبي e على المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال :    (ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول هذا لكم وهذا أهدى إلىّ  فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فنظر أيهدى له أم لا ؟ والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه ) .           
لقد علمنا رسول الله كيف يكون رجل الدولة الذي لا يرغب بنفسه عن نفوس الناس في كل مجالات الحياة حتى في القضاء ، ابتاع عمر بن الخطاب فرساً من أعرابي ، ونقده ثمنه ثم امتطاه فلم يمض عمر بعيداً حتى ظهر له به عيب ، فعاد للرجل وقال له : خذ فرسك فإنه معطوب ، فقال الرجل : يحكم بيننا شريح بن الحارث الكندي ، فقال عمر : رضيت به فلما سمع شريح مقالة الأعرابي ، التفت إلى عمر وقال : هل أخذت الفرس سليماً صحيحاً يا أمير المؤمنين ؟ فقال : نعم ، فقال لعمر : إذن احتفظ بما اشتريت يا أمير المؤمنين أو رد كما أخذت ، فنظر عمر إلى شريح معجباً . وقال : وهل القضاء إلا هكذا قول فصل وحكم عدل ، سر إلى الكوفة فقد وليتك قضاءها  فظل شريح يقضي بعدها ستين عاماً بلا انقطاع    حتى استعفى وعمره مائة وسبع سنوات . 
دعا الوالي  ابن هبيره كلاً من الحسن البصري سيد التابعين والشعبي وقال لهما : إن الخليفة يزيد بن عبد الملك قد استخلفه لله على عباده ، وأوجب طاعته على الناس وقد ولاني يزيد على العراق  وهو يراسلني أحياناً لتنفيذ مالا أطمئن لعدالته ، فهل تجدان لي رخصة في ذلك ؟ فأجاب العالم الشعبي جواباً فيه ملاطفة للخليفة ومسايره للوالي  والحسن البصري ساكت ، فالتفت إليه ابن هبيره وقال له : ما تقول أنت يا أبا سعيد ؟ فقال : يا ابن هبيره خف الله في يزيد ولا تخف يزيد في الله ، واعلم أن الله عز وجل يمنعك من يزيد وأن يزيد لا يمنعك من الله ، يا ابن هبيره  إنه يوشك أن ينـزل بك ملك غليظ شديد لا يعصي لله ما أمره ، فيزيلك عن سريرك هذا ، وينقلك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك ، حيث لا تجد هناك يزيد ، يا ابن هبيره إنك إن تكُ مع الله تعالى وفي طاعته يكفيك الله بائقة يزيد وأذاه في الدنيا والآخرة   وإن تك مع يزيد في معصيته الله ، فإن الله يكلك إلى يزيد ، وأعلم يا ابن هبيره ، انه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فمال ابن هبيره عن الشعبي وبالغ في تكريم الحسن البصري ، فقال الشعبي والله ما قال الحسن قولاً أجهله ، ولكني أردت فيما قلت وجه ابن هبيره ، وأراد الحسن وجه الله ، فأقصاني الله ابن هبيره وأدناه منه . أين الرجال من أشباه الرجال ، وأين أولئك العلماء من العلماء الذين باعوا أخرتهم بدنيا غيرهم . فلو كان هناك إحساس بأن الأمة تحاسب على كل صغيرة وكبيرة وتقوم بواجبها الشرعي في المحاسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لما تمادى الظلمة في غيِّهم وطغيانهم ولكنهم وجدوا الأمة مخدَّرة لا مبالية فطمعوا وطّمعوا الأعداء ، فحصل ما نراه ونلمسه من مصائب ، والذي لن يدوم إن شاء الله . لقد رفعنا كلَّ الشعارات هذه الأيام ، إلا شعار الجهاد لتحرير ما سلب من البلاد والمقدسات ، وأصبحنا نلمس أن الأمة مخدرة منهوكة ، وكأنها أُعدت للهزيمة والعار ، حتى فقدت النخوة والأمل والقدرة على الإحساس بالذل ، و أصبحت عاجزة لا إيمان ولا قيادة ولا إعداد ، حتى أن القائمين على أمرها  نسجوا من الهزيمة أساطير النصر، رغم الواقع الأسود الذي يحمل في طياته الخزي والعار ، ولا أدل على ذلك من أن العدو يعتقل ويقتل ، والسكوت يخيم على قادة الأمة وزعمائها ، وكأن الذين يُقْتلون ويُجْرحون  ليسوا من جلدتنا ولا من بني ديننا ، علماً بأنه لا توجدُ شريعة من الشرائع   ولا سنة من السنن ، تجيز الاعتداء على الإنسان الآمن في بيته  فيفجعُ فيه أهله   لا لشيء إلا لأن الرأي العالمي ، يقف مع القوي ضد الضعيف  .

 ومن هنا جاء الإسلام ، ليقضي على مثل هذه الهمجية والوحشية  التي يزعمون بأنها حق لهم   فشرع الجهاد لتحقق هذه الغاية  ليدفع  الظلم والجور  ويستل من القلوب الأحقاد ، ثم يملأها بعد ذلك محبةً ورحمةً ، ليعيش الناس في سعادة وهناء ، لا ليقتلوا الأبرياء العزّل ، بدافع  الغطرسة والانتقام .                                                                                     

إننا لم  نتعظ ولم نستيقظ من نومنا ، حتى ساوم الانهزاميون والانتهازيون والمتآمرون على قدر الأمة وشرفها ومصيرها ، وليس ذلك بمستغرب ، لأن من فرّط بإيمانه بربه   يسهلُ عليه إن يفرَّط في أرضه وعرضه وشرفه وحريته ، حتى أصبحنا لا نستبعد ، أن العدو زرع في كل بلدٍ وكالةً ، بأسماء عربية وأقلام عربية ، مهمتها إيقاظ الفتن وبث الفساد وتمزيق شمل الأمة ، وتفتيت خلفيتها الدينية  وتدمير قاعدتها الفكرية .

إننا حين تنكرنا لعقيدتنا ، هُزِمنا في معاركنا شرَّ هزيمة  هزمونا بهويتهم الزائفة ، حين أنكرنا هويتنا الأصلية  وسلكنا طريق الهتاف والتصفيق ، وتبرير الظلم والهزيمة  وتمجيد الظالمين وغض الطرف عن أخطاء الحاكمين والمحتلين ، الذين ينسجون خيوط المؤامرات  فوق أراضينا وبين صفوفنا  عملاءً للعدو، وآذاناً صاغية لهم عندها استهان بنا عدونا وعمل ويعمل على قهرنا وإذلالنا ، وسلبنا حقوقنا ، والاستيلاء على مقدراتنا .

تعست أمةٌ تقود نفسها ليسفك دمها ، وتسفح كرامتها على مذابح الشهوات ، إنها لن تقوم لها قائمة إلا إذا وجد فيها من يحترم دينه ، ويتخذ القرآن منهاج حياة ، ويجعل الجهاد والاستشهاد سبيلاً يؤدي إلى الفوز بإحدى الحسنيين النصر أو الشهادة ، ويكون شعاره احرص على الموت توهب لك الحياة .
إن تحقيق ذلك ليس أمراً سهلاً ، وسيخوضه المؤمنون رغم كل العقبات التي تواجههم ، حتى يتم التمكين لهذا الدين من جديد وتزول الغربة الثانية التي اخبر عنها رسول الله e فقال : ( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدا ، فطوبى للغرباء ) .
           



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق