السبت، 25 أكتوبر 2014

السنه ومنزلة الاقتدا

السنة هي الركن الثاني في الدين ، وهي المصدر الذي يلي القرآن في التشريع . وسيرته لا يمكن ان تكون الا حقا ، وقد ينسب اليه من السنن ما لم يصح ثبوته عند علماء الحديث ، خذ مثلا هذه المناسبة الشائعه هذه الايام وهي مناسبة النصف من شعبان فان الاحاديث الوارده بخصوصها اما ضعيفه او موضوعه كحديث : (اذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها) . رواه ابن ماجه وسنده ضعبف

وقد قال اكثرالعلماء بانها بدعه ، ولم يثبت فى قيامها شيء عن النبي واما حديث صلاة النصف فهو باطل كما العراقي ، وهومن الاحاديث الموضوعة كما ذكر ابن الجوزي   وقال النووي صلاة رجب وشعبان بدعتان منكرتان . قد تناقل بعض الناس احاديث كثيره في موضوعات عظيمه الخطر ، كعلاقة المؤمن بالدنيا والرجل بالمراه والمسلم بالكافر .
 ولكن معرفة الله وانفاذ أمره هي الضمان الاول والاخير لمصالح الناس ، ولو ترك التاس لاهوائهم لعاشوا بعيدا عن شرائع الله التي يحتاج فكر كثير من الناس الى تصحيحٍ لمساره وفهمه حيالها ، لأنه لا يجوز أن يبني نقده على اوهام وخيالات .
 ومن هذا شأنه اما غير مطلع ليعرف الصحيح من الخطاء في الاحكام ، واما معاند متعصب لآراء أمليت عليه لا يجوز في نظره لغيره ان يخالفها  وهذه اسوأ حالا من الاولى .       
ان تحرير العقل اساس الايمان المحترم والعقيدة المقبولة ، وايمان التقليد لا خير فيه عند علماء الاسلام ، وان الفكرة السائدة في الفقه الاسلامي : " ان العقل اساس النقل " .         
وان ما يشيده الوحي من تعاليم ، انما يقوم على مهادة من العقل المجرد والتفكير السليم .    
 وان من اهداف الاسلام اصلاح النفس  وايجادالضميرالمهذب الذي يحمل على تقوى الله في السر والعلانية ، ولن تقوم لنا قائمة اذا لم تستقم الضمائر ، ولن يكون ذلك ما دامت هناك قلوب عليلة ، لذلك قال عليه السلام : ( التقوى ها هنا كررها ثلاثا يشير الى صدره ) .
 ان السنة تضمنت احكاما كثيرة ، والاحكام قيود توضع على تصرفات الناس والقيد عندما يجيء في مكانه الذي يناسبه ، لا مجال للتبرم به والانكار عليه .
إن اكثر الظلم الذي وقع على السنة اصابها من حديثا من الاحاديث قدر له ان يعمل في نطاق معين ، فجاء بعض القاصرين وحرفه عن موضعه بالتعميم والاطلاق .
إن شرائع الاسلام كثيرة ، والاركان الخمسه هى بعض الاسلام لا كله ، والاسلام خضوع تام لكل صغيرة وكبيرة جاء بها الوحي .
 ولا يتم اسلام المرء الا اذا آمن بكل ما اوصى الله به سمعا وطاعة امتثالا لقوله سبحانه : { سمعنا واطعنا غفرانك ربنا وأليك ألمصير }البقرة 285 .            
ان السنة من مصادر التشريع ، يجب التصديق بها اعتقادا وسلوكا . اما ما مدى تدخل هذه السنن في الشؤون العادية  ؟ اذا تدخلت فان ذلك بقدر وفي الحدود التي يراها كفيلة بصيانة الاخلاق وحفظ المصالح ، وقد أخطأ البعض في فهم العلاقة بين الدين وعادات النبي والأفعال الخاصة به ، فمن الناس من أولها على انها دين واستحب الاستمساك بها تعبدا او تقربا الى الله .
 اما هل العادات التي فعلها الرسول تعتبر دينا يبر فاعلها ويأثم تاركها ؟ في ذلك خلاف . لقد اتفقوا على ان فعله في حدود طبيعته البشرية الخاصه لا صلة للأمة به ولا تكلف باتباعه فيه . روى ان ابن عمر كان يتحرى الطرق التي كان يسير فيها رسول الله فيسير فيها ، وهذا من ابن عمر لزوم ما لا يلزم وأن جمهور الصحابة لم يلتفت لهذه الاعمال ولم يرو في الأخذ بها أدنى قربة الى الله تعالى .
 اما ما هو موقفنا من مثل هذه السنن التي لم يظهر فيها قصد التقرب الى الله تعالى ؟ قال بعض العلماء يندب فعلها . وقال آخرون يباح الفعل والترك . وتوقف البعض .
 والحق ما ذهب اليه الآمدي في الاحكام بقوله : "إن حض الفعل لا يدل على ان الفعل قربه بل يدل على انه ليس بمحرم فقط " وأما كونه قربه على الخصوص فذلك شيىءٌ آخر . إن الصحابة وهم أعلم الناس  بالدين وأحرصهم على اتباع رسول الله في كل ما يقرِّب الى الله كانوا يشاهدون من النبي أفعالا ولما لم يظهر لهم فيها قصد القربة لم يتخذوها دينا يتعبدون به ويدعون الناس اليه كاتخاذه طريق الساحل عندما  هاجر الى المدينه ، فلو كان ذلك قربى للزم كل مسافر من مكه الى المدينة ان يسلك تلك الطريق  وكاختفاء رسول الله في الغار ومكثه فيه أياما ، فلو كان هذا يفيد الندب لذهب الصحابة الى الغار كما فعل رسول الله ، وقصة ماء بدر  وقول الصحابي لرسول الله أمنزل أنزلكه الله أم هو الرأي ... والقصة تشير الى ان من أعمال رسول الله
ما يقوم على الاجتهاد الخاص ولا أثر للوحي فيه ، ومثل هذه الاعمال لا يجب على المسلمين أن يتقيدوا بها . بل ان التزيد بالإتباع في هذه العادات ليس الا تغطية لقصور البعض في القيام بالواجبات الاصليه .
ترى البعض يترك السنه في اقتفاء اثر الرسول   في تزكية النفس وجهاد العدو ليجعل من محبة الرسول للحلوى او استحسانه الثياب البيض لاتقاء الحرارة وارخاء العذبة على مؤخرة الرأس لتقيه وهج الشمس ، يجعل من هذه وأمثالها سنه يتمسك بها مع ان بعضها لا يناسب سكان المناطق البارده ، وإن اعتبارها من الدين هو الزام بقيود لا يلزم بها الاسلام . علما بأن كثيرين ممن احترموا هذه القيود ، افلتوا من قيود الكمال الروحي والذهني التي هي لباب هذا الدين . فوهنت صلتهم بالدين والدنيا على السواء ، لذا فان العلماء لا يرون حمل جميع افعال النبي على التعبد الذي يجب فيه التأسي لأن كثيرا منها عادي لا تعبد فيه ولا يطلب فيه التأسي . ومعنى التأسي : أن يكون الفعل مثل فعله ومن أجله ، وأفعال الرسول فيها الواجب والمندوب والمباح ، فبأيهما نأخذ في المسألة   حتى يكون فعلنا مثل فعله ومن أجله ، فإن جاء به مندوباً كان القيام به مندوباً ، وإن جاء به مباحا كان القبام به مباحا ، فيكون اتباعه بأفعاله حسب ما جاء بها ، وإن اوجبنا على انفسنا أفعالاً لم يوجبها علينا فذلك يكون مخالفة. 
وكثير من الافعال امتنع عن فعلها ، وهي مباحة في الأصل ، فقد امتنع عن سماع الزمارة وامتنع عن اكل الضب والجراد والكليتين وعن أكل البصل والثوم ، وكان يحب من الشاة الذراع والكتف ، هذه وأمثالها لا تصير الى الحرمة لمجرد أن رسول الله امتنع عن فعلها ، كما في مصافحة النساء فقد قال : (اني لا اصافح النساء) فلا يوجد في قوله هذا أي قرينة تدل على التحريم ، فالنص لا يفيد النهي حتى نقول بالتحريم ، ولا يفيد الأمر حتى يكون للوجوب  فلم يبق إلا أنه امتنع عن مباح ، بدليل أن رسول الله سمح لغيره بالمصافحة ، لما روي عن أم عطية قالت لما قدم رسول الله المدينة جمع نساء الأنصار في بيت ثم أرسل اليهن عمر بن الخطاب فقام على الباب فسلم فرددن عليه السلام ، فقال أنا رسول رسول الله اليكن ألا تشركن بالله شيئا ، فقلن نعم ، فمد يده من خارج البيت ، ومددنا أيدنا من داخل البيت ، ثم قال اللهم اشهد . 
وروي عنه ( ص ) لما فرغ من بيعة الرجال جلس الى الصفا ومعه عمر أسفل منه ، فجعل يشترط على النساء البيعة وعمر يصافحهن .
وعليه ففي المسائل الخلافية بين العلماء فإن للمرء منا ممن لم تحصل لديه أهلية الاجتهاد أن يتبنى أو يقلد ما شاء منها ، دون النظر الى مخالفيه فيها  من غير تفسيق أو تكفير أو غير ذلك ، لأنه سيصبح كل واحد من الفريقين منهم بذلك أمام صاحبه ، أعاذنا الله من ذلك .          


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق