السنة هي الركن الثاني في الدين ، وهي المصدر الذي يلي القرآن في التشريع . وسيرته ﷺ لا يمكن ان تكون الا حقا ، وقد ينسب اليه من السنن ما لم يصح ثبوته عند علماء الحديث ، خذ مثلا هذه المناسبة الشائعه هذه الايام وهي مناسبة النصف من شعبان فان الاحاديث الوارده بخصوصها اما ضعيفه او موضوعه كحديث : (اذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها) . رواه ابن ماجه وسنده ضعبف
وقد قال اكثرالعلماء
بانها بدعه ، ولم يثبت فى قيامها شيء عن النبي ﷺ واما حديث صلاة
النصف فهو باطل كما العراقي ، وهومن الاحاديث الموضوعة كما ذكر ابن الجوزي وقال
النووي صلاة رجب وشعبان بدعتان منكرتان . قد تناقل بعض الناس احاديث كثيره في
موضوعات عظيمه الخطر ، كعلاقة المؤمن بالدنيا والرجل بالمراه والمسلم بالكافر .
ولكن معرفة الله وانفاذ أمره هي الضمان الاول
والاخير لمصالح الناس ، ولو ترك التاس لاهوائهم لعاشوا بعيدا عن شرائع الله التي
يحتاج فكر كثير من الناس الى تصحيحٍ لمساره وفهمه حيالها ، لأنه لا يجوز أن يبني
نقده على اوهام وخيالات .
ومن هذا شأنه اما غير مطلع ليعرف الصحيح من
الخطاء في الاحكام ، واما معاند متعصب لآراء أمليت عليه لا يجوز في نظره لغيره ان
يخالفها وهذه اسوأ حالا من الاولى .
ان تحرير العقل اساس
الايمان المحترم والعقيدة المقبولة ، وايمان التقليد لا خير فيه عند علماء الاسلام
، وان الفكرة السائدة في الفقه الاسلامي : " ان العقل اساس النقل " .
وان ما يشيده الوحي
من تعاليم ، انما يقوم على مهادة من العقل المجرد والتفكير السليم .
وان من اهداف الاسلام اصلاح النفس وايجادالضميرالمهذب الذي يحمل على تقوى الله في
السر والعلانية ، ولن تقوم لنا قائمة اذا لم تستقم الضمائر ، ولن يكون ذلك ما دامت
هناك قلوب عليلة ، لذلك قال عليه السلام : ( التقوى ها هنا كررها ثلاثا يشير
الى صدره ) .
ان السنة تضمنت احكاما كثيرة ، والاحكام قيود
توضع على تصرفات الناس والقيد عندما يجيء في مكانه الذي يناسبه ، لا مجال للتبرم
به والانكار عليه .
إن اكثر الظلم الذي
وقع على السنة اصابها من حديثا من الاحاديث قدر له ان يعمل في نطاق معين ، فجاء
بعض القاصرين وحرفه عن موضعه بالتعميم والاطلاق .
إن شرائع الاسلام كثيرة
، والاركان الخمسه هى بعض الاسلام لا كله ، والاسلام خضوع تام لكل صغيرة وكبيرة
جاء بها الوحي .
ولا يتم اسلام المرء الا اذا آمن بكل ما اوصى
الله به سمعا وطاعة امتثالا لقوله سبحانه : { سمعنا واطعنا غفرانك ربنا وأليك
ألمصير }البقرة
285
.
ان السنة من مصادر
التشريع ، يجب التصديق بها اعتقادا وسلوكا . اما ما مدى تدخل هذه السنن في الشؤون
العادية ؟ اذا تدخلت فان ذلك بقدر وفي
الحدود التي يراها كفيلة بصيانة الاخلاق وحفظ المصالح ، وقد أخطأ البعض في فهم
العلاقة بين الدين وعادات النبي ﷺ والأفعال الخاصة به ، فمن الناس من
أولها على انها دين واستحب الاستمساك بها تعبدا او تقربا الى الله .
اما هل العادات التي فعلها الرسول ﷺ
تعتبر دينا يبر فاعلها ويأثم تاركها ؟ في ذلك خلاف . لقد اتفقوا على ان فعله ﷺ
في حدود طبيعته البشرية الخاصه لا صلة للأمة به ولا تكلف باتباعه فيه . روى ان ابن
عمر كان يتحرى الطرق التي كان يسير فيها رسول الله ﷺ فيسير فيها ، وهذا
من ابن عمر لزوم ما لا يلزم وأن جمهور الصحابة لم يلتفت لهذه الاعمال ولم يرو في
الأخذ بها أدنى قربة الى الله تعالى .
اما ما هو موقفنا من مثل هذه السنن التي لم يظهر
فيها قصد التقرب الى الله تعالى ؟ قال بعض العلماء يندب فعلها . وقال آخرون يباح
الفعل والترك . وتوقف البعض .
والحق ما ذهب اليه الآمدي في الاحكام بقوله : "إن
حض الفعل لا يدل على ان الفعل قربه بل يدل على انه ليس بمحرم فقط " وأما كونه
قربه على الخصوص فذلك شيىءٌ آخر . إن الصحابة وهم أعلم الناس بالدين وأحرصهم على اتباع رسول الله ﷺ
في كل ما يقرِّب الى الله كانوا يشاهدون من النبي ﷺ أفعالا ولما لم يظهر
لهم فيها قصد القربة لم يتخذوها دينا يتعبدون به ويدعون الناس اليه كاتخاذه ﷺ
طريق الساحل عندما هاجر الى المدينه ، فلو
كان ذلك قربى للزم كل مسافر من مكه الى المدينة ان يسلك تلك الطريق وكاختفاء رسول الله ﷺ في الغار ومكثه فيه
أياما ، فلو كان هذا يفيد الندب لذهب الصحابة الى الغار كما فعل رسول الله ﷺ
، وقصة ماء بدر وقول الصحابي لرسول الله ﷺ
أمنزل أنزلكه الله أم هو الرأي ... والقصة تشير الى ان من أعمال رسول الله
ﷺ ما يقوم على
الاجتهاد الخاص ولا أثر للوحي فيه ، ومثل هذه الاعمال لا يجب على المسلمين أن
يتقيدوا بها . بل ان التزيد بالإتباع في هذه العادات ليس الا تغطية لقصور البعض في
القيام بالواجبات الاصليه .
ترى البعض يترك السنه
في اقتفاء اثر الرسول ﷺ في تزكية النفس وجهاد العدو ليجعل من
محبة الرسول ﷺ
للحلوى او استحسانه الثياب البيض لاتقاء الحرارة وارخاء العذبة على مؤخرة الرأس
لتقيه وهج الشمس ، يجعل من هذه وأمثالها سنه يتمسك بها مع ان بعضها لا يناسب سكان
المناطق البارده ، وإن اعتبارها من الدين هو الزام بقيود لا يلزم بها الاسلام .
علما بأن كثيرين ممن احترموا هذه القيود ، افلتوا من قيود الكمال الروحي والذهني
التي هي لباب هذا الدين . فوهنت صلتهم بالدين والدنيا على السواء ، لذا فان
العلماء لا يرون حمل جميع افعال النبي ﷺ على التعبد الذي يجب فيه التأسي لأن
كثيرا منها عادي لا تعبد فيه ولا يطلب فيه التأسي . ومعنى التأسي : أن يكون الفعل
مثل فعله ﷺ
ومن أجله ، وأفعال الرسول ﷺ فيها الواجب والمندوب والمباح ،
فبأيهما نأخذ في المسألة حتى يكون فعلنا
مثل فعله ومن أجله ، فإن جاء به مندوباً كان القيام به مندوباً ، وإن جاء به مباحا
كان القبام به مباحا ، فيكون اتباعه ﷺ بأفعاله حسب ما جاء بها ، وإن اوجبنا
على انفسنا أفعالاً لم يوجبها علينا فذلك يكون مخالفة.
وكثير من الافعال
امتنع عن فعلها ، وهي مباحة في الأصل ، فقد امتنع عن سماع الزمارة وامتنع عن اكل
الضب والجراد والكليتين وعن أكل البصل والثوم ، وكان يحب من الشاة الذراع والكتف ،
هذه وأمثالها لا تصير الى الحرمة لمجرد أن رسول الله ﷺ امتنع عن فعلها ،
كما في مصافحة النساء فقد قال : (اني لا اصافح النساء) فلا يوجد في قوله
هذا أي قرينة تدل على التحريم ، فالنص لا يفيد النهي حتى نقول بالتحريم ، ولا يفيد
الأمر حتى يكون للوجوب فلم يبق إلا أنه
امتنع عن مباح ، بدليل أن رسول الله ﷺ سمح لغيره بالمصافحة ، لما روي عن أم
عطية قالت لما قدم رسول الله ﷺ المدينة جمع نساء الأنصار في بيت ثم
أرسل اليهن عمر بن الخطاب فقام على الباب فسلم فرددن عليه السلام ، فقال أنا رسول
رسول الله ﷺ
اليكن ألا تشركن بالله شيئا ، فقلن نعم ، فمد يده من خارج البيت ، ومددنا أيدنا من
داخل البيت ، ثم قال اللهم اشهد .
وروي عنه ( ص ) لما
فرغ من بيعة الرجال جلس الى الصفا ومعه عمر أسفل منه ، فجعل يشترط على النساء
البيعة وعمر يصافحهن .
وعليه ففي المسائل
الخلافية بين العلماء فإن للمرء منا ممن لم تحصل لديه أهلية الاجتهاد أن يتبنى أو
يقلد ما شاء منها ، دون النظر الى مخالفيه فيها
من غير تفسيق أو تكفير أو غير ذلك ، لأنه سيصبح كل واحد من الفريقين منهم
بذلك أمام صاحبه ، أعاذنا الله من ذلك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق