إن
منطقة العالم الإسلامي منطقة ذات حضارة وذات علم ، وذات ثقافة وذات تاريخ وهي غنية بالآثار وجليل الأعمال وعظيم
المنجزات الحضارية ، والحضارة تعني في أصل اللغة : إقامة مجموعة من الناس في الحضر
أي في مواطن العمران مدناً أم قرى ، لكن معناها توسع عند المؤرخين والباحثين ،حتى
صار شاملاً لجميع أنواع التقدم والرقي
الإنسانيين وكل ما يخدم ذلك ، والإسلام هو الدين القادر على قيادة
الإنسانية وإسعادها وعلى السير بها إلى آفاق جديدة ، وله من تاريخه الحضاري وماضيه
الخالد في قيادة العالم ومن مبادئه وقيمه ومثله براهين قوية على أنه القائد
المنتظر للعالم .
إن
تاريخ الإسلام الحضاري ، قد بهر العلماء والباحثين والمفكرين الغرب رغم تعصبهم
الديني ومحاولتهم تزييف الحقائق ، إلا أنهم ما فتئوا يمجدون حضارة المسلمين ،
وينوِّهون بها إلى حد يثير الإعجاب ، ويدعو للفخر ويبعث على الكبرياء . فقد وقفوا
مبهورين أما حضارة العرب في الأندلس ، ممثلة في قصر الحمراء ،حتى قيل للإسبان إنهم
يملكون بهذا القصر إحدى عجائب الدنيا ، التي تجلب إليهم المسلمين من كل مكان يقول غوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب :
" الحق إن أتباع محمد ظلوا أشد من عرفتهم أوروبا من الأعداء إرهابا عدة قرون
، وعندما كانوا لا يرعدوننا بأسلحتهم كانوا يذلوننا بأفضلية حضارتهم العربية
الساحقة ، ونحن لم نتحرر من نفوذهم إلا بالأمس " .
لقد
أنشأ العرب بسرعة حضارة جديدة لهم
فأبدعوا من فورهم حضارة أفضل من جميع الحضارات التي كانت قبلها ، وإذا
قرأنا ما كتبه الغربيون عن تاج محل ، الأثر الإسلامي العظيم في الهند ، راعنا
وصفهم له ، يقول باحث أوروبي : " إن كل ما يمكن أن يجود به الفن من
الكمال صبه في تاج محل الساحر الذي بناه
شاهجهان ليكون ضريحاً لزوجته ويعد من عجائب الدنيا " وهو من المباني الإسلامية النادرة ، التي أفلتت
من أيدي التخريب الإنجليزي المنظمة ، الذين هدموا أثراً رائعاً من آثار الحضارة
الإسلامية في الهند وهو قصر المغول ، ويسمى قلعة شاهجهان المسلم الذي بناه، وكان من أجمل القصور الإسلامية في بلاد الهند
وفارس ، فهدموا جميع أجزائه تحت مرأى ومسمع من العالم ، الذي أقام الدنيا وأقعدها
هذه الأيام لهدم الآثار البوذية في أفغانستان ، لماذا حرام علينا حلال لهم .
إن
هذه القصور وتلك المساجد في طول بلاد العالم الإسلامي ، والتي ما زالت تتحدى وتثير
في النفس ذكريات الماضي لتاريخ الإسلام المجيد
الذي خلد ذكر أولئك الرجال الذين كانوا يجاهدون في الله حق جهاده ، ويهدرون
كل شيء قي سبيل مرضاته ، يخوضون معارك الفتوح
كسعد وخالد وموسى وطارق وقتيبة ، وآخرين يذيبون حشاشات القلوب دفاعاً عن
العلم ورسالته ، كما لك وأبي حنفية والبخاري والطبري والغزالي ، وألوفاً مؤلفة من
سدنه التفسير والحديث والفقه ، وعلوم الدنيا من هندسة ورياضة وطب ، وجموعاً لا حصر
لها من البناة والمعلمين والحرفيين ، ناهيك عن الخلفاء والرجالات العاملين الذين
هانت عليهم الدنيا فأهانوها لرضوان ربهم ، لم يشغلهم عن ذلك مال ولا ولد .
لقد
كان تأثير العرب وحضارتهم في الغرب عظيماً جليلاً ، حتى ليقول غوستاف لوبون : " إن أوروبا مدينة للعرب بحضارتها ،
وقد ظلت كتب العرب المترجمة إلى اللغات الأوروبية ولا سيما الكتب العلمية ، مصدراً
وحيداً تقريباً للتدريس في جامعات أوروبا خمسة أو ستة قرون" ونتيجة للفتوحات الإسلامية في كل مكان أصبح العالم بمثابة مدينة إسلامية واحدة لهم
لغة واحدة وفنون واحدة ، ولم يتفق لأمة ما اتفق للعرب من الفنون ، على الرغم من
مقاومة الصليبية والتتار والاستعمار .
ويرجع
كل ذلك لفضل الدين الإسلامي ، الذي وضع أصولاً خالدة لإصلاح جميع مجالات الحياة
ونواحي النشاط الإنساني ، وساوى بين الأجناس والعناصر والألوان ودعا إلى اخوة
بشريه عامة لا تفاضل فيها لأحد على أحد
إلا بالتقوى والعمل الصالح ، وإلى العدالة والشورى ، والإخاء والرحمة والمحبة بين
الناس ، وذلك بفعل الرسالة العظيمة ، شريعة السماء شريعة البقاء شريعة الله الخالدة ورسالته إلى الناس كافة .
إن
امتنا بما لديها من عقيدة ، ومن مقومات وإمكانات ، تستطيع أن تستعيد مجدها وترفع
الظلم عن نفسها . وما يدّبر لأمة الإسلام يثير العجب ، لأن الأعداء والمتآمرين
معهم من المسلمين ، أوهموا الأمة أنها لن تحرز نصراً على الأعداء ، وألقوا في
روعها أنها لا تصلح للحرب فانطلق
المهزومون في قلوبهم ، يبشرون بالاستسلام ويدعون الأمة أن تقبل من عدوها ما يمنّ
به عليها ، من بقية حياة ومن ذليل عيش .
أمةٌ
طغى عليها الغرور ، وتملكتها الغفلة واستحكمت فيها الأنانية والأثرة ، وراح كل
واحد يعمل على تأمين مصالحه الذاتية وملذاته الخاصة ، جاملوا الظالم في ظلمه ،
ونافقوا الباغي في بغيه ، وزينوا للفاسد أعماله ، ولم يجد المعوج من يقوم اعوجاجه
ويردعه عن خطأه ، ناسين أنه ليس من مبادئ الدين ، أن يسكت المسلم على الشرك
والمنكر وفعل السوء واستحسان الرذيلة قال
تعالى : )كانوا لا يتناهون عن
منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون(.
كما تناسوا أننا كنا أعز أمة يوم جعلنا الدين نبراساً ومنارا ، وكان حالنا حال
عزٍّ وفخار وقوةٍّ ومنعة .
أما
اليوم فسيظل المسلمون يتخبطون لا معين يساعدهم على الخروج من المحنة التي يعيشون
إلا
بالرجوع إلى القرآن ، روى الترمذي عن علي عن
أبي طالب رضي الله عنه قال : " سمعت رسول الله يقول : ( ستكون فتنٌ كقطع الليل المظلم "
قلت وما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال :
" كتاب الله ، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم ، هو الفصل
ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه ، ومن
ابتغى الهدي في غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم ، وهو
الصراط المستقيم هو الذي لا تنقضي عجائبه
، وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا : إنا سمعنا قرآناً عجبا يهدي إلى
الرشد فآمنا به ، من قال به صدق ومن حكم
به عدل ، ومن عمل به أُجر ومن دعا له هدى
إلى صراط مستقيم ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق