الصوم والتعويد على الصبر والطاعة والنظام
إن من
أهم ما ينطوي عليه الصوم ، من تربية اجتماعية في نفوس الصائمين ، إنه يثبِّتُ فيها
الإيمان بالحق ، والثبات عليه ، والدعوة إليه والتخلق به .
ومن أهم أهدافه تذكِّرِ العبودية لله ، ومن الباطل أن ينسى الإنسان عبوديته
، وسلطان الله عليه وما يتأله المتألهون
من البشر ، ولا يطغى الطغاة ولا يظلم
الظالمون ، إلا حين ينسون عبوديتهم لله
فيستبيحون تعذيب الأبرياء ، وسفك الدماء
والتكبر في الأرض ، والإفساد فيها ، واستعباد الأمة وإذلالها .
وفي
الصوم تذكير للرؤساء ، والأقوياء والأغنياء
وكُلِّ ذي سلطان ، أنهم كالفقراء ، في حاجة إلى رزق الله وطعامه
وشرابه .انه حق على الإنسان إن يَذْكُرَ صلته بأمته ، وأن يعيش معها بقلبه وروحه
يفرح لفرحها ، ويأسى لأساها ، وما يتحكّمُ الطاغيةُ في رقاب أمته ، إلا حين ينسى
هذه الحقيقة فيزعم أن له من القوة ، ما يتحتم على الناس أن يعترفوا أمامه بالعجز ،
ويسيروا وراءه في الرأي ، فان قال أحدهم لا ، قالت للطاغية نفسه ، أُقتل واسجن ،
بلا شفقة ولا رحمه .
إن
الصوم عبادة مستورة ، وهو سرّ بين الإنسان وربه ، لا رياء ولا خداع ، وأن يلتزم
الصدق والوفاء ، ويجتنب الكذب والغش ، والسرقة والغيبة والإيذاء ،
والعدوان على الناس ، في أعراضهم وأموالهم .وقد ورد نهي الصائم ، عن مقابلة
الإساءة بالإساءة ، وأن يرد على البذاءة بالبذاءة ، وقد ورد في الحديث قوله عليه
السلام : ( فان شاتمه أحدٌ أو خاصمه فليقل إني صائم ) .
هذا بعض ما يُثبِتُهُ الصوم في
النفوس ، من معاني الحق ، مما يدعو للتساؤل أين مكان هذا الحق في المجتمع الذي
نعيش فيه ؟ وهل من الحق أن يُحْكَمَ الناسُ في كثيرٍ من بلاد المسلمين بالحديد
والنار؟ ويعيشوا بالبؤس والشقاء ؟ بينما يستأثرُ بالثروات نفر من الأغنياء ، وهل
من الحق أن تكون السياسة كذباً وخداعاً وتضليلا ؟ وهل من الحق قيادة الناس إلى
منحدر الفساد والانحلال ؟ أم من الحق أن يكون الدين تجارة ، والحكم أداة للإذلال
والاستغلال ، عند السفاحين والجهلاء ؟
إنه
ليس من الحق أن يقف المسلمون ، إزاء هذا وذاك ، موقف المتفرج ، وليس من الحق أن
يسكت المسلمون ، على منع الفكر الإسلامي أن ينتشر ، ومنع منهج الله من أن يطبق ،
لتسعد الأمة في ظلاله وحتى يضع الإسلام المسلمين
أمام حقيقة ناصعة ، ويواجههم بواقعٍ ، قامت دعائمه على الحق ، جاء القرآن
بالقول الفصل في ذلك ، فقال تعالى : { لا إكراه في الدين ، قد تبين الرشد من الغي
، فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله ، فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله
سميعٌ عليم}البقرة 256
إن الصيام يغرس في النفس الأخلاق
الرئيسية كالصبر والطاعة والنظام ، واتباع
المنهج الرباني . إن مجتمعاً تسوده هذه الأخلاق ، ويخضع لهذا النظام ، لا يتطرق
الفساد إلى صفوفه أبدا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق