الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

نصرة المسلمين فرض


ها هي إسرائيل تهاجم الفلسطينين وتفرض عليهم حصاراً ظالماً ، وهم يستغيثون ويستنصرون ولا مجيب لهم ، ولكنهم أثبتوا أن بطن الأرض خيرٌ من ظهرها لأمة كل مواقفها وفق هوى إسرائيل ومصلحتها ، وتحولوا عن مواقع النصر في داخل أنفسهم إلى مواقع الهزيمة أمام أعدائهم ، وأمام هذا الجبن والتخاذل المريب ، اعتمد الفلسطينيون على أنفسهم في مواجهة هذه الهجمة الشرسة   التي أحرقت ومزقت ودمرت وأخرجت العديد من بيوتهم ، وقسماً كبيراً منهم وقع في الأسر   إنها حملة ظالمة خلَّفت وراءها الكثير من المآسي  من بكاء الثكالى والأرامل إلى  ما رأيناه من الأوصال المقطعة ، إلى الأطفال الذين لا يجدون ما يسد رمقهم ، والجرحى الذين لا يجدون الدواء  بل منع عنهم الإسعاف فمات الكثير منهم  ورغم ذلك ترى عجبا رغم القصف بالصواريخ والدبابات والحصار المحكم ، فإنهم يتصدون لليهود بقوة وصلابة وبطولات فائقة ، ويوقعون في صفوفه ما يؤلمه ويخزيه ، وذلك بما قدمه ويقدمه الشباب الاستشهادي من بطولات فذة  ستكون مضرب الأمثال على مدار التاريخ ، وقد كانت أم الشهيد فرحات مثالاً رائعاً وهي تودع ابنها الذي انضم إلى قافلة الشهداء الأبرار ، كان لها موقفاً عزّ أن يكون مثله في التاريخ المعاصر   أما تاريخنا القديم فقد كان لها فيه سابقة ، إنها الخنساء كما روى المؤرخون  أنها شهدت حرب القادسية تحت راية سعد بن أبي وقّاص ، وكان معها بنوها الأربعة ، فجلست إليهم وهي تحثهم على القتال والثبات ، وكان من قولها لهم :" أي بنيّ إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين . . وقد تعلمون ما اعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين ، واعلموا أن الحياة الباقية خيرٌ من الدار الفانية ، والله تعالى يقول :
 } يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون{.آل عمران 200 . فإذا أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين ، فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين وبالله على أعدائكم مستنصرين ، فإذا رأيتم الحرب قد شمرّت عن ساقها فتيمموا وطيسها ، وجالدوا رئيسها تظفروا بالغنم في دار الخلد " .
فلما أصبحوا باشروا القتال بقلوب فتية وأنوف حميَّة ، إذا فتر أحدهم ذكّره أخوه وصية الأم العجوز ، فزأر كالليث وانطلق كالسهم والصاعقة ، ونزل كقضاء الله على أعداء الله وظلوا كذلك حتى استشهدوا واحداً بعد واحد . وبلغ الأم نعي الأربعة في يوم واحد فلم تلطم خداً ولم تشق جيباً ، ولكنها استقبلت النبأ بإيمان الصابرين وصبر المؤمنين وقالت : الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته". فما الذي جعلها تقف هذا الموقف ؟ إنه الإيمان صانع المعجزات .
فماذا قدم العرب والمسلمون ، ولماذا لا تحارب   جيوشهم اليهود ، أم أنها أعدت للعرض والاستعراضات ، وقمع الاضطرابات والمظاهرات  والمحافظة على أمن الحكومات ، ولماذا يصمت المفكرون والمفكرات ، أم أن مهمتهم اقتصرت على  حقوق المرأة وحوار الأديان والتفاهم بين الحضارات ، ولماذا الأمة تائهة حيرى لا تسأل      عما يجب فعله لنصرة المجاهدين في فلسطين أم أنها لا تعلم بأن نصرتهم فرض على المسلمين قال تعالى:}والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير{الأنفال 73   فإذا لم يجانبوا المشركين ويوالوا المؤمنين  وقعت الفتنة في الناس ووقع الفساد في الأرض  بطغيان الجاهلية على الإسلام ، وطغيان ألوهية العباد على ألوهية الله ، ويصبح الناس عبيداً للعباد ، وهذا هو أفسد الفساد  الذي يتحمل المسلمون تبعته  ويتحملون نتيجة تنكرهم لما فعله الإيمان بأمة العرب   الذي حولهم من رعاة غنم إلى رعاة أمم  ومن قبائل بداوة إلى أمة حضارة ، والذي يرجع إلى الإيمان الذي صبه محمد e في نفوس أصحابه ، فنقلهم من حال إلى حال ، وفي تاريخنا الأمثلة الكثيرة على صدق ما نقول ، فهذا عمر بن الخطاب الذي رووا أنه بلغ من انحراف العقل أن عبد إلهاً من الحلوى ثم جاع يوماً فأكله ، ومن انحراف العاطفة ، أن وأد بنتاً صغيرة له كانت تمسح الغبار عن لحيته وهو يحضر لها مكانها في التراب ، عمر هذا يبلغ من سمو العاطفة ورقة قلبه وخشيته لله ، ما ملأ صفحات التاريخ بآيات الرحمة الشاملة للمسلم وغير المسلم ، بل للإنسان والحيوان حتى قال : " لو عثرت بغله في العراق لسألني الله عنها لم تصلح لها الطريق يا عمر " .
ومثال آخر لما فعله الإيمان من الأقدام إلى التضحية بالنفس في سبيل الله ، يتمثل في إقدام البراءُ بن مالك الأنصاري ، عندما التقى جيش المسلمين بجيش مسيلمة على أرض اليمامة في نجد  ورجحت كفةُ مسيلمة وأصحابه ، وتراجع المسلمون عن مواقعهم ، واقتحم أصحاب مسيلمة خيمة خالد بن الوليد ، واقتلعوها من أصولها وكادوا يقتلون زوجته لولا أن أجارها واحد منهم ، عند ذلك شعر المسلمون بالخطر الداهم   وأدركوا أنهم إن يهزموا أمام مسيلمة ، فلن تقوم للإسلام قائمةٌ بعد اليوم ، وهب خالد في جيشه فأعاد تنظيمه ، حيث ميز المهاجرين عن الأنصار  وميّز أبناء البوادي عن هؤلاء وهؤلاء وجمع أبناء كلِّ أب تحت راية واحدة منهم ، ليُعْرَفَ بلاءُ كُلِّ فريقٍ في المعركة ، وليُعُلَمَ من أين يُصابَ المسلمون ، ودارت بين الفريقين رحى معركة لم تعرف حروب المسلمين لها نظيراً من قبل  وكانت هناك بطولات خارقة ، كان من أكثرها إقداماً ما قام به البراء ، وعندما حميت المعركة واشتدت   التفت إليه خالد بن الوليد وقال له : إليهم يا فتى الأنصار فالتفت البراءُ إلى قومه وقال يا معْشر الأنصار لا يُفكِرَنَّ أحد منكم بالرجوع  إلى المدينة  فلا مدينة لكم بعد اليوم ، وإنما هو الله وحده ثم الجنة ، ثم حمل على المشركين وحملوا معه وبدأت الهزيمة على مسيلمة وأصحابه فلجأوا إلى الحديقة ، التي عرفت في التاريخ باسم حديقة الموت ، لكثرة ما قتل فيها في ذلك اليوم ، لأن مسيلمة وجيشه لجئوا إليها واغلقوا أبوابها  وحصنوا أعالي جدرانها ، وجعلوا يمطرون المسلمين بنبالهم من داخلها التي تساقطت على المسلمين تساقط المطر ، عند ذلك تقدم البراء بن مالك وقال يا قوم  ضعوني على ترس وارفعوا الترس على الرّماح ، ثم اقذفوني إلى الحديقة قريباً من بابها فإما أن استشهد وإما أن أفتح لكم الباب  وفي لمح البصر جلس على ترس وكان ضئيل الجسم ورفعته عشرات الرماح ، فألقته في حديقة الموت بين الآلاف المؤلفة من جند مسيلمة فنـزل عليهم نزول الصاعقة ، وما زال يجالدهم أمام باب الحديقة ويُعْملُ في رقابهم السِّيف حتى قتل عشرة منهم وفتح الباب وبه بضع وثمانون جراحةً من بين رمية بسهم أو ضربةٍ بسيف ، فتدفق المسلمون على حديقة الموت ، ودخلوها وقتلوا مسيلمة والكثير جداً من جنوده ، وحُمل البراء ليداوى ، وأشرف خالد بن الوليد على علاجه لمدة شهر حتى أذن الله له بالشفاء .
ومثال آخر في معركة بدر عندما دنا المشركون قال رسول الله e ( قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض ) فقال عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض ؟ فقال : نعم ! قال : بخٍ بخٍ ؟ فقال رسول الله e ما يحملك على قول بخٍ بخٍ ؟ قال لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها   قال فإنك منهم قم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها حياة طويلة ، قال فرمى ما كان معه من التمر ، ثم قاتلهم حتى قتل رحمه الله . 
بمثل هذه المواقف الجهادية التي سار استشهاديوا فلسطين على نهجها ، وقدموا من التضحيات ما تعجز عنه الشعوب المعاصرة ، التي تعيش حياةً كلها أقفالاً معقدة وأبواباً مغلقة ، وعقولاً مقفلة أعيا فتحها الحكماء والفلاسفة ، و ضمائراً مغلقة أعيا الوعاظ والمرشدين فتحها ، وقلوباً مقفلة أعيا فتحها الحوادث ، أقفال وأقفال أخفق الكبار وفشلوا في فتحها ، لأن القفل لا يفتح بغير مفتاحه ، وقد ضّيعوا المفتاح وجربوا غيره ، فإذا هو لا يوافق الأقفال ، والمفتاح الذي نقصده هو الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر ، الذي تخلى عنه المسؤولون المتخاذلون ، وسمحوا للعدو يصول ويجول ، متجاهلين نصرة إخوانهم الذين يعانون أبشع أنواع البطش والظلم والقتل . أخرج أبو داود والبيهقي والطبراني بإسناد حسن عن جابر وأبى أيوب الأنصاري قالا : قال رسول الله e : ( ما من امرئٍ يخذل مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته ، إلا خذله الله في موطن يجب فيه نصرته ، وما من امرئٍ ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يجب فيه نصرته ) . وفي هذا دليل على وجوب نصرة المسلم المحتاج إليها  والنصرة تكون بتجهيز المقاتلين ومشاركتهم في قتال الأعداء وقول الحق والدعاء لهم ، لا الوقوف وقوف المتفرج على ما يجري  ولا ندري متى يفيق المسلمون من غفلتهم ويثوبوا إلى رشدهم . وما علموا أن في قتل الإسلام  توسيعٌ لسطوة الإلحاد ، وإعانة لليهود على شعب فلسطين . اللهم أنت القادر على أن تفتح قلوبنا لذكريات أمتنا في الرجال ، وأن تأخذ بأيدينا إلى مواطن القوة والنصر ، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
                      



واجبنا تجاه أهلنا وديننا


إن ما يلاقيه المسلمون من تهديد وعنت وخوف وإرهاب ، يستلزم منا إعادة النظر في مواقفنا   لأنه ليس من الأخوة أن يعيش المسلم وحده  وينام قرير العين آمنا ، ويدع اخوه له في العقيدة يقتلون ويعانون من الخوف الذي يتهددهم ، فقد طالبنا الإسلام بمد يد العون لكل مسلم   استجابة لدواعي الأخوة الإسلامية ، التي عبر عنها رسول الله بقوله : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ) .
فأين نحن من هذه العلاقة التي رسمها النبي في وصف الأخوة الإسلامية ؟ بل أين نخوة المعتصم لرد العدوان ؟ الذي يتهدد المسلمين من الأعداء الذين اجتمعوا على باطلهم وتفرقنا نحن عن حقنا   فصرنا غرضاً سهلاً يغار علينا ولا نُغير ، ونُغْزى ولا نَغْزو ، ويُعْصى الله ونرضى .
إن المؤامرة أكبر من كل جهد ، حيث اختفى صوت الحق وطغى الحقد ، واستشرت النذاله وعمت الجهالة ، واستغل البلاء النازل ، كركوب موجة الفساد ، وخلت الساحة من الصادقين المخلصين لأمتهم ، ووقفنا في صراع وجودنا يشدّنا الضياع إلى الوراء .
نواجه الواجب بالتخلّي ، والشجاعة بالنكوص   والصمود بالتواكل والتخاذل ، وبدل أن تحرّك الكارثة العزائم وتثير النخوة ، كرّست الذل حتى تسرّب اليأس إلى نفوس الناس فاعتقدوا أن الهزيمة قدراً أبدياً لا نملك دفعه ، وعاراً أزلياً لا بد من قبوله ، وقضاءً لا مناص من الرضى به . وأمام أكبر تحدٍ تواجهه الأمة ، فإما أن تصمد مستعينة بالله وإلا اندحرت وخبا نورها ، واندكت حصونها ، وهذا الواقع ليس سهلاً فإذا لم تع الأمة أبعاد المؤامرة ولم تدرك أهدافها ومراميها ، فإن ذلك يقودها إلى الدمار .
إن الأمة لا تخلو من رواد الخير وطلائع الحق   الذين لن ييأسوا من رحمة الله وهدى رسول الله ، شعارهم الجهاد لأعلاء كلمة الله في مواجهة المؤامرة التي تسعى لتدمير الأصول الحضارية ، والينابيع الروحية للعرب والمسلمين   ليسهل تحطيم كيان الأمة بعد تحطيم روحها   وعندها تتهاوى مقومات الأمة ، وتنصرف عن البناء إلى الهدم وعن الصدق إلى الكذب ، وعن التلاحم والتماسك إلى التفسخ والانحلال ، وعن مواجهة العدو ومعركة المصير ، إلى مهاترات جانبية مفتعلة تأكل طاقات الأمة ، وتجعلها عار الدنيا والآخرة . وهنا يسأل كل واحد منا نفسه   كيف المخرج والخلاص والراية في يد من استغنوا عن الصمود بالقعود وعن الجهاد بالفساد ؟ نركض في فراغ ونلهث وراء سراب حيث ضاعت الكرامة ، وخسرنا كلَّ شيء يوم خسرنا الإيمان ، وأضعنا كل شيء يوم أضعنا حافز الدين   وحين لا يكون إيمان ولا يكون دين ، لا يكون شرف ولا تكون نخوة ولا تبقى أرض ولا أحبة  تستشري المؤامرة كل صباح ، فيبني أعداؤنا ونهدم يربضون على صدورنا ويدنسون مقدساتنا   ويحتلون أرضنا ويشردون أهلنا ، فنتلقاهم بالشعارات والمهاترات والاحتجاجات والإدانات   وبدل أن نجمع قوانا ونعبئ طاقاتنا ونوحد صفوفنا ونعلن الجهاد في سبيل الله ، ونستعلي على غرض الدنيا ، ونستخف بوعيد العدو لوعيد الله   تواكلنا وتخاذلنا ، وأخلدنا إلى الأرض ، حتى فهم بعضنا أن الدين صلاة بعض ركعات وترديد بعض التسبيحات وكفى ، ناسين أن إسلامهم إسلام الأمر والنهي والجهاد ، الذي ربا النبي
(ص ) أصحابه عليه .
 يروى أن رجالاً خرجوا من الكوفة ونزلوا قريباً يتعبدون ، فبلغ ذلك عبدالله بن مسعود فأتاهم   ففرحوا بمجيئه اليهم ، فقال لهم : ما حملكم على ما صنعتم ؟ قالوا أحببنا أن نخرج من غمار الناس نتعبد . فقال عبدالله : لو أن الناس فعلوا مثل ما فعلتم فمن كان يقاتل العدو ؟ ما أنا ببارح حتى ترجعوا . إنها كلمة الحق وعنوان الوعي ، وشارة التربية النبوية ، سيماهم في كلامهم مثلما هي في وجوههم ، فمن يقاتل العدو إذا اعتزل العابدون ؟ ومن يرد كيد الكفار والصهيونية إذا بقي المصلون في مساجدهم ؟
 قيل لأعرابي أيما أحب اليك أن تلقى الله ظالماً أو مظلوماً ؟ قال ظالماً ، قيل له ويحك ولِم ؟ قال : ما عذري إذا قال لي : خلقتك سوياً قوياً لِمَ لمْ تستعد ؟  لقد عز على أمة المائة مليون أن يوجد فيها أمثال هؤلاء ، ولو وجدوا أكنا نذل لإسرائيل ؟ اكنا نأكل خزياً ونشرب هواناً ؟ ونتزاحم على موائد الأعداء ونستجدي عطف الشرق أو الغرب ؟ إن الناس ينجذبون للقوى ويستخفون بالضعيف ، فلم لا نكون أقوياء أمام الكوارث التي تحل ببلادنا ، والتي تضعنا امام تحد مخيف وعندئذٍ نخسر معركتنا إن تنكرنا لعقدتنا   وتآمرنا على ديننا أو ننتصر برفع شعار الجهاد .
لا اتصور أمة تتآمر مع عدوها على نفسها ، ولا أعرف كيف تنطوي النخوة وتنـزوي المروءة ويطير الأمل ، ألا نستحي عندما نتذكر أننا أمة المائة مليون التي تذل أمام عدوها وقد فقدت القدرة على مواجهة مسؤولياتها ، أمة بهذا العدد وعلى هذا الحال صدق في وصفها رسول الله في الحديث الشريف : ( الكثرة غير العاقلة كغثاء السييل لا هو نبات تغذوه الأرض الغنية   ولا هو حطب يستوقده الناس ناراً ، بل هو أشياء ضائعة تأخذها التيارات من كل أقطارها   ثم تقذف بها إلى جوف العدم في مياه المحيط )
إن المسلمين لو فهموا معنى الإيمان ، لعلموا أن قتال المسلم للمسلم والإعانة على قتله كفر والسماح بالإعتداء على المسلمين خيانة ، وإن القيام بواجب الجهاد جزءاً من ديننا وإيماننا وغرض وجودنا ، وإن لم نفعل ذهبت ريحنا وانتهت امتنا وعقيدتنا إلى زوال .
فهل من مصلحة الأمة أن تعزل عن مركز القيادة والريادة في العالم  ؟ لا والله ! ولكن إذا ما أجلْت النظر في العالم الإسلامي كله ، ونظرت الى شعوبه وأممه ودوله ، وفي جميع طبقات المسلمين   هل ترى شيئاً تستدل به على أن هذه الأمة المنبثة في أرجاء الأرض صاحبة رسالة في العالم وصاحبة دين وعقيدة  ؟ تعمل بمبادءها وتسير على نهجها ،  وتريد أن ترفع للإسلام راية ؟ لا بالطبع ! لأنك ترى أمة هادئة مطمئنة راضية بكل ما يقع في العالم اليوم ، سليمة الصدر ، قريرة العين ، ناعمة البال ، تتعاون وتتحالف مع الكفر وأممه ، وتقدم كل معونة تقدر عليها .
 لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ  إن كان في القلب إسلامٌ وإيمان

أجل لو كان إسلامٌ وإيمان لما ارتضى المسلم بهذا  لأن المسلم يحب في الله ويبغض في الله ويوالي في الله ويعادي في الله ، وهو ما ذكره القرآن شرطاً في قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون اليهم بالمودة  وقد كفروا بما جاءكم من الحق } .  

واجب الآباء تجاه الأبناء

                                            
 إن الأبناء بحاجة إلى تربية وتوجيه ، على أساس الإيمان بالله ، والتمسك بتعاليم الدين وقيمه  وذلك لا  يتحقق بكثرة الكلام ، ولا بشدَّة التحذير والإنذار ، إنما بالقدوة الصالحة المؤمنة  التي تقرن القول بالعمل ، لأن الناشئ يقلد الكبار ببراعة وإتقان . وأنشدوا :
 وينشئ ناشئ الفتيان فينا      على ما كان عوده أبوه
وذكر ابن القيم في تحفة الودود بهذا الصدد فقال:  "من أهمل تعليم ولده ما ينفعه ، وتركه سُدى فقد أساء إليه غاية الإساءة ، وأكثر الأولاد ، إنما جاء فسادهم من قبل الآباء ، وإهمالهم لهم ، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه ، فأضاعوهم صغارا  فلم ينتفعوا هم بأنفسهم ، ولم ينفعوا آبائهم كبارا " . 
إن محاسبة الأبوين للأولاد على تصرفاتهم الخاطئة  ضروري للغاية ، وعليهم أن يحاسبا أولادهم على تصرفاتهم الشاذة ، أو السهر خارج البيت إلى وقت متأخر من الليل ، في أماكن مشبوهة أو مع رفاق السوء . وعليهم وضع الأمور في نصابها  وإلا يعتبران مقصران في صميم واجباتهما .
إن التربية السليمة ، تؤدي إلى يناء مجتمع قوي سليم معافى ، مما جعلها بالنسبة لنا قضية حياة أو ممات في وقتٍ شاع فيه الفساد والانحلال الخلفي والترف .
أما أن يكون الأبوان بواد ، وتعاليم الدين بواد  ومسؤولية توجيه الأبناء في واد آخر ، بحيث لا يؤدون واجباتهم كما ينبغي ، في التربية والتوجيه  فإن ذلك يتنافى مع تعاليم ديننا . وصدق رسول الله بقوله : (من خاف على عقبه وعقب عقبه فليتق الله) .
إن الآباء الذين يريدون أن يفرضوا سيطرتهم على أولادهم ، بعد أن شبوا عن الطوق ، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء تربيتهم تربية صالحة   فأخفقوا منذ طفولتهم ، في فرض سيطرتهم عليهم كل الإخفاق ، كما نسمع ونشاهد هذه الأيام  حتى أصبحت السيطرة بيد الأولاد على الأبوين  لا بيد الأبوين على الأولاد ، مما أدى إلى تصدع بناء الأسرة ، وحلول الكوارث الأخلاقية  وإرخاء العنان طوعاً أو كرها .
إن ولد اليوم هو رجل المستقبل ، فيجب أن يكون الهدف من تربيته ، بناء المثل العليا في نفسه حتى يتسنى له عند ما يحين الوقت المناسب ، أن يؤثر في الآخرين إلى ما فيه الخير .
وإن غرس المثل العليا في الطفل ، يجب أن يتم في البيت ، وإن التربية الأساسية ، يجب أن تبدأ هناك    وما نسميه اليوم من انحرافات الأحداث ، سببه إهمال الأبوين تربية الطفل ، الذي يجب أن يربى تربية ، تجعله يميز بين الخطأ والصواب ، ويتجلى ذلك بالصدق والاستقامة وحب الخير ، وطاعة الوالدين والاستماع لتوجيهاتهما ، والإحسان لهما والبر بهما تقديراً لجهودهما .
ومن هنا جعل الله الإساءة إليهما من أكبر الكبائر  فقال رسول الله : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا بلى يا رسول الله فقال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين) . وقال ( كلُّ الذنوب يؤخِّر الله ما شاء منها ، إلا عقوق الوالدين فإن الله يُعَجِّل لصاحبه في الحياة الدنيا قبل الممات ) إن تربية الأولاد الدينية والخلقية ، تعتمد على العقيدة السليمة ، وقد ضرب القرآن لذلك مثلا فقال تعالى في وصية لقمان : { يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم }.
ثم الأمر والتدريب على العبادات , والأخلاق الفاضلة , والأعمال الصالحة ، ليشب عليها الأولاد فلا تشق عليهم إذا كبروا . قال تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها }. وقال عليه السلام (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر  وفرقوا بينهم في المضاجع ) .
كما نبه الإسلام إلى مراعاة الأولاد في سن المراهقة . فقال عليه السلام ( إلزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم ) رواه ابن ماجة . وقد يضيق صدر بعض الآباء من سلوك أبناءهم المراهقين ، فينهالون عليهم باللوم والتسفيه والتجريح ، أو العقاب البدني ، الذي ينهى عنه الدين ، ويأمر الآباء أن يتقوا الله في أفلاذ أكبادهم ، وأن يقوموا على تربيتهم بحسن الأدب والخلق الطيب ، والوقوف إلى جانبهم في هذه الفترة الحرجة ، ليأخذوا بأيديهم ، حتى يعبروها بسلام .
قال بعض الحكماء :" لاعب ولدك سبعاً وأدبه سبعاً ، وصاحبه سبعاً ، ثم اترك حبله على غاربه"   ذلك تأكيداً لمصاحبه الأب لابنه   وتأكيداً لمعنى حديث رسول الله إلزموا أولادكم .
 ومن واجب الآباء العدل بين الأولاد ، لحديث النعمان بن بشير قال : أعطاني أبي عطية ولم ترض أمي حتى تُشهد عليها رسول الله . فانطلق أبي إلى رسول الله وقال له : إني نحلت ابني هذا غلاما ، فقال له رسول الله ( أكلهم له مثل هذا ؟ قال : لا فقال رسول الله : فلا تشهدني إذن ، فإني لا أشهد على جور ، يا بشير أتحب أن يكون لك في البر سواء ؟ قال : نعم قال : إذن فاذهب فارجعه ، إن لبنيك عليك من الحق ، أن تعدل بينهم ، كما أن لك من الحق عليهم ، أن يبروك ، ثم قال : اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) أخرجه البخاري وصححه  .
وقد يوسوس الشيطان للآباء ، بأنهم أحرار في مالهم ، وأن من حقهم أن يميِّزوا هذا عن ذاك من الأولاد ، وما دروا أن الله وضع لهذه الحرية حدودا ، ومن تعدّ حدود الله فقد ظلم نفسه .
إن التفرقة بين الأولاد ، هي مبدأ الفرقة والشقاق والعداوة بينهم ، وقد تمتد إلى ذرياتهم حتى أننا نلاحظ أن التفرقة حتى بالكلمة ، تزرع الحقد بين الأخوة ، فماذا يكون الحال حين تكون التفرقة بالمال . إن كثيراً من الأسر تتهدم ، ويتحول الأخوة الأحباء إلى أعداء ألداء ، فلو فكر الآباء فيما ينتظرون من عذاب الله نتيجة جورهم  وظلمهم لبعض أولادهم ، لما اشتروا عذاب الله ببعض مال يتمتع به ولد من الأولاد في دنياه  بينما يتلظى الأب بعد موته في جهنم . عن أبي هريرة قال: ( قال رسول الله :أعينوا أولادكم على البر بالإحسان إليهم ، وعدم التضييق عليهم والتسوية بينهم في العطية ، من شاء استخرج العقوق من ولده ) رواه الطبراني في الأوسط .
ومن أخطر أنواع التفرقة بين الذكور والإناث من الأولاد ، ما نراه من الجهلة من الآباء ، الذين يحرمون بناتهم حقهنَّ في الميراث ، ويفرقون في المعاملة بين الذكور والإناث ، وهذا ضلال مبين وعلى الآباء تعويد الأبناء ارتياد المساجد ، فهي دور العبادة ، يتعلم فيها المرء قواعد العقائد وفرائض العبادات ، ومكارم الأخلاق ، ومحاسن الآداب ، وطريق المعاملات . ففي الحديث القدسي ( إن بيوتي في أرضي المساجد ، وإن زواري فيها هم عُمّارها ، فطوبى لمن تطهر في بيته ، ثم زارني في بيتي فحق على المزور أن يكرم زائره ) .
وعلى الآباء أن يكونوا خير قدوة للأبناء ، وعند ما نشكوا من مظاهر الانحراف ، نلوم الأبناء بالزجر والوعيد ، وهيهات أن يجدي ذلك ، إذا افتقد الأبناء القدوة الصالحة ، في الآباء والموجهين  وعلى الآباء أن يُعَلِّموا أولادهم حسن اختيار الأصدقاء . قال عليه السلام ( المرء على دينه خليلة فلينظر أحدكم من يخالل ) .
إن التهاون في اختيار الأصدقاء ، ومخالطة السفهاء وأصحاب الريب ، والمفرطين في حق الله الذين لا يؤدون ما فرضه الله عليهم من عبادات ، ولا يهمهم الخوض في إعراض الناس ، واكل الأموال بالباطل مما يؤدي إلى انحراف الأبناء ، حيث يسير على منهجهم وطريقهم ، ويكتسب صفاتهم .
 من أجل ذلك حذرنا الله من هؤلاء وامثالهم فقال تعالى :{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ، وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون}هود 113 .
وعلى الآباء أن ينهوا أبنائهم عن التقليد الأعمى  سواء على مستوى الأفراد أو الدول في كثير من مظاهر الحياة ، والعادات والتقاليد ، بدعوى التحضر والمدنية ، ناسين أن ذلك تبعية بغيضة ذمها الإسلام وسخر منها ، حتى أن الله شبه هؤلاء المقلدين بالحيوانات ، التي لا إرادة لها ولا إدراك .  قال تعالى :{وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون . ومثل الذين كفروا كمثل الذي يَنْعقُ بما لا يسمع إلا دُعآءً وندآءً  صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون }البقرة 171 .  أما التقليد فيما برعوا من علوم وصناعة ، فهذا مأمورٌ به ، لما فيه صالح الأمة ، والرسول يوجهنا إلى أخذ العلم أينما وجد حيث يقول (الحكمة ضالة المؤمن ، أنى وجدها فهو أحق بها)  فاتقوا الله في أولادكم وأنفسكم ، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته .       






 

                                                                      

هل القمة تمثل الموقف الإسلامي


إن المتتبع للأحداث الجارية في العالم يجد أن الأمة مفتقرة لوحدة الكلمة والرأي ، فضلاً عن وحدة الهدف والوسيلة ، فقد تعددت الآراء والمواقف حول جدوى مؤتمر القمة ، فتحول بعضها إلى علامات استفهام أو التعجب الذي تحوَّل إلى علامات استهجان وترقب للإجابة عن السؤال الكبير ، الذي يدور في خلد كل مسلم مخلص  من يمثل الموقف الإسلامي الصحيح ؟ وقد يتكرر هذا السؤال بلسان المقال ، وأحياناً بلسان الحال  ثم لا يلبث المتسائل أن يُخْلِد إلى التناوم أو التناسي ، هرباً من ضغوط الاحباطات والصدمات من جراء التعارض والتناقض ، بين ما يسمع وما يرى .
 هناك من يتكلم بلغة التنديد ومن يتكلم بلغة التأييد ، فاحتج المنددون بأن الاستجابة للضغوطات إهانة وخيانة للأمة ، وتضحية بمبادئها التي تحرِّم وتجرِّم مسايرة الدول القوية والاستجابة لمطالبها الظالمة ، بينما تطلع الفريق الثاني إلى إخراج الأمة من الوقوع في محنة الاحتلال ، وقالوا بجواز الاعتراف بدولة اليهود والتطبيع مع عصابتهم ، وعقد الصلح الدائم معهم والاعتراف بهم ، ناسين أنهم لا يمثلون في هذه القضية الموقف الإسلامي الصحيح ، وقد أبرزت الأحداث في فلسطين غياب الموقف المساند للحق كما يريد الحق سبحانه ، علماً بأن رسول الله e أخبر بأنهم موجودون لم يخل منهم زمان فقال: e ( سألت ربي ألا يجمع أمتي على ضلاله فأعطانيها ) .رواه احمد في مسنده
فلماذا يجمع زعماء الأمة على الضلالة ؟ بل وأين اجتماعهم على الحق ؟ ونحن نعاني من ظلم اليهود وبطشهم ، وإن شدَّة المعاناة والضعف وثقل الهزيمة وخور العزائم وغلبة اليأس ، كثيراً ما يبعث في النفوس التعلل بالأماني الكاذبة ، والهروب من الواقع المؤلم إلى أطياف الأحلام ، لعلنا نجد السلوى من الآلام والهزائم ، وما هي في الواقع إلا أضغاث أحلام أو سراباً من الأوهام } يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا { وقد اثبت واقعنا الذي نعيش أن الذي يعيش في عالم الأحلام الموهوم ، جدير به أن يقول ما لا يفعل   وأن يفعل ما لا يرضى عنه عقل ولا دين ، وهنا يكمن الخطر الذي يوجب على الأمة أن تستيقظ وترفض المساومة على حقوق الأمة المشروعة .
 في الوقت الذي قرر حكام العرب اجتماع القمة  وهو لقاء خطير وهام وعظيم ، لأن أي قرار يتخذه لا يدعو إلى إعلان الجهاد ، والتمسك بالدين عقيدة وشريعة لا فائدة منه ، لأنه لا نصر ولا توفيق بدون العودة إلى الله والتمسك بمبادئ الدين ، هذا بالإضافة إلى أن يصدق العمل القرارات التي تتخذ ، لأن علامة الصدق في القول أن يتبعه العمل ، ونحن بحاجة ماسة إلى أن يفي الحكام بالواجب الذي رسمه الله لعباده في شريعته التي جاء بها رسول الله e ، والمسؤولية في هذا الاتجاه كبيرة وحاسمة ، وهم يعلمون ذلك ولا ينقصهم إلا التطبيق العملي .
فما أحوجهم لأن يتماسكوا ويسيروا على طريق الحق ، طريق القوة والمنعة طريق الإسلام  الذي دعا الله إلى التمسك به ديناً ومنهج حياة ، وإنا لنرجوا الله أن يعودوا إلى شريعة الله  ويعملوا على تطبيقها في كل شؤون الحياة ، فكم هو جميل اللقاء الأخوي ، ولكن الأجمل منه اتخاذ القرارات الحازمة التي تتبعها الأعمال الجادة ، بعيداً عن  الوقوف عند الوعود والأقوال ، واتخاذ قرارات تعمل على رفع العار والذل ، الذي تعاني منه الشعوب التي تتطلع بشوق ولهفة إلى اتخاذ القرارات التي تحقق للأمة النصر .
لقد سئمت الأمة الكلام والخطب ، وهي تنادي كل ذي قلب يعي أن لا حاجة الآن لأقوال مجردة عن الأفعال لأن الأمة بحاجة إلى أعمال إيجابية  تلبية لنداء الله:} وقل اعملوا فسيرى الله عملكم (
ففي كل اجتماع أو مؤتمر يعقد ، يذاع البيان الختامي الذي يطمئن على أن اللقاءات كانت مثمرة للغاية وهادفة وناجحة ، تساعد على وحدة الصف والهدف ، ولكن الشعوب في كل مرة يسمعون كلاماً ووعوداً ، لا يلمسون لها حقيقة في واقع التطبيق العملي . وفي هذه القمة لم تتخذ القرارات الداعمة للمقاومة .
 لقد نسي الذين اجتمعوا أو تناسوا وجوب الالتزام بكتاب الله وسنة رسول الله شريعةً ومنهج حياة ، الذي خلا منه البيان الختامي ، كما هو الحال في كل قمة عقدت من قبل  وخلا من المطالبة بوجوب إلزام إسرائيل بالكف عن ممارسات القتل والقمع لشعب فلسطين  والتزامها بالقرارات الدولية وإلا فالحرب والمقاطعة  ولأن البيان خلا من قرارٍ كهذا فقد كانت رسالة إسرائيل للمؤتمر دخول دباباتها وعرباتها المصفحة إلى مدن الضفة .   
هذه المواقف تذكرني بقصة أبي جعفر المنصور  حين وقف يوماً خطيباً في جماعة من الأعراب فقال : " أيها الناس احمدوا الله على أن وهبني لكم ، فإنني منذ وليت أموركم أبعد الله عنكم الطاعون ، فقال له أحد الحاضرين " إن الله اكرم من أن يجمع علينا الطاعون والمنصور ". وبقصة ذلك الوالي الذي وقف يخطب الناس فأرْتِجَ عليه فمكث ساعة ثم قال : والله لا أجمع عليكم عيّاً ولؤماً ، من أخذ شاةً من السوق فهي له وثمنها علي " . ما أكثر ما يجمع على الأمة الإسلامية هذه الأيام ، من عيّ ولؤم وفساد وإلحاد وعمالة وخيانة ، والمخفي أعظم والله المستعان .
فقد صدرت القرارات وجاء الإعلان بنجاح القمة   إلا أن الحقيقة ظلت تائهة ضائعة  ولو وجد من يقول للمجتمعين عودوا إلى دينكم ، وضمنوا بيانكم الختامي ضرورة الالتزام بالإسلام نظاماً ومنهج حياة ، والعودة إلى الجهاد لحماية الأهل واسترداد ما فقد من الأرض ، أقول لو وجد من يقول ذلك ، لأداروا له ظهورهم وقلبوا له شفاههم  وجعلوه سخرية الاجتماع ، وأخذوه مأخذ الهزل واستخفوا بما قال ، علماً بأننا إن لم نتخذ منهج ربنا دستوراً لحل قضايانا ، فإن معالجة ما تعاني منه الأمة داخلياً وخارجياً هو حلم حالم .   
 إن من بين العرب والمسلمين من يؤيدون السياسة الإسرائيلية . وهم كثرٌ لا أستطيع حصرهم  وبالمناسبة تذكرت قصة الرجل الذي حلف بالطلاق أن الحجاج في النار فأتى ابن شيرمه يستفتيه فقال : يا ابن أخي امضي فكن مع أهلك  فإن الحجاج إن لم يكن من أهل النار فلا يضرّك أن تزني  .
كيف نأمل الخير في الاجتماعات واتخاذ القرارات  وقد تخلينا عن قرآننا ، فأصبحنا أضحوكة الأمم ومهزلة التاريخ ، فلا نعيش إلا تابعين ولا نحيا إلا موجهين ، تُرسم لنا الطريق ونبحث عن سند وصديق ، متناسيين أن الأقوياء لا صداقة عندهم  لأن همهم مصلحتهم وما يحقق مجد أمتهم .
إننا نعيش حياة الذل بدل مجد ضيعناه ، ونهوى الهزيمة بدل النصر الذي فقدناه يتفاوض على قضايانا الأقوياء ، حتى غدونا سلعاً تباع في الأسواق ، أسواق السياسة الدولية .
إن عزتنا وقوتنا لن تكون إلا بالإسلام ، لأنه عماد صمودنا وباعث مقاومتنا ، ومكون حضارتنا وحافز تقدمنا ، وذخيرتنا التي لا تنفذ مع الأيام ، إننا بالإسلام نتحرر من اليأس ولاستسلام ، لأنه يولِّد فينا الثقة بالنصر والتصميم على الجهاد ، ويدفعنا إلى الأخذ بما يحقق النصر وأسبابه ، ويرتفع بنا إلى ذروة التضحية .
لقد عايش المسلمون قديماً أوضاعاً تشبه الأوضاع العالمية هذه الأيام ، كان الروم يومئذٍ يمثلون الدولة الأولى في العالم ، صحيح أن الفرس نازعوهم السيادة ، غير أن حرباً نشبت بين القوتين العظميين انتهت بانهزام الفرس انهزاماً ساحقا ، فانفرد الرومان بالسطوة في أرجاء العالم كله ، تماماً كأمريكا هذه الأيام ، وقد قام الرومان بمطاردة الدعاة الإسلاميين ومنعهم من نشر الدعوة .
وعندما قرَّر النبي e محاربة الروم والتصدي لعدوانهم ، فزع الكثيرون وتثاقلوا عن الخروج   وقال بعضهم لبعض : أنى لنا مقاومة هذه الدولة العظمى ؟ فنـزل الوحي يقطع دابر الضعف  ويستأصل روح الهزيمة ، ويطلب إلى المؤمنين أن يسارعوا إلى النفير ، وان يسيروا إلى الروم حيث كانوا دون أي تهيب . وذكَّر المتثاقلين عن الجهاد بأن النصر من عند الله وحده ، لا تمنعه قلة عدد أو عدة ، فماذا كانت النتيجة ؟ إن الله لم يخذل من تعلق به واستند إليه ، وها هو ذا رسول الله e يرفع  راية الحق . فكانت غزوة تبوك  وبعد سنين كانت معركة اليرموك التي انتصر فيها المسلمون على دولة الروم ، أعتى دول الأرض وأوسعها سلطانا في ذلك الوقت ، والتي كانت  تريد الطغيان بباطلها وجبروتها .
إننا في هذه الأيام من المفرِّطين ، والله لا ينصر المفرِّطين ، تماماً إذا تكاسل الواحد منا عن أداء ما عليه وهو قادر ، فكيف يرجو من الله أن يساعده وهو لم يساعد نفسه ؟
وإن ما يجري في فلسطين درس من دروس الجهاد الحية ، يُساق إلى المتواكلين  الذين ينتظرون من الله أن يُقدِّم لهم كل شيء ، وهم لم يقدِّموا شيئا  في الوقت الذي يهبُّ فيه الأعداء لاجتياح الإسلام وبلاده ، والإتيان عليه من القواعد ، فهل نرفع راية الجهاد للعمل على  ما يخزي أعداء الله ويرد كيدهم في نحورهم ، وما يساعدنا على استئناف رسالتنا ودعم حضارتنا ، في الوقت الذي يترنح فيه الوضع الدولي في هذه الفترة  والدواء عندنا وحدنا  فهل ننقذ أنفسنا وننقذ العالمين ؟ .     
 


   

هل الضرورة تبيح التعامل بالربا


يتوسع الكثيرون في الحرام محتجين بأن الذي دفعهم لهذا هو الضرورة ، وإذا ما سألت عن هذه الضرورة وخصوصاً بما يتعلّق بالربا ، قد يقول بأنه محتاج لسياره أو شقة يسكنها أو قرضٌ يتزوج به ، إن من يقول ذلك واهم يتحمّل إثم كبيرة من الكبائر ، سواء كان ذلك عمداً أو جهلاً أو تجاهلاً ، لأن هذه المحرمات من المعلوم من الدين بالضرورة ، وليست كل ضرورة تدخل في باب الاضطرار ، ولا يجوز أن نستبيح القروض الربوية لشراء منـزل أو سيارة عملاً بقاعدة " الضرورات تبيح المحظورات " وإن دعوى الاضطرار للعمل أو التعامل بالربا غير صحيح   لأن النص في الإباحة للاضطرار ورد في آيات كلها تبيح أكل ما حرّم الله من المنصوص عليها للاضطرار الذي يخشى منه لو لم يُبح الأكل مما حرّمه الله أن يموت الإنسان جوعاً أو يهلك عطشاً قال تعالى : ) إنما حرَّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنـزيرِ وما أهل به لغير الله ، فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه إن الله غفورٌ رحيم ( البقرة 173. وقال تعالى : ) فمن اضطر في مخمصةٍ غير متجانفٍ لإثم فإن الله غفورٌ رحيم ( المائدة 3 . في هذه الآيات دليل على أنه ما أبيحت هذه المطعومات إلا عند الاضطرار في المجاعة المهلكة ، لكي يحفظ الإنسان حياته وهذه الضرورة غير قائمة في التعامل الربوي   وإن أي محاولة يراد بها إباحة ما حرّم الله ، إنما هي جرأة على الله وقولٌ عليه بغير علم ، وضعف في الدين . قال القرطبي في معنى الضرورة المبيحة لأكل الميتة ولحم الخنـزير والذي عليه الجمهور من الفقهاء والعلماء في معنى الآية ، هو من صيّره العدم والجوع إلى ذلك وهو الصحيح . وفي حديث أبي واقد الليثي قال يا رسول الله ؟ إنا نكون في الأرض تصيبنا المخمصة فمتى تحل لنا الميتة ؟ فقال r ( متى لم تصطبحوا أو تفتبقوا أو تجدوا بقلا ) والفبوق العشاء والفِِبوق بقلة تأكلونها .
لقد علّق الشيخ محمد أبو زهرة على الحديث بأن النبي r لم يعتبر حد الضرورة إلا في هذا وقال : إن الضرورة لا يتصور أن تكون في نظامٍ ربوي بل تكون في أعمال الآحاد . إذ أن معناها أن النظام كله يحتاج إلى ربا كحاجة الجائع الذي يكون في مخمصة إلى أكل الميتة أو لحم الخنـزير أو شرب الخمر ، وإن مثل هذه الضرورة لا تتصور في نظام كهذا ، على أنه يجب أن نقرر هنا أن كل الربا حرامٌ لذاته ، لا يحل إلا لضرورة تكون على الحد الذي بيناه نقلاً عن النبي r .
قال عبد الله بن عباس في قوله تعالى : ) فمن اضطر ( يعني إلى شيءٍ مما حرّم الله ، وقوله تعالى : ) غير باغٍ ولا عاد ( يقول : من أكل شيئاً من هذه وهو مضطر فلا حرج ، ومن أكله وهو غير مضطر فقد بغى واعتدى . وقد تقرر فقهاً أن الضرورة تقدّر بقدرها ، وقدرها في المأكل والمشرب لسد الحاجة ، وإذا زال سبب الضرورة حرم التـزود وتكرار الفعل حتى قال الفقهاء : إن المضطر لا يأكل من الميتة إلا قدر سد الرمق ولا يباح له الشبع ، ومن يستطيع دفع أجرة مسكن لا يحل له أخذ قرض لشراء مسكن . 
هذه هي الضرورة إشراف على الهلكة ، وجوعٌ يؤدي إلى إزهاق الرّوح ، وليست كل ضرورة تدخل في باب الاضطرار ، ولو كان المجتمع يدفع إليها لأنه يمكن الاستغناء عنها كشراء بيت و سيارة أو أي شيءٍ من الكماليات ، فالشريعة لا تسمح بأخذ الربا في هذه الحالة ، ومن يقول إن اللجوء إلى الربا ضرورة من الضرورات لأن صلاح الأمة من الناحية الاقتصادية قائم على التعامل الربوي هذه الأيام ، وإلا توقف حال الأمة ، إن هذه مغالطة وضعف أمام النظم التي يسير عليها أقوياء العالم ، وإن كل محاولة يراد بها إباحة ما حرًم الله أو تبـرير ارتكابه بأي أنواع من أنواع التبـرير ، إنما هي جرأةٌ على الله  وقولٌ عليه بغير علم ، وضعفٌ في الدين وتزلزلٌ في اليقين ، وإن القول بأن الربا ضرورةٌ عامة للأمة والمجتمع ، اتهامٌ لشريعة الله بالنقص ، هذه الشريعة التي شهد الله لها بالكمال ومن كمالها تحريم الربا قال تعالى : ) اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ( المائدة 3 .  
وأما من يعتمد على حل القرض باسم المرابحة وهو أحد أنواع بيوع الأمانة في الفقه الإسلامي   وهو مشروع جرى التعامل به في زمن الرسول الله e , وبيع المرابحة هذا يكون بين مبايعين لا بين ثلاثة ، والسلعة في ملك البائع وهو بيعٌ بمثل الثمن الأول مع ربح مبلغ معلوم يصّرح به البائع على وجه الأمانة .
أما كيفية الشراء عن طريق البنك فتتم بطلب العميل من البنك شراء سلعة ليست عنده مع وعد من العميل شراء السلعة بعد شراء البنك لها بثمن آخر ، ووعد البنك بيع السلعة له بعد شرائها   فبيع المرابحة بهذه الطريقة كما يتعامل المصرف يكون الثمن الذي يدفعه العميل مؤجلاً بينما الأصل في بيع المرابحة أن يدفع ثمن السلعة عند العقد ، أما ما يجري التعامل به فإن البيع يتم فيه إبرام عقدين أي بيعتين بين المصرف والبائع للسلعة وعقد بين المصرف والآخر بالشراء ، وهذا غير جائز حسب قناعتي ، لأن المرابحة تتم بإجراء عقد واحد ، ولما روى الترمذي قال حكيم يأتيني الرجل يسألني من البيع ما ليس عندي أأبتاع له من السوق ثم أبيعه ؟  ولم يقل أبيعه ثم أشتريه  فقال له الرسول الله e : لا تبع ما ليس عندك   معنى قول رسول الله e لا تعدْه بالبيع ثم تذهب لتشتريه ، لأن ذلك يعتبر بيعاً ، فيكون بيع ما لا تملك ، وقد نهى رسول الله e صراحة عن بيعتين في بيعه .
قال الإمام مالك رحمه الله في باب النهى عن بيعتين في بيعه : أنه قد بلغه أن رسول الله e نهى عن بيعتين في بيعه ، وأنه بلغه أن رجلاً قال لرجل : ابتع لي هذا البعير بنقد حتى ابتاعه منك إلى أجل فسأل عن ذلك عبد الله بن عمر فكرهه ونهى عنه 
كما إن ما يجري التعامل به على هذه الصورة يعتبر كبيع العينة وهي كما فسرها كثير من العلماء ، بيع من طلبت منه سلعة قبل ملكه إياها لطالبها بعد شرائها ، وقد ورد النهى عنها عن ابن عمر سمعت النبي r يقول : ( إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة وتركوا الجهاد   واتبعوا أذناب البقر أدخل الله عليهم ذلاً لا ينـزعه حتى يتوبوا ويراجعوا دينهم ) أعلام الموقعين  .
وإذا كانت الزيادة في ثمن السلعة قائمة على أساس سعر الفائدة كما يجري التعامل به ، إذ يتمثل عائد التمويل في صورة هامش مرابحة محدد مسبقاً ، على حسب المدة الزمنية التي يتم بها سداد الدين ، فهذا حرام كما قال به كثير من العلماء ، يقول سيد قطب في الظلال لمن يريدون أن يحصروا الربا في بعض صوره : " إن الإسلام ليس نظام شكليات ، وإنما هو نظامٌ يقوم على تصوّرٍ أصيل ، فهو حين حرّم الربا لم يحرِّم صورةً منه ، إنما كان يناهض تصوراً يخالف تصوره   ويحارب عقليةً لا تتمشى مع عقليته ، وكان شديد الحساسية في هذا إلى حد تحريم ربا الفضل ابعاداً لشبح العقلية الربوية والمشاعر الربوية من بعيدٍ جدا ، وإن كل عملية ربوية حرام ، سواء جاءت في الصور التي عرفتها الجاهلية ، أم استُحدِثت لها أشكالٌ جديدة ، ما دامت تتضمن العناصر الأساسية للعملية الربوية ، أو تتسم بسمة العقلية الربوية ، وهي عقلية الأثرة والجشع والفردية والمغامرة " .