إن
الإرهاب الإسرائيلي كان وما يزال أحد المقومات الأساسية للحركة الصهيونية ، وقد
اقترن إنشاء دولة إسرائيل باستخدام أبشع أشكال الإرهاب ضد الفلسطينين ، من طرد
وتعذيب ومصادرة للأراضي ، وقد أخذت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الإرهاب فكراً
وممارسة ، ولم يكن من المستغرب أن يكون الإرهاب هو السمة البارزة للكيان الصهيوني
، فقد برع زعمائه بما لهم من خبرة في هذا المجال بداية من بيغن وانتهائاً بإولمرت
، وتتواصل هذه الممارسات حيث أوغلت إسرائيل في عدوانها على الشعب الفلسطيني ،
فقتلت وهدمت واقتلعت وحاصرت وأرهبت وصادرت ، وكان رد الفعل أن أشبعها العرب
والمسلمون نقداً ، وهي تواصل عملها ويواصلون كلامهم ونقدهم ، يقفون عند هذا الحد
ولا يتعدونه .
لا
أحد يستطيع الإحاطة بتفاصيل الجريمة المروعة ، فالدم يمتد على مساحة فلسطين ، وما
ترصده وسائل الإعلام من جرائم وعمليات قتل ليس سوى جزء يسير من ممارسات اليهود
البشعة بحق الشعب الفلسطيني الأعزل ، حيث المشاهد الدامية التي تهز المشاعر
والقلوب ، إذ يقومون بتصعيد العنف ، ويهيئون المسرح العالمي للظهور بأنهم الضحية ،
مما يستلزم وجود ردات فعل يائسة ، والصهيونية تجرجر شعوب العالم ، والمسلمون من
بين هذه الشعوب إلى مواقف خطرة ، تدفعهم إلى اليأس والإحباط ، وتوصف ردود فعلهم
على شكل إرهاب إسلامي لتواجه أكبر حملة
إعلامية ظالمة ضده ، وأكبرها من الغرب الذي يصف أتباع الإسلام بالتطرف ، أضف إلى
ذلك تشويه الكثير من أحكام الإسلام ، ورغم ذلك يشق الإسلام طريقه بقوته ، وليس
بفضل الأموال التي تنفق ولا الكنائس الفخمة التي تُشاد ، ثم لا تجد من يزورها ،
حتى قيل : إن النصرانية دعوة بلا دين والإسلام دين بلا دعوة .
إننا على ثقة بأن الإسلام سيسود يوماً ، رضي الأعداء أم سخطوا
، اتهموا المسلمين بالإرهاب أم لم يتهموا ، فوعد الله بنصر دينه قائم قال تعالى
:{سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق , أو لم يكف بربك
أنه على كل شيء شهيد }فصلت 53
.
إن الدعم بالمال والسلاح على أشده لإسرائيل ، بينما المسلمون
تسيل دماؤهم ولا يجدون يدا تمتد إليهم ، فهل يا ترى دمهم نفيس ودمنا رخيص ، وهل يصدق
فينا قول القائل :
قتل امرئ
في غاية جريمةٌ لا تُغْتفَر
وقتل شعب
آمن مسألةٌ فيها نظر
إنهم
يعاملونا أسوأ معاملة ، فكل حسن مأخوذ من الغير ، وكل قبيح يشنّع به علينا ، ومع
أنهم يعلمون أن الإسلام ينبذ الإرهاب ولا يقرّه ، لكنه يحارب الظلم والاعتداء ، إلا
أنهم يصفونه بالإرهاب ، ثم تقام الدنيا وتقعد إذا ما نالهم اعتداء بينما لا يحرّك ساكناً إذا كنا نحن المعتدى
علينا . أليس ما يفعله اليهود
في فلسطين إرهاباً واعتداءً صارخا ؟ فلماذا لا يقال إرهاب صهيوني , بينما إذا ما
استعمل السلاح مسلماً صرّح الإعلام بأن ذلك إرهاب إسلامي ، وكأن الإرهاب صار حكراً
على المسلمين في الإعلام الغربي ، وحيثما حصل انفجار أو أطلقت رصاصة يسارعوا إلى
إسناد الفعل للمسلمين ، قبل أن يعرف الفاعل فلماذا يحصل هذا ؟ يحصل هذا في تقديري
لأنها شهادة مزورة تتعافى منها رائحة العنصرية النتنة ، ولأن الأمة من جهة أخرى
واقعة في مناخ الفتنة والهزيمة النفسية ، وتربية حواس الذل في الأمة ، والتطبيع
على الهزيمة والمنكر وتأليفه للنفوس ، وانعكاس هذا التطبيع على فهم النصوص الداعية
إلى القوامة على الحق والتضحية في سبيله والجهاد من أجله وتأويل النصوص الشرعية بما يكرِّس الهزيمة
ويوطِّن الفساد ويمكن له في الأرض ، ويؤذن بتتابع الأزمات وخراب البلاد في وقت
تتلاعب الدول الكبرى بالقوانين وفقاً لحاجاتها ولإثبات
شرعية هيمنتها إذا ما تعرضت لأي اهتزاز ، مما هيء الظروف لليهود أن يمارسوا القتل
والتخريب دون رادع ولأن الساحة خلت من رجلٍ كصلاح الدين الذي التزم الصمت وما ضحك
أبداً ، والقدس في قبضة الصليبين ، وعندما سأله احد قادته عن ذلك قال : إنني استحي
من الله أن أضحك ومدينة القدس أسيرة بين يدي الصليبين .
إن
الأمة غافلة عما يراد بها من كيد ، وما دامت في غمرة الرجفة ، فعسير إن لم نقل
مستحيل أن تدرك واقعها . وما دام الذي يبـرز في الميدان هو صورة الإسلام لا حقيقته
، فلا غرابة أن تنهزم الصورة ، وإن اعتقد الناس أنها هزيمة الإسلام وخذلانه ، فذلك
لأن الناس تجاهلوا أن حقيقة الإسلام لم تتقدم إلى الحرب في كل الحروب التي خاضها
المسلمون في هذا العصر وها
هي غزة تنادي أين أنتم يا أحباب محمد صلى الله عليه وسلم , أين أهل المروءات , أين
الذين لا ينامون على الضيم ولا يقبلون
بالهوان ، أين الذين يتحركون غيرة ونصرة لإخوانهم في الدين ؟ إن
تواتر الصدمات وشدتها يفقد بعض الناس الحكمة ، ويجعلهم صيدا سهلا للإحباط واليأس ،
وبعض الصدمات حين تصيب الشعوب في كرامتها ، فإن لها جرحا في النفس تصعب معالجته ، وما
أقسى الشعور بالعجز حين تصحبه الإهانة وجرح الكرامة ، الذي يتمثل في حصار غزة ،
ويتمثل في صمت العالم ، واستبداد الطغاة بحقوق أخوة لنا حوصروا ومنع عنهم الغذاء
والدواء الكهرباء ، وبين ذلك عجز شعبي عريض ، وصراخ أطفال شديد ، فضح تشدق الغرب
بمفهوم حقوق الإنسان ، فمن المسارعة إلى تبنى أجندة واشنطن والكيان الصهيوني ، إلى
منع تحويل أموال الفلسطينيين إليهم إلى
المشاركة في عقاب شعب ، إلى وصم جهاده بأنه إرهاب مع غض الطرف عن ممارسات الكيان
الصهيوني ، وحصار غزة أكبر شاهد على ذلك .
ومع ذلك فإن الأمل باق ، وإن هم يريدون أن ييأس العرب ، ويطفئوا جذوة
الجهاد في فلسطين ويريدون أن تركع الأمة ، لكن الأمل باق...باق لأن الحق
معنا...باق لأن غدا ليس كاليوم...باق لأن في الأمة مجاهدين رغم تثبيط العجزة
والقاعدين...باق بميلاد أجيال باتت تعشق الجهاد ، والموت في سبيل الله أحب إليها
من الحياة...باق حيث طمأننا النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقال: ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق . لا
يضرهم من خذلهم . حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ) رواه مسلم
وقال
صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين
لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء فهم كالإناء بين الأكلة حتى يأتيهم أمر
الله وهم كذلك قالوا يا رسول الله وأين هم قال ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس )
حديث
صحيح خرجه الألباني من رواية ابن جرير الطبري.
سينتهي
حصار غزة إن اليوم أو غدا لكن يأبى الله إلا أن يفضح العجزة والمثبطين ومن يمشون
في ركابهم .
ولأهلنا
في غزة نذكرهم بالصبر وبحصار الكفر للنبي محمد عليه السلام في شعب أبى طالب ونضع
بين أعينهم قول الله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ
وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }آل
عمران200
اليوم
ونحن نشاهد العالم يتآمر مرة أخرى على شعب غزة المغلوب على أمره ، بعزله عن بقية
العالم الإنساني ، فغزة تعيش اليوم وضعاً مأساوياً بكل معاني الكلمة . فالأوضاع
الاقتصادية والطبية والبيئية والإنسانية في غزة بسبب الحصار الاقتصادي والعسكري من
إسرائيل ، وبسبب القطيعة مع المجتمع الدولي إضافةً إلى استمرار الاعتداءات الوحشية البربرية
الهمجية الإسرائيلية على قطاع غزة ، أسوأ مما يتخيله أحد ، إذ ربما أعطت الأوضاع
في قطاع غزة اليوم تفسيراً واقعياً لمعنى «الحالة الكارثية». فغزة تموت اليوم
جوعاً ومرضاً ودماراً بيئياً ، حيث يعيش جل مواطنيها تحت خط الفقر ، وإن أقسى شيء
يلاحظه المرء ، هو أن عداد موتى الجوع في غزة – والذين جاوزوا العشرات إلى المئات-
ما يزال في ازدياد يومي في عالم يكاد يموت من التخمة! ذلك أن تجويع شعب بكامله ،
ومنع الغذاء والدواء عنه هو بمثابة ما يعرف في القانون الدولي بـ «جريمة إبادة»،
وغني عن القول أن المسؤولية القانونية الدولية لهذا الجرم لا تقف عند دولة
الاحتلال ، وإنما تطاول كل من يشارك في هذا الحصار ، بل إن النظام الأساسي للمحكمة
الجنائية الدولية حدد أحد عشر نوعاً من الأفعال التي يمكن أن
تعتبر «جرائم ضد الإنسانية» إذ شمل النوع الثاني منها جرائم الإبادة ، التي تشمل
«حرمان أشخاص من الطعام أو الدواء بنيّة إهلاك جزء منهم». فالتجويع تبعاً لهذا
التعريف يدخل تحت «جريمة الإبادة» التي هي من أخطر جرائم القانون الدولي اليوم.
ولعل
السؤال الذي ينتظر الأمة العربية هو : هل سينتظر العرب إلى أن يتم القضاء على كل
من بداخل غزة ليكون لدينا دليل آخر على جرائم إسرائيل ضد الإنسانية؟! ألم يحن
الوقت بعد لكسر هذا الحصار الظالم ؟ إن لم يكن تبعاً لمسؤوليتنا الدينية فليكن تبعاً للمسؤولية القانونية ؟
واقع
الحال اليوم ، أن هناك حاجة للتحرك على جميع المستويات العربية والإسلامية :
حكومية وشعبية وإعلامية ، وعلى مستوى المنظمات الرسمية وغير الرسمية ، لأن الطغاة
يدركون أن حربهم موجهة في عنفها ، وشراستها ضد الإسلام وعقيدته ، لإبعاد المسلم عن دينه وإيمانه ، لأنهم يعلمون أن
الإسلام هو الخطر الأكبر ، الذي يمحق الغزاة والمتآمرين ، عرفوا ذلك وتجاهلناه نراوح بين الرفض والقبول ، ولا نعرف ماذا نقول
لأمّة ابتعدت عن الدين ففقدت الحافز وفقدت الإيمان . وما علينا أن نوطن أنفسنا ،
بسلاح التقوى واليقين ، ونتلمس طريقنا من جديد ونهتف
كما هتف آباؤنا الله أكبر والعزة للمؤمنين { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق