الاثنين، 10 نوفمبر 2014

عاقبة ظلم الدول




قال تعالى } وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا { الكهف.  
إن الأمم والدول لا يدوم لها سلطانها وملكها مع الظلم والطغيان ؛ لأن من أعظم أسباب زوال الدول وسلطانها وملكها ، الظلم وغياب العدل ، والدول القوية في هذا الزمان  لم تنظر كيف كان عقاب الذين من قبلهم ، وبهذا تكون عدوة نفسها وليس هناك أجهل من دولة يضل سعيها في الحياة وتدمر نفسها ، وهي تحسب أنها تحسن صنعا , فقد حرم الله الظلم والدولة التي تظلم نفسها وتبيح سياسة الظلم هي من حيث لا تشعر تدمر نفسها ، وقد اختارت أمريكا أن تكون على خطى الدول التي أهلكها الله  ، وأزالها من الوجود ، عقوبة لها على محاربتها للإسلام وأهله ، وهاهي إلى جانـب جشعها الربوي العالمي الذي وعد الله تعالى بمحقه ، نرى طغيانها العظيم   والذي بلغ بها أن تسلَّطت على لقيمات المحاصرين وجرَّدتهم من كلِّ صدقة تأتيهم من الدول الإسلامية ، فعملت على تجميد أرصدة الدعم الخاصة بهم ، فجمَّد الله تعالى أموالها ، ودأبت على إغلاق الجمعيات الخيرية الإسلامية ، وملاحقة المتصدِّقين  وتجاهلت العالم وشنت حربها على بلاد المسلمين لنهب ثرواتهم بغياً وظلماً بغير وجه حق ، لذا فالمتوقع بحسب سنة الله في الدول التي خلت من قبلها ، أن يكون هذا بداية الهلاك وبداية النهاية لها .
قال أحد الكتاب الأمريكيين الناصحين في رسالة إلى الرئيس الأمريكي " وعلى الرغم من أننا دوما نصنف المجتمعات الأخرى ، ونصفها بأنها تمثل دول الشر فإننا نحن أنفسنا أصبحنا أكبر دولة للشر , أصبحنا لا نحترم المعاهدات الدولية , ونطأ بأقدامنا المحاكم الدولية , ونوجه ضربات أحادية الجانب لأي جهة نختارها , ونعطي أوامر للأمم المتحدة ولا نقوم بواجباتنا تجاهها , نشتكي من الإرهاب وإمبراطوريتنا هي أعظم دولة إرهابية وجه الأرض " وهذا في تقديري يؤذن بزوال ملكها وسيطرتها قال تعالى : ) قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنـزع الملك ممن تشاء ( آل عمران  .
إن الله مالك الملك بلا شريك وهو يُمَلِّك من يشاء ما يشاء من ملكه ، يُمَلِّكُه إياه تمليك عارية ، يستردها ممن يشاء عندما يشاء وليس لأحد ملكية أصيلة يتصرف فيها على هواه ، إنما هي ملكية معارة له ، خاضعة لشروط المملك الأصلي وتعليماته  فإذا تصرَّف المستعير فيها تصرفاً مخالفاً لشرط المالك ، وقع هذا التصرف باطلا ، وتحتم على المؤمنين رده في الدنيا ، أما في الآخرة فهو محاسب على باطله ومخالفته لشرط المملِّك صاحب الملك الأصيل .
إن الله يؤتي الملك من يقوم به ، ولا ينـزعه إلا ممن فسق عن أمر ربه يقول تعالى : ) لا ينال عهدي الظالمين ( البقرة 124 . فالملك لله سبحانه وتعالى ، ولا يظن إنسان انه ملك شيئاً أو جاهاً في هذه الدنيا بغير مراد الله ، فإذا انحرف العباد فلا بد أن يولى الله عليهم ملكاً ظالماً . لماذا ؟ لأن الأخيار قد لا يحسنون تربية الناس قـال تعالى : ) وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون ( الأنعام 126 . وكأن الله يقول سوف أضع ولاية ظالم أكبر ، على هذا الظالم الصغير لينتقم منه ، فالله هو المتصرف في ملكه ، وحين يخرج الناس عن طاعة الله ، فإن الله يسلط عليهم الحاكم الظالم   ولا يظن ظانٌ أن أحداً قد أخذ الملك غصباً من الله ، إنما الملك يريده الله لمن يؤدب به العباد   وإن ظلم المَلِكُ في التأديب ، فإن الله يبعث له من يظلمه ، ومن رأى ظلم هذا المَلِك أو ذاك الحاكم ، فمن الجائز أن يريه الله هذا أو ذاك مظلوما قال تعالى : ) وتنـزع الملك ممن تشاء (   ينبهنا الله إلى أن هؤلاء المتشبثين بكراسي الحكم ، نسو أن الله قادر على أن ينـزع ملكهم متى شاء . وقف أبو عبد الله آخر ملوك غرناطة بعد انكساره أمام جيوش فرديناند وإيزابيلا على شاطئ الخليج الرومي ، وهي تحت ذيل جبل طارق قبل نزوله إلى السفينة المعدة لحملة إلى إفريقيا ، وقد وقف حوله نساؤه وأولاده وعظماء قومه من بني الأحمر ، فألقى على ملكه الذاهب نظرةً طويلة ، وأنشأ يبكي بكاءً مرّاً ، حتى بكى كلُّ من حوله لبكائه ، وقد أحس هاتفاً يهتف باسمه ، فرفع رأسه فإذا شيخ ناسك متكئ على عصاه ، واقف على باب مغارة من مغارات الجبل المشرف عليه ، ينظر إليه ويقول : نعم لك أن تبكي أيها الملك الساقط على ملكك بكاء النساء ، فإنك لم تحتفظ به احتفاظ الرجال ، لقد ضحكت بالأمس كثير ، فابك اليوم بمقدار ما ضحكت بالأمس ، فالسرور نهار الحياة  والحزن ليلها ، ولا يلبث النهار الساطع أن يعقبه الليل القاتم ، لو أن ما ذهب من يدك من ملك ، ذهب بصدمة من صدمات القدر  ونازلةٍ من نوازل القضاء ، من حيث لا حول لك في ذلك ولا حيلة ، لهان أمره عليك ، أما وقد أضعته بيدك فابك عليه بكاء النادم المتفجِّع ، الذي لا يجد له من مصابه عزاء ولا سلوى ، لي سبعة أعوام انتظر فيها هذا المصير ، الذي صرتم إليه ، وأترقب الساعة التي أرى فيها آخر ملك من ملوك بني الأحمر ، يرحل عن هذه الديار رحلة لا رجعه بعدها ، لأن المُلْك الذي يتولى أمره الجاهلون الظالمون لا دوام له ولا بقاء . وكان مما قاله ... ستقفون غداً بين يدي الله يا ملوك الإسلام ، وسيسألكم عن الإسلام الذي أضعتموه ، وهبطتم به من علياء مجده ، حتى ألصقتم أنفه بالرغام ، وسيسألكم عن المسلمين الذين أسلمتموهم بأيديكم إلى أعدائكم ، ليعيشوا بينهم عيش البائسين المستضعفين ، وسيسألكم الله عن الأولاد الذين سقتموهم إلى ميادين القتال ليقاتلوا إخوانهم المسلمين قتالاً لا شرف فيه ولا فخار "  
وها نحن نرى الأعداء بقوتهم وغطرستهم وباطلهم الذي صنعوه  يحاكمون ويحكمون ويتوعدون رجالاتنا بلا خوف ولا وجل  فلهم الحق أن يفعلوا ما يشاءون ، فقد خلا لهم وجهُ البلاد  وأصبحوا أصحاب القوة والسلطان فيها ، وللسلطان عزٌّ لا يبالي بعهد ولا وفاء ، إنهم يتعاملون مع شعوبنا تعامل الأقوياء مع الضعفاء ، إنه سيف قاطع ، وغلٌّ ملتف على الأعناق  لأنهم الأقوياء ونحن الضعفاء ، فليصنعوا ما يشاءوا ، لأنه الحق الذي خولته لهم قوتهم ، فملكوا علينا مشاعرنا وعقولنا ، حتى لا ندين إلا بما يدينون ، لأنا عجزنا عن أن نكون أقوياء ، فنالنا ما ينال الضعفاء ، ظلمنا أنفسنا وقد تعهد الله أن ييُسَّر الله للظالم من يؤدبه ، قال تعالى : ) وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون( الأنعام 129 .  فإذا أراد الله أن يؤدب ظالماً لا يأتي له بواحدٍ من أهل الخير ليؤدبه ، فالله سبحانه بتكريمه لأهل الخير ، لم يجعل منهم من يكون في مقام من يؤدب الظالم ، إنها إرادة الله أن يجعل أهل الخير في موقف المتفرج ، على تأديب الظالمين بعضهم ببعض ، وعلى مدار التاريخ فقد صنع الظالمون بعضهم في بعض الكثير ، بينما لو تمكن منهم أعداهم الحقيقيون   لرحموهم لأن قلوبهم مملوءة بالرحمة , فكان على الطاغية أو الحاكم المستبد أن لا يظن أنه أخذ الحكم بذكائه أو بقوته ، بل إن الله جاء به ليؤدب الظلمة ، بدليل أنه ساعة يريد الله أن تنتهي هذه المسألة ، فالله بجلاله ينـزع المهابة من قلوب حرّاسه   وبدلا من أن يدافعوا عنه بالبندقية يصوبها عليه ، فلا يظن ظان أن مَلِكا يأخذ الُمْلك قهراً عن الله ، والعباد إذا ظلموا وطغوا  يسلط الله عليهم من يظلمهم وقد قيل   "الظالم سيف الله في الأرض ينتقم به وينتقم منه "   فكأن ما سلَّطه الله على الناس من شر إنما هو نتيجة لأعمالهم ، وقديماً قيل : " وما من ظالمٍ إلا سيبلى باظلم " .  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق