قال تعالى }
وتلك القرى
أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا {
الكهف.
إن الأمم والدول لا
يدوم لها سلطانها وملكها مع الظلم والطغيان ؛ لأن من أعظم أسباب زوال الدول
وسلطانها وملكها ، الظلم وغياب العدل ، والدول
القوية في هذا الزمان لم تنظر كيف
كان عقاب الذين من قبلهم ، وبهذا تكون عدوة نفسها وليس هناك
أجهل من دولة يضل سعيها في الحياة وتدمر نفسها ، وهي تحسب أنها تحسن
صنعا , فقد حرم الله الظلم والدولة التي تظلم نفسها وتبيح سياسة الظلم هي من حيث
لا تشعر تدمر نفسها ، وقد اختارت أمريكا أن تكون على خطى الدول التي أهلكها الله ، وأزالها من الوجود ، عقوبة لها على
محاربتها للإسلام وأهله ، وهاهي إلى جانـب جشعها الربوي العالمي الذي وعد الله
تعالى بمحقه ، نرى طغيانها العظيم والذي بلغ بها أن تسلَّطت على لقيمات
المحاصرين وجرَّدتهم من كلِّ صدقة تأتيهم من الدول الإسلامية ، فعملت على تجميد
أرصدة الدعم الخاصة بهم ، فجمَّد الله تعالى
أموالها ، ودأبت على إغلاق الجمعيات الخيرية الإسلامية ، وملاحقة المتصدِّقين
وتجاهلت العالم وشنت حربها على بلاد
المسلمين لنهب ثرواتهم بغياً وظلماً بغير وجه حق ، لذا فالمتوقع بحسب سنة الله في
الدول التي خلت
من قبلها ، أن يكون هذا بداية الهلاك وبداية النهاية لها .
قال أحد الكتاب الأمريكيين
الناصحين في رسالة إلى الرئيس الأمريكي " وعلى الرغم من أننا دوما نصنف
المجتمعات الأخرى ، ونصفها بأنها تمثل دول الشر فإننا نحن أنفسنا أصبحنا أكبر دولة للشر ,
أصبحنا لا نحترم المعاهدات الدولية , ونطأ بأقدامنا المحاكم الدولية , ونوجه ضربات أحادية
الجانب لأي جهة نختارها , ونعطي أوامر للأمم المتحدة ولا نقوم بواجباتنا
تجاهها , نشتكي من الإرهاب وإمبراطوريتنا هي أعظم دولة إرهابية وجه الأرض " وهذا في تقديري يؤذن بزوال ملكها
وسيطرتها قال
تعالى : ) قل اللهم مالك الملك
تؤتي الملك من تشاء وتنـزع الملك ممن تشاء (
آل عمران .
إن الله مالك الملك
بلا شريك وهو يُمَلِّك من يشاء ما يشاء من ملكه ، يُمَلِّكُه إياه تمليك عارية ،
يستردها ممن يشاء عندما يشاء وليس لأحد ملكية أصيلة يتصرف فيها على
هواه ، إنما هي ملكية معارة له ، خاضعة لشروط المملك الأصلي وتعليماته فإذا تصرَّف المستعير
فيها تصرفاً مخالفاً لشرط المالك ، وقع هذا التصرف باطلا ، وتحتم على المؤمنين رده
في الدنيا ، أما في الآخرة فهو محاسب على باطله ومخالفته لشرط المملِّك صاحب الملك
الأصيل .
إن الله يؤتي الملك
من يقوم به ، ولا ينـزعه إلا ممن فسق عن أمر ربه يقول تعالى : )
لا
ينال عهدي الظالمين ( البقرة 124 . فالملك لله سبحانه
وتعالى ، ولا يظن إنسان انه ملك شيئاً أو جاهاً في هذه الدنيا بغير مراد الله ،
فإذا انحرف العباد فلا بد أن يولى الله عليهم ملكاً ظالماً . لماذا ؟ لأن الأخيار
قد لا يحسنون تربية الناس قـال تعالى : )
وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون (
الأنعام
126
. وكأن الله يقول سوف أضع ولاية ظالم أكبر ، على هذا الظالم الصغير لينتقم منه ،
فالله هو المتصرف في ملكه ، وحين يخرج الناس عن طاعة الله ، فإن الله يسلط عليهم
الحاكم الظالم ولا يظن ظانٌ أن أحداً قد
أخذ الملك غصباً من الله ، إنما الملك يريده الله لمن يؤدب به العباد وإن ظلم المَلِكُ في التأديب ، فإن الله يبعث
له من يظلمه ، ومن رأى ظلم هذا المَلِك أو ذاك الحاكم ، فمن الجائز أن يريه الله
هذا أو ذاك مظلوما قال تعالى : )
وتنـزع
الملك ممن تشاء (
ينبهنا الله إلى أن هؤلاء المتشبثين بكراسي
الحكم ، نسو أن الله قادر على أن ينـزع ملكهم متى شاء . وقف أبو عبد الله آخر ملوك
غرناطة بعد انكساره أمام جيوش فرديناند وإيزابيلا على شاطئ الخليج الرومي ، وهي
تحت ذيل جبل طارق قبل نزوله إلى السفينة المعدة لحملة إلى إفريقيا ، وقد وقف حوله
نساؤه وأولاده وعظماء قومه من بني الأحمر ، فألقى على ملكه الذاهب نظرةً طويلة ،
وأنشأ يبكي بكاءً مرّاً ، حتى بكى كلُّ من حوله لبكائه ، وقد أحس هاتفاً يهتف
باسمه ، فرفع رأسه فإذا شيخ ناسك متكئ على عصاه ، واقف على باب مغارة من مغارات
الجبل المشرف عليه ، ينظر إليه ويقول : نعم لك أن تبكي أيها الملك الساقط على ملكك
بكاء النساء ، فإنك لم تحتفظ به احتفاظ الرجال ، لقد ضحكت بالأمس كثير ، فابك
اليوم بمقدار ما ضحكت بالأمس ، فالسرور نهار الحياة والحزن ليلها ، ولا يلبث النهار الساطع أن يعقبه
الليل القاتم ، لو أن ما ذهب من يدك من ملك ، ذهب بصدمة من صدمات القدر ونازلةٍ من نوازل القضاء ، من حيث لا حول لك في
ذلك ولا حيلة ، لهان أمره عليك ، أما وقد أضعته بيدك فابك عليه بكاء النادم
المتفجِّع ، الذي لا يجد له من مصابه عزاء ولا سلوى ، لي سبعة أعوام انتظر فيها
هذا المصير ، الذي صرتم إليه ، وأترقب الساعة التي أرى فيها آخر ملك من ملوك بني
الأحمر ، يرحل عن هذه الديار رحلة لا رجعه بعدها ، لأن المُلْك الذي يتولى أمره الجاهلون
الظالمون لا دوام له ولا بقاء . وكان مما قاله ... ستقفون غداً بين يدي الله يا
ملوك الإسلام ، وسيسألكم عن الإسلام الذي أضعتموه ، وهبطتم به من علياء مجده ، حتى
ألصقتم أنفه بالرغام ، وسيسألكم عن المسلمين الذين أسلمتموهم بأيديكم إلى أعدائكم
، ليعيشوا بينهم عيش البائسين المستضعفين ، وسيسألكم الله عن الأولاد الذين
سقتموهم إلى ميادين القتال ليقاتلوا إخوانهم المسلمين قتالاً لا شرف فيه ولا فخار
"
وها نحن نرى الأعداء
بقوتهم وغطرستهم وباطلهم الذي صنعوه يحاكمون
ويحكمون ويتوعدون رجالاتنا بلا خوف ولا وجل فلهم الحق أن يفعلوا ما يشاءون ، فقد خلا لهم
وجهُ البلاد وأصبحوا أصحاب القوة والسلطان
فيها ، وللسلطان عزٌّ لا يبالي بعهد ولا وفاء ، إنهم يتعاملون مع شعوبنا تعامل
الأقوياء مع الضعفاء ، إنه سيف قاطع ، وغلٌّ ملتف على الأعناق لأنهم الأقوياء ونحن الضعفاء ، فليصنعوا ما
يشاءوا ، لأنه الحق الذي خولته لهم قوتهم ، فملكوا علينا مشاعرنا وعقولنا ، حتى لا
ندين إلا بما يدينون ، لأنا عجزنا عن أن نكون أقوياء ، فنالنا ما ينال الضعفاء ،
ظلمنا أنفسنا وقد تعهد الله أن ييُسَّر الله للظالم من يؤدبه ، قال تعالى : )
وكذلك
نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون(
الأنعام
129
. فإذا أراد الله أن يؤدب ظالماً لا يأتي
له بواحدٍ من أهل الخير ليؤدبه ، فالله سبحانه بتكريمه لأهل الخير ، لم يجعل منهم
من يكون في مقام من يؤدب الظالم ، إنها إرادة الله أن يجعل أهل الخير في موقف
المتفرج ، على تأديب الظالمين بعضهم ببعض ، وعلى مدار التاريخ فقد صنع الظالمون
بعضهم في بعض الكثير ، بينما لو تمكن منهم أعداهم الحقيقيون لرحموهم
لأن قلوبهم مملوءة بالرحمة , فكان على الطاغية أو الحاكم المستبد أن لا يظن أنه
أخذ الحكم بذكائه أو بقوته ، بل إن الله جاء به ليؤدب الظلمة ، بدليل أنه ساعة
يريد الله أن تنتهي هذه المسألة ، فالله بجلاله ينـزع المهابة من قلوب حرّاسه وبدلا
من أن يدافعوا عنه بالبندقية يصوبها عليه ، فلا يظن ظان أن مَلِكا يأخذ الُمْلك
قهراً عن الله ، والعباد إذا ظلموا وطغوا يسلط الله عليهم من يظلمهم وقد قيل "الظالم سيف الله في الأرض ينتقم به
وينتقم منه " فكأن ما سلَّطه الله
على الناس من شر إنما هو نتيجة لأعمالهم ، وقديماً قيل : " وما من ظالمٍ إلا
سيبلى باظلم " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق