العداوة
في هذه الحياة سنة قائمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وليست هذه العداوة
بالضرورة مبنية على خطأ ممن نُصبت له العداوة ، ولا على ظلم ولا على اعتداء ، بل
إن الله تعالى المتفضل على عباده بكل خير ، له من خلقه أعداء ، كما قال الله عز
وجل: { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ
وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ }98 سورة البقرة .
والرسل
عليهم الصلاة والسلام لهم أعداء ولهذا قال الله عز وجل: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا
لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا
وَنَصِيرًا }31 سورة الفرقان .
وحتى
الأنبياء الذين لم يكن لهم تابع فقد كان لهم أعداء يحاربونهم ، قال الله تعالى { وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي
بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا
فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} 112 سورة الأنعام.
وهذا يُبين سبب خلق النار، وما فيها من السعير والعذاب لأن النار أعدت لهؤلاء
الذين فسدت فطرهم ، وخربت عقولهم وتحجرت
قلوبهم ، قال الله تعالى: { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ
الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا
يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ
كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }179
سورة الأعراف
. فهذه قاعدة لابد من فهمها وبيانها ، فمهما حاولت وجادلت وتحريت وتلطفت
واستخدمت من الأساليب والطرق ؛ فلن تعدم عدواً ولن يعدم المؤمن أحداً يؤذيه حتى ولو كان على
قمة جبل:
ولستُ بناجٍ من مقالة شانئٍ ولو
كنت في رأسٍ على جبل وعر
ولكننا
نجد عداوة الأعداء مهما وجد بينهم من التباغض والتناقض والتباعد ، فإنهم إذا ما واجهوا
الإسلام والمسلمين وحدوا صفوفهم في مواجهتهم ، وينسون العداوات فيما بينهم ألا ترون تحالف القوى العظمى ضد الإسلام وقد
اتفقوا على إظهار العداوة لهذا الدين قال تعالى :{قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ
مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } 118
سورة آل عمران .
وإذا
نظرنا اليوم إلى عدونا، وقد تسلل إلى بلاد الإسلام كلها فعلينا
أن نلوم أنفسنا ، وأن ندرك أنه ما كان هذا ليحدث لولا أننا تخلينا عن كتاب ربنا
ومنهج نبينا .
فحين
نقرأ عن خطط أعداء الإسلام ودراساتهم واحتياطاتهم نحس بعمق الكيد، وخبثه، ودهائه ،
وأنهم يحسبون لكل شيء حساباً ، ويدبرون أدق التدبير وأعظمه ، فلهم حيل وأساليب
خفية لايدركها أكثر الناس وهنا نتذكر قول الله تعالى:{ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ
لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ }46 سورة إبراهيم . يعني
: هو مكر دقيق لو بلغ أثره وتحقق مقصده؛ لزالت الجبال لسببه ، لكننا نجد أن الجبال
باقية في مكانها، إذاً مكرهم دقيق وبعيد ، ولكن آثاره أقل مما يدبرون ويمكرون
ويتصورون.
وإذا نظرنا في المقابل إلى الآيات الأخرى التي
تتكلم عن ضعف كيدهم الذي قال الله عنه الله تعالى : {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ
كَانَ ضَعِيفًا} 76 سورة النساء .وجدت
مصداق ذلك هذه الأيام في أعمال كثيرة ، ظنوا أنها بأيديهم ، فإذا بالأمر يكون خلاف
ما يتوقعون ، ونكتشف ضعف كيدهم ووهنه ، وكثرة ثغراته في أمور ورد ذكرها في
تقرير راند 2007
وقد تجلى في تقديم رؤية ثقافية في حلحلة المعضلة "الإسلامية" التي تقض
مضاجع الأمريكيين إثر استراتيجية عسكرية بحتة أخفقت في العراق وأفغانستان ، وقد
أظهرت من خلال الواقع أن نشر الأمركة عبر طائرات الشبح وقاذفات بي 52، ليست ذات
جدوى حقيقية في كسر شوكة هذه الأمة المسلمة ، وأنه بعد أربع سنوات من الإخفاق ، لابد من تقديم حلول جديدة
تستبصر طريقها عبر المعطيات الجديدة ، التي أوجدتها الحروب على الأرض ، كما أوجدها
الإخفاق في سياسة اقترحها تقرير راند 2004 وتتمثل في استهداف
من أسماهم بالمتطرفين الإسلاميين والتشجيع
"الظاهري" للدول العربية على نشر "الديمقراطية" فيما عرف
بـ" الشرق الأوسط الجديد" عبر "معتدلين"، ومن ثم ؛ فإن روح
التقرير تهدف إلى التغلغل لتغيير بنية المسلمين الثقافية بدلاً من الاقتصار على
حقل كانت تسعى للعمل داخله في الماضي ، وهو كسر شوكة "المتطرفين" وحدهم
، وهذه الروح إذن تحمل معنى "المراجعة" وتنادي به وإن لم تذكر ذلك صراحة
لسياسة لم يكتب لها النجاح من قبل خلال سنوات قليلة لا تزيد عن أربع سنوات .
ومؤسسة راند هذه أكبر مركز فكري في العالم ، مقرها الرئيسي في ولاية كاليفورنيا
الأميركية تقوم هذه المؤسسة بجمع أكبر قدر ممكن من
المعلومات ومن ثم تحليلها ، وإعداد التقارير والأبحاث التي تركز على قضايا الأمن
القومي الأميركي في الداخل والخارج .
إن
مما لاشك فيه أن الغفلة عن ألوان الخداع التي يمارسها الأعداء للإسلام الذين
يملكون الإعلام، والاقتصاد ، والتصنيع والإدارة ، والغفلة عن خططه التي تؤدي إلى
الوقوع في شراكه وحبائله ، لا يمكن لنا أن
نواجهها إلا إذا وصلنا إلى درجة من الوعي والإيمان والتوكل على الله تعالى ،
والإدراك الواضح لأساليبهم وأهدافهم ، التي تتركز على الفصل بين المسلمين وبين
حقيقة دينهم ؛ بالفصل بينهم وبين القرآن، والفصل بينهم وبين المسجد ، والفصل بينهم
وبين العلماء والدعاة المخلصين مما يسهل عليهم خداع العامة، وترويج الأقاويل
الباطلة عليهم ويسهل صرف الناس عن دينهم
والتلبيس عليهم ، مع العلم بأن المشاعر الإسلامية تثور وتتحرك
لأي شيءٍ يمس عقيدتها وقد اثبتت التجربة
أن العدو أدرك أن الشعوب قابلة لأن تتحرك وتثور إذا مُسّت عقيدتها مساً مباشراً ، فإحراق
المصحف- مثلاً- أو هدم المساجد ، أو شتم الرسول صلى الله عليه وسلم أو سب
الله تعالى ؛ يثير المشاعر ، ويحرك حتى أكثر الناس بعداً عن الدين..حتى المشاعر
الخاملة تتحرك..ولهذا فلا بأس عندهم من قدر من العناية بالمصحف، وقراءته في
الإذاعة ، حتى في إذاعة إسرائيل ولندن ، وصوت أمريكا يفتتحون بالقرآن الكريم ولا بأس
أيضاً من تحلية المصحف بالذهب ، ولا بأس عند الضرورة من إنشاء معاهد تخصص للقرآن
الكريم ، شريطة أن تقتصر على مجرد اللفظ ، وإتقان القراءة والتجويد . وأما تفسير
القرآن.. والدعوة إليه ، فضلا عن المناداة بتحكيمه ، والعمل بشرائعه فهي جريمة عندهم ، وربما يصل عقابها إلى القتل
، أو ما يسمونه الإعدام ، لأن الذي ينادي بذلك خارج عن القانون ويريد
تحطيم مكتسباتهم ويريد العودة إلى عصور التخلف والرجعية. فالناس
يغضبون إذا هدم المسجد علانية ، أو أحرق المصحف ،
لكن إذا عطل في غرضه وهدفه وسبب وجوده فإن الناس ربما يغفلون ولا يتحركون ، خاصةً إذا
أحكم الكيد ونظم المكر. إنهم يعملون للحيلولة
بين الأمة وبين قرآنها وبينها وبين مسجدها، وبينها وبين علمائها بشتى
الوسائل. كما يعملون على تجفيف منابع
التدين، وتطبيع العلاقات بين الأديان -كما يسمونها- الإسلام مع اليهودية ومع
النصرانية وبالتالي تغيير المناهج الدراسية ، خاصة مناهج الدين والتاريخ ولم يسلم من هذا التغيير أي بلد . كما نجد من
يعمل على تفريق الجماعات الإسلامية وضرب
بعضها ببعض ، حتى يسلم العدو ويقف متفرجاً ، على حين يتشابك هؤلاء كما يتشابك
الصبيان فيما بينهم .
إن
الغريب قد لايستطيع ما يستطيعه القريب ، فالقريب أبلغ في المحاربة . ولذلك يجب على
دعاة الإسلام ورجاله وأهله وحملته أن يكونوا فوق مستوى الخلافات الشخصية ، وألا
يقبلوا أن يثار الخلاف إلا مع أعداء الإسلام ، أما الخلاف مع إخوانهم فيجب ألا
يستجيبوا له ، وأن يكونوا فوق مستوى الخلافات التي هي للعدو وليست للصديق. لذا
اعتبر الشرع الاتفاق والتعاون أمران مطلوبان ، وأن كل ما أدى إلى خلاف ذلك فخارج
عن الدين ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
"من القواعد العظيمة التي هي جماع الدين : تأليف القلوب واجتماع
الكلمة ، وإصلاح ذات البين . وأهل هذا الأصل هم أهل السنة والجماعة ، كما أن الخارجين
عنه هم أهل الفُرقة " . ونصوص القرآن
والسنة كثيرة في هذا الباب ، فهي تحث عليه كقوله تعالى: )
محمد
رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم...(
وإن عدم الشعور بإصلاح ذات البين هو نقص في إسلام المسلمين هذه الأيام لأن الإسلام علم وعمل، وليس مجرد قولٍ وادِّعاء
قال تعالى ) وقل اعملوا فسيرى
الله عملكم
(
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق