الاثنين، 10 نوفمبر 2014

1. الأحقاد الحقيقة والعلاج



 روى البُخاري ومُسلم عن أنس بنِ مالكٍ أن رسولِ الله  قال : ( لا يُؤمِنُ أحَدُكُمْ حتى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسه )  في هذا الحديث يبين لنا رسول الله أن الإيمان لا ترسخ جذوره في النفس، ولا يتمكن من القلب، ولا يكمل في صدر المسلم ، إلا إذا أصبح إنسان خير، بعيداً عن الأنانية والحقد، والكراهية والحسد ، جميلٌ منا أن  نسعى إلى تزكية أنفسنا بالسؤال عن طرائق البعد عن الحقد والكراهية ،  وأن نعلم أن منشأ الحقد والكراهية عادة ، هو موقف غضب ، يدفعنا للانتقام  لرد اعتبار أو مكانه  نعتقد أنها تأثرت  وحتى ندفع ذلك عن أنفسنا وقلوبنا  يجب أن ننظر إلى الأمور من حولنا نظرة الواثق الكبير في نفسه ، تقول العرب : " وليس كبير القوم من يحمل الحقدا"  نعم فالعظماء لا يبالون بأقاويل السفهاء ، ولا يلقون لها بالاً ، لأن المسلم يعفو ابتداءً ، ويتغافل عما لا يعجبه ، ويتأسى بقوله تعالى : ] ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [ فصلت:34   .  
إن علينا أن  ننظر للأمور بميزان من يعرف الدنيا      وأنها لا تخلو من الأكدار ، لتطمئن نفوسنا ، وتستريح قلوبنا ، ونجرب الإحسان إلى من يعادينا ، فإن أصرّوا على عداوتهم ، فأمثال هؤلاء لا يستحقون أن نشغل أنفسنا بهم.
أعاتب من يحلو بقلبي عتابه        وأترك من لا أشتهي أن أعاتبه
 والمتأمل في أحوالهم يجد تناقضًا ظاهرًا بين ما أوصاهم به ربهم من رعاية حقوقه وحقوق عباده   وبين ما هم عليه من تفريط في جنب الله ، وعدم رعاية حقوق عباد الله. بل إنهم  يظنون أن التقوى هي القيام بحقوق الله تعالى دون حقوق عباده ، وأن الدين قاصر على معاملة الخالق دون المخلوق  فيهملون حقوق العباد أو يقصرون فيها، ويستهينون بظلم الناس وبخسهم حقوقهم .
 ومن العجيب أنهم يحرصون على أداء الشعائر التعبدية، ويلتزمون بالمظاهر الشرعية، ويجتهدون في نوافل العبادات من صلاة وصيام وتلاوة وذكر   ولكنهم لا يولون جانب المعاملة للخلق اهتمامًا يذكر   فتجد عندهم  من الحقد والحسد، والعجب والكبر والظلم والبغضاء والشحناء، والتهاجر والتدابر والكذب والتدليس، والغش والمخادعة  وإخلاف الوعود، ونقض العهود  والقطيعة والعقوق      والولوغ في أعراض الناس، والسعي بالنميمة والإفساد، وتتبُّع العورات، والتدخل فيما لا يعني، ما يتنافى وكمال الإيمان ويتناقض مع ما هم عليه من مظاهر الصلاح والديانة!! وكأن معاملة الخلق ليست من الدين ، أو كأن ظلم الناس والتحريض عليهم ، لا حرج فيه ولا بأس ، والحقيقة أن هؤلاء يهدمون ما يبنون، ويفسدون ما يعملون، ويحبطون حسناتهم من حيث لا يشعرون، فهم يجتهدون في أداء الفرائض والنوافل نهارهم وليلهم ، وقد يصبح الواحد منهم ولا حسنة له، ويجمعون حسنات كأمثال الجبال من صلاة وصيام وصدقة وذكر وغيرها ، ثم يذهبونها بأنواع من الكبائر المتعلقة بظلم الخلق ، وسوء الظن بهم  وسوء معاملتهم . وربما عند المعادلة لا تقوم أجور صلواتهم وطاعاتهم بإثم ظلمهم للعباد ، إنها والله الخسارة الفادحة، والغبن الفاحش، والإفلاس الذي ليس بعده إفلاس!! وفي مقابل هؤلاء طائفة أخرى ليسوا في منزلتهم من الالتزام بالمظاهر الشرعية  والحرص على أداء الشعائر التعبدية لكنهم حريصون على معاملة الناس بالحسنى، ومعاشرتهم بالمعروف، من أجل كسب مودتهم، والحظوة عندهم، واتقاء شرهم، فهم يفعلون ذلك من أجل الدنيا، ولا يحتسبون الأجر فيه من الله تعالى. وينسى هؤلاء وأولئك أو يجهلون أن الخلق الحسن عبادة من أجل العبادات، وقربة من أعظم القربات، وعمل من أحب الأعمال إلى الله، وأزكاها عنده،  وأن الواجب على كل مسلم أن يحرص عليها، ويجتهد في التخلق بها ، ومن تأمل النصوص الواردة في الحث على حسن الخلق، فإنه يفاجئ بكثرة ما رتب عليه من الأجر والثواب، وما لصاحبه من المدح والثناء ورفعة المنزلة، وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة. كما أنه يعجب من غفلة كثير من الناس عن هذا الخير، وتفريطهم فيه، وحرمانهم إياه، مع أنه لا يكلفهم شيئًا يذكر، وبه يحصِّلون خيري الدنيا والآخرة.
ويا ليت هؤلاء إذ قصَّروا في القيام بحقوق العباد  ومخالقة الناس بخلق حسن، كفوا أذاهم عنهم  وطهروا أيديهم وألسنتهم من الاستطالة عليهم وبخسهم أشياءهم ، ولكنهم ـ لسوء حظهم وقلة توفيقهم ـ لا يتورعون عن ظلمهم، والتعدي على مصالحهم ، فجمعوا بين سيئتين، واحتملوا جرمين عظيمين ووقعوا في ظلم العباد من جهتين: جهة إيذائهم والعدوان عليهم وجهة التقصير في حقوقهم وما يجب لهم. ويغفلون عما يستوجبه ذلك من الإثم  والعقوبات العاجلة والآجلة، وما ورد فيه من الوعيد الشديد الذي تقشعر له الأبدان ، وترتجف له القلوب خشيةً ورهبةً. ومن هنا تظهر الحاجة الماسة لبيان كيفية معاملة الناس، وحقوق بعضهم على بعض وابتلاء بعضهم ببعض، وأن كل إنسان مبتلى بمن يقابله ويعامله من الأقربين والأبعدين، هل يتقي الله تعالى فيهم، وينصح لهم، ويقوم بحقوقهم، ويتورع عن ظلمهم والإساءة إليهم، فيفوز بمحبة الله تعالى ورضوانه، ومحبة الناس وتقديرهم أم يكون على الضد من ذلك، فيخسر الدنيا والآخرة، ويكون منبوذًا عند الله وعند الناس.
كما أن معاشرة الناس بالمعروف ومخالقتهم بخلق حسن من أعظم وسائل الدعوة إلى الله ، فما استجلبت محبة الناس بمثل الإحسان إليهم، والرفق والرحمة بهم، ولين الجانب في التعامل معهم فالمعاملة الطيبة المخلصة أوقع في النفوس من ألف خطبة ومحاضرة والأفعال هي التي تصدق الأقوال، وتكشف عن معادن الرجال، ولذلك اهتم الإسلام  بإضعافَ رُوح الحقد، وكراهيةَ الغِلِّ في الإنسان والعمل على مَلْءِ القلوب بالمَحَبَّة فقال تعالى  في وصف نعيم المؤمنين  ]ونَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلينَ [  الحجر  47.  
وليكن لسان حالنا ومقالنا: ] رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [ وإن قلت: فما الحيلة مع أصحاب العداوات: ولا يخلو إنسان من عدو وإن كان على رأس جبل؟ فالجواب: ذكر الله العلاج في أمرين: الأول: العفو عن المخطئ قال تعالى: ]  وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [ . نعلم أيها الأخوة أننا جميعاً صنعة الله والخلق كلهم عيال الله ، وما دمنا كلنا عيال الله  فعندما يسيء واحدٌ لآخر ، فإن الله يقف في صف الذي أسيء إليه ، ويعطيه من رحمته وعفوه الشيء الكثير ، وبهذا يكون المساء إليه قد كسب .
الثاني: الإحسان إليه قال تعالى:
] وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [ وهذه لا يستطيعها إلا من وطن نفسه على الصبر ولسان حاله   
 إذا كنت تغضب من غير ذنب     وتعتب من غير جرم عليَّا
طلبت رضاك فان عزَّني      عددتك ميتا وان كنت حياً
هذا هو الحاقد والحاسد الذي امتلأ قلبه حقداً أو حسداً.. لا يمكن إن يرضى عنك وسيحقد عليك دون سبب وسيزداد حقده عليك كلما تجاهلته ولكن دعه في حقده الذي سيأكله:
اصبر على حقد الحقود فان صبرك قاتله      كالنار تأكل بعضها ان لم تجد ما تأكله
ومن الناس من ينقصونك إذا زدتهم ، وتهون عندهم إذا خاصصتهم ليس لرضاهم موضع تعرفه ، ولا لسخطهم موضع تحذره ، مصداقاً لقول القائل :
لو قطعت البلاد طولا إليه      ثم من بعد طولها سرت عرضاً
لرأى ما فعلت غير كثير       واشتهى أن يزيد في الأرض أرضا
 لا أشك أن كل واحد منا  يطلب الجنة ، ولا تنال الجنة بشيء أعظم من سلامة القلب قال تعالى : ] إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ  [ الشعراء : 89  .






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق