الأحد، 26 أكتوبر 2014

الموظف الكفء والإدارة الناجحة

إن انتظام الجهاز الإداري في الدولة ، يحقق العدل ويوفرِّ الأمن ، ويوصل الحقوق إلى أصحابها ، ولا يتم ذلك إلا بأمرين .
رئاسة عادلة لا تغفل عن مكافأة المحسن ، ومعاقبة المسيء .
وموظفين أكفاء ، يملؤون وظائفهم بعلمهم  وخلقهم وأمانتهم ونشاطهم .
وتوفُّرِ هذين الأمرين في أي جهاز أدارى ، يعتبر عاملاً من أقوى عوامل الرخاء ، والعزة للأمة .
أما الرئاسة ، فهي ليست رئاسة الدولة فحسب  بل رئاسة كلِّ دائرة من دوائر الدولة ، التي ينبغي أن يتصف رئيسها بالحزم واليقظة ، لانتظام الجهاز الإداري ، لأن يقظة الرئيس في مراقبة موظفيه ، والإحاطة بسيرتهم و سلوكهم ، من أبرز مظاهر الحزم ، فالدائرة أو الوزارة التي ترزق برئيس يقظ يراقب موظفيه ، تكون من أقوى الدوائر عملاً ، وأنجحها وانفعها للناس .
أما إذا رأيت الموظف ، تتكدس أمامه المعاملات  التي تشتمل على مصالح الناس ، إن كان فيها ما يهمه لصديقٍ أو عزيز نفّذها ، وإلا تركت في زاوية الإهمال حتى يمل صاحبها ، من كثرة الترداد والمراجعة .
 وإذا رأيت من يسمو فوق القانون ، بحيث لا تعد مخالفته مخالفة ، ولا إجرامه إجراماً ، أو رأيت زيداً من الناس يسكن في مكان ما ، سرعان ما يرصف له الشارع ، ويضاء بالكهرباء ، بينما تسكن أسر وأسر من الفقراء في حيّ من الأحياء  لا يعنى في إحيائهم ولا يلتفت إليهم .
وإذا رأيت الموظف الصغير ، ذليلاً أمام الموظف الكبير ، ثم هو يطغى على عامة الناس ، كالموظف تسأله في شأن من شؤونك ، إن كان لا يعرفك رد في غلظة وجفاء ، وإن كان يعرفك أو أُوصى عليك ، بش في وجهك وأجلسك ، وطلب قهوة أو شايا .
إذا رأيت هذا أو ذاك ، فهو من غير شك ، مذلةً للشّعور ، وإذلالاً للنفس ، واستعباداً للناس   وضعفاً من الإدارة في مراقبة الموظفين ، ولن يستقيم الأمر ، حتى يقوم المسؤولون بواجبهم في مراقبة موظفيهم ، ويميلوا مع الحق حيث كان  ويعملوا على قطع دابر الرشوة والسرقة    والإهمال في الدوائر والمؤسسات ، وهو ما يشكو منه الناس . فلو خلصت النيات ، وصدقت العزائم ، وطهرت الأيدي المشرفة على جهاز الدولة الإداري ، لانمحى  أثر الفساد وزال ، وهو ما يجب أن يتصف به الموظفون ، والمسؤولون على السواء .
دخل أبو حازم على معاوية ، وحوله كبار رجال الدولة ، فقال له السلام عليك أيها الأجير   فعجب الحاضرون وقالوا : إنما هو أمير المؤمنين  فكرر نداءه بقوله : السلام عليك أيها الأجير   فعادوا ينبهونه إلى أنه أمير المؤمنين ، فقال لهم : بل هو الأجير ، ثم التفت إلى معاوية وقال له : اعلم يا معاوية ، أنك أجيرٌ لهذه الأمة ، استأجرك ربك لرعايتها ، فإن أنت أحسنت الرعاية ، وفاك ربك أجرك ، وإن أنت أسأتها عاقبك وشدد عقوبتك .
هكذا يجب أن تفهم الوظيفة في الدولة ، على أنها لخدمة الأمة ، لا استعلاء عليها وترفعاً عنها .
 كان أبو بكر يقول :إني وليت عليكم ولست بخيركم . وكان عمر يقول : إنما أنا واحد منكم ولكني أكثركم مسؤولية وواجباً .
 مثل هؤلاء الناس وبهذه المواقف ، تجعل للدولة قوتها ، وللحكم سلطانه ، وتجعل قلوب الأمة تهفوا إلى الموظفين والرؤساء ، وحين تعلم الأمة  أن الموظف يشعر بهذا الشعور ، تخضع له النفوس  وتتفتح له القلوب ، ويتملك الناس حبه ، والرهبة منه والركون إليه ، وعندما يكونوا خلاف ذلك تبعد عنهم القلوب ، وينظر الناس إليهم على أنهم سوط عذاب ، وينسون أنهم أُجراء لخدمة الأمة  وعندما يتجاهل الموظف المراجع أو صاحب المعاملة ، ويهمل واجبه تجاهه ، وينتهره إذا ما سأله ناسياً أنه مواطن من أبناء الأمة ، ينبغي ألا يُؤخِّر عمله ، وأن فنجان القهوة الذي يشربه  والصحيفة التي يقرأها أثناء دوامه ، ما ذلك إلا من وقت الوظيفة التي أخذ راتبها ، من جيب هذا المواطن الذي انتهره وأهمل معاملته ، ولولا هذا المواطن وذاك ، وما يدفعوا للدولة من ضرائب   لما قبض هذا الموظف راتبه الشهري .
إن أسوأ ما يتصف به الموظف ، هو عدم إنهاء المعاملة إلا بعد الوساطة ، وهو ما كثر هذه الأيام حتى أصبح مظهراً من مظاهر الفساد ، والذي لا يدل على إخلاص ، ولا على يقظة ضمير ، ولا خوف من الله ، وإن اللجوء إلى الوساطات لحل المشكلات وإنجاز المعاملات ، مرض اجتماعي خطير سببه فساد الجهاز الإداري والحكومي ، مما جعلنا نعذر المواطن في البحث عن الوساطات لإنجاز المعاملات .
ليذكر الموظف أن سوء الأمانة ، وسوء المعاملة  لا تزيده عند الناس إلا بغضا ، وعند الله إلا مقتا وأن الرجل الكريم ، لا تزيده الوظيفة إلا تواضعا  واللئيم لا تزيده إلا تكبرا .
لما استُخْلِف عمر بن عبد العزيز ، أرسل إلى سالم بن عبد الله ومحمد بن كعب فقال لهما : أشيرا عليّ فقال له سالم : اجعل الناس أباً وأخاً وأبناً  فيرَّ أباك واحفظ أخاك وارحم ابنك .
وقال محمد: أحبب للناس ما تحب لنفسك   واكره لهم ما تكره لنفسك .
إن ما يجري وما يحدث في دوائرنا ومؤسساتنا  ليس نتاج مجتمع إسلامي ، ولا دولة دينها الإسلام وإنما هو نتاج مجتمع آخر ، يطرد الإسلام من حياته ، ويطبق نظاماً اجتماعياً آخر ، لا يعرف الإسلام ، إنهم نتاج مجتمع يسمح بوجود الجائعين والمحتاجين ، دون أن يقدم علاجاً حقيقياً ملموساً لهم .
مجتمع لا يربط الحياة بالله ولا بشريعته ، لأن الإسلام يربي النفوس تربية خاصة ، ويحكمهم وفق شريعة خاصة ، وينظم شؤونهم على أسس خاصة ، ويخلق مقومات اجتماعية وشعورية خاصة ، فإذا ما طبق الإسلام في نظام الحكم  وأسس التشريع ، وقواعد التربية فلن تبقى هناك مشكلات مستعصية ، وستزول بنفسها ، والخير كل الخير ، في منهج الإسلام ومبادئه وأحكامه .

{ومن يتبع غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق