الأحد، 26 أكتوبر 2014

المؤمن قويٌ بإيمانه


المؤمن هو الذي يؤمن أن هذه الحياة فانية ، وأن ورائها حياة خالدة ، ولا يوجد غير المؤمن من يعظّم الله ويكبّره إذا اغتر جبارٌ بقوته وسلطانه   وقال بلسان الحال } أنا ربكم الأعلى { . والذين يعتدون على الأمة في سبيل الجشع   ويتلاعبون بهم ، ويستولون على مقدراتهم ، لا يخافون إلا من صحوة المؤمنين ، لأنهم لا يريدون من المسلمين إلا أن يركنوا إلى سيادتهم وقيادتهم   وكأنها أمر مقرر لا مفر منه ، وأنه أمرٌ لا يقبل التحول .  وقد حذرنا الله من الركون إليهم فقال تعالى : } ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار { 113 هود .
لا تستندوا ولا تطمئنوا إلى الذين ظلموا . ولا إلى الجبارين الطغاة الظالمين ، أصحاب القوة في الأرض الذين يقهرون العباد بقوتهم ، ويعبّدونهم لغير الله من العبيد .. لا تركنوا إليهم . فأن ركونكم إليهم يعني إقرارهم على هذا المنكر الأكبر الذي يزاولونه ، ومشاركتهم إثم ذلك المنكر الكبير . قال تعالى } واتَّبع الذين ظَلموا ما أُترفوا فيه وكانوا مجرمين ، وما كان ربك ليهلك القرى بظلمٍ وأهلُها مصلحون { 116 هود . فالأمة التي يقع فيها الفساد بتعبيد الناس لغير الله  فيقوم فيها من يقاوم ذلك ويدفعه ، لا يأخذها الله بالعذاب والتدمير ، أما الأمة التي يظلم فيها الظالمون ، ويفسد فيها المفسدون ، ولا يوجد فيها من يدفع أو يستنكر الظلم والفساد ، فإن سنة الله تحق عليها بهلاك الانحلال والاختلال . 
إن حقيقة الإسلام إذا تمثلت في جماعة مؤمنة بربها   تستطيع أن تجتاز كل عقبة وتهزم كل قوة ، وتأتي بعجائب وآيات من الإيمان والشجاعة والإيثار   يعجز الناس عن تعليلها كما عجزوا من قبل عن تعليل حوادث الفتح الإسلامي .
إنه لا أمل ولا مستقبل للأمة إلا في منهج الله   وإن قوتها الكبرى تكمن في الإيمان و الطاعة و الدعوة إلى الله   ، وعندما فقد المسلمون ذلك  فقدوا روح الرسالة التي كانوا يحملونها ، وقوة المسلمين وروحهم في الرسالة و الدعوة ، ولما أصبحوا لا يحملون هذه الرسالة فقدوا الإيمان   ففقدوا القلوب التي كانوا يلقون بها عدوهم   وسلاحهم الذي كانوا يحاربون به ، فيهزمون أضعافهم في العدد والعدة . وكما فقدوا الإيمان فقدوا الأخلاق والفضائل التي كانت لهم قوة روحية ،   و سلاحاً ماضياً في معترك الحياة
و جمدت عقولهم و حرموا الاجتهاد والتفكير   وترك ولاة أمورهم الجهاد في سبيل الله
واشتغلوا عنه بحروب منافسة وشهوات ومطامع  حتى غشيهم الزحف الأمريكي الذي تحكم في البلاد و العباد . والسؤال هنا ما هو المنتظر من المسلمين ؟ وهل فيهم من يعمل لرفع راية الإسلام ويجتهد لإعلاء كلمة الله في الأرض  ؟ كلا والله   لأننا نرى من يقدِّم لهم من المسلمين كل معونة يقدرون عليها ولقد أحسن القائل :
لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ    إن كان في القلب إسلام وإيمان
أجل لو كان في القلب إسلام وإيمان ، لما ارتضى مسلمٌ بهذا الخزي .
قرأت أسطورة تقول : أن رجلاً اعتدى عليه عفريت من الجن ، بمثل ما كان يعتدي به الجن على البشر ،  فبرز الرجل بكل ما أُتي من قوة   وما قدر عليه من سلاحٍ ليقتله   هجم الرجل على العفريت بكل سلاح ، لكنه لم يصب منه مقتلاً ، وما زال الرجل يعيد الكرة بعد الكرة ، و يجرب سلاحاً بعد سلاح ، والعفريت ساخرٌ منه   وكأنه من هجماته في حصنٍ حصين ، حار الرجل وأعياه أمرُ العفريت  وكاد يقطع الرجاء في قتله فأخبره أحد العقلاء أن روح هذا العفريت في حوصلة ببغاء ، وهذا الببغاء في قفصٍ من حديد ، والقفص معلًقٌ في غصن شجرة  والشجرة في غابة كثيفة يسكنها سباعٌ ضارية  وحياتٌ فتاكة ، وعقارب سامة ، ودونها وديانٌ وجبال ، وما زال الرجل يطلع جبلا بعد جبل  ويقطع وادياً بعد واد ، ويقتل ما يلقاه من الوحوش والعقارب والأفاعي ، حتى وصل إلى القفص وخنق الببغاء ، ولم يكد يقتلها حتى حدثت رجةٌ عظيمة أظلمت بها آفاقُ السماء   وصاح العفريت صيحته الأخيرة ، وكان جثة هامدة  .
إنها خرافة لكنها تفيد بان كل حيٍ له مقتل ، ولا يؤثّر فيه عدو حتى يصيبه في مقتله   ومقتل أعدائنا في تمسكنا بديننا . 
لقد تسلّط على الأمة الإسلامية عفريتٌ تمثل في قوى الكفر ، التي ساقت أساطيلها وجيوشها   فقتلت ودمرت ونهبت واحتلت بلاد المسلمين   وسيطرت على ثرواتهم  واستخفت بالمسلمين وشريعتهم ، أمعنت في إذلال العباد واستعبادهم والتكبر عليهم قال تعالى : } وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا ، وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا { الأعراف 146. وحين يُدْعَون إلى التزام الحق لا يؤمنون به ، ويسلكون سبيل الغي الذي يطلق العنان لشهواتهم وتحقيق مآربهم . وقد مضى المسلمون لسبيلهم ، فلم يبكوا على زلة ولم يقلعوا عن سيئة ، وقد كان أقل من هذا في الماضي يهز القلوب ، لأنهم تمثلوا حقيقة ما تعنيه الآيات القرآنية قال تعالى : } ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق { الحديد 16 . أما اليوم فقد تبدل الحال ففقدت الألفاظ معانيها ، وتغيّرت النفوس ، وما عاد التمسك بالدين مهما ، وأصبحت تكاليف الحياة هي الأهم ، وذهبت دعوات المصلحين في الأمة سدى ، وكأن لسان الحال يقول } قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر { فصلت 5 .
مما أوقف الداعية حائراً في أمره كيف يواجه هذه العقليات الهامدة والنفسيات الباردة تجاه هذا الدين .  
قرأت في حكايات ألف ليلة وليلة ، أن سندباد البحري وجد بيضة عنقاء ، فظنها لكبرها وضخامتها وملاستها قصراً من الرخام ، فدار حولها لعله يجد باباً يدخل منه إلى داخل القصر   ودار مراراً عديدة   ولكنه لم يجد باباً ، وعرف بعد ذلك أنها بيضة عنقاء لا قصراً من القصور . وهكذا يدور الدعاة والمصلحون حول النفسيات المستديرة في الأمة   التي استهوتها الدنيا ، وتملكها حب المال والجاه ، فلا يجدوا لها منفذا .

لأن المادة والجري ورائها أصبحت  هي علة العلل وعدو الدين الألد ، والغرب هو زعيمها الذي تولى كبرها ، فهل تقف الأمة في وجه هذا التيار الجارف   وتغير مجراه ، وهل تستجيب الأمة ويستجيب المسلمون لنداء الواجب ووقف هذا التيار اللهم آمين . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق