المؤمن
هو الذي يؤمن أن هذه الحياة فانية ، وأن ورائها حياة خالدة ، ولا يوجد غير المؤمن
من يعظّم الله ويكبّره إذا اغتر جبارٌ بقوته وسلطانه وقال بلسان الحال } أنا ربكم الأعلى {
. والذين يعتدون على الأمة في سبيل الجشع
ويتلاعبون بهم ، ويستولون على مقدراتهم ، لا يخافون إلا من صحوة المؤمنين ،
لأنهم لا يريدون من المسلمين إلا أن يركنوا إلى سيادتهم وقيادتهم وكأنها أمر مقرر لا مفر منه ، وأنه أمرٌ لا
يقبل التحول . وقد حذرنا الله من الركون
إليهم فقال تعالى : }
ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار {
113 هود .
لا
تستندوا ولا تطمئنوا إلى الذين ظلموا . ولا إلى الجبارين الطغاة الظالمين ، أصحاب
القوة في الأرض الذين يقهرون العباد بقوتهم ، ويعبّدونهم لغير الله من العبيد ..
لا تركنوا إليهم . فأن ركونكم إليهم يعني إقرارهم على هذا المنكر الأكبر الذي يزاولونه
، ومشاركتهم إثم ذلك المنكر الكبير . قال تعالى } واتَّبع
الذين ظَلموا ما أُترفوا فيه وكانوا مجرمين ، وما كان ربك ليهلك القرى بظلمٍ
وأهلُها مصلحون {
116
هود . فالأمة التي يقع فيها الفساد بتعبيد الناس لغير الله فيقوم فيها من يقاوم ذلك ويدفعه ، لا يأخذها
الله بالعذاب والتدمير ، أما الأمة التي يظلم فيها الظالمون ، ويفسد فيها المفسدون
، ولا يوجد فيها من يدفع أو يستنكر الظلم والفساد ، فإن سنة الله تحق عليها بهلاك
الانحلال والاختلال .
إن
حقيقة الإسلام إذا تمثلت في جماعة مؤمنة بربها
تستطيع أن تجتاز كل عقبة وتهزم كل قوة ، وتأتي بعجائب وآيات من الإيمان
والشجاعة والإيثار يعجز الناس عن تعليلها
كما عجزوا من قبل عن تعليل حوادث الفتح الإسلامي .
إنه
لا أمل ولا مستقبل للأمة إلا في منهج الله
وإن قوتها الكبرى تكمن في الإيمان و الطاعة و الدعوة إلى الله ، وعندما فقد المسلمون ذلك فقدوا روح الرسالة التي كانوا يحملونها ، وقوة
المسلمين وروحهم في الرسالة و الدعوة ، ولما أصبحوا لا يحملون هذه الرسالة فقدوا
الإيمان ففقدوا القلوب التي كانوا يلقون
بها عدوهم وسلاحهم الذي كانوا يحاربون به
، فيهزمون أضعافهم في العدد والعدة . وكما فقدوا الإيمان فقدوا الأخلاق والفضائل
التي كانت لهم قوة روحية ، و سلاحاً
ماضياً في معترك الحياة
و
جمدت عقولهم و حرموا الاجتهاد والتفكير
وترك ولاة أمورهم الجهاد في سبيل الله
واشتغلوا
عنه بحروب منافسة وشهوات ومطامع حتى غشيهم
الزحف الأمريكي الذي تحكم في البلاد و العباد . والسؤال هنا ما هو المنتظر من
المسلمين ؟ وهل فيهم من يعمل لرفع راية الإسلام ويجتهد لإعلاء كلمة الله في
الأرض ؟ كلا والله لأننا نرى من يقدِّم لهم من المسلمين كل معونة
يقدرون عليها ولقد أحسن القائل :
لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ إن كان في القلب إسلام وإيمان
أجل لو كان في القلب إسلام وإيمان ،
لما ارتضى مسلمٌ بهذا الخزي .
قرأت أسطورة تقول : أن رجلاً اعتدى
عليه عفريت من الجن ، بمثل ما كان يعتدي به الجن على البشر ، فبرز الرجل بكل ما أُتي من قوة وما قدر عليه من سلاحٍ ليقتله هجم
الرجل على العفريت بكل سلاح ، لكنه لم يصب منه مقتلاً ، وما زال الرجل يعيد الكرة
بعد الكرة ، و يجرب سلاحاً بعد سلاح ، والعفريت ساخرٌ منه وكأنه من هجماته في حصنٍ حصين ، حار الرجل
وأعياه أمرُ العفريت وكاد يقطع الرجاء في
قتله فأخبره أحد العقلاء أن روح هذا العفريت في حوصلة ببغاء ، وهذا الببغاء في
قفصٍ من حديد ، والقفص معلًقٌ في غصن شجرة
والشجرة في غابة كثيفة يسكنها سباعٌ ضارية
وحياتٌ فتاكة ، وعقارب سامة ، ودونها وديانٌ وجبال ، وما زال الرجل يطلع
جبلا بعد جبل ويقطع وادياً بعد واد ،
ويقتل ما يلقاه من الوحوش والعقارب والأفاعي ، حتى وصل إلى القفص وخنق الببغاء ،
ولم يكد يقتلها حتى حدثت رجةٌ عظيمة أظلمت بها آفاقُ السماء وصاح العفريت صيحته الأخيرة ، وكان جثة
هامدة .
إنها خرافة لكنها تفيد بان كل حيٍ له
مقتل ، ولا يؤثّر فيه عدو حتى يصيبه في مقتله
ومقتل أعدائنا في تمسكنا بديننا .
لقد
تسلّط على الأمة الإسلامية عفريتٌ تمثل في قوى الكفر ، التي ساقت أساطيلها
وجيوشها فقتلت ودمرت ونهبت واحتلت بلاد
المسلمين وسيطرت على ثرواتهم واستخفت بالمسلمين وشريعتهم ، أمعنت في إذلال
العباد واستعبادهم والتكبر عليهم قال تعالى : } وإن
يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا ، وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا {
الأعراف
146. وحين يُدْعَون إلى التزام الحق لا يؤمنون به ، ويسلكون سبيل الغي الذي يطلق
العنان لشهواتهم وتحقيق مآربهم . وقد مضى المسلمون لسبيلهم ، فلم يبكوا على زلة
ولم يقلعوا عن سيئة ، وقد كان أقل من هذا في الماضي يهز القلوب ، لأنهم تمثلوا
حقيقة ما تعنيه الآيات القرآنية قال تعالى : } ألم يأن للذين آمنوا أن
تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق { الحديد 16 . أما اليوم فقد تبدل
الحال ففقدت الألفاظ معانيها ، وتغيّرت النفوس ، وما عاد التمسك بالدين مهما ،
وأصبحت تكاليف الحياة هي الأهم ، وذهبت دعوات المصلحين في الأمة سدى ، وكأن لسان
الحال يقول }
قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر {
فصلت
5 .
مما
أوقف الداعية حائراً في أمره كيف يواجه هذه العقليات الهامدة والنفسيات الباردة
تجاه هذا الدين .
قرأت
في حكايات ألف ليلة وليلة ، أن سندباد البحري وجد بيضة عنقاء ، فظنها لكبرها
وضخامتها وملاستها قصراً من الرخام ، فدار حولها لعله يجد باباً يدخل منه إلى داخل
القصر ودار مراراً عديدة ولكنه لم يجد باباً ، وعرف بعد ذلك أنها بيضة
عنقاء لا قصراً من القصور . وهكذا يدور الدعاة والمصلحون حول النفسيات المستديرة
في الأمة التي استهوتها الدنيا ، وتملكها
حب المال والجاه ، فلا يجدوا لها منفذا .
لأن
المادة والجري ورائها أصبحت هي علة العلل
وعدو الدين الألد ، والغرب هو زعيمها الذي تولى كبرها ، فهل تقف الأمة في وجه هذا
التيار الجارف وتغير مجراه ، وهل تستجيب
الأمة ويستجيب المسلمون لنداء الواجب ووقف هذا التيار اللهم آمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق