الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

فلسطين عبر التاريخ


جاء اليهود ليقولوا نحن أصحاب فلسطين ، فقد كانوا أصحاب فلسطين يوماً ، ولكن قبل أن يكونوا أصحابها ، كانت مُلكاً للعرب وكان العرب ينتشرون في جنوب الجزيرة ووسطها وشمالها وفوق الشمال ، لكنهم اختبروا كي يكون لهم دين يحيون به ، فلما تمردوا على هذا الدين   حلَّ بهم من عقوبات السماء ما سوّد وجوههم   وما يسمى أورشليم هو في الحقيقة أورسليم أو يبوس أي بلد سليم أو محلة سليم ، وهو اسمٌ مكونٌ من مقطعين سالم أو شالم وهو اسم إله كما يعتقدون ، وأورو وهي كلمة تعني أسس أو أنشأ فيكون معنى أوروسالم أسسها سالم ، ويعتبر الاسم عموريا ، والعموريون والكنعانيون منشئو مدينة القدس ، وهما من الشعوب السامية التي خرجت من جزيرة العرب ، وكان هنا مكان للعرب ولهم وجود في فلسطين ، وكانوا هم الجبابرة الذين يسكنون هذه الأرض ، وهؤلاء الجبابرة امتداد لإخوانهم في جنوبي جزيرة العرب   حيث كانت توجد ديار الأحقاق وفيها عاد 
) التي لم يخلق مثلها في البلاد( وفيها سبأ التي أغرقت لما كفرت ، وفي شمال الجزيرة نجد ثمود ومدائن صالح و الخراب الذي حلَّ بها لما كفرت بنبي الله صالح ، بعد أن كفر إخوانهم في الجنوب بنبي الله هود ، ثم نصعد فنجد مَدين التي كفرت بشعيب ، ونصعد فنجد قرى المؤتفكة في الأردن التي كفرت بنبي الله لوط ، ونصعد فنجد فلسطين والجبابرة الذين سكنوها من العرب الكنعانيين   ونصعد فنجد الفينيقيين وهم جيل سامي امتداد للجنس العربي ، ولما ترك العرب النبوة والدين وشرائع السماء دُمِّر كل ما بنوا  ، حتى جاءت النبوة الخاتمة ، لكي تجعل من العرب جنساً آخر  وكان لهم بعد أن شَرّفهم الله بالإسلام تاريخ آخر  نشير إليه بعد أن نتعرض لتاريخ اليهود الذين ملكوا القوة فحاول موسى عليه السلام ، بمنطق الإيمان أن يزحف بهم إلى فلسطين يوم كان العرب الجبابرة يسكنوها فغلبهم الجبن وقالوا :)لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون( . أيُّ كرامة لكم يوم يدخلون فلسطين وليس فيها أحد من العرب ، ولذلك قال موسى :)رب إني لا املك إلا نفسي وأخي  فافْرُق بيننا وبين القوم الفاسقين قال  فإنها محرَّمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين (المائدة 25  تاهوا في سيناء أربعين عاما ، حتى هلكت الأجيال الجبانة ونبت جيل آخر قاده نبي الله يوشع ، ودخل فلسطين وقهر الجبابرة وأقاموا دولة لهم ، وما هي إلا فترة حتى أخذت الطبيعة الرديئة تبرز وغرائز السوء تطفح  وإذا اليهود يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء  و يملأون أقطار دولتهم بالظلم . 
فسلط الله عليهم بُختنصرَّ ، فهزم دولتهم وهدم هيكلهم ، وساق عشرات الألوف أسرى إلى بابل   وفي السجن البابلي أذيقوا أشد العذاب ، ثم عفا الله عنهم ويسَّر لهم حاكماً ردهم مرة أخرى إلى بلادهم ، وسرعان ما عادت إليهم طباعهم السوء  فانقضَّ عليهم الرومان وأمر قائدهم تيتوس بتدمير الهيكل .
فاليهود مفتاح شرٍّ وفساد ، فقد حاولوا قتل عيسى عليه السلام وفشلوا ، وحاولوا قتل محمد e وفشلوا ، وإن كانوا قد نجحوا في قتل أنبياء آخرين ، إلا أن الله هيأ للإنسانية مستقبلاً آخر   فنقلت قيادة الوحي من بني إسرائيل إلى بني إسماعيل ، ونقلت لغة الوحي من العبرية إلى العربية ، ونقلت عاصمة الوحي من بيت المقدس إلى مكة والمدينة ، وعاد العرب إلى بيت المقدس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب الذي دخل بيت المقدس في موكب الفاتحين وفي أبهة المنتصرين   ولو أراد المسلمون ألا يبقى غيرهم في الشرق الأوسط ما بقي أحد ، لكنهم أبقوا لأن الإسلام لا يعرف الإكراه ولا يعرف الغضب والجبروت  ومضى العرب في طريقهم يحملون أمانات الوحي   ويبلغون رسالات الله  ولما انشغل العرب بالشهوات والملذات والاختلاف على المناصب والرياسات ، كانت النتيجة أن هجم الصليبيون على بيت المقدس ودخلوه ، ولو اشتبك معهم أي جيش إسلامي لهزمهم ، لأنهم قطعوا مراحل استهلكوا فيها ، حتى روي أنهم أكلوا الجيف من الجوع ، ولكن التاريخ قال : سكتت دمشق وسكتت القاهرة وسكتت بغداد وسكتت مكة المكرمة والمدينة بل سكت العرب ، وتركوا هؤلاء ينفردون ببيت المقدس ليذبحوا فيها سبعين ألف مسلم ، وليؤسسوا فيها إمارة لاتينية ظلت تسعين سنة يُعَّينُ باروناتها من باريس ويبارك هذا التعيين بابا الفاتيكان .
ثم جاء رجل مسلم ليس بعربي وهو صلاح الدين الذي شعر بأسباب الهزيمة ، فبدأ بعملية إحياء العقائد بين جماهير الناس ، ولجمع العوام على معاقد الأخلاق ومكارم الشيم وهل تنتصر أمة دون عقيدة ؟ وهل يقوم مجتمع بدون أخلاق ؟ ثم خرج ليقاتل الأعداء بالمسلمين وهو على ظهر فرسه ، ولما تحقق له النصر هوى عن ظهر فرسه ساجداً لله ، فقد كان وهو يقود المسلمين في القتال إمام في محرابه تدمع عينه وتخشع جوارحه   وينتظر من رب السماء أن يعينه ، فجاءت المعونة وجاء النصر وعاد بيت المقدس .
ثم عاد الأوروبيون هجمتهم ، وتسللوا في الفراغات الموجودة بين الشعوب الإسلامية ظلم الترك العرب ، وخان العرب الترك ، وانقسمت الشعوب الإسلامية انقسامات مرة .
فتسلل في هذا الفراغ الإنجليز والفرنسيون   وعادوا مرةً أخرى إلى بيت المقدس عادوا ليقول الجنرال الفرنسي جيرو وهو يقف إلى جوار قبر صلاح الدين ، يا صلاح الدين ها نحن قد عدنا   ويقول الجنرال اللنبي : الآن انتهت الحروب الصليبية .
ما انتهت هذه الحروب ، وإنما هي الأيام مدٌّ وجزر ، عاد هؤلاء ليسلموا الأرض مرةً أخرى إلى اليهود . نسمع منهم في المؤتمرات كلاماً معسولاً وقراراتٍ حلوة ، ولكن العمل في الظلام هو الذي يُنَفَّذ ، والحقد على الإسلام هو الذي يُمْلي إرادته . والعداء ضد المسلمين يُنَفَذُ في صمت ودون ضجيج .
إن الإسلام ختام الرسالات السماوية ، وتاريخ الأولين في كتابه يحتلُ أكبر جزء منه وذلك لنعرف لماذا هلكت أمم ونجت أخرى ؟ ويبدوا أنَّ المسلمين يقرؤون قصص القرآن للتسلية ويسمعون أنباء الحضارات المدبرة والأمم الهالكة وكأن الكلام لغيرهم ، وها هم هذه الأيام قد سكنوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم ، وهم يرجون الخير رغم ما يقع منهم من مخالفات   وهنا سؤال : بماذا ينتصر العرب على اليهود مرةً أخرى ؟ لنرجع إلى التاريخ مرةً أخرى ، ونسأل : هل مكن الله لآبائنا عاد وثمود – العرب العاربة – ؟  لا فقد دفنهم في أنقاض مخازيهم ومآسيهم وإلى حيث ألقت .
واليوم ماذا تكسب الحضارة الإنسانية من عرب إذا ملكوا المال استغلوه في خراب الذمم وشراء الشهوات واقتناص الملذات ، ماذا يفعل الله بهم ؟ لا بد أن يدفنهم في أنقاضهم . والعرب بطريقتهم التي يعيشون بها الآن لن يضربهم اليهود وحدهم   بل تضربهم كلاب الأرض كلها ، كما أنهم بهذه الطريقة التي يعيشونها لا يستحقون نصراً ، ولكي يستحقوا النصر ويدخلوا بيت المقدس ويعودوا إلى فلسطين ، يجب أن يعودوا إلى دينهم وليعلموا أن راية الإسلام وحدها هي التي تجمع الشمل ، وأن هذا الدين لا يموت وهو باق إلى قيام الساعة   وعندما ينتظر أعداؤه أن تُشيَّع جنازته يبدأ شروق شمسه من جديد ، وإن انتصارنا وانكسارنا لا يرجع إلى قوة أعدائنا أو ضعفهم ، إنما يعودان إلى الأمة نفسها فإذا لزمت أمر ربها واتبعت منهجه وأقامت حقه نصرها قال تعالى : ) إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ( محمد 7 .
 إن ما يجري في فلسطين قد ملئنا غماً وهما ، لا لأن أناساً ماتوا ويموتون في كل يوم رغم أن الموت نفسه مصيبة ، بل لهوان الأمة الإسلامية على نفسها وعلى الآخرين ، ولعنة الله على من أوصل أمتنا إلى هذا الدَّرك ، فجعلها تُضرب ولا تضرب وجعلها يُجار عليها ولا تستطيع أن تثبت وجودها ولا أن ترفع رأسها ، وإذا كان النبي e يقول :(ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).
فهذا المصير المتعب الفاجع كفارة للخطايا   ورفعة للدرجات إن شاء الله . لكن يبقى أن اليهود وصفهم الله بقوله : ) ثم قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة( . اليهود شعب جزار ، مصاص للدم ، والعرب والمسلمون في غيبوبة عميقة    فهم كالمنافقين قديماً يقول الله فيهم :) أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون (  ولا يمكن للمسلمين أن ينتفعوا بالآلام والمصائب ما داموا بعيدين عن الإسلام وما دام الإسلام بعيداً عن المعركة ، ومبعداً عن التشريع والتثقيف ، ولا يمكن للمسلمين أن يحرزوا النصر إلا يوم أن يكون الإسلام صيحتهم وجبهتهم ورباطهم وسياجهم ، وذلك لا ولن يكون بالكلام الأجوف ، إنما يكون بعمل حقيقي يسوق الشباب إلى دين الله ، ويمنع الرجس الذي ملأ القلوب الفارغة بالضياع وشتت القوى وجعل اليهود ينالون منا على هذا النحو الشائن .
  
                  

           

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق