إن الناظر لما يجري في بلاد العالم
الإسلامي ، يجد أن المسلمين في غفلة حيث يجنون العلقم من أقوامٍ يمارسون ضدهم
الفتك والاستئصال ، وإذا لم يباشروه بأيديهم أعانوا من يباشر ذلك عنهم ووضعوا في أيديهم السلاح ، وأشاروا عليهم بالرأي
.
قُدِّمَ
استجوابٌ من العرب في الكنيست اليهودي أيام بيجن عن مقتل شاب عربي في إحدى
المظاهرات ، فوقف يرد في غضب شديد قائلاً : تريدون أن تقيموا الدنيا وتقعدوها
لمقتل شابٍ عربي ؟ على حين خيم الصمت التام بعد مقتل الآلاف في مدينة عربية مجاورة
، وتسوية ثلث مساكنها بالأرض . إن السامع لهذه الإجابة إن كانت عنده ذرَّة من
كرامة ليشعر بالخزي والعار وهو يسمع هذه الإجابة ، وإذا كانت هذه المجزرة التي
ذكرها محنةً تقشعرُّ لها الأبدان ، فإن الصمت الذي لفت نظر هذا السفّاح يعتبر محنة
أنكى وأشد .
وقد
ذُكِرَ في بعض الصحف نبأ الكاثوليكي الذي تبنى ثلاثين ألف طفل مسلم في الصومال
لينشئهم على النصرانية بداهةً ، علماً بأن المال العربيّ الضائع في أندية القمار ،
كان من الممكن أن يحفظ مستقبل هؤلاء ، وما
أكثر يتامانا الذين استولت عليهم مؤسسات التبشير من جرّاء هذا التفريط .
هذه
أمثلة لبعض الجرائم في العالم الإسلامي والغرابة ليست في فداحة هذه الجرائم ، وإنما في
ذهول ناسٍ من المتحدثين في الإسلام عنها .
لقد
عرف أعدائنا خطورة عودة الإسلام ، فكان مما ورد عنهم في بعض الوثائق في المركز
العام بلندن دلالةً واضحةً على خبثهم ومكرهم ، فقد ورد في تقرير أحد وزراء
المستعمرات البريطانية "إن الحرب
علمتنا أن الوحدة الإسلامية هي الخطر الأعظم الذي ينبغي على الإمبراطورية أن تحذره
وتحاربه " . كما أن لفرنسا نفس الموقف المعادي فقد قال قائلهم : " إن من
دواعي فرحنا أن الخلافة الإسلامية زالت ونتمنى أن يكون ذلك إلى غير رجعة ،
وسياستنا تهدف دائماً وأبداً إلى منع الوحدة الإسلامية ، ويجب أن تبقى هذه السياسة
كذلك ، وإن سياستنا الموالية للعرب في الحرب العظمى كانت لإبعاد سيطرة الخلافة
الإسلامية على المدينتين المقدستين مكة والمدينة التي كان العثمانيون يمدون
سلطانهم إليهما لمعانٍ مهمة ، ومن أسباب سعادتنا أن كمال اتاتورك لم يضع تركيا في
مسارٍ قوميٍّ علْمانيٍّ فقط بل أدخل إصلاحات بعيدة الأثر أدت إلى نفض المعالم
الإسلامية لتركيا .
إن
أعداء الإسلام يتابعون ضرباتهم حيث تدور رحى الحرب لسحق الإسلام من أقصى المشرق إلى
أقصى المغرب ، والذين يلفظون أرواحهم سرّاً أكثر من الذين يلفظونها علانية ، والذين يغتالون
في المنافي والسجون ، أكثر من الذين يغتالون في البيوت والشوارع ، والحرب ما تهدأ
حتى تندلع .
ويوجد
هنا وهناك في أماكن من العالم الإسلامي مدافعين لم يستكينوا ولم يملّوا رغم أن
الأعداء ماضون في طريق العدوان كأي وحشٍ مفترس لا يقفه إلا العجز والموت .
والمسلمون
يدفعون الثمن الفادح لمعاصيهم السياسية والاجتماعية ، ولإخلادهم إلى الأرض وحبهم
للدنيا ، في وقت يسود شعورٌ عام عند الأعداء أن الإسلام لا بد أن يزول وان أمته
يجب أن تختفي لذا تلاحقت الهجمات ضد المسلمين هنا وهناك حيث لا يقفها
شيء ، وفي أوساط المسلمين تنويمٌ متعمد للغيرة الإسلامية ، واختصارٌ للمساحات التي
لا يزال للإسلام بها وجود ، في وقت تضفي فيه الشرعية على المعتدين على بلاد
المسلمين ووصفهم بأنهم شرفاء يعملون لنشر العدل والأمن وإن المدافعين عن مدنهم وقراهم بل عن بيوتهم
وأهليهم إرهابيون منبوذون .
إن
الحملة على أرض الإسلام هذه الأيام استخدمت أسلحة جديدة ، وحققت أهدافاً رهيبة في
السير قدماً على أمل القضاء على الإسلام أو إبعاده عن الحياة العامة ، وذلك بمنطق
القوة العمياء في مواجهة العالم الإسلامي الذي أضناه الاعتدال والاختلال . وإن
الأعداء يعملون لمحو معالم الإسلام في المدرسة والمحكمة والبيت حتى كاد الإسلام يمسي أثراً بعد عين ، وتنوعت
الوسائل بين الرغبة والرهبة وكثيراً ما
وقعت مجازر هائلة وراء أسوار من الصمت المطبق والأمثلة على ذلك كثيرة ، فقد كانت ضحايا ضم
جزيرة زنجبار إلى تنجانيقا لتكوين ما عرف بتنـزانيا هذه الأيام ، ما يقرب من
ثلاثين ألف مُسلم والذين لم يبكهم أحد بل إن بطل هذه المذبحة نيريري استقبل
استقبال الفاتحين في بعض البلاد العربية ، وتتكرر المأساة في البوسنة وكوسوفا وأخيراً ضد مسلمي الشيشان ، الذين كان لهم مع الرّوس
تاريخ طويل من القهر والاستعباد والنفي والتشريد والتجهيل والتضليل وقد سطّر المسلمون تاريخاً طويلاً من الجهاد
والإستشاد في مقاومة الروس ودفع عدوانهم وسجلوا مواقفَ بطوليةٍ نادرة فداءاً لدين الله
وحمايةً لأعراض المؤمنين {عسى الله أن يكفَّ بأس الذين كفروا والله أشدُّ بأساً
وأشدُّ تنكيلا}النساء 84 .
وقد
كتب الله لنا اليوم أن نشهد فصولاً من الجهاد الشيشاني ، الذي أدى في الاعتداء
الأول للروس إلى خروجهم من أرض الشيشان صاغرين يجرون أذيال الهزيمة ، واتجهت
الشيشان لتحكم نفسها فانتشرت فيها المحاكم الشرعية ، وانتشرت الدعوة والمعاهدة
الشرعية ، وقامت اللجان الإحتسابية بمنع المنكرات في الأسواق والأماكن العامة ،
حتى أصبح الناظر يرى المرأة المحجبة وأُعيد بناء المساجد وانتشرت حلقات تعليم القرآن
.
وهكذا
ظهرت ثمار جهادهم على أرض الواقع الأمر
الذي أزعج الروس وبدلاً من أن يدفعوا تعويضاً عن التدمير الذي لحق بالشيشان من
جراء الاحتلال وإعادة تغيير البنية التحتية للبلاد ، سعى الروس عن طريق عملائهم
إلى زعزعة الأمن والاستقرار داخل الشيشان ، وانتهى بهم الأمر إلى التحرك لتدمير
الشيشان بالاجتياح العسكري وتكثيف القصف
على المدن والمناطق الآهلة وإحداث أكبر قدرٍ
من التدمير والقتل والتهجير وقد استعملوا
المواد الكيميائية في قتالهم للشعب الأعزل إلا من سلاح الإيمان .
ونحن
نتفاعل ونخطب ونقنت لتحقيق مصالحنا لا عفواً ؟ بل لتحقيق مصالح الغرب من حيث لا
نشعر.
إن
الأمة الإسلامية في شوق لأن تساس بشريعتها وإن الذين يحولون دون ذلك هم أعداؤها الذين
يصوّرون للمسلمين بان المطالبة بتحكيم شريعة الله تطرُّف ورجعية ، ويصورون
للمسلمين أنهم بالاعتداء على بلاد المسلمين إنما يحاربون التطرف الديني ، مع أن
هجومهم في الحقيقة ليس على التطرف الديني وإنما على الدين نفسه على الدين كله
أصوله وفروعه على ركائز الدين ونصوصه .
والمسلمون
لم يحسنوا دراسة ما أصابهم من هزائم فادحة ، وما عملوا قط لعدم تكرارها ، ولا يزال
ناس من المسلمين مشغولين بأنواع من المعرفة لا تَضرُّ عدواَ ولا تنفعُ صديقاً ،
وتيار الأحداث يلطم الوجوه ، ولا يوجد من يربط النتائج بأسبابها ، ولا من يحاول
القيام بدراسة ذكية جريئة للمعاصي السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ولا أدري لم
الخشية ؟ أو لماذا هذا الجمود ؟ وهل مستقيل أمة من مليار إنسان بالشيء الهين ؟
لقد
دفعت أمة الإسلام الثمن غالياً في القديم حيث جرى التهام دولة الإسلام في الأندلس
قطعة بعد قطعة ولم يتنبه أو يتحرك أحد لما يجري في الغرب ، وجرى التهام دولة
الإسلام المغولية في الهند بالطريقة نفسها ولم يتنبه أو يتحرك أحد لما جرى في
الشرق .
وراح
الغزاة الجدد الذين سيطروا على الجناحين يضغطون على القلب العربي فوصلت بريطانيا
إلى عدن وفرنسا الى شمال أفريقيا بل إن نابليون حاول أن يبدأ بمصر .
ويبدو
أننا ندفع الثمن مرة أخرى ، ولن ينجينا من أعدائنا إلا الاعتصام بالله والحرص على
رضاه لأنه اللواء الوحيد الذي ينبغي أن نقاتل تحته ليقودنا إلى النصر.
ثمَّ
لماذا يسكت الغرب عما يجري في الشيشان بينما أقام الدنيا وأقعدها لحماية شعب
كوسوفا ؟ إنها المصالح ليس إلاّ . لك الله يا شعب الشيشان ولسان حالك كقول القائل
:
- نَصْحوا على قصف المدافع ، والمجازر
بالمئات
-
وننام والخوف الرهيب
يلفنا بالطائرات
-
أمٌ هناك وطفلة : وأب
تمزقه الشظايا المحرقات
-
تبكي وقصف الطائرات
يسوقها نحو الممات
-
حتى متى يا أمتي… ؟!
-
وإلى متى …؟!
-
حنى تُهدَّم دورنا
وديارنا ؟!
-
حتى تقطَّع للعدا
أشلاؤنا ؟!
-
حتى يشرَّد أهلنا ..
أطفالنا ؟!
-
حتى تُقادَ عفيفةٌ
بالأمس كانت لا تقاد ؟!
-
إنا نصيح ولا مجيب
..!
-
إنا نئن .. ولا طبيب
..!
-
فأين .. أين المسلمون
؟!
-
بل أين أهل العلم
منهم من بقايا الصالحين
-
لاذوا بأسوار السكوت
-
لم يمنحوا إخوانهم
حتى كليمات القنوت؟!
وعلى
كل حال فمهما تخلى المسلمون عن إخوانهم فإن الله ناصرهم ومؤيدهم ، والذي يظهر لنا
والله اعلم أن الحرب ستطول وقد يسيطر الروس على الشيشان ولكنهم لا يستطيعوا
الاستمرار فيها والمحافظة عليها ؛ حيث ستستمر حرب العصابات ، والنتيجة أن يخرج
الروس من خلال سيناريو يحفظ ماء الوجه لتقوم دولة حرة مسلمة على أرض القوقاز- بإذن
الله –
ما لم يتدخل الغرب لمنع قيام ذلك ، كما في البلقان حين أُجهضت آمال المسلمين بقيام
دولة لهم على أرض البوسنة باتفاق دايتون الذي لم يكن في حقيقته إلا تبديداً للنجاح
الذي حققه المسلمون على الصرب .
وعلى
كل حال فقد وعدنا الله بقوله : {وَلَقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض
يرثُها عبادي الصالحون ، إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين} الأنبياء 105 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق