أما
أنها بلا حدود فلأن هذه الحدود تنقص كل يوم عن الذي قبله ، تبتلع الدول منه شبراً
واليهود متراً والجوار هكتاراً ، لذلك
ليس لها حدود خارجية ثابتة فهي تتناقص
يوماً بعد يوم ، لأنه لا يوجد من يحمي حدودها من الطامعين والمعتدين .
وأما
أنها بلا شعب ، فلأنها لو كان فيها شعباً لقام وحارب كل معتدٍ ... ونظرة إلى
الشعوب التي فيها نجدها تركض وراء الطعام والشراب ، وقد يأتي اليوم الذي تركض
فيه فلا تجد ما تركض إليه ، لأنه مقهور
مستغل مستهلك مكاناً وزماناً ، لصالح القائمين على أمره لتمجيدهم وحمايتهم من أهل
الوطن ، والعدو الأجنبي لا يخاف منهم فهم يحمونه
وإذا ما طلبوا فتح باب الجهاد ولو بدون سلاح على طريقة أهلنا في فلسطين ،
كان لسان الحال أنهم يريدون سلاماً ، وحتى هذا لا يجدون أذناً صاغية تستجيب
له .
وأما
أنها بلا ماء ، فلأن مياهها محرمه عليهم فليس لهم فيها حرية الملاحة إلا بموافقة
خارجية ، حتى صيادو السمك بحاجة لموافقة ، وهاهي الأساطيل المدمرة تحل الموت
بشعبنا تجول في مياهنا من الخليج الأحمر إلى الأبيض المتوسط .
وأما
أنها بلا تراب فلأن ترابها أصبح أرخص تراب في الكون ، لا قيمة ولا ثمن له تدنسه أقدام الصهاينة والأوروبيين بحجة الدعم
والمساعدة والحماية ، بين كل دولة ودولة مخافر أمنية وحواجز تفتيشية تشدد على
المسلمين ، وقد يعبر الأعداء بدون سؤال ،
فأي أرض أرخص منها ، وقد يحذر على قواتها التواجد على أرضها وضمن حدودها ، فقد ذهبت
أرض المسلمين في فلسطين والفلبين وسوريا وغيرها من بلاد المسلمين ، وسكت المسلمون
على ذلك ، ولم يبذلوا المهج والأرواح في سبيل إعادتها ، ذهبت الأرض يوم فقدت
حارسها وحاميها وسيدها ، فبكت هذه الأرض على الأعزة والعزَّ ، وهي تنادي هبوا فقد
استأسد الجبناء ، و أغيثوني فقد نكص على أعقابهم الأبناء ، وانجدوني فقد غشيني
الألداء وأدركوني فإن ذهبت فمالكم بعدي من بقاء ، واسقوني من دمائكم ففي سبيل الله
يهون كل عناء ، فأنا أنا أرض الأنبياء ... أنا أرض الإسراء لا بل أنا أرض الإسلام
، ألا يكفيكم الفشل إثر الفشل واللطمة تتلوها اللطمات .
وأما
منابع الخيرات والثروات فلا فائدة منها ... بترولنا لعدونا وربحه لأعدائنا ، يعود
لصدورنا أسلحة وصواريخ وطلقات ، تصوب إلى صدور المسلمين في أنحاء متفرقة من بلاد المسلمين فلا
يتحركون ويسمعون صيحات الثكالى والأرامل
والأيتام فلا يأبهون ، وكأن الصمت على جرائم اليهود من متطلبات حسن الجوار .
وكل
ما يستطيعون فعله الشكوى والتشكي ، اللذان لا يردان حقا ولا يرفعان ضيما فلماذا حادوا عن درب العزم والإرادة والمثابرة
، هذا الدرب الذي سلكه أجدادنا العظام حاملين ألوية الحق والعدل فاتحين بلاد الله
لنشر دينه ، فقد كانوا يتمتعون بخبرةٍ فائقة في
فتح البلاد . شاور عمر بن الخطاب الهرمزان في أيها يبدأ الفتح أولاً
بأذربيجان أم بلاد فارس وأصبهان فقال له ،
إن فارس وأذربيجان الجناحان وإن أصبهان هي الرأس ، فإن قطعت أحد الجناحين قام
الآخر ، وإن قطعت الرأس وقع الجناحان
فابدأ بالرأس يا أمير المؤمنين ، فانتدب عمر بن الخطاب خير القادة لهذه
المهمة النعمان بن مقرن وكان دعاؤه في
المعركة : اللهم إني أسألك أن تقرَّعيني اليوم بفتح يكون فيه عزُّ للإسلام وذلُّ
للكفار ، ثم أقضي بعد ذلك إليك على الشهادة ، فأمن المسلمون وبكوا ، وكان النصر
العزيز واستشهد النعمان .
لماذا
لا يسير ولاة أمور المسلمون على هذا النهج ولماذا لا تكون لهم هذه المواقف .
نسمعهم يقولون : يجب علينا أن نتضامن ، يجب أن
نوجد الجهود والكلمة ، من يمنعهم مما يقولون ، أهو الشعب ؟ أهم أنفسهم ؟ هل هم
حكام بشر أم رعاة غنم ؟ إن رعاة الغنم عندما يهجم الذئب عليهم وليس معهم سلاح ،
يجمعون غنمهم بقطيع واحد ويقف كل راع على
جهة ، فليحسبنا حكامنا غنما ويجمعوا أمرهم ، ويدافعون عنا ونحن معهم ، وإذا كانوا
يخافون على الكراسي فليجلسوا آمنين ، ويدعونا ندافع عن أنفسنا بالحجارة والعصي
والتضحية بالمهج والأرواح .
ألم
يعلموا أن عوازم الأمور أفضلها ، ليقولوا الحق حتى يُعْرَفوا به ، ويكونوا من أهله
. وليغضبوا لله حسب ما تمليه العقيدة والإرادة ، ليغضوا غضب رسول الله على قريش
يوم نقضت عهدها الذي جاء بالفتح العظيم . وغضب أبي بكر الذي وأد الردة وأعاد
للإسلام هيبته وأعاد النائمين إلى صوابهم
وغضب المعتصم لله يوم حرق عمورية وما حولها وذاد عن عرض المسلمين ، ليغضبوا
غضب أولئك ، لا الغضب الخالي من العمل والإرادة ، ولا الغضب الضعيف الذي يهمل
مراقبة الله ، ويرجوا من الأعداء أن ينصفوه ولا إنصاف .
لماذا يكونوا عار الحياة وزبد الوجود ، ولماذا
يبررون استسلامهم بعدم قدرتهم على الأعداء لامتلاكه أفتك الأسلحة ، لماذا لا
يجاهدون في سبيل الله ، فهو أفضل من حياة الذل والقهر ولاستعباد ، لماذا لا يطلبون
الموت في سبيل الله ، لأن ميتتة في سبيل الله خير من حياة في معصيته .
لما
كان يوم اليمامة في حروب الردة ، جُرح أبو عقيل الأنصاري ورُمي بسهم فوقع قريباً
من فؤاده ، فأخرج السهم وقد وهن نصفه الأيسر فجُر إلى الرحل ... فلما حمي القتال
وانهزم المسلمون أمام جيش مسيلمة ، وانحازوا إلى رحالهم وأبو عقيل واهن في جراحه
فبينما هم كذلك ، إذ نادى مناديا للأنصار الله الله ، الكرة على عدوكم أخلصونا
واخلصوا إلينا ... فنهد الأنصار رجلاً رجلاً .. يقول ابن عمر فنهض أبو عقيل يريد
قومه للجهاد ... فقلت إلى أين تريد يا أبا عقيل ؟ أفيك قتال ؟ قال: قد نوه المنادي
باسمي ... قال عبد الله بن عمر له : إن المنادي يقول : الأنصار وليس الجرحى !!
فقال : أنا رجل من الأنصار أجيبه وألبي ولو حبواً ... فتحزم أبو عقيل وأخذ السيف
بيمينه مجرداً ، ثم جعل ينادي يا معشر الأنصار كرة كيوم حنين !! فاجتمعوا واقتحموا
على عدوهم الحديقة ، واختلطت السيوف بالأجساد ، وقطعت يد أبي عقيل المجروحة من
المنكب فوقع على الأرض وبه من الجراح
أربعة عشرة جرحاً كلها قد خلصت إلى مقتل ... وقتل عدو الله مسيلمة ... قال ابن عمر
: فوقفت على أبي عقيل وهو صريع بآخر رمق ، فقلت يا أبا عقيل قال لبيك بلسان ملتاث
... ثم قال لمن الدَّبْرةُ أي الهزيمة ؟ قلت أبشر ورفعت صوتي قُتل عدو الله ، فرفع
إصبعه إلى السماء يحمد الله والتحق بركب الشهداء ... هؤلاء هم آباؤنا ... وهاهم
رجالنا .
فيا
معشر المنهزمين أمام عدوكم ... يا معشر المبررين لهزائمكم واستسلامكم ألا تتأسون
بهؤلاء الجرحى المشرفين على الموت من صناديد المسلمين . ثم بماذا تفسرون الأعمال
الهمجية ومعاناة المسلمين من القتل والتشريد والتدمير لمقدرات الأمة ، ها هو شعب
فلسطين يعاني من قهر العدو الإسرائيلي له بالحديد والنار ، يلجأ الى التضحية
بالنفس لإرهاب أعداء الله وزرع الخوف في قلوبهم ، لأنه آمن بقول الله تعالى : )
إن
الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله
فيقتلون ويقتلون ( التوبة111 فليتأمل العاقد مع الله هذا
التبايع ما أعظم خطره وأجله ، فالله هو المشتري والثمن جنات النعيم ، وما أعظم
التضحية بالنفس إن كان فيها مصلحة للمسلمين ونكاية لأعدائهم ، وفي مثل هذا المضحي
أنزل الله قوله : )
ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوفٌ بالعباد (
البقرة
207 . ولا يفوتني أن أنبه في هذا المجال إلى أن أدلة قتال الكفار جاءت مطلقة وجاءت
عامة في القتال دون تقييد بأسلوب أو وسيلة ، وعليه فكل أسلوب أو وسيلة يستعملها
المسلم في قتال الكفار تكون جائزة ما دامت قتلاً للعدو الكافر ، وقد دلت النصوص
على ذلك قال تعالى : )
يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة (
وقال )
واقتلوا المشركين كافة (
.
إن
إنزال القتل بالعدو هو الوسيلة الوحيدة التي يفهمونها ، وهذا ما يضطرهم إلى إعادة
النظر في مواقفهم الإجرامية وسياساتهم الهمجية ، حتى يأذن الله بنصره بعز عزيزٍ أو
بذل ذليل ، ولن يكون ذلك إلا بالجهاد والاستشهاد والمقاومة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق