قال تعالى :{كيف
وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاً ولاذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبُهم
وأكثرُهم فاسقون}التوبة 8 . إن ما يجري على الساحة هذه الأيام ليس بغريب ، لأن
أعداءنا يتعاملون معنا بمنطق القوه والجبروت ، فلا يجوز لنا أن نعارض أو نناقش
القرارات الدولية بينما غيرنا يضرب بها
عَرْضَ الحائط , ولا يُلْقي لها بالا, ونحن علينا أن نقبل بها , ونحترمها ونطبقها
وإلا تعرضنا لأشدِّ العقوبات . لأننا ضُعفاء وهم أقوياء , ضُعفاء لأننا تخلينا عن
ديننا وعقيدتنا وهذا ما أخبرنا به الحق سبحانه بقوله { كيف وإن يظهروا عليكم }.
إنهم لا يعاهدونا إلا
في حالة عجزنا ، وعندما تكون لهم الغلبة والقوه ، يفعلون الأفاعيل من غير مراعاةٍ لعهدٍ قائم ، إنهم لا يقفون عند حد
التنكيل , بل يوجهون حقدهم وانتقامهم للمسلمين ، لأن صفة الاعتداء أصيلة فيهم ,
تبدأ من نقطة كرههم للإسلام , وتنتهي
بالوقوف في وجهه .
إن العالم اليوم
ينقسم إلى كتلتين : أمريكا في كفة وبقية العلم في كفة ، هذا ما يبدو لنا ، وما
يعتقده عامة الناس ، لكن الحقيقة أنه انقسامٌ ظاهري لا حقيقي ، وأنه انقسامٌ على
المصالح لا على المبادئ ، وأنه صراعٌ على السلع والأسواق لا على العقائد والأفكار
، فطبيعة التفكير الأمريكي الأوروبي ، لا تفترق في حقيقتها عن طبيعة التفكير
الروسي ، كلتاهما تقوم على تحكيم الفكرة المادية للحياة ، فلا اختلاف في طبيعة
التفكير ، إنما الاختلاف في الظروف الاقتصادية والاجتماعية ولا يخدعنا أن نرى
الصراع عنيفاً وقوياً بين الشرق والغرب ، إنهما لا يتنازعان على مبدأ أو فكرة إنما يتنازعان النفوذ في العالم والربح في الأسواق ، ونحن هذه الأسواق .
إن الصراع الحقيقي هو
بين النظام الذي يجعل العبودية لله وحده ، ويخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة
رب العباد وهو الإسلام ، وبين سائر الأنظمة التي تقوم على أساس عبودية العباد
للعباد لأن الإسلام هو القوة الحقيقية
التي تقف لقوة الفكرة المادية ، التي تدين بها أوروبا وأمريكا وروسيا والصين على
السواء ، وان هذه الدول مجتمعةً ، رغم ما بينها من منافسات ومن متناقضات ، تعمل
على حرب الإسلام في كل مكان .
والسؤال الذي
يَطْرَحُ نفسه , ما هو الحل وما العلاج؟
إنه بالرجوع إلى منهج
الله ، وإعداد العدة وإعلان الجهاد تحت
راية الإسلام , وعندها تكون الغلبة للإسلام
.
وهناك خطر آخر
أشد من خطر الأعداء الأقوياء انه في
الأتْباع السذَّج , الذين يقبلون من أعداء الله أن يَتَتَرْسَ بلافتةٍ
خادعةٍ من الإسلام , بينما يرمون الإسلام من وراء هذه اللافتة الخادعة , مما
يُمَكِّنُ الأعداء من الهيمنة على الإسلام والمسلمين ومن هنا خاطب الله كلّ ذي
عقيدة , بالتهديد والوعيد فقال تعالى:{إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليما
ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئا}التوبة 34 . ليس العذاب الذي يتهدد هم
عذاب الآخرة وحده إنه كذلك عذاب الدنيا , إنه عذاب الذلة التي
تُصيبُ القاعدين عن الجهاد , وما من أمةٍ تركت الجهاد , إلا ضرب الله عليها الذل ، تدفع مرغمه صاغرة ،
أضعاف ما كان يتطلب منها جهاد الأعداء , إنها ضريبة الذل ، يؤدونها من نفوسهم
وأقدارهم وسمعتهم ، ومن اطمئنانهم وفي هذا
يقول الله سبحانه : {أولئك الذين طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون}النحل
108 .
إن المسلمين يواجهون
في هذا العصر أعداءً يتربصون بهم الدوائر ، ولا
يقعدون عن الفتك بهم بلا شفقة ولا
رحمة إلا إذا عجزوا عن ذلك هم أئمة الكفرِ
لا أيمان لهم ولا عهود , إنهم حرب على دين
الله اعتقاداً وسلوكاً , حرب على المسلمين , لأنهم لا يريدون للإسلام أن يحكم ولا يطيقون ذلك , لأن الإسلام حين يحكم سَيُنْشِئُ
الشعوب نشأةً أخرى , وسًيُعلِّمُ الشعوب أن إعداد القوة ، فريضة لاستعادة كرامة
المسلمين وإلا فما معنى صمت الأمة على هذه المذلة والذي سيزيد من عجرفة الأعداء ورفضهم لكل نوايا
السلام المزعوم .
إن الله عزّ وجل يأمر بنصر الحق ،
ومجاهدة الكافرين بالنفس والنفيس , ويوصي عباده ألا يستكينوا للظلم , ويحرضهم على
مقابلةِ العدوان بمثله . قال تعالى :{
فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم }البقرة 194 .
إن على المسلمين ألا
يتركوا الضلال يستكبر ولا يجد من يقمعه
ويردعه , وإن الإيمان والإرادة الصادقة ، أقوى من أسلحتهم وأدوات دمارهم فلم التخاذل والجبن .
إن رسالة الله أعزّ
في حقيقتها واعزُّ لدى حملتها من أن تضعف
أمام الباطل . ولهذا نجد أن الآية القرآنية {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا
بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب
المحسنين} البقرة 195 . هذه الآية
تمتاز بأنها تضمنت تهديداً خطيراً ، لمن يَجْبُنُ عن الجهاد ويبخل عن
النفقة ، فالآية اعتبرت الفارّ بنفسه وماله ، ملقياً بنفسه وماله في الهلاك ،
وأشارت إلى أن الأمة التي تتراجع عن المواقف الواجبة في ميدان الجهاد والاستشهاد أمةٌ لا تلبث قليلاً حتى تذل وتخزى .
إنه نداء للامةِ بردِ
العدوان , والبذل في سبيل الحق وإلا
فالتسليم للعدوان ، والشحُّ بالأموال طريق
الضياع والفناء والتهلكة , فلا تلقوا بأيديكم
إليها . ألا ليت المسلمين يدركون هذه السنة في ازدهار الأمم واندثارها , لا سيما و
هم مع اليهود والصليبين ، في حرب حياةٍ أو ممات , غير أن فريقاً من المسلمين ظلم هذه الآية أقبح
ظلم وفهمها أغبى فهم ، وظن أن الله يقول لعباده احرصوا على أعماركم فلا
تعرضوها للاستشهاد في سبيل الله , وبهذا لا يكفيهم أنهم عصوا الله وخالفوا أمره معرضين عن الجهاد , حتى
ذهبوا يتلمسون الفتاوى لمعاصيهم وتخاذلهم ، ومواقفهم المخزية المخالفة لشرع الله . إن أعداء الله وأعداء الحق لا يخلو
منهم جيل , ولئن كان الهجوم المسلح غير مطلوب ديناً كما
يزعمون , فان السلم المسلح من أركان ديننا وصلب عقيدتنا .
لذا يجب على الأمة أن تأخذ أهبتها
كاملة فلا تبخل على عُدد الحرب بمال , وأن
تبقى على حذر واستعداد , فإذا بوغتت ردت المعتدين وهي عزيزة قادرة . أما الأمة
التي تنام على تفريط وتضنُ على حماية نفسها ورسالتها بالأرواح والأموال ، فهي لاشك
هالكة في عالم لسان حاله " إن لم تكن ذئباً وإلا أكلتك الذئاب" .
إن الإسلام ليس
مجموعةً من الوصايا
الخلقية والعبادات الشخصية وانتهى
الأمر , إنه نظامٌ شاملٌ للتحرر السياسي ,
والعدل الاجتماعي وضمان وثيق لحقوق الإنسان وكرامات الأمم . وإذا كان
لصلاح النفس حجر الزاوية في كل دين فأن الإسلام ينشئ هذا الصلاح إنشاءً عن
طريق خلق البيئة الفاضلة , ولا ننسى أن الحكم
في نظر الإسلام أداةً مهمةً من أدوات هذا التكوين العام , فإذا نسيَ
وظيفته أو فرط فيها كان مصدر خلل في
الكيان الإسلامي.
إن هوان المسلمين في
هذا العصر ، راجعاً إلى النتيجة الحتمية لفساد كثير من أنظمة الحكم القائمةِ في
بلادهم .
إن الأمم أثبت من
الدول ، وإن الجاهل أعدى على أمته من أعدى أعدائها , وما نكب الإسلام قط من حرب
صليبية أو استعماريةٍ ، كما نكب من أبنائه الجهلاء , ومهما يكن الخطر فالجهل من
أخطر الأخطار , فإن بقي للإسلام أيمانه والمؤمنون به على هدى وبصيرة , فلا خطر
عليه من أقوياء اليوم مهما بلغوا من العدة والتقدم التقني ، وأخطر من كل الأخطار
أن تتخلف مكانة العلم والبصيرة ، وتتقدم
مكانة الجهل والغباء ، وهذا ما يلاحظ عند قطاع كبير من المسلمين ، الذين
يركزون على السنن والمندوبات والمستحبات في الدين ، حيث يحتدم الجدل على التحريم والتحليل ، وقد تطول الأقاويل وتتشعب فيما لا داعي له ولا أهميه في صلب العقيدة .
أنا لا أُمانع في البحث في الحلال والحرام في
تلك الأمور ، ولا فيما هو صحيح أو باطل في
عقائد المعتقدين ، لكني أقول بأنه إذا بذل في هذه الجانبيات من الجهد فوق حقه ،
وأضعاف حظه فذلك لعمري الخطر الأكبر ،
والطيبون أو السذج البسطاء ، الذين يأخذون
بسفاسف الأمور ويعيشون في دوامة الأفكار
الغربية ، التي تمنعهم من رؤية العلاج ، هؤلاء وأمثالهم سوف يستمر ضلالهم إذا
استمر هذا الجدل حول هذه الأمور .
إن الفساد في هذه الأنظمة
، يرجع إلى البعد عن منهج الله ، والحكم بما أنزل الله , لأن كل حكم غير حكم الله
لا بد وأن يكون طاغوتاً مسلطاً على رقاب
العباد , لأن الفساد في بنية النظام ذاته
لا في الأداة المنفذة له ، ولا في وسائل التنفيذ والعلاج يكمن في تغير النظام من أساسه بالرجوع
إلى منهج الله دون سواه قال تعالى :{وأن احكم بينهم بما أنزل الله } ومن
هنا لا يمكن لدول الكفر التنازل عن سلطانها ، وإتاحة الفرصة لأمة الإسلام أن
تسلبها ذلك السلطان ، ولا يمكن بحال من
الأحوال أن تتيح لنا أيَّ عمل يتعارض مع
مصلحتها ، أو يسلبها سلطة تشريعها ، كلا لن يحدث ذلك قط ، إلا بالرجوع إلى
شريعة الله كمنهج للتغيير قال تعالى :{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم}الرعد 11 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق