يستنكر
الكثيرون من المسلمين ، بل ويشعرون بالإحباط كلما سمعوا بحدوث مجزرة تنزل
بالمسلمين كما هو حاصل في كوسوفو ويحصل في العراق بل وفي معظم البلاد الإسلامية ،
مما يدعو للتساؤل :
ما الذي دهى أمة الإسلام حتى غدت كقطيع من الغنم
تعدو عليها الذئاب الضارية تنهش لحمها ؟
وما هي أسباب فقر وتخلف هذه الأمة عن غيرها من الأمم المتقدمة في حياتها
وفي اقتصادها ؟
إن الذي ينقذ أمة الإسلام من تخبطها واضطرابها
وحيرتها وعذابها وذلها وعارها ، هو حلٌّ واحد ولا شيئ غيره ، إنه الحل الذي يتمثل
في قيام مجتمع إسلامي صحيح مجتمعٌ توجهه
وتحكمه وتسوده عقيدة الإسلام ، ومفاهيم الإسلام ، وشعائر الإسلام ، ومشاعر الإسلام
، وأخلاق الإسلام وتقاليد الإسلام ،
وقوانين الإسلام .
لا
كما يقوم على حكم الشعوب الإسلامية من يدّعون الأخذ بالاسلام ويزعمون أنهم موالون
له وليسوا غرباء عنه ، علماً بأنه لا يمكن
أن يكون الحكم إسلامياً إلا أن يرى الناس في ظله نموذجاً للمجتمع المسلم ، وللأمة
المسلمة ، التي تقوم على عقيدة الإسلام ، وأخلاق الإسلام ، ومفاهيم الإسلام ، كما
كان الحال أيام الدولة الإسلامية التي استمرت ثلاثة عشر قرناً فكان الانسجام والاستقرار .
وإذا
كانت الأفكار والمفاهيم والقناعات لدى الدولة مخالفة لأفكار وقناعات الأمة ، فإنه
لا يكون هناك انسجام ولا استقرار، لأن عقيدة الإسلام لا ترضى أن تعيش على هامش
الحياة ، بل من شأنها ان تسود الحياة كلّها ، وتوجه الأفكار والمفاهيم ، والأقوال
والأعمال ، وبدون ذلك تكون الكراهية بين الحاكم والمحكوم ، ولا يطول عمر الدولة
كما حدث للاتحاد السوفيتي المنهار . وتكون الدولة من غير جنس الأمة ، وتكثر
الاضطرابات وتكثر قوى المعارضة ، وتكون فكرة التغيير ومحاولات الانفصال لديها قضية
مصيرية ، كما هو حادث الآن في كوسوفو وكما حصل في البوسنة والهرسك والشيشان ،
وغيرها من البلاد الإسلامية .
وفي
هذه الحقبة الزمنية التي تعيشها أمتنا اليوم تبرز قضية العمل للتغيير ، لاختلاف ما
هو ناشئ عن عقيدة الأمة ، من أفكار ومفاهيم وقناعات مناقضة لأفكار ومفاهيم وقناعات
الأنظمة التي تحكمها وهذا ما جعل فئات
المعارضة التي تنشد التغير تكثر في أوساط الأمة .
إن
الحل الإسلامي هو الذي يتخذ الإسلام وحده مصدر الإلهام في الشئون الفكرية ، ومصدر
الإلزام في الشئون العملية ، فليس بحلٍ إسلامي ذلك الذي يبيح الربا ويقرُّ البنوك
الربوية بدعوى أنها دعامة الاقتصاد الحديث ، ولا يستطاع الاستغناء عنها ، فإن الله
لم يحرّم علي الناس شيئاً يتعذر عليهم الاستغناء عنه أبدا ، فقد إعتبر الإسلام
التعامل بالربا جريمة إعلان حرب على الله تعالى لقوله :{يا أيها الذين آمنوا
اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من
الله ورسوله}.
والمشاريع
الاقتصادية القائمة على قروض المراباة مشاريع خاسرة لقوله تعالى : {يمحق الله
الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفارٍ أثيم }.
والحرية
الشخصية التي هي جزء من مفهوم الديمقراطية ، التي تفتخر بها الأنظمة الحاكمة ،
تبيح المتعة الجنسية بين الذكر والأنثى وبين الذكر والذكر بينما هي في نظر عقيدة
الأمة زناً ولواطاً أي جريمة تصل العقوبة فيها حد القتل .
والجهاد
الذي هو لنشر الإسلام وإخراج الناس من الكفر إلى الإيمان وهو من مفاهيم الأمة
وقناعاتها بينما هو في مفهوم الدول الحالية إرهاب وتخريب ، لذلك لا تنتهي
المصادمات حتى تأخذ الدولة بأفكار الأمة وقناعاتها ، وتصبح الدولة من جنس الأمة .
وأما
الجواب على أسباب تخلف الأمة . فإنه ينظر إلى ذلك من ناحيتين ، إما أن تكون للأمة
رسالة تحملها أو أنها لا تحمل رسالة ؟
فالأمة
التي لها رسالة تحملها وتدعوا لها فهي أمة واعية معطاة تعطي ولا تأخذ ، متحركة
نشيطة لها أفكارها ومفاهيمها وقناعاتها ،
أما
الأمة التي لا رسالة لها أو أن لها رسالة ولكنها لا تعمل بها ولا تدعو لها ، فهي
أمة ميتة تخلو من الوعي ولا تدرك ما يدور حولها ، مثلها كمثل النائم يكون حياً
ولكنه غير واعٍ مادام نائماً .
لأن
الرسالة في الأمة بمثابة الروح في الجسد ، فإذا خرجت الروح يفقد وعيه أو يموت كما
ورد في قوله تعالى :{الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك
التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجلٍ مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.
فما
دام الله ممسكاً روح النائم ، فإنه يبقى بلا وعي إلى أن يرسل الله له روحه فيدب
فيه الوعي ويبدأ يدرك ما يدور حوله ، وهكذا الأمة الفاقدة لرسالتها تبقى في حالة
غيبوبة لا تعرف طريقها ولا تدرك مسارها ، ولهذا كالأمة الإسلامية تعتبر في عداد
النائمين لأنها لا تحمل رسالة .
ويوم
كانت الأمة تحمل الرسالة ، كانت أمة حية واعية تصدرت قيادة الشعوب ، وتربعت فوق
عروش الأمم ، وسادت العالم ردحاً من الزمن ، وأقامت العدل على مقاتل الجور وشادت
الحرية على مذابح العبودية فكانت أمة عزيزة منيعة .
فلما
تركت الرسالة عادت إلى الخلود في النوم العميق ، وفقدت أفكارها وقناعتها ، وصارت
تستقبل مفاهيم وقناعات الدول المتقدمة ، ولهذا لا غرابة في فرض أمريكا أفكارها
وقناعاتها على المسلمين مثل الديمقراطية ، والتعددية ، وحقوق الإنسان وسياسات
السوق والخصخصة وغير ذلك من الأفكار ، وحينما تطرح علينا أفكارها فلا تطرح علينا
الأفكار المتعلقة بالتكنولوجيا المتطورة ولا بأسرار الصناعات أو الاختراعات ،
وإنما تطرح علينا الأفكار التي تزعزع عقيدتنا وتدمر مجتمعاتنا وتفسد أخلاقنا ،
وتفرض علينا خدمة مصالحها ، فهي حينما تطرح علينا سياسات السوق مثلاً تريد أن نفتح
أسواق بلادنا أمام منتجاتها المتقدمة ، وأمام استثماراتها ، وتريدنا أن نرفع
الحواجز الجمركية والقيود مهما كان نوعها من أمام تجارتها لتكون هي المتحكمة في
اقتصادنا ، لذا لن يتسنى لدول امتنا أن تخرج من بؤرة الفقر والتخلف ما دامت خاضعة للأفكار
والقناعات الأمريكية .
إن
لدى الأمة الإسلامية من الأفكار والمفاهيم والقناعات الصادقة ما ليس له وجود عند
أمة من الأمم لأنها أفكار من لدن حكيم
عليم ، أما أنه حكيم فإنه يشرِّع الأحكام في محلها المناسب ، وأما أنه عليم فإنه
يعلم ما تخفي الصدور فيضع التشريع لمعالجة ما في النفوس ، ولو أخذت الأفكار
الإسلامية لكانت الأمة أقوى الأمم اقتصادياً وارقاها اجتماعياً ، وأقواها عسكرياً
كما سبق لها أن كانت كذلك . ومن هذه الأفكار على سبيل المثال لا الحصر :
1- وحدة
الأمة المجزأة خمسة وخمسين كياناً ، لقوله تعالى :{واعتصموا بحبل الله جميعاً
ولا تفرقوا}.
2- وحدة
الدولة لقوله ﷺ
: (إذا بويع لإمامين فاقتلوا الآخر
منهما ) . ولقوله ﷺ : ( من جاءكم وأمركم
جميع فأراد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه كائناً من كان ) .
3- السيادة
للشرع ، أي أنه لا يجوز لأحد أن يصنع تشريعاً إلا الله ، لأنه لا يحابي أحداً من
خلقه على أحد فكلهم خلقه ولا يظلم مثقال ذرة ولا حصانة لأحد في شرعه.
4- السلطان
للأمة ، فهي التي تختار الحاكم بكل حرية ، وتعطية الولاء بشرط أن يحكمها بشرع الله
.
5- الشورى
حق من حقوق المسلمين على الحاكم قال تعالى :{وشاورهم في الأمر}.
6- الطاعة
فرض على المسلمين للحاكم ما لم يأمر بمعصية .
7- الملكية
العامة تشمل معظم مصادر الطاقة كالبترول والغاز ومناجم الفحم الحجري والكهرباء
والمعادن التي بمنزلة العد كالحديد والذهب والفوسفات وغير ذلك .
8- المصانع
تأخذ حكم المادة التي تصنعها ، فإن كانت المادة مما يمتلكها الأفراد كانت ملكية
فردية وإن كانت المادة من الملكية العامة
كانت المصانع كذلك وتشرِف عليها الدولة .
إن العلاج الوحيد
لأوضاع هذه الأمة ، هو العودة لنظام الحكم في الإسلام ، مصدر أفكار ومفاهيم
وقناعات الأمة ، لكي تعود الأمة موحدة في دولة واحدة ، تحمل رسالتها فتفيق من
غفوتها ، وتصبح أمة حية نشيطة معطاة ، تنشر الهدى وتقيم العدل ، فتزول المصادمات
وتختفي المعارضات وتتوقف محاولات الانفصال ، وتستعيد الأمة مكانتها في الصدارة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق