الأحد، 26 أكتوبر 2014

تساؤلات بحاجة إلى إجابة


يستنكر الكثيرون من المسلمين ، بل ويشعرون بالإحباط كلما سمعوا بحدوث مجزرة تنزل بالمسلمين كما هو حاصل في كوسوفو ويحصل في العراق بل وفي معظم البلاد الإسلامية ، مما يدعو للتساؤل :
 ما الذي دهى أمة الإسلام حتى غدت كقطيع من الغنم تعدو عليها الذئاب الضارية تنهش لحمها ؟  وما هي أسباب فقر وتخلف هذه الأمة عن غيرها من الأمم المتقدمة في حياتها وفي اقتصادها ؟
  إن الذي ينقذ أمة الإسلام من تخبطها واضطرابها وحيرتها وعذابها وذلها وعارها ، هو حلٌّ واحد ولا شيئ غيره ، إنه الحل الذي يتمثل في قيام مجتمع إسلامي صحيح  مجتمعٌ توجهه وتحكمه وتسوده عقيدة الإسلام ، ومفاهيم الإسلام ، وشعائر الإسلام ، ومشاعر الإسلام ، وأخلاق الإسلام   وتقاليد الإسلام ، وقوانين الإسلام .
لا كما يقوم على حكم الشعوب الإسلامية من يدّعون الأخذ بالاسلام ويزعمون أنهم موالون له  وليسوا غرباء عنه ، علماً بأنه لا يمكن أن يكون الحكم إسلامياً إلا أن يرى الناس في ظله نموذجاً للمجتمع المسلم ، وللأمة المسلمة ، التي تقوم على عقيدة الإسلام ، وأخلاق الإسلام ، ومفاهيم الإسلام ، كما كان الحال أيام الدولة الإسلامية التي استمرت ثلاثة عشر قرناً  فكان الانسجام والاستقرار   .
وإذا كانت الأفكار والمفاهيم والقناعات لدى الدولة مخالفة لأفكار وقناعات الأمة ، فإنه لا يكون هناك انسجام ولا استقرار، لأن عقيدة الإسلام لا ترضى أن تعيش على هامش الحياة ، بل من شأنها ان تسود الحياة كلّها ، وتوجه الأفكار والمفاهيم ، والأقوال والأعمال ، وبدون ذلك تكون الكراهية بين الحاكم والمحكوم ، ولا يطول عمر الدولة كما حدث للاتحاد السوفيتي المنهار . وتكون الدولة من غير جنس الأمة ، وتكثر الاضطرابات وتكثر قوى المعارضة ، وتكون فكرة التغيير ومحاولات الانفصال لديها قضية مصيرية ، كما هو حادث الآن في كوسوفو وكما حصل في البوسنة والهرسك والشيشان ، وغيرها من البلاد الإسلامية  .
وفي هذه الحقبة الزمنية التي تعيشها أمتنا اليوم تبرز قضية العمل للتغيير ، لاختلاف ما هو ناشئ عن عقيدة الأمة ، من أفكار ومفاهيم وقناعات مناقضة لأفكار ومفاهيم وقناعات الأنظمة التي تحكمها  وهذا ما جعل فئات المعارضة التي تنشد التغير تكثر في أوساط الأمة .
إن الحل الإسلامي هو الذي يتخذ الإسلام وحده مصدر الإلهام في الشئون الفكرية ، ومصدر الإلزام في الشئون العملية ، فليس بحلٍ إسلامي ذلك الذي يبيح الربا ويقرُّ البنوك الربوية بدعوى أنها دعامة الاقتصاد الحديث ، ولا يستطاع الاستغناء عنها ، فإن الله لم يحرّم علي الناس شيئاً يتعذر عليهم الاستغناء عنه أبدا ، فقد إعتبر الإسلام التعامل بالربا جريمة إعلان حرب على الله تعالى لقوله :{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله}.
والمشاريع الاقتصادية القائمة على قروض المراباة مشاريع خاسرة لقوله تعالى : {يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفارٍ أثيم }.
والحرية الشخصية التي هي جزء من مفهوم الديمقراطية ، التي تفتخر بها الأنظمة الحاكمة ، تبيح المتعة الجنسية بين الذكر والأنثى وبين الذكر والذكر بينما هي في نظر عقيدة الأمة زناً ولواطاً أي جريمة تصل العقوبة فيها حد القتل .
والجهاد الذي هو لنشر الإسلام وإخراج الناس من الكفر إلى الإيمان وهو من مفاهيم الأمة وقناعاتها بينما هو في مفهوم الدول الحالية إرهاب وتخريب ، لذلك لا تنتهي المصادمات حتى تأخذ الدولة بأفكار الأمة وقناعاتها ، وتصبح الدولة من جنس الأمة .
وأما الجواب على أسباب تخلف الأمة . فإنه ينظر إلى ذلك من ناحيتين ، إما أن تكون للأمة رسالة تحملها أو أنها لا تحمل رسالة ؟
فالأمة التي لها رسالة تحملها وتدعوا لها فهي أمة واعية معطاة تعطي ولا تأخذ ، متحركة نشيطة لها أفكارها ومفاهيمها وقناعاتها ،
أما الأمة التي لا رسالة لها أو أن لها رسالة ولكنها لا تعمل بها ولا تدعو لها ، فهي أمة ميتة تخلو من الوعي ولا تدرك ما يدور حولها ، مثلها كمثل النائم يكون حياً ولكنه غير واعٍ مادام نائماً .
لأن الرسالة في الأمة بمثابة الروح في الجسد ، فإذا خرجت الروح يفقد وعيه أو يموت كما ورد في قوله تعالى :{الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجلٍ مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.
فما دام الله ممسكاً روح النائم ، فإنه يبقى بلا وعي إلى أن يرسل الله له روحه فيدب فيه الوعي ويبدأ يدرك ما يدور حوله ، وهكذا الأمة الفاقدة لرسالتها تبقى في حالة غيبوبة لا تعرف طريقها ولا تدرك مسارها ، ولهذا كالأمة الإسلامية تعتبر في عداد النائمين لأنها لا تحمل رسالة .
ويوم كانت الأمة تحمل الرسالة ، كانت أمة حية واعية تصدرت قيادة الشعوب ، وتربعت فوق عروش الأمم ، وسادت العالم ردحاً من الزمن ، وأقامت العدل على مقاتل الجور وشادت الحرية على مذابح العبودية فكانت أمة عزيزة منيعة .
فلما تركت الرسالة عادت إلى الخلود في النوم العميق ، وفقدت أفكارها وقناعتها ، وصارت تستقبل مفاهيم وقناعات الدول المتقدمة ، ولهذا لا غرابة في فرض أمريكا أفكارها وقناعاتها على المسلمين مثل الديمقراطية ، والتعددية ، وحقوق الإنسان وسياسات السوق والخصخصة وغير ذلك من الأفكار ، وحينما تطرح علينا أفكارها فلا تطرح علينا الأفكار المتعلقة بالتكنولوجيا المتطورة ولا بأسرار الصناعات أو الاختراعات ، وإنما تطرح علينا الأفكار التي تزعزع عقيدتنا وتدمر مجتمعاتنا وتفسد أخلاقنا ، وتفرض علينا خدمة مصالحها ، فهي حينما تطرح علينا سياسات السوق مثلاً تريد أن نفتح أسواق بلادنا أمام منتجاتها المتقدمة ، وأمام استثماراتها ، وتريدنا أن نرفع الحواجز الجمركية والقيود مهما كان نوعها من أمام تجارتها لتكون هي المتحكمة في اقتصادنا ، لذا لن يتسنى لدول امتنا أن تخرج من بؤرة الفقر والتخلف ما دامت خاضعة للأفكار والقناعات الأمريكية .
إن لدى الأمة الإسلامية من الأفكار والمفاهيم والقناعات الصادقة ما ليس له وجود عند أمة من الأمم  لأنها أفكار من لدن حكيم عليم ، أما أنه حكيم فإنه يشرِّع الأحكام في محلها المناسب ، وأما أنه عليم فإنه يعلم ما تخفي الصدور فيضع التشريع لمعالجة ما في النفوس ، ولو أخذت الأفكار الإسلامية لكانت الأمة أقوى الأمم اقتصادياً وارقاها اجتماعياً ، وأقواها عسكرياً كما سبق لها أن كانت كذلك . ومن هذه الأفكار على سبيل المثال لا الحصر :
1- وحدة الأمة المجزأة خمسة وخمسين كياناً ، لقوله تعالى :{واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}.
2- وحدة الدولة لقوله : (إذا بويع  لإمامين فاقتلوا الآخر منهما ) . ولقوله : ( من جاءكم وأمركم جميع فأراد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه كائناً من كان ) .
3- السيادة للشرع ، أي أنه لا يجوز لأحد أن يصنع تشريعاً إلا الله ، لأنه لا يحابي أحداً من خلقه على أحد فكلهم خلقه ولا يظلم مثقال ذرة ولا حصانة لأحد في شرعه.
4- السلطان للأمة ، فهي التي تختار الحاكم بكل حرية ، وتعطية الولاء بشرط أن يحكمها بشرع الله .
5- الشورى حق من حقوق المسلمين على الحاكم قال تعالى :{وشاورهم في الأمر}.
6- الطاعة فرض على المسلمين للحاكم ما لم يأمر بمعصية .
7- الملكية العامة تشمل معظم مصادر الطاقة كالبترول والغاز ومناجم الفحم الحجري والكهرباء والمعادن التي بمنزلة العد كالحديد والذهب والفوسفات وغير ذلك .
8- المصانع تأخذ حكم المادة التي تصنعها ، فإن كانت المادة مما يمتلكها الأفراد كانت ملكية فردية  وإن كانت المادة من الملكية العامة كانت المصانع كذلك وتشرِف عليها الدولة .
إن العلاج الوحيد لأوضاع هذه الأمة ، هو العودة لنظام الحكم في الإسلام ، مصدر أفكار ومفاهيم وقناعات الأمة ، لكي تعود الأمة موحدة في دولة واحدة ، تحمل رسالتها فتفيق من غفوتها ، وتصبح أمة حية نشيطة معطاة ، تنشر الهدى وتقيم العدل ، فتزول المصادمات وتختفي المعارضات وتتوقف محاولات الانفصال ، وتستعيد الأمة مكانتها في الصدارة

                   



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق