إن
أعداء الإسلام يريدون أن يوصلوا المسلمين إلى حالة من اليأس والإحباط ، وإحساسهم
بالعجز وعدم القدرة على مواجهتهم وتهديد
مصالحهم
"فقد صدر في الولايات المتحدة تقريرٌ يسمى
-ستراتفور- يفيد بأن
التحدي الحقيقي الذي تواجهه أمريكا ليس في تنظيم القاعدة ، ولكنه في حالة الاستياء
الشديدة في المجتمعات العربية والإسلامية من السياسات الأمريكية ، وإن الإصرار على
ضرب العراق يهدف إلى خلخلة النفسية الإسلامية ، وإصابتها بالإحباط واليأس وإشعارها
بالعجز الشديد من إمكانية تهديد مصالحها " .
كما
أكد وزير الدفاع الأمريكي في حوار له مع قناة –CBS – الإخبارية " بأن الحرب النفسية
جزءٌ لا يتجزأ من أهداف الحملة الأمريكية على الإرهاب من اجل تأكيد هيمنتها وإيجاد
فراغٍ نفسي يُعْجِز الآخرين عن المعارضة" .
إن
الخطر الأشد من تهديدات أمريكا لأمة الإسلام والذي يجعلها لقمة سائغة لأعدائها ،
هو داء اليأس والقنوط ، وهو ما تسعى له أمريكا التي طغت وبغت ، وأمعنت في غدرها
وبطشها ، إلا أن المؤمنين بالله يرون في بطش اليهود والأمريكان وطغيانهم بداية
النهاية لهم . قال تعالى : }
حتى إذا استيأس الرُّسُلُ وظنوا أنهم قد كُذِبوا جاءهم نصرنا فنُجِّيَ
من نَّشاءُ ولا يُرَدُّ بأسُنا عن القوم المجرمين { يوسف110 .
حتى
في الآية تدل على أن هناك غاية ، وما دامت هناك غاية ، فلا بد أن بدايةً ما قد
سبقتها ، وما دام الله أرسل الرسل ، فقد ضمنوا النصر ، لكنهم استيأسوا عندما أبطأ
، مع أن هذا الإبطاء مقصودٌ من الله سبحانه ، لأنه يريد أن يُحمِّل المؤمنين مهمة
هداية البشرية في الأرض ، وإلى أن تقوم الساعة ، ولقد مرَّ رسولنا e
والرسل من قبله بمحن ، ولا بد أن تمرّ الأمة الإسلامية بمحنٍ إلى يوم الدين ، فمن
صبر على هذه المحن وخرج منها ناجحاً ، فهو أهل لتحمُّل مهمة هذه الهداية ويكون ممن استيأس ، لا من أهل اليأس لأن هناك فرقٌ بين من استيأس وبين من يأس فهناك أمل عند من استيأس ، بينما لا أمل عند
من يأس قال تعالى : }
ولا تيأسوا من رَّوحِ الله إنه لا ييأس من رَّوحِ الله إلا القومُ
الكافرون {
يوسف 87 ولعل إبطاء النصر لحكمة إلهية ،
قد تكون لإعطاء الكافرين غروراً يجعلهم يتمادون في غيّهم ، وحين يأتي النصر تتضاعف
فرحة المؤمنين ، ويتضاعف غمَُ الكافرين من الهزيمة التي تحل بهم .
أنا
لا أدعو إلى الإسراف في التعلُّق بالأماني والتطلُّع إلى السراب ، كما لا أريد أن
نظل منكسي الرؤوس في مستنقعات الهزيمة ومواطن الذل والإهانة ، ولا أريد أن نغالط
أنفسنا ونركِّز على الخسائر والهزائم فقط ، وننظر إلى واقع الأمة بتشاؤم وإحباط ،
لا أريد ذلك لأني اعتقد بأن الأمل بالخلاص من هذا الواقع الأليم هو عقيدةٌ راسخة
نؤمن بها ، وإني أحذِّر من اليأس لأنه حيلة العاجز الذي يؤثر الانسحاب والانعزال ،
ويفقد طريقه إلى النهوض من جديد ، وهذا من أعظم الخدمات التي نقدمها لأعدائنا .
قال
صاحب الظلال : " والذي ييأس في الضرِّ من عون الله ، يفقد كلَّ نافذةٍ مضيئة
، وكلَّ نسمةٍ رخيّة ، وكلَّ رجاء في الفرج ، ويستبد به الضيق ويثقل على صدره
الكرب ، فيزيد هذا من وقع الكرب والبلاء .. إذ لا سبيل إلى احتمال البلاء إلا
بالرجاء في نصر الله ، ولا سبيل إلى الفرج إلا بالتوجه إلى الله ، ولا سبيل إلى
الاستعلاء على الضرّ والكفاح للخلاص إلا بالاستعانة بالله وكل حركة يائسة لا ثمن لها ولا نتيجة إلا
زيادة الكرب ومضاعفة الشعور به " .
والمؤمن
الحق لا تزلزله المحن ولاتهدّه المكائد ، بل يدعوه ذلك إلى مزيدٍ من العطاء والبذل
والتضحية لدين الله ، ويبقى راسخاً بعقيدته . قال تعالى : } وكأين من نبيٍ قاتل معه
رِبِيُّون كثير ، فما وهَنُوا لما لأصابهم في سبيل الله ، وما ضَعُفُوا وما
استكانوا ، والله يحب الصابرين . وما كان قولَهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا
ذنوبنا وإسرافنا في امرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، فآتاهم الله
ثواب الدنيا وحسنَ ثوابِ الآخرة والله يحب المحسنين { آل
عمران 146 .
إن
الوهن والضعف الذي تعاني منه الأمة ، ينبغي ألا يشغلهم عن الإعداد للمعركة مع
أعداء الله لأنهم لو أعدوا العدة وصبروا
لأمدَّهم الله بمدد من عنده ، وكأن الله ينبهنا في قوله } ربنا اغفر لنا ذنوبنا {
إلى أنه لا يصيبنا شيء إلا بذنبٍ من الغفلة ارتكبناه ، وقد فهم عمر بن الخطاب هذا
الفهم عندما قال : " إنكم تنتصرون على عدوكم
بطاعة الله ، فإن استويتم أنتم وهم في المعصية غلبوكم بعدتهم وعددهم "
. فها هم اليهود لهم الغلبة بما وصلوا إليه من أعلى درجات الاستعداد وبما حدث منهم
من شبه استقامة على المنهج ، أو على الأقل بمقدار ما تراجع المسلمون عن منهج الله
، لأن هذه سنة كونية ، فمن استحق الغلبة فهي له ، لأن الله سبحانه وتعالى منـزه عن
الظلم حتى مع أعداء دينه ومنهجه ، والدليل على ذلك ما وصل إليه المسلمون بتخليهم
عن منهج ربهم . وعند الرجوع إلى منهج الله ستكون لنا
الغلبة
والقوة ، وستعود لنا الكرَّةُ على اليهود الذين يشكلون مصدر قلق وإزعاج ، وقد يكون
لوجودهم حكمة ، لأن شقاء الناس على أيديهم يلفتهم إلى الإيمان ، فلا يرون لهم
راحةً إلا بالإيمان بالله ، وعلى مرّ العصور لو لم يكن الكفر الذي يؤذي الناس
ويقلق حياتهم ما التفتوا إلى الإيمان .
ولم
لا يكون لنا في رسل الله e
وأنبيائه قدوة فكم من نبيٍ قاتلت معه
جماعات كثيرة ، فما ضعفت نفوسهم لما أصابهم من البلاء والكرب والشدّة ، وما ضعفت
قواهم عن الاستمرار في جهاد الأعداء ، وما استسلموا للأعداء ، شأنهم شأن المؤمنين
الذين يدافعون عن دين ٍ وعقيدة وقد كانوا
في غاية الأدب في حق الله وهم يواجهون الشدائد والأخطار ، فكان توجههم إلى الله لا
ليطلبوا النصر ، وإنما لطلب العفو والمغفرة والاعتراف بالذنب والخطيئة ، قبل طلب
الثبات والنصر على الأعداء ، فكانوا من المحسنين بشهادة الله لهم . إنها تربيةٌ
تملأ القلب بمعينٍ من القوة لا يضعف ولا ينهزم ، لأن من تربى في مدرسة النبوة لا
يتطرق الوهن إلى قلبه ، بل تراه صابراً ثابتاً وإن أحاطت به المحن من كل جانب .
إن
من أولى الأوليات أن نشيع الأمل في نفوس الناس
الأمل الذي يدعوا إلى الثبات على دين الله والسير على خطاه وتحقيق منهجه في
الحياة كما يجب أن نفهم بأن نصر الله لن
يتنـزل على المؤمنين بمعجزة خارقة ولكن بسنة جارية ، يمتحن فيها العباد ليبلوهم
الله أيهم احسن عملا ، وهذا لن يتحقق بموعظة تتلى أو خطبةٍ تلقى فحسب ولكن بقدرات
صالحةٍ قوية في دين الله ، صدَّقت بما وعد الله به عباده المتقين قال تعالى : }
ولو يشاءُ اللهُ لأنتصر منهم ولكن ليبلو بعضَكُم ببعض والذين قُتِلوا
في سبيل الله فلن يُضلَّ أعمالَهم سيهديهم
ويُصلِحُ بالَهُم ، ويُدخِلُهُم الجنَّةَ عرَّفَها لهم يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله
ينْصُرْكُم ويثبتْ أقدامكم {
محمد 7.6 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق