السبت، 25 أكتوبر 2014

الطغاة والإرهاب


نحن ممن ذقنا طعم الإرهاب فما يجري في فلسطين والعراق من قتل وهدم وتشريد لأعدادٍ كبيرة من أبنائه جراء الحصار الظالم ، واختراع أنواع خبيثة من القرارات كانت وما زالت ألا بعد ذلك إرهابا ؟ فاحتلال فلسطين وتشريد شعبها ، كان بإرهاب الدعم الأمريكي للصهاينة ، والمذابح التي نسمع عنها في الجزائر بين الحين والحين ، والتي يرتكبها اليهود   وما زالت ، ودعم شارون وعصابته بالتأييد السياسي والتسليح العسكري وإطلاق يده على شعب أعزل يطالب بوطنه ، ألا يعتبر ذلك أبشع أنوا الإرهاب ؟ إن في ذلك دلالة على أن الشعوب العربية والإسلامية هي محل تنفيذ كل عمل إرهابي ، على مرأى ومسمع العالم أجمع ، الذي اكتفى في بعض الأحيان بتوجيه اللوم لما يجري ، فلماذا أعلنت الحرب عندما حصل هذا وللمرة الأولى في بلادهم وقد يكون العقل المدبر لذلك هم الصهاينة  لاستفزاز أمريكا لشن حرب على المسلمين  في أفغانستان  وعلى كل من يقف حجر عثرة في طريق اليهود والهيمنة الأجنبية على مقدرات العالم الإسلامي  ولماذا يتهم العرب والمسلمون بالإرهاب ؟ وهم الذين تعرضوا ويتعرضون للإرهاب ؟ فمن الذي ارتكب مجازر صبرا و شاتيلا ؟ ومن الذي حرق وقتل وجرح عشرات النساء في ملجأ العامرية ؟ ومن الذي ارتكب ابشع المجازر ضد الفلسطينيين الذين طردوا من أرضهم ؟ ومن الذي دمَّر يوغسلافيا ؟ ألا يعد ذلك إرهاباً ولكنها السياسة الخرقاء ، والعنف يتوالى واليهود ينفثون حقدهم ويعرضون عبر وسائل الإعلام وكل القنوات السرِّية والعلنية عدائهم للعرب والمسلمين ، فلماذا لا يتوجع الساسة الأمريكيون على المدنيين الأبرياء ؟ لماذا لا يتوجعون على الإبادة الجماعية التي نفذوها في العراق ، وما زالوا بالقصف والحصار ؟ وعلى ما يقوم به اليهود في فلسطين بالتصفية الجسدية المنظمة جهاراً نهاراً وبالأسلحة الأمريكية . وعلى ما جرى  في مخيم رفح يوم أمس صورة مصغّرة لما حصل في أمريكا ، وما حصل للمسجونين المسلمين في الصين ، الذين اعدموا قبل أيام رمياً بالرصاص على مشهد عامة الناس ، ولماذا لا يقال هذا إرهاب صيني ضد المدنيين الأبرياء ذنبهم أنهم مسلمين وبالله موحدين ، فلماذا لا يتوجع الأمريكيون على هؤلاء وأولئك ولماذا هذا الإصرار الأمريكي الغربي والذي تنفخ فيه الصهيونية وتغذيه على لصق الإرهاب بالعرب والمسلمين ؟ أليس في أمريكا والغرب منظمات إرهابية ومافيات عديدة وعنيفة  فلماذا هذا العداء ضد العرب والمسلمين لا بل ضد الإسلام ، مما يدعو للتساؤل : هل الإسلام وتعاليمه ومن يعتنقونه على الهامش لا قيمة ولا كيان ؟ نعم هذا هو الواقع حيث يلتف المسلمون حول النظم الوضعية وواضعيها مهملين الإسلام ، ونظمه ، فأين الغيرة لله ولدينه ولرسوله وللمؤمنين ؟ وأين الغضب لله الذي هو عنوان الإيمان حينما يساء للإسلام وقيمه ورموزه    ولماذا يترك لأرباب الكفر الاساءه للإسلام ؟ ولا يجوز للمسلمين العمل على رد الإساءة ، ولماذا يحاولون دائماً النيل من الإسلام ؟ أتدرون لماذا ؟
لأنهم يعرفون من تاريخهم كله ، أنه لم يغلبهم إلا الإسلام يوم كان يحكم الحياة ، وأنهم غالبوا أهله طالما لم يحكِّمه أهله في حياتهم ، وإذا كان هذا هو الواقع ، فلماذا لا يرفع شعاراً واحداً يوجد بين المسلمين ، كما يرفعوا شعاراتهم التي وحدتهم   فشعار المجتمع الشيوعي (يا عمال العالم اتحدوا) والأمريكيون رفعوا شعار (بالله نثق) والفرنسيون (حرية  إخاء  مساواة ) أما المسلمون فتوحد بينهم كلمة الشهادة التي نرددها صباح مساء  هذه الكلمة تمثل شعاراً حقيقياً للإسلام عقيدة وفكراً ونظاماً ، ويمكن من خلال مفهومها أن تستيعد الأمة ما فقدته في ظل غطرسة الدول الطاغية لطغيانها الذي تنـزله بالأمم والشعوب   فتدمر كيانها وتهلك أهلها وتأتى على الأخضر واليابس فيها ، وحين يزداد الطغيان بين الناس وتستشري شروره ، يركن الناس إلى الطغاة ويستمرئون الخضوع والاستكانة لمظالمهم وطغيانهم ، بدل مقاومتهم والوقوف في وجههم   فقد يعمهم الله بالعذاب ويحاسبهم على ذلك محاسبتة للطغاة أنفسهم ، كان فرعون مثلاً صارخاً  للطاغية المتجبر ، وكان قومه صورة للأقوام التي خضعت وتابعت الطاغية ، فوصل الأمر بفرعون إلى إدعاء الألوهية والاستخفاف بعقول الناس ، والإعراض عن كل الآيات التي جاءت من الله حتى أهلكه الله وقومه ، وقد ضربت المثل بفرعون لتقريب ملامح طغاة هذا العصر مع اختلاف الألوان وتغيير العناوين والشعارات ، وما قص الله علينا في القرآن الكريم قصة فرعون إلا لنتعظ ونعتبر ونتدبر ، فلا نقع فيما وقع فيه قوم فرعون ، والقصة كما وردت في سورة القصص ، تبرز يد القدرة الإلهية متحديةً تضرب الظلم والطغيان عندما يعجز عن ضربها البشر ، فتنصر المستضعفين الذين لا حول لهم ولا قوة ، وتمكن للمعذبين الذين لا حيلة لهم ولا وقاية ، كما دلت القصة على أن الشر حين يتمحص يحمل سبب هلاكه في ذاته ، والبغيَ حين يتمرد لا يحتاج الى من يدفعه ، بل تتدخل يد القدرة وتأخذ بيد المستضعفين المعتدى عليهم فتنقذهم ، فعندما علا فرعون وهو مثال الطاغية المتجبر   والطغاة تخدعهم قوتهم وسطوتهم   وينسون إرادة الله وتقديره ، ويحسبون أنهم يختارون لأنفسهم ما يحبون ولأعدائهم ما يشاءون   ويظنون أنهم على هذا وذاك قادرون ، ولكن الله يقدِّر غير ما يقدِّرون .
ومن استعرض الآيات القرآنية يتبين كثيراً من سمات من يكون فرعوني المنهج ، كالحكم بغير ما أنزل الله وإدعاء الألوهية جاء على لسان فرعون قول الله تعالى :}ما علمت لكم من إله غيري{ . فقد تحكَّم بالناس وأمرهم بما يراه متفقاً مع أهوائه ومصالحه بدعوى العمل لخير الناس وأمنهم وسلامتهم  وذلك مقترن بخضوع الناس للطاغية وسكوتهم عن مظالمه ، وخوفهم من سطوته ونسيانهم لقدرة ربهم وآخرتهم ، مما جعلهم مستعبدين للظالم  معلنين عن تبعيتهم له ولطغيانه  فاصبحوا من المضللين الذين استعبدهم الطغاة وأذلوهم حتى أفسدوا فطرهم ورموهم بشتى التهم والأباطيل .
والطاغية متجبر لا يصغي لغير نفسه ، ولا يستمع للبرهان القاطع ، ولا يصغي للحجة المقنعة ، بل يتوعد ويهدد ويلجأ إلى كل المحاولات للتنكيل بالمعارضين والبطش بهم مستعينا بالأعوان للتضليل والإفساد ، وتزيين الباطل للناس وإنفاذ رغباته   ويستمر في حشد الحشود والأعوان والأتباع التي تنكِّل بالناس وترصد حركاتهم وتبطش بهم   ويتعالى على الناس بما لديه من قوة وسلاح وسلطان ، تماماً كفرعون الذي قال الله فيه :
}واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير حق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون {.القصص 39
ولكن الله للطغاة وأعوانهم ولكل من يشايعهم ويخضع لهم بالمرصاد قال تعالى :
} وأتْبعناهم في هذه الدنيا لعنةً ويوم القيامة هم المقبوحين{ .القصص 42-40
إن الله لا يقبل الحجج والمبررات في اتباع الظالمين   والخضوع للطغاة والجبارين أياً كانت الأسباب والحجج ، لأن في ذلك إنكاراً لقدرة الله وتكذيباً لما عنده ، والأصل في المؤمن أن لا يخشى إلا الله ولا يخضع إلا لسلطانه ، ولا يرضى بغير الحق ، ولا يشايع الباطل والظلم والطغيان ، حتى لا يرد مورد الطغاة ، كما حلَّ بفرعون وقومه   ولذلك ضرب الله لنا أمثله رائعة في إنكار المنكر والتبرؤ من الطغيان والخروج على طغيانه وعدم الاكتراث بما يحصل بالمنكرين . وإن نسيان ذلك من الناس يضلهم في الحياة ، فيجعلهم أشياعاً للباطل وجنوداً للطغاة الظالمين ، الذين لا يكفُّون عن تسخيرهم لغير ما انزل الله  وامتلاك إرادتهم وعقولهم وقلوبهم ، فهل يستيقظ الناس وهم يعيشون محنة من أقسى ما عرف العالم الإسلامي من المحن ، ويمرون في حنايا فتنة كبيرة ، نسأل الله أن يجعلها نصراً للحق والإسلام والمسلمين .
لماذا يستأسدوا على الصديق والقريب ويستخذوا للعدو والغريب ، لماذا يتعاونوا مع من أهانونا ومرغوا كرامتنا بالتراب ، ويتلهون بآلامنا ويتاجرون بمآسينا ويتآمرون على مصيرنا ، لماذا ؟ ولماذا .. نستطيع أن نرسم ألف لماذا دون أن نجد لها جواباً شافيا .
 أما آن لنا أن ندرك أن المواقف التي دوخونا بها وفرضوها علينا لم تثمر إلا الخزي ولم تنجب إلا عملاء وانهزاميين ، بدل أن يخلصوا للأرض والعقيدة ، أخلصوا للأنظمة الفاجرة الظالمة ، في صراعٍ مخيف تسقط له الضحايا ، وتنـزف فيه الدماء .
إن الطغاة يدركون أن حربهم موجهةٌ في عنفها وشراستها ضد الحضارة الإسلامية ، لإبعاد  المسلم عن دينه وإيمانه ، لأنهم يعلمون أن الإسلام هو الخطر الأكبر الذي يمحق الغزاة والمتآمرين   عرفوا ذلك وتجاهلناه ، نراوح بين الرفض والقبول ولا نعرف ماذا نقول يا أمةً ضحكت من جهلها الأمم . أمّة ابتعدت عن الدين ففقدت الحافز وفقدت الإيمان . وما علينا أن نوطن أنفسنا بسلاح التقوى واليقين ، ونتلمس طريقنا من جديد ، ونهتف كما هتف آباؤنا الله أكبر والعزة للمؤمنين .  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق