السبت، 25 أكتوبر 2014

الصــلاة


قال تعالى : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين } البقرة 43 .
 الصلاة من أهم أركان الإسلام ، وأساس  العبادة   وهي تمثل الصلة بين العبد وربه، وهي أساس حياة المؤمن ، لا يتركها أبدا ، ولا يستحق المفرط فيها احتراما ، لا من الخالق ، ولا من المخلوق ، وفي الصلاة يتجه الناس إلى الله وحده بالعبادة ، وبهذا يرتفعون عن عبادة العباد ، وعبادة الأشياء  ويحنون جباههم لله ، لا للعبيد ، وهذا هو مصدر قوة الإيمان ، وعامل من عوامل تربيته الشخصية وجعلها ربانية التصور والشعور والسلوك .
إنها ترجمةٌ حية وتجسيد عملي ، لعبودية الإنسان لله سبحانه وتعالى ، لأن الإنسان فيها لا يسجد إلا لمن يعتقد وجوده وعظمته ، وبذلك جُعلت عماد الدين ، وهي صفة للنفوس المتفتحة ، تعرج أرواحهم عليها وبها ،كل يوم خمس مرات إلى الملأ الأعلى ، أما النفوس المغلقة ، التي سادها الغباء والجهل ،وغشيتها الظلمات ، فهي أبعد من أن تتجه إلى الله في الصلاة ، التي تُعد طهارةً معنوية ، من رجس الحياة ، ومفاسد الترف ،ولا قيمة لمجتمع لا يصلي ، بل لا قيمة للوجود كله  ما لم يخشع لله في صلاةٍ عابدة .
 إن كل ما يُزْعِجُنا في هذه الحياة الدنيا ، إنما ينـزاحُ عن القلب ، بركعات خاشعة ، ولذا كان رسول الله وأصحابه إذا دهمتهم الخطوب  فزعوا إلى الصلاة ، واتجهوا إلى الله، ومن ذا يقدر على كشف الضُّرِ سواه ، وكل وحشةٍ يستشعرها المؤمن في دنياه ، ينبغي أن يلتمس لها الأنس في رحاب الله .والصلاة أعظمُ طاقةٍ لتحريرِ الفردِ والجماعة ، وقد كانت وسيلة النصر الأولى  ولذلك أقامها الرسول بوحي من الله في ميادين القتال.
 إن إقامة الصلاة ، هي مفرق الطريق بين الهدى والضلال ، فلا خير فيمن لا يصلي ،لأنه عبد لنفسه وعبد لشهواته ، ولا ثقة فيه لأنه قطع ما بينه وبين ربه ، فكيف يصل ما بينه وبين الناس ،ومن لا خير له في ربه ، فلا خير له في أُمته ومهما تظاهر تارك الصلاة ، بالتمسك بالإيمان  وادعاء التقوى ، فإنه كذبٌ ونفاق ، إن هذا وأمثاله ، يجب أن يبعدوا عن مواقع العمل الهامة لأنهم لا يحتكمون إلى ربهم ، بل إلى شهواتهم  .
 أراد عمر يوما أن يبحث عن قائدٍ لجيشه في حرب الروم ، فانتدب أكفأ القادة ، وأحزم الولاة  من خلال خشوعهم في الصلاة ، ثم من خلال مواهبهم في الحياة ، فهذا  النعمان بن مُقْرِنْ   قائد معركة نهاوند المشهورة ، لم يكن عمر يعرف اسمه ، لكنه حين دخل المسجد ، رأى رجلاً يصلي صلاة خاشعة ، فامتلأ قَلْبُه إعجاباً به  وامتلأت نَفْسُه ثقة فيه ، فقال عمر من هذا فقيل له النعمان بن مقرن فقال عليّ به ، فلما مثل بين يديه قال له: قد انتدبتك لأمر عظيم ، فقال يا أمير المؤمنين إن كنت تريدني لجمع الصدقات ، فأني لا أصلح لذلك ، فقال له عمر: بل أردتك للاستشهاد ، ثم ولاه إمارة الجيش ، وكانت أول أعماله في المعركة ، أن طلب من جنده أن يرفعوا أيديهم قائلا لهم : أيها الناس إني داعٍ فأمنوا قال: اللهم ارزق النعمان استشهاداً في سبيلك ، تَفْتَحُ به على المسلمين فقالوا : آمين ، ثم ألتحمُ مع العدو حتى تحقق النصر، ولكنه ربح ثمن ذلك ، أن أستشهد  في تلك الموقعة ، تلك هي آثار القيادة المؤمنة المصلية ،لم يدع اللَّه أن ينجو من الموت ولم يتطلع لمغنم زائف  أو سمعه تافه ، إنما طلب الاستشهاد في سبيل اللَّه .
 ولعظم الصلاة كان رسول اللًّه لا يلهيه عنها حرب ولا سلم ، وكان إذا حضر وقتها   قام كأنه لا يعرف أهله ولا يعرفونه ، وكانت آخر كلمه نطق بها قبل أن يلتحق  بالرفيق الأعلى  فقد سُمع وهو يحرك  شفتيه ، يقول الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم ، وكان إذا صلى وحده أطال ، وإذا صلى بالناس اعتدل ، وكان يقول : من أم فليُخفْفْ . وكان كلُّ أمره سهولةً ويسرا .
 ومن آثار الصلاة ، تهذيب النفس ، وتزكية الروح ، والارتفاع عن الدنايا ، أما تلك الحركات السريعة في صلاة كثيرٍ من الناس  وقلبهم مشغول وأمرهم شتات ، فلا تزكى منهم نفساً ، ولا  تنقي ضميرا ، ولا تنهى عن منكر  بخلاف الصلاة التي يريدها الله من عباده ،صلاة تمحو من النفس الوقت وشواغله ، والحياة وصوارفها ، فلا نفكر فيها ونحن بين يدي ربنا  الذي أنعم علينا بهذا التكليف .
 وما أجمل أن نأخذ النشء بها في الصغر، ليشب على الطهارة والنقاء. وما أجمل أن تحتفي المدارس بها ، أداءً عملياً في أوقاتها ، لينصهر الشباب في جوها ، ويتعودوا أداءها ، فان أكثرهم لا يعرف إليها سبيلا ، وما أجمل أن يكون الرؤساء والقادة  على اختلاف مواقعهم ، مصلين عابدين ، حتى يقتديَ بهم مَنْ حولهم ، لأن فريضة الصلاة من الفرائض ، التي تعتبر وسيلةً من وسائل التطهر  ورافداً من روافد الخير والفضيلة ، فإذا أزهرت الفضيلة في غير بيئة التدين ، تكون فضيلةً مصطنعةً براقة خادعه ، تُطَبَقُ حين تتفق مع مصالح أصحابها ، وتُتْرَكُ حين تعارضها .
 فالعبادة الحق هي التي تطهر النفس ، وتزكي الخُلُقْ ، وتحقق في مجتمع الإيمان ، طهراً ونبلاً وارتبطـاً بالله ، في الشدَّة والرخاء . قال تعالى :{ وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر }العنكبوت 45. فلا قيمةَ لعبادةٍ لا تزكي  نفس صاحبها ، ولا تطهر سلوكه قال : (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً)   أحرجه ابن معبد في كتاب الطاعة والمعصية من حديث الحسن مرسلاً بإسنادٍ صحيح .
وما أحوج الإنسان إلى عمل ، يُبْعده عن الفحشاء والمنكر ، ويطهره من الدنس والرجس  ويدخله في عالم قدسي ،كله إيمان وصفاء وكمال  ولا شئ يؤدي إلى هذا  التكامل كالصلاة المقبولة صلاة يتخللها خشوع وخضوع ، وبكاءٌ من خوف الله . قال تعالى :( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ) المؤمنون 2.
إن صلاة غالبية الناس ،عاديه ميكانيكية ،لا يلتذون بها ،ولا ينالون فيها فرح الاتصال بالله  علماً بان الرسول كان إذا جاء وقت الصلاة  يقول : ( أرحنا بها يا بلال ) فطوبى لأولئك الذين خشعوا في صلاتهم ، وبكوا على ذنوبهم  شوقــا إلى لقاء الله ،طوبى لهم وحسن مآب  والحذر من التهاون في الصلاة ، أو تأخيرها عن أوقاتها ، أو التكاسل في إقامتها أو السهو عنها   أو المراءاةِ فيها ، فقد ذم الله المنافقين ،حيث وصفهم فقال: ( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا)النساء 147 .
  فمن حافظ على الصلاة ، في جميع الأوقات وواظب على الجمع والجماعات ، وأداهنَّ بخشوع وخضوع ، استنار قلبه ، وتهذبت نفسه  وحسنت مع الله والناس معاملته ، وحيل بينه وبين المحرمات ، أما من خلت صلواتهم من التذلل والخضوع ، يسارعون في أدائها وهم عنها غافلون لا يعرفون لها معنى ، ولا يعقلون لها سرا ، ولا يشعروا بحلاوة الطاعة ، ولذة المناجاة ، ملكتهم الوساوس ، وامتلأت قلوبهم بشواغل الدنيا ، فقد حذَّرهم رسول الله بأن المرء ليس لـه من صلاتــه إلا ما عقل منها . أما من عميت أبصارهم ، وتحجرت ضمائرهم،  فأضاعوا الصلاة ، واتبعوا الشهوات ، وأهملوا أوامر الله  وغفلوا عن  واجب الشكر، ولم يخافوا جبروت الله   ولا سوء الحساب ، ولا نار العذاب    هؤلاء نسوا الله فأنساهم أنفسهم ، وقال فيهم (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) الماعون 5 .
 فيا أيها المتهاون في الصلاة المضيع لأوقاتها ، المتبع لشهواته وملذاته ، ماذا ترجو من هذه الدنيا الفانية ، وماذا تؤمل من دارٍ، نعيمها زائل وهمها دائم ، فلم لا تحافظ على صلاتك ، وتكون مع الفائزين . قال تعالى في الحديث القدسي ( يا ابن آدم تفرغ لعبادتي ، أملأ صدرك غنى ، وأسد فقرك ، وإن لم تفعل ، ملأت صدرك شغلاً ، ولم أسد فقرك )0  ولعظم مكانة الصلاة عند الله  فإنها أول ما يحاسب العباد عليها قال رسول الله .( أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة فان صلحت صلح سائر عمله ، وان فسدت فسد سائر عمله ) رواه ابن عساكر والطبراني .
وقد توعد الله من يُضَيِّعْها أو يتكاسل عنها ، أو أداها على غير الوجه المطلوب فيها ، بالطرد من حظيرته ، والإبعاد من رحمته ، والحرمان من جنته  ففي الحديث عن النبي عليه السلام (لا تترك الصلاة متعمداً فإنه من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله ورسوله ) رواه أحمد بسند صحيح . وكان أصحاب رسول الله لا يرون من  الأعمال تركه كفر غير الصلاة ، وقال عليه السلام في شان المنافقين ، الذين أظهروا الإسلام  وأخفوا الكفر والطغيان (العهد الذي بيننا و بينهم الصلاة فمن ترك الصلاة فقد كفر) رواه الحاكم .
واخبر الله تعالى أن من ترك الصلاة عاقبته سقر التي لاتبقي ولا تذر قال تعالى ( ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ) المدثر 42 .
 فبادر يا أخي المسلم ، إلى الصلاة في أول أوقاتها حتى تكون من المفلحين ، وراعي فيها إتمام الركوع  والسجود والخشوع ، وإياك والتكاسل عنها ، فإن ذلك  يورث النفاق . ويسبب الهلاك  والأفضل أن تُؤدى في أوقاتها ، ومع الجماعة  ومن حافظ على الجماعة ، فقد أعد الله له الثواب العظيم ، والأجر  الكبير، وَبَشَّرَ  المشائين إلى المساجد في الظُلَمِ بالنور التام يوم القيامة ، والذي تعلق قلبه في المساجد ، يحشره الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .
وقد أعد الله ثواباً عظيماً، لمن أداها جماعة في المسجد فقال : (من صلى لله أربعين يوماً في جماعه يدرك التكبيرة الأولى ،كتبت له براءتان  براءة من النار وبراءة من النفاق) .
أخي المسلم ، إليك بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالصلاة
شروط الصلاة : لها تسعة شروط وهي .. الإسلام  ،  العقل  ،  التمييز  ،  الطهارة    ستر العورة  ،  اجتناب النجاسة  ،  العلم بدخول الوقت  ،  استقبال القبلة  ،  النية بالقصد
أركان الصلاة :  أربع عشره وهي .. القيام مع القدرة  ،  تكبيرة الإحرام  ،  قراءةُ الفاتحة
الركوع  ،  الرفع من الركوع ، روى البحاري عن حذيفة : انه رأى رجلاً يُصلي لا يتم ركوع الصلاة ولا سجودها فقال له حذيفة : ما صليت ولو مت وأنت تصلي هذه الصلاة  مت على غير فطرة محمدٍ ( ص ) ، ثم الاعتدال    السجود  ،  الرفع من السجود  ،  الجلوس
بين السجدتين  ،  الطمأنينة في الجميع    الترتيب  ،  التشهد الأخير  ،  الجلوس للتشهد الأخير  ،  التسليمة الأولى 
أما المبطلات  :  فثمانية هي .. الكلام العمد    الضحك  ،  الأكل والشرب  ،  كشف العورة    الانحراف عن جهة القبلة  ،  العبث الكثير    حدوث النجاسة 

وأخيراً الواجبات :  ثمانية هي .. التكبيرات غير تكبيرة الإحرام  ،  قول سمع الله لمن حمده للإمام  وللمنفرد ربنا ولك الحمد  ،  تسبيح الركوع    تسبيح السجود  ،  قول رب اغفر لي بين السجدتين  ،  التشهد الأول لأن النبي ( ص ) فعله وداوم عليه وسجد سجود السهو حين نسيه  ،  الجلوس للتشهد الأول .    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق