السبت، 25 أكتوبر 2014

الخلف المتخاذل


قال تعالى :} فخلف  من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا {. 59 مريم .
في الآية ما يدل على الالتزام بمنهج الله ، وتنديد بالضعف والتخاذل والتغيير الذي يعزل الأمة عن منهج ربها ، وقد ذكرت الآية إضاعة الصلاة   لأنهم إذا أضاعوها ، فهم لسواها من الواجبات أضيع ، فهي عماد الدين وقوامه ، كما بين الله أنهم سيلقون الشرَّ والعذاب جزاء على معصيتهم وتمردهم ، وقد بين النبي e المنهج القويم لهذه الأمة  الذي يحفظ لها وحدتها وشخصيتها ، المتمثلة بالمنهج الرباني ، فقال : ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله ) . رواه مالك .
والأمة الإسلامية كباقي الأمم ، تجري عليها سنن الله الكونية ، يصيبها ما يصيب الأمم الأخرى ، من وهن وضعف وتمزق واختلاف ، حتى طمع بها الطامعون ، واعتدى عليها المعتدون ، وتحكَّم فيها الكافرون ، ونست الجهاد وأدمنت واستكانة للرقاد  وفشا فيها الظلم والفساد ، وأُعطيت المناصب فيها لغير أربابها المستحقين لها ، وأُسندت أعلى المناصب فيها لمن تركوا القتال وأنكروا الجهاد ، فطأطئوا رؤوسهم وخرست ألسنتهم وانشلّت حركتهم  حتى كاد الجماد يتحرك وينطق  وهم لا ينطقون  لأنهم في غيهم يعمهون ، وبالدين والمسلمين لا يعبأون ، وواقع حالهم ينتظرون أن يفعل بهم ما فُعل بأجدادهم من قبل التتار ، حيث كان الرجل من التتار يحبس أربعين فرداً من المسلمين ثم يقول لهم انتظروني لأحضر سيفي فأشبعه فيكم قتلا   فينتظرون ليذبحوا ذبح الشياه ، فتسيل الدماء في شوارع بغداد ، وتختلط بمياه دجله والفرات ، أمةٌ هذا حالها محالٌ أن تلبي نداء الواجب أو تستجيب لداعي الله  
 وها نحن نرى إخواناًً لنا في فلسطين يذبحون والمسلمون يتفرجون ، وكأنهم يحسّنون للذبيحة ولا يتوارون من الفضيحة ، ولا يعبأون بما يجري في الضفة الجريحة ، وهم على السرر المريحة وقواهم كسيحة ، ويعيشون في حياتهم كالنطيحة ، فلا الأيدي تنطلق ، ولا الألسنة تنطق ، لنخوة ضاعت  وشهامة فقدت ، وإنسانية مُحيت ، ألا يدعو ذلك للعجب ؟ أن تصبح أمة بيدها كتاب الله في حالة من الفوضى والتخلف الذي حذرنا الله منه بقوله :  } ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم { الحشر 19.
فنسيان الذات معناه فقدان الهوية ، ومن فقدها يهيم في هذه الحياة بلا رابطة ولا هدف ، يرفعه عن السائمة التي ترعى ، وفي هذا نسيان لإنسانية الإنسان لنفسه ، فلا يدخر زاداً للحياة الآخرة وهو ما حذر منه النبي e عندما قال : ( يوشك أن يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه  ولا يبقى من القرآن إلا رسمه ، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدي ، علماؤهم شر من تحت أديم السماء ، من عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود ) رواه البيهقي في شعب الإيمان .
هذا الحديث يشكل تحذيراً عاماً للأمة من الانحراف عن هدى محمد e والانخراط في الفتن .
وأن يتحول الإسلام إلى مجرد طقوس شكليه  والقرآن الكريم إلى مجرد أصوات جميلة ولحن عذب تستمتع به الآذان دون العقول ، وتعيه الأبصار دون البصائر ، بخلاف واقع الإسلام في عهده الأول الذي كان عقيدة وقولاً وعملاً ، سعى الرسول e من خلاله إلى إقامة الأمة الصالحة القادرة على إقامة منهج الله في الأرض ، والعمل على تبليغه بشتى الوسائل ، وقد اختلفت الحال هذه الأيام لا من حيث تعاليمه المحفوظة في الكتاب والسنة بل من حيث تطبيقه ، وجمود المسلمين وتمزقهم وتحولهم إلى شعوب مشرذمة متخلفة ، تجسد صورة سيئة للأمة المتهالكة الموشكة على الفناء ، وكأنها غثاء السيل كما ذكر النبي e  .
إن لم صفوف الأمة وإعادة وحدتها لا يتم إلا بالتأكيد على الكليات التي يلتقي عليها المسلمون  من قواعد الإيمان وأركان الإسلام ونبذ الفرقة وفهم الواقع والبعد عن الوهم والخيالات .
 إن أعدائنا لديهم من الخلافات الدينية والسياسية أكثر مما عندنا ، ومع هذا وحدتهم المصالح ، في الوقت الذي لم توحدنا المصلحة ولا العقيدة وهي الأهم ، في الوقت الذي تستباح فيه حرمات أمتنا  ويزداد الأكلة على قصعتها ، ولن ينقذ أمتنا مما تعاني إلا تمسكها بعقيدتها . وتطبيق منهج ربها لأنه الطريق الموصل إلى تحريرها من الذل والهوان والاستعباد ، وهو ما يكفل لها النصر ، قال تعالى : } إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم { .
إن عدم الالتزام بشريعة الله ، أضعف المسلمين وأبعدهم عن مراكز التأثير ومواقع القيادة في العالم فتمكن أعداء الإسلام من السيطرة عليهم يضعون من يشاؤون في المكان الذي يشاؤون ، حتى يضمنوا بقاء السيادة في أيديهم ، فلا تنتقل إلا من لكع إلى لكع أي رديء الحسب والنسب لا يعرف له أصل وقد أخبر النبي e بذلك في الحديث الصحيح فقال : ( ليأتين عليكم أمراء يقرِّبون شرار الناس ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها ، فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن عريفا ولا شرطيا ولا جابيا ولا خازنا ) .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق