قال تعالى :} فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات
فسوف يلقون غيّا {.
59 مريم .
في الآية ما يدل على الالتزام بمنهج
الله ، وتنديد بالضعف والتخاذل والتغيير الذي يعزل الأمة عن منهج ربها ، وقد ذكرت
الآية إضاعة الصلاة لأنهم إذا أضاعوها ،
فهم لسواها من الواجبات أضيع ، فهي عماد الدين وقوامه ، كما بين الله أنهم سيلقون
الشرَّ والعذاب جزاء على معصيتهم وتمردهم ، وقد بين النبي e المنهج القويم لهذه الأمة الذي يحفظ لها وحدتها وشخصيتها ، المتمثلة
بالمنهج الرباني ، فقال ﷺ : ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله
وسنة رسوله ﷺ
)
. رواه مالك .
والأمة الإسلامية كباقي الأمم ، تجري
عليها سنن الله الكونية ، يصيبها ما يصيب الأمم الأخرى ، من وهن وضعف وتمزق
واختلاف ، حتى طمع بها الطامعون ، واعتدى عليها المعتدون ، وتحكَّم فيها الكافرون
، ونست الجهاد وأدمنت واستكانة للرقاد
وفشا فيها الظلم والفساد ، وأُعطيت المناصب فيها لغير أربابها المستحقين
لها ، وأُسندت أعلى المناصب فيها لمن تركوا القتال وأنكروا الجهاد ، فطأطئوا
رؤوسهم وخرست ألسنتهم وانشلّت حركتهم حتى
كاد الجماد يتحرك وينطق وهم لا
ينطقون لأنهم في غيهم يعمهون ، وبالدين
والمسلمين لا يعبأون ، وواقع حالهم ينتظرون أن يفعل بهم ما فُعل بأجدادهم من قبل
التتار ، حيث كان الرجل من التتار يحبس أربعين فرداً من المسلمين ثم يقول لهم
انتظروني لأحضر سيفي فأشبعه فيكم قتلا
فينتظرون ليذبحوا ذبح الشياه ، فتسيل الدماء في شوارع بغداد ، وتختلط بمياه
دجله والفرات ، أمةٌ هذا حالها محالٌ أن تلبي نداء الواجب أو تستجيب لداعي الله
وها نحن نرى إخواناًً لنا في فلسطين يذبحون
والمسلمون يتفرجون ، وكأنهم يحسّنون للذبيحة ولا يتوارون من الفضيحة ، ولا يعبأون
بما يجري في الضفة الجريحة ، وهم على السرر المريحة وقواهم كسيحة ، ويعيشون في
حياتهم كالنطيحة ، فلا الأيدي تنطلق ، ولا الألسنة تنطق ، لنخوة ضاعت وشهامة فقدت ، وإنسانية مُحيت ، ألا يدعو ذلك
للعجب ؟ أن تصبح أمة بيدها كتاب الله في حالة من الفوضى والتخلف الذي حذرنا الله
منه بقوله : } ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم {
الحشر
19.
فنسيان الذات معناه فقدان الهوية ، ومن
فقدها يهيم في هذه الحياة بلا رابطة ولا هدف ، يرفعه عن السائمة التي ترعى ، وفي
هذا نسيان لإنسانية الإنسان لنفسه ، فلا يدخر زاداً للحياة الآخرة وهو ما حذر منه
النبي e
عندما قال : ( يوشك أن يأتي على الناس زمان لا يبقى
من الإسلام إلا اسمه ولا يبقى من القرآن
إلا رسمه ، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدي ، علماؤهم شر من تحت أديم السماء ، من
عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود ) رواه البيهقي في شعب الإيمان .
هذا الحديث يشكل تحذيراً عاماً للأمة
من الانحراف عن هدى محمد e
والانخراط في الفتن .
وأن يتحول الإسلام إلى مجرد طقوس
شكليه والقرآن الكريم إلى مجرد أصوات
جميلة ولحن عذب تستمتع به الآذان دون العقول ، وتعيه الأبصار دون البصائر ، بخلاف
واقع الإسلام في عهده الأول الذي كان عقيدة وقولاً وعملاً ، سعى الرسول e
من خلاله إلى إقامة الأمة الصالحة القادرة على إقامة منهج الله في الأرض ، والعمل
على تبليغه بشتى الوسائل ، وقد اختلفت الحال هذه الأيام لا من حيث تعاليمه
المحفوظة في الكتاب والسنة بل من حيث تطبيقه ، وجمود المسلمين وتمزقهم وتحولهم إلى
شعوب مشرذمة متخلفة ، تجسد صورة سيئة للأمة المتهالكة الموشكة على الفناء ، وكأنها
غثاء السيل كما ذكر النبي e .
إن لم صفوف الأمة وإعادة وحدتها لا يتم
إلا بالتأكيد على الكليات التي يلتقي عليها المسلمون من قواعد الإيمان وأركان الإسلام ونبذ الفرقة وفهم
الواقع والبعد عن الوهم والخيالات .
إن أعدائنا لديهم من الخلافات الدينية والسياسية
أكثر مما عندنا ، ومع هذا وحدتهم المصالح ، في الوقت الذي لم توحدنا المصلحة ولا
العقيدة وهي الأهم ، في الوقت الذي تستباح فيه حرمات أمتنا ويزداد الأكلة على قصعتها ، ولن ينقذ أمتنا مما
تعاني إلا تمسكها بعقيدتها . وتطبيق منهج ربها لأنه الطريق الموصل إلى تحريرها من
الذل والهوان والاستعباد ، وهو ما يكفل لها النصر ، قال تعالى : } إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم { .
إن عدم الالتزام بشريعة الله ، أضعف
المسلمين وأبعدهم عن مراكز التأثير ومواقع القيادة في العالم فتمكن أعداء الإسلام
من السيطرة عليهم يضعون من يشاؤون في المكان الذي يشاؤون ، حتى يضمنوا بقاء
السيادة في أيديهم ، فلا تنتقل إلا من لكع إلى لكع أي رديء الحسب والنسب لا يعرف
له أصل وقد أخبر النبي e
بذلك في الحديث الصحيح فقال : ( ليأتين عليكم أمراء
يقرِّبون شرار الناس ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها ، فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن
عريفا ولا شرطيا ولا جابيا ولا خازنا ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق